«الهجرة غير الشرعية» و«التطرف الديني» يتصدران أجندة أفلام «مهرجان الإسكندرية»

بمشاركة 25 دولة عربية وأجنبية

 شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان
شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان
TT

«الهجرة غير الشرعية» و«التطرف الديني» يتصدران أجندة أفلام «مهرجان الإسكندرية»

 شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان
شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان

تحت شعار «السينما والهجرة غير الشرعية» تتواصل عروض الدورة الثالثة والثلاثين من «مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط»، الذي تقيمه الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، برئاسة الناقد الأمير أباظة.
وتحمل دورة هذا العام اسم الفنان المصري حسين فهمي، تقديراً لمسيرته ومشواره السينمائي الذي امتد قرابة نصف قرن، وتعرض 80 فيلماً من 25 دولة، بمشاركة عدد كبير من نجوم وصناع السينما العرب والأجانب.
وطالَب الفنان حسين فهمي، بتكريم الفنان الراحل محمود عبد العزيز، وتسمية المهرجان باسمه هذا العام، وقال: «لم يسبق تكريمه من قبل، ولم تحمل أي دورة في أي مهرجان اسمه»، لافتا إلى أنه اختار فيلم «العار»، الذي شاركه في بطولته عبد العزيز، لعرضه بالمهرجان، نوعاً من التكريم والوفاء له.
ووعد الأمير أباظة، رئيس المهرجان، إطلاق اسم الفنان محمود عبد العزيز على الدورة المقبلة من المهرجان.
وكرم المهرجان المخرج الإسباني أوسكار إبيار، والمخرج التونسي فريد بوغدير، والمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي، إضافة إلى المخرج خالد يوسف، والممثلة صفية العمري، ومدير التصوير عصام فريد، والناقدة نعمة الله حسين من مصر.
وبدأ مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، قبل سنوات قليلة، تقليداً جديداً، بإطلاق اسم الفنانين المصريين على دوراته، وكان من بينهم نور الشريف ومحمود ياسين ويسرا. وتحلّ إسبانيا ضيف شرف الدورة الحالية من المهرجان.
ويصنف المهرجان بأنه مهرجان دولي سنوي، افتُتِح للمرة الأولى عام 1979، وترعاه وزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع محافظة الإسكندرية.
من جهته، قال المخرج التونسي فريد بوغدير، أثناء تكريمه بالمهرجان: «أعتبر نفسي واحداً من أبناء يوسف شاهين»، مؤكداً أن تكريمه بالإسكندرية هو «(عودة الابن الضال)، وإذا سألوني: لماذا لا تذهب إلى (الإسكندرية نيويورك)، سأقول لهم: (الإسكندرية كمان وكمان)» (في إشارة إلى أسماء أفلام يوسف شاهين الشهيرة).
ورغم عرض الفيلم المصري «مولانا» في دور العرض السينمائية بمصر ولبنان قبل عدة شهور، وعرضه بمهرجانات دولية سابقة، أصرت إدارة مهرجان الإسكندرية على عرضه بالمهرجان، لإتاحة الفرصة للجمهور للاستمتاع بالفيلم، وفقاً لتصريحات مدير المهرجان، الناقد الأمير أباظة، وعُقِدت ندوة عقب عرض الفيلم أدارها الناقد سمير شحاتة، وقال الكاتب الصحافي إبراهيم عيسى، مؤلف فيلم «مولانا» خلال الندوة: «هذا الفيلم أول عمل يقدم البطل المعمم كإنسان وبشر»، موضحاً أن «الإيرادات بالنسبة له ليست معياراً وحيداً للنجاح، حيث لم تعد حجة (الجمهور عايز كده) قائمة حتى الآن». وأكد عيسى أن «مولانا» حقق إيرادات أكثر من أفلام محمد رمضان.
وأضