مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

يكرس د. العيسى جهوده لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)

أضحت الأصولية والتطرف والغلو وبالاً على البشرية في حاضرات أيامنا، ولهذا باتت مسؤولية مكافحتها تقع على عاتق كل فئات المجتمع، وبنوع خاص المسؤولين عن الحواضن الدينية، ومردّ ذلك أن الأديان هي المسلمات المؤكدة، التي يمضي وراءها المؤمنون بها، وحال استقام قادتها في طريق اللقاء والاتفاق وتباعدت عنهم سبل الخلاف والافتراق، فإن الناظر إلى المشهد يدرك أن القادم أفضل وأن المواجهة أنجع وأفعل حال اتحاد الجهود والاتفاق على طيب العقود والعهود من أجل خير الإنسان في كل زمان ومكان.

في هذا السياق لا بد من الوقوف أمام الجهود التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي في الغرب من أجل الوصل الحضاري مع شعوب وأمم العالم، وقد كان مؤتمرها الأخير في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة فاعلة في سبيل بناء مزيد من الجسور للتواصل والتعاطي بطريقة صادقة ممنهجة مع إشكاليات الإسلام والمسلمين في الغرب.
على أن الزيارة التي قام بها أمين عام الرابطة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى إلى حاضرة الفاتيكان واللقاء مع البابا فرنسيس بابا روما، وتالياً مع الكاردينال جان لويس توران رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، قد اكتسبت أهمية ومذاقاً خاصّين في هذا التوقيت الملتهب من جراء خطايا الأصوليين وتطرف المتطرفين في كل أرجاء الأرض ومن كل أتباع الأديان، رغم أن الدين والعنف لا يتفقان، سيما أن الديانات تملك موارد أخلاقية قادرة على المساهمة في الأخوة والسلام.

الرابطة دعوة للوفاق لا للافتراق
تُعرّف رابطة العالم الإسلامي بأنها منظمة إسلامية شعبية عالمية مقرها مكة المكرمة، وتُعنى بالدعوة الإسلامية ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني مع الجميع، وتنسّق الجهود في مجالات التعريف بالإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض الشبهات والافتراءات ضده.
ولعل الذين تابعوا أعمال مؤتمر الرابطة الأخير الذي عُقد في مكة المكرمة في مارس (آذار) الماضي قد توقفوا طويلاً أمام الميثاق الذي صدر عنه، وطالب الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية في العالم الإسلامي بترسيخ القيم العليا في الإسلام الداعية إلى المحبة والبر والتسامح والتعايش والوئام والحيلولة دون أسباب النزاع والفرقة والكراهية، ومن ذلك تفهم سُنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية.
الميثاق نفسه دعا الهيئات والمؤسسات والمراكز الإسلامية الحكومية والأهلية إلى توعية الشباب المسلم بخطر الأفكار المتطرفة والتصدي للرسائل السلبية التي تبثها الوسائل الإعلامية الإرهابية، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي والدخول في تفاصيلها وتفكيكها.
والشاهد أن أهمية ذلك المؤتمر أنه نبّه، ومن جديد، إلى أن الإرهاب ليس قضية مواجهة أمنية أو عسكرية فحسب، على أهمية الأمر هنا، بل هي مواجهة قائمة في عالم افتراضي واسع لا نطاق جغرافياً له، وعليه يمكن حصاره، ومن هنا تتأتى حتمية تضافر الجهود الإنسانية والإيمانية مع جميع أتباع الأديان.

