مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

يكرس د. العيسى جهوده لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)

أضحت الأصولية والتطرف والغلو وبالاً على البشرية في حاضرات أيامنا، ولهذا باتت مسؤولية مكافحتها تقع على عاتق كل فئات المجتمع، وبنوع خاص المسؤولين عن الحواضن الدينية، ومردّ ذلك أن الأديان هي المسلمات المؤكدة، التي يمضي وراءها المؤمنون بها، وحال استقام قادتها في طريق اللقاء والاتفاق وتباعدت عنهم سبل الخلاف والافتراق، فإن الناظر إلى المشهد يدرك أن القادم أفضل وأن المواجهة أنجع وأفعل حال اتحاد الجهود والاتفاق على طيب العقود والعهود من أجل خير الإنسان في كل زمان ومكان.

في هذا السياق لا بد من الوقوف أمام الجهود التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي في الغرب من أجل الوصل الحضاري مع شعوب وأمم العالم، وقد كان مؤتمرها الأخير في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة فاعلة في سبيل بناء مزيد من الجسور للتواصل والتعاطي بطريقة صادقة ممنهجة مع إشكاليات الإسلام والمسلمين في الغرب.
على أن الزيارة التي قام بها أمين عام الرابطة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى إلى حاضرة الفاتيكان واللقاء مع البابا فرنسيس بابا روما، وتالياً مع الكاردينال جان لويس توران رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، قد اكتسبت أهمية ومذاقاً خاصّين في هذا التوقيت الملتهب من جراء خطايا الأصوليين وتطرف المتطرفين في كل أرجاء الأرض ومن كل أتباع الأديان، رغم أن الدين والعنف لا يتفقان، سيما أن الديانات تملك موارد أخلاقية قادرة على المساهمة في الأخوة والسلام.

الرابطة دعوة للوفاق لا للافتراق
تُعرّف رابطة العالم الإسلامي بأنها منظمة إسلامية شعبية عالمية مقرها مكة المكرمة، وتُعنى بالدعوة الإسلامية ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني مع الجميع، وتنسّق الجهود في مجالات التعريف بالإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض الشبهات والافتراءات ضده.
ولعل الذين تابعوا أعمال مؤتمر الرابطة الأخير الذي عُقد في مكة المكرمة في مارس (آذار) الماضي قد توقفوا طويلاً أمام الميثاق الذي صدر عنه، وطالب الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية في العالم الإسلامي بترسيخ القيم العليا في الإسلام الداعية إلى المحبة والبر والتسامح والتعايش والوئام والحيلولة دون أسباب النزاع والفرقة والكراهية، ومن ذلك تفهم سُنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية.
الميثاق نفسه دعا الهيئات والمؤسسات والمراكز الإسلامية الحكومية والأهلية إلى توعية الشباب المسلم بخطر الأفكار المتطرفة والتصدي للرسائل السلبية التي تبثها الوسائل الإعلامية الإرهابية، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي والدخول في تفاصيلها وتفكيكها.
والشاهد أن أهمية ذلك المؤتمر أنه نبّه، ومن جديد، إلى أن الإرهاب ليس قضية مواجهة أمنية أو عسكرية فحسب، على أهمية الأمر هنا، بل هي مواجهة قائمة في عالم افتراضي واسع لا نطاق جغرافياً له، وعليه يمكن حصاره، ومن هنا تتأتى حتمية تضافر الجهود الإنسانية والإيمانية مع جميع أتباع الأديان.

العيسى... الانفتاح الخلاق لا الانغلاق
مَن يصنع الأشياء العظيمة.. الأشخاص أم الأحداث؟ اتفق جمهور العلماء على أن الأشخاص هم الفاعلون الحقيقيون وهم من يخلقون الأحداث ويدفعونها دفعاً نحو الآفاق.
في هذا السياق يعنّ لنا أن نتوقف أمام شخصية الدكتور العيسى الذي يقود اليوم رابطة العالم الإسلامي وفكره المنطلق في الآفاق الذي مهّد الطريق إلى اللقاء في حاضرة الفاتيكان.
يكرس العيسى وقته وجهوده الدائمة لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة ودأبها في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال، ويشدد أبداً ودوماً على التصدي لتيارات الغلو والتطرف، ويدفع لجهة الانفتاح الإيجابي المتوازن على الثقافات والحضارات كافة أخذاً وعطاءً.
ولعل الذين تابعوا الكلمة التي ألقاها الشيخ العيسى في مؤتمر «التعايش الاجتماعي وتنوع الديانات» في مدينة ديربن بجنوب أفريقيا في شهر أبريل (نيسان) الماضي، قد وقر لديهم شعور بأن رابطة العالم الإسلامي تلعب هذه الأيام دوراً ريادياً في محاربة دعوات الكراهية والأصولية.
في كلمته قال الشيخ الدكتور العيسى: «إن الشعوب الواعية وممثلي الأديان والعلماء والمفكرين ومؤسسات التعليم ومنصات التأثير يجب أن تحارب ظاهرة الكراهية التي سببت الكثير من المآسي وأوقدت الكثير من الحروب».
وعند العيسى أيضاً أن التطرف استفاد من ظاهرة الكراهية لأنها دعمت نظرياته وزادت من أتباعه، حيث يقوم الإرهاب على أساس أن الآخر يكرهنا ويحاربنا، وعندما يكون هذا واقعاً فإنه يصدق نظرية الإرهاب، لذلك لا بد من مواجهة الكراهية بعزيمة قوية ووعي كامل بمخاطرها حتى نعيش في سلام.
في هذا الإطار يمكننا أن نطرح علامة استفهام: هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن يوجد الدكتور العيسى على رأس رابطة العالم الإسلامي في الوقت الذي يترأس فيه السدة البطرسية في الفاتيكان فرنسيس الرجل المحبوب من العالم الإسلامي، كظاهرة فريدة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، لا سيما بعد المواقف المشهودة الحاسمة والحازمة إيجاباً لا سلباً تجاه الإسلام والمسلمين عبر سنوات حبريته الأربع الماضية، وقضاياهم المشتعلة، سيما الإسلاموفوبيا البغيضة، تلك التي باتت تطارد جموع المسلمين في أوروبا وأميركا والتي ينكرها الرجل ويدعو إلى ثقافة اللقاء والحوار والنظر إلى الآخر نظرة ملؤها الأخوة والمحبة والسلام؟

فرنسيس والأصولية المنبوذة
تكاد الأرواح تتلاقى بين البابا فرنسيس والدكتور العيسى في طريق مواجهة الأصولية الخطيرة، ففي لقائه مع السفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي أول العام ندد البابا فرنسيس بـ«الجنون القاتل» للإرهاب الأصولي، ودعا مجدداً كل السلطات الدينية والسياسية إلى التوحد في التصدي للمتطرفين.
يذهب بابا روما إلى أننا ندرك، وللأسف، أن الاختيار الديني في يومنا هذا، عوضاً عن الانفتاح على الآخرين، يمكن أن يُستخدم ذريعةً للانغلاق والتهميش والعنف «وقد أشار بنوع خاص إلى الإرهاب الذي يحمل صبغة أصولية»، والذي حصد في العام المنصرم الكثير من الضحايا في مختلف أنحاء العالم، في أفغانستان وبنغلاديش وبلجيكا وبوركينا فاسو ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والعراق ونيجيريا وباكستان والولايات المتحدة الأميركية وتونس وتركيا.
الأصولية التي تقود إلى الإرهاب عند الحبر الأعظم جنون قاتل يسيء استخدام الله من أجل نشر الموت، في محاولة منه لفرض رغبة السيطرة والتسلط، ولهذا أطلق الرجل ذو الرداء الأبيض نداء إلى كل السلطات الدينية كي تتوحد في التأكيد بقوة أنه لا يمكن لأحد أن يقتل باسم الله، معتبراً أن «الإرهاب الأصولي هو ثمرة بؤس روحي ذريع يكون أحياناً مرتبطاً بفقر اجتماعي كبير، ويمكن أن يُهزم بالكامل فقط من خلال إسهام مشترك من قبل القادة الدينيين والسياسيين».
هل من وصية واجبة الوجود يطلقها فرنسيس لكل القادة الدينيين والسياسيين في هذا الإطار؟
من أجل مكافحة خلاقة للأصولية التي تقود إلى الإرهاب يسطر البابا «على هؤلاء واجب نقل القيم الدينية التي لا تقبل أي تناقضات بين مخافة الله ومحبة القريب، ولهؤلاء الأخيرين واجب ضمان الحق في الحرية الدينية في الحيز العام، مقرّين بالإسهام الإيجابي والبنّاء الذي تقدمه من أجل بناء مجتمع مدني لا تعتبر فيه متناقضة الانتماءات الاجتماعية حسب مبدأ المواطنة والبعد الروحي للحياة، ومن مسؤولية الحكام أيضاً أن يَحولوا دون توفر الشروط التي تصير أرضاً خصبة لانتشار الأصولية.

