صالونات التجميل في السعودية... من «التزيين» إلى محاربة السرطان

جهود للتوعية الصحية تزامناً مع الشهر العالمي للمرض

جانب من جهود التوعية التي تنتشر في المملكة - أحد صالونات التجميل المتضامنة مع حملة سرطان الثدي
جانب من جهود التوعية التي تنتشر في المملكة - أحد صالونات التجميل المتضامنة مع حملة سرطان الثدي
TT

صالونات التجميل في السعودية... من «التزيين» إلى محاربة السرطان

جانب من جهود التوعية التي تنتشر في المملكة - أحد صالونات التجميل المتضامنة مع حملة سرطان الثدي
جانب من جهود التوعية التي تنتشر في المملكة - أحد صالونات التجميل المتضامنة مع حملة سرطان الثدي

لطالما كانت زيارة صالونات التجميل مقتصرة على الراغبات بالزينة وتغيير لون الشعر والخروج بطلة متجددة، إلا أن الجهود النسوية التوعوية في السعودية غيرت مسار هذه الصالونات، لتكون شريكا فاعلا في تثقيف المرأة بأهمية الفحص المبكر عن سرطان الثدي، تزامناً مع شهر أكتوبر (تشرين الأول) المخصص للتوعية العالمية بهذا المرض، من خلال معارض ومحاضرات تتخذ من صالونات التجميل مقرا لها.
وتأتي هذه الجهود تفاعلا مع دعوة أطلقتها شعاع الدحيلان، رئيسة لجنة المشاغل النسائية في الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية، التي أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا التوجه يأتي من منطلق الإيمان بضرورة تفعيل دور صالونات التجميل في التوعية. وقالت: «الصالون هو أكثر مكان تقصده المرأة، وتكون فيه بلا تحفظ، لذا فالواجب أن يكون النافذة الأولى لطرح هذا الموضوع المهم الذي يمس كل امرأة».
وعن عدد صالونات التجميل التي تفاعلت مع هذه المبادرة، أكدت الدحيلان أن عددها كبير وفي كل منطقة، ولكن بتفاوت الجهود، فبعضها اكتفى بالإضاءة الوردية وتعليق شعار الحملة، والبعض الآخر امتد دوره للتوعية والتثقيف المباشر بسرطان الثدي.
إلى ذلك، أوضحت الدكتورة فاطمة الملحم، وكيلة كلية الطب للطالبات بجامعة الدمام مؤسسة حملة «الشرقية وردية» للكشف المبكر عن سرطان الثدي، أن صالونات التجميل على عاتقها مسؤولية كبيرة في التوعية كحال مراكز التجمعات النسوية الأخرى.
وشاركت الملحم في محاضرة توعوية قدمتها في أحد صالونات التجميل بمدينة الخبر، مساء أول من أمس، تناولت فيها رحلة التوعية التي بدأتها قبل نحو 10 سنوات، وقالت: «كنت أول امرأة سعودية تقف في الأسواق للتوعية بأهمية الكشف المبكر، وكانت النساء ينفرن مني ويرفضن الفحص لاعتبارات مغلوطة، لكن سعادتي غامرة اليوم وأنا أرى اللون الوردي هو سيد الموقف».
وتابعت: «قابلت سيدات يشعرن بالذنب حين يعلمن بأنهن مصابات بسرطان الثدي، وهو ما كان يستفزني باعتباري طبيبة أشعة سعودية تحلم بكسر هذا الحاجز النفسي»، مشيرة إلى أن سرطان الثدي موجود ومنتشر، لكن الكشف المبكر يرفع نسب الشفاء إلى ما فوق 97 في المائة، والكشف المبكر هو الحل.
وفي التجمع التوعوي الذي نظمه صالون شعاع بمدينة الخبر، شاركت مجموعة من الفنانات التشكيليات والمصممات السعوديات بأعمال تحاكي فكرة الكشف عن سرطان الثدي، إلى جانب مشاركة طبيبات في تثقيف السيدات بكيفية إجراء الفحص المنزلي المبكر لهذا المرض، وهو ما أثار حماسة مالكات صالونات تجميل أخريات ممن عزمن إقامة فعاليات توعوية مماثلة تخدم تنوير السيدات بآلية اكتشاف المرض منذ البذرة الأولى.
يذكر أن وزارة الصحة السعودية صنّفت سرطان الثدي، بأنه من أكثر أنواع السرطانات شيوعا على مستوى العالم، بعد سرطان الرئة، مبينة أن احتمال إصابة النساء به تصل إلى نسبة 25 في المائة، مشددة على أهمية وعي المجتمع بهذا المرض، الذي أثبتت الدراسات والإحصائيات أنه أكثر شيوعا في السعودية بين السيدات بعمر 40 عاما فما فوق، وأن أكثر من 55 في المائة من حالات السرطان في المملكة تكتشف في مراحل متأخرة، ما يقلل فرصة الشفاء منه.
وبينّت الوزارة أن تصوير الثدي بالماموغرام يساعد في الكشف عن الأورام التي لا يمكن الشعور بها أو كشفها من السيدة نفسها أو من طبيبها بمدة بين 1 و3 سنوات، موضحة أن فحص الثدي بالماموغرام يتضمن إجراء صورتين شعاعيتين أو أكثر لكل ثدي، حيث إن أفضل وسيلة للكشف هو للسيدات اللاتي يبلغن سن 40 عاما فما فوق، وأن الكشف المبكر يقلل من عدد الوفيات الناجمة عن سرطان الثدي ويعتبر آمنا وليس له أي تأثيرات جانبية مهمة، لأن جرعة الأشعة المستخدمة بالتصوير ضئيلة.
وكانت «الصحة» أطلقت حملة «كملي بطولاتك» في جميع مناطق السعودية، تزامنا مع مشاركة دول العالم في تفعيل الأنشطة التوعوية للشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي لعام 2017. وأكدت الوزارة، في أحدث بياناتها، أن نحو 95 في المائة من الحالات عند اكتشافها المبكر يكون علاجها أسرع وأسهل، وتزيد نسبة الشفاء إلى أكثر من 90 في المائة.
وشددت على أن الابتعاد عن تناول حبوب منع الحمل لمدة طويلة والكشف المبكر بالماموغرام بعمر بين 30 و40 سنة في حال وجود تاريخ عائلي بهذا المرض، والكشف الدوري كل سنة إلى سنتين بعمر 40 عاما فما فوق، وتجنب استخدام المعالجة الهرمونية بعد انقطاع الطمث، وممارسة النشاط البدني ما لا يقل عن 30 دقيقة يومياً، وتناول الغذاء الصحي والغني بالخضراوات والفواكه، وتجنب السمنة وزيادة الوزن، كلها عوامل تقلل من احتمال الإصابة بسرطان الثدي.