العيسى... الانفتاح الخلاق لا الانغلاق
مَن يصنع الأشياء العظيمة.. الأشخاص أم الأحداث؟ اتفق جمهور العلماء على أن الأشخاص هم الفاعلون الحقيقيون وهم من يخلقون الأحداث ويدفعونها دفعاً نحو الآفاق.
في هذا السياق يعنّ لنا أن نتوقف أمام شخصية الدكتور العيسى الذي يقود اليوم رابطة العالم الإسلامي وفكره المنطلق في الآفاق الذي مهّد الطريق إلى اللقاء في حاضرة الفاتيكان.
يكرس العيسى وقته وجهوده الدائمة لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة ودأبها في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال، ويشدد أبداً ودوماً على التصدي لتيارات الغلو والتطرف، ويدفع لجهة الانفتاح الإيجابي المتوازن على الثقافات والحضارات كافة أخذاً وعطاءً.
ولعل الذين تابعوا الكلمة التي ألقاها الشيخ العيسى في مؤتمر «التعايش الاجتماعي وتنوع الديانات» في مدينة ديربن بجنوب أفريقيا في شهر أبريل (نيسان) الماضي، قد وقر لديهم شعور بأن رابطة العالم الإسلامي تلعب هذه الأيام دوراً ريادياً في محاربة دعوات الكراهية والأصولية.
في كلمته قال الشيخ الدكتور العيسى: «إن الشعوب الواعية وممثلي الأديان والعلماء والمفكرين ومؤسسات التعليم ومنصات التأثير يجب أن تحارب ظاهرة الكراهية التي سببت الكثير من المآسي وأوقدت الكثير من الحروب».
وعند العيسى أيضاً أن التطرف استفاد من ظاهرة الكراهية لأنها دعمت نظرياته وزادت من أتباعه، حيث يقوم الإرهاب على أساس أن الآخر يكرهنا ويحاربنا، وعندما يكون هذا واقعاً فإنه يصدق نظرية الإرهاب، لذلك لا بد من مواجهة الكراهية بعزيمة قوية ووعي كامل بمخاطرها حتى نعيش في سلام.
في هذا الإطار يمكننا أن نطرح علامة استفهام: هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن يوجد الدكتور العيسى على رأس رابطة العالم الإسلامي في الوقت الذي يترأس فيه السدة البطرسية في الفاتيكان فرنسيس الرجل المحبوب من العالم الإسلامي، كظاهرة فريدة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، لا سيما بعد المواقف المشهودة الحاسمة والحازمة إيجاباً لا سلباً تجاه الإسلام والمسلمين عبر سنوات حبريته الأربع الماضية، وقضاياهم المشتعلة، سيما الإسلاموفوبيا البغيضة، تلك التي باتت تطارد جموع المسلمين في أوروبا وأميركا والتي ينكرها الرجل ويدعو إلى ثقافة اللقاء والحوار والنظر إلى الآخر نظرة ملؤها الأخوة والمحبة والسلام؟

فرنسيس والأصولية المنبوذة
تكاد الأرواح تتلاقى بين البابا فرنسيس والدكتور العيسى في طريق مواجهة الأصولية الخطيرة، ففي لقائه مع السفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي أول العام ندد البابا فرنسيس بـ«الجنون القاتل» للإرهاب الأصولي، ودعا مجدداً كل السلطات الدينية والسياسية إلى التوحد في التصدي للمتطرفين.
يذهب بابا روما إلى أننا ندرك، وللأسف، أن الاختيار الديني في يومنا هذا، عوضاً عن الانفتاح على الآخرين، يمكن أن يُستخدم ذريعةً للانغلاق والتهميش والعنف «وقد أشار بنوع خاص إلى الإرهاب الذي يحمل صبغة أصولية»، والذي حصد في العام المنصرم الكثير من الضحايا في مختلف أنحاء العالم، في أفغانستان وبنغلاديش وبلجيكا وبوركينا فاسو ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والعراق ونيجيريا وباكستان والولايات المتحدة الأميركية وتونس وتركيا.
الأصولية التي تقود إلى الإرهاب عند الحبر الأعظم جنون قاتل يسيء استخدام الله من أجل نشر الموت، في محاولة منه لفرض رغبة السيطرة والتسلط، ولهذا أطلق الرجل ذو الرداء الأبيض نداء إلى كل السلطات الدينية كي تتوحد في التأكيد بقوة أنه لا يمكن لأحد أن يقتل باسم الله، معتبراً أن «الإرهاب الأصولي هو ثمرة بؤس روحي ذريع يكون أحياناً مرتبطاً بفقر اجتماعي كبير، ويمكن أن يُهزم بالكامل فقط من خلال إسهام مشترك من قبل القادة الدينيين والسياسيين».
هل من وصية واجبة الوجود يطلقها فرنسيس لكل القادة الدينيين والسياسيين في هذا الإطار؟
من أجل مكافحة خلاقة للأصولية التي تقود إلى الإرهاب يسطر البابا «على هؤلاء واجب نقل القيم الدينية التي لا تقبل أي تناقضات بين مخافة الله ومحبة القريب، ولهؤلاء الأخيرين واجب ضمان الحق في الحرية الدينية في الحيز العام، مقرّين بالإسهام الإيجابي والبنّاء الذي تقدمه من أجل بناء مجتمع مدني لا تعتبر فيه متناقضة الانتماءات الاجتماعية حسب مبدأ المواطنة والبعد الروحي للحياة، ومن مسؤولية الحكام أيضاً أن يَحولوا دون توفر الشروط التي تصير أرضاً خصبة لانتشار الأصولية.