الأصولية خطر كامن في الجماعة الدينية
هل الأصولية التي تسعى رابطة العالم الإسلامي مع الفاتيكان لمواجهتها مقتصرة على دين بعينه أو ملة قائمة بذاتها؟
في لقاء روما الأخير كان الدكتور العيسى يؤكد أنه ليس هناك دين في أصله متطرف، وقد شدد على أن أي دين لا يخلو من بعض الأتباع المتطرفين، مبيناً أن الرابطة ترحب بالتواصل والتعاون مع الفاتيكان من خلال المجلس البابوي في كل ما يحقق الأهداف المشتركة لا سيما نشر السلام والوئام.
يكاد حديث الدكتور العيسى هنا يتطابق بالمطلق مع تصريحات البابا فرنسيس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عبر حديثه لصحيفة «تيرتيو» الكاثوليكية البلجيكية، حينما أشار إلى أن «لكل الأديان جماعات أصولية»، مؤكداً «جميع الأديان، حتى نحن أيضاً».
البابا في حديثه أشار إلى أنه «ليس هناك دين يمكنه إثارة الحرب بحد ذاته فلا يمكن إشعال فتيل الحرب وفقاً لأي دين»، وبالتالي «فإن الإرهاب والحرب لا علاقة لهما بالدين»، بل إنهما يستخدمان تشوهات دينية لتبرير أعمالهما.
تجيء مواقف البابا فرنسيس وسط تصاعد متزايد لليمين المتطرف أوروبياً وأميركياً، وبنوع خاص بدأت أوروبا تستشعر حالة من القلق بعد فوز حزب «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجميع الاتجاهات القومية الشوفينية تجتمع مع القوى الكارهة للإسلام والمسلمين حول ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، والقول بأن الإسلام كدين والمسلمين كمؤمنين هم أصل ومنبع الإرهاب.
هنا نطالع رأياً مغايراً للبابا فرنسيس ضمّنه رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي يصادف الأول من يناير (كانون الثاني) من كل عام، قال فيه بحزم وحسم: «أكرر وبقوة أنه ليس هناك دين إرهابي، وأن العنف تدنيس لاسم الله»، وأردف: «علينا ألا نكلّ أبداً من تكرار أن اسم الله لا يمكنه تبرير العنف مطلقا»، فـ«السلام وحده مقدس، وليست الحرب»، مضيفاً أن «قوة السلاح خادعة» وأن «الكنيسة ملتزمة بتنفيذ استراتيجيات اللاعنف لتعزيز السلام في العديد من البلدان»، وذلك من خلال «حث الجهات الفاعلة الأكثر عنفاً على بذل الجهود لبناء سلام عادل».