مقالات ذات صلة

بمشاركة أمهات للمرة الأولى... دنماركية تفوز بمسابقة «ملكة جمال الكون»

يوميات الشرق ملكة جمال الدنمارك فيكتوريا كيير تلوّح بعد فوزها بمسابقة ملكة جمال الكون (أ.ب)

بمشاركة أمهات للمرة الأولى... دنماركية تفوز بمسابقة «ملكة جمال الكون»

تُوجِّت دنماركية تبلغ 21 عاماً بلقب «ملكة جمال الكون»، مساء السبت، خلال هذه المسابقة الجمالية التي نُظِّمت في المكسيك، وشاركت فيها أمهات للمرة الأولى.

«الشرق الأوسط» (مكسيكو سيتي)
يوميات الشرق ملكة جمال تركيا إيديل بلجين (موقع مسابقة ملكة جمال تركيا)

ملكة جمال تركيا تواجه هجوماً ومطالبات بإعادة التاج

واجهت ملكة جمال تركيا، إيديل بلجين، سيلاً من الانتقادات والتعليقات الحادة على منصات التواصل الاجتماعي عقب تتويجها باللقب لعام 2024 من بين 20 متنافسة

سعيد عبد الرازق (أنقرة: )
يوميات الشرق جمانا الراشد الرئيس التنفيذي للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام وباتريك شلهوب رئيس مجموعة شلهوب (الشرق الأوسط)

«هي هَبْ» تتعاون مع «الشلهوب» لإطلاق «ملتقى العناية بالبشرة بدون فلتر»

أعلنت مجموعة شلهوب عن تعاونها مع مؤتمر «هي هَبْ» بنسخته الرابعة لإطلاق ملتقى العناية بالبشرة «بدون فلتر»، الفريد من نوعه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق ميا لورو أول صمّاء تتوج «ملكة جمال لجنوب أفريقيا»... (حساب المسابقة - إنستغرام)

أول ملكة جمال «صمّاء» لجنوب أفريقيا

أصبحت ميا لورو أول صمّاء تتوج بلقب «ملكة جمال جنوب أفريقيا».

«الشرق الأوسط» (كيب تاون)
يوميات الشرق خطوة لكسر النمطية (حساب الملكة في «إنستغرام»)

ملكة جمال إنجلترا تشنُّ حرباً على الصورة النمطية للجسد

تُوِّجت ميلا ماغي بلقب ملكة جمال إنجلترا في مايو الماضي، فوصفتها تقارير بأنها أول ملكة جمال لإنجلترا من ذوات الوزن الزائد... هذه قصتها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)