الأصولية خطر كامن في الجماعة الدينية
هل الأصولية التي تسعى رابطة العالم الإسلامي مع الفاتيكان لمواجهتها مقتصرة على دين بعينه أو ملة قائمة بذاتها؟
في لقاء روما الأخير كان الدكتور العيسى يؤكد أنه ليس هناك دين في أصله متطرف، وقد شدد على أن أي دين لا يخلو من بعض الأتباع المتطرفين، مبيناً أن الرابطة ترحب بالتواصل والتعاون مع الفاتيكان من خلال المجلس البابوي في كل ما يحقق الأهداف المشتركة لا سيما نشر السلام والوئام.
يكاد حديث الدكتور العيسى هنا يتطابق بالمطلق مع تصريحات البابا فرنسيس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عبر حديثه لصحيفة «تيرتيو» الكاثوليكية البلجيكية، حينما أشار إلى أن «لكل الأديان جماعات أصولية»، مؤكداً «جميع الأديان، حتى نحن أيضاً».
البابا في حديثه أشار إلى أنه «ليس هناك دين يمكنه إثارة الحرب بحد ذاته فلا يمكن إشعال فتيل الحرب وفقاً لأي دين»، وبالتالي «فإن الإرهاب والحرب لا علاقة لهما بالدين»، بل إنهما يستخدمان تشوهات دينية لتبرير أعمالهما.
تجيء مواقف البابا فرنسيس وسط تصاعد متزايد لليمين المتطرف أوروبياً وأميركياً، وبنوع خاص بدأت أوروبا تستشعر حالة من القلق بعد فوز حزب «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجميع الاتجاهات القومية الشوفينية تجتمع مع القوى الكارهة للإسلام والمسلمين حول ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، والقول بأن الإسلام كدين والمسلمين كمؤمنين هم أصل ومنبع الإرهاب.
هنا نطالع رأياً مغايراً للبابا فرنسيس ضمّنه رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي يصادف الأول من يناير (كانون الثاني) من كل عام، قال فيه بحزم وحسم: «أكرر وبقوة أنه ليس هناك دين إرهابي، وأن العنف تدنيس لاسم الله»، وأردف: «علينا ألا نكلّ أبداً من تكرار أن اسم الله لا يمكنه تبرير العنف مطلقا»، فـ«السلام وحده مقدس، وليست الحرب»، مضيفاً أن «قوة السلاح خادعة» وأن «الكنيسة ملتزمة بتنفيذ استراتيجيات اللاعنف لتعزيز السلام في العديد من البلدان»، وذلك من خلال «حث الجهات الفاعلة الأكثر عنفاً على بذل الجهود لبناء سلام عادل».

البابا والعيسى خدمة السلام ونشر الوئام
في اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس بالشيخ العيسى بدا واضحاً ومن خلال تبادل وجهات النظر حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك أن هناك توجهاً إيجابياً خلاقاً للعمل معاً من أجل صالح السلام والوئام العالمي، وبخاصة التعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي في قضايا السلام والتعايش ونشر المحبة.
لم يكن اللقاء صورياً، سيما أنه قد تم التطرق إلى ضرورة مراجعة التعليم المدرسي لمواجهة الأصولية.
وأمام هذه الجزئية تحديداً نذكّر بما أشار إليه الشيخ العيسى من قبل حين ذهب إلى أن مخالفة حتمية التعايش أنتجت صراع وصدام الحضارات الذي خلّف الكثير من المآسي والحروب، ومن أسباب هذا الصراع تقصير دور التعليم في اتخاذ خطوات إيجابية نحو تحفيز التفكير في عقول الأجيال بعيداً عن البرمجة والتلقين، ووجوب تعليمهم كيف يفكرون وكيف يختارون بعيداً عن البرمجة السلبية التي تصبح أداة سهلة لأي توظيف يدار عن طريق تكثيف التأثير أو إثارة العواطف أو الإيحاء عن طريق ما يسمى العقل الجمعي، ومن هنا يتم خلق الكراهية وسلبيات الصراع الديني والفكري والحضاري لينشأ لاحقاً الصدام والتشدد والتطرف، حيث الكل خاسر.

الرابطة والفاتيكان... ثقافة اللقاء
كم هي ملحة ثقافة اللقاء لعالمنا هذا الذي يبني الجدران أحياناً ويحوّل الكابوس الأسوأ إلى واقع وحقيقة، إلى العيش كأعداء.
لذلك يحيي المتابع عالياً نتائج هذا اللقاء التقدمي الذي يقطع الطريق على دعاة الكراهية والخصام، سيما بعدما قررت الرابطة المؤلفة من 6 أشخاص بالإضافة إلى المعنيين في الدائرة البابوية تعيين «لجنة دائمة مشتركة في المستقبل القريب»، كما ورد في بيان صدر عن الكرسي الرسولي بعد اللقاء، للتنسيق بين الجانبين.
زيارة الدكتور العيسى ووفد رابطة العالم الإسلامي لحاضرة الفاتيكان اعتبرها الكاردينال «توران» مناسبة لفتح صفحة جديدة من الصداقة والتعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي، لمواجهة التحديات والأخطار التي تواجه العالم اليوم وتحتاج إلى تكاتف الجميع.
الزيارة القيمة لوفد الرابطة أيضاً عمدت إلى مقابلة جماعة «سانت إيغيديو» المشهورة ببحثها عن السلام العالمي، ولقاء رئيس لجنة الحوار فيها «أندريا ترينتي» الذي أوضح بدوره أن المنظمة تتطلع من خلال هذه الزيارة إلى فتح آفاق جديدة مع الشرق ليكون السلام هو الهدف الأساسي من هذا التعاون لمواجهة جميع التحديات والعقبات التي تواجه الإنسانية.

هل من خلاصة؟
اللقاء المتميز الأخير يوضح عمق وثقل المسؤولية الملقاة على عاتق رجال الدين وقادة الجمعيات الدينية، هؤلاء قادرون على مساعدة المجتمعات الإنسانية على فهم مبدأ مسؤولية الحماية من التطرف والغلو والأصولية... الديانات تساعد على التمييز بين الخير والشر وعلى ممارسة الخير من خلال الأعمال الحسنة، والصلاة مدعوة إلى بناء ثقافة اللقاء والسلام المصنوعة من الصبر والتفاهم والخطوات المتواضعة والملموسة.
المشاعر الدينية الحقيقية بعيدة كل البعد عن العنف، ومن هذا المنطلق يتعين على القادة الدينيين أن يعززوا الإقرار في الإرث القانوني العالمي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم الدينية الحقيقية...
المحبة والتضامن والحوار واحترام الآخرين... الحل وبداية الطريق لمواجهة الأصولية الشريرة.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.