البابا والعيسى خدمة السلام ونشر الوئام
في اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس بالشيخ العيسى بدا واضحاً ومن خلال تبادل وجهات النظر حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك أن هناك توجهاً إيجابياً خلاقاً للعمل معاً من أجل صالح السلام والوئام العالمي، وبخاصة التعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي في قضايا السلام والتعايش ونشر المحبة.
لم يكن اللقاء صورياً، سيما أنه قد تم التطرق إلى ضرورة مراجعة التعليم المدرسي لمواجهة الأصولية.
وأمام هذه الجزئية تحديداً نذكّر بما أشار إليه الشيخ العيسى من قبل حين ذهب إلى أن مخالفة حتمية التعايش أنتجت صراع وصدام الحضارات الذي خلّف الكثير من المآسي والحروب، ومن أسباب هذا الصراع تقصير دور التعليم في اتخاذ خطوات إيجابية نحو تحفيز التفكير في عقول الأجيال بعيداً عن البرمجة والتلقين، ووجوب تعليمهم كيف يفكرون وكيف يختارون بعيداً عن البرمجة السلبية التي تصبح أداة سهلة لأي توظيف يدار عن طريق تكثيف التأثير أو إثارة العواطف أو الإيحاء عن طريق ما يسمى العقل الجمعي، ومن هنا يتم خلق الكراهية وسلبيات الصراع الديني والفكري والحضاري لينشأ لاحقاً الصدام والتشدد والتطرف، حيث الكل خاسر.

الرابطة والفاتيكان... ثقافة اللقاء
كم هي ملحة ثقافة اللقاء لعالمنا هذا الذي يبني الجدران أحياناً ويحوّل الكابوس الأسوأ إلى واقع وحقيقة، إلى العيش كأعداء.
لذلك يحيي المتابع عالياً نتائج هذا اللقاء التقدمي الذي يقطع الطريق على دعاة الكراهية والخصام، سيما بعدما قررت الرابطة المؤلفة من 6 أشخاص بالإضافة إلى المعنيين في الدائرة البابوية تعيين «لجنة دائمة مشتركة في المستقبل القريب»، كما ورد في بيان صدر عن الكرسي الرسولي بعد اللقاء، للتنسيق بين الجانبين.
زيارة الدكتور العيسى ووفد رابطة العالم الإسلامي لحاضرة الفاتيكان اعتبرها الكاردينال «توران» مناسبة لفتح صفحة جديدة من الصداقة والتعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي، لمواجهة التحديات والأخطار التي تواجه العالم اليوم وتحتاج إلى تكاتف الجميع.
الزيارة القيمة لوفد الرابطة أيضاً عمدت إلى مقابلة جماعة «سانت إيغيديو» المشهورة ببحثها عن السلام العالمي، ولقاء رئيس لجنة الحوار فيها «أندريا ترينتي» الذي أوضح بدوره أن المنظمة تتطلع من خلال هذه الزيارة إلى فتح آفاق جديدة مع الشرق ليكون السلام هو الهدف الأساسي من هذا التعاون لمواجهة جميع التحديات والعقبات التي تواجه الإنسانية.

هل من خلاصة؟
اللقاء المتميز الأخير يوضح عمق وثقل المسؤولية الملقاة على عاتق رجال الدين وقادة الجمعيات الدينية، هؤلاء قادرون على مساعدة المجتمعات الإنسانية على فهم مبدأ مسؤولية الحماية من التطرف والغلو والأصولية... الديانات تساعد على التمييز بين الخير والشر وعلى ممارسة الخير من خلال الأعمال الحسنة، والصلاة مدعوة إلى بناء ثقافة اللقاء والسلام المصنوعة من الصبر والتفاهم والخطوات المتواضعة والملموسة.
المشاعر الدينية الحقيقية بعيدة كل البعد عن العنف، ومن هذا المنطلق يتعين على القادة الدينيين أن يعززوا الإقرار في الإرث القانوني العالمي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم الدينية الحقيقية...
المحبة والتضامن والحوار واحترام الآخرين... الحل وبداية الطريق لمواجهة الأصولية الشريرة.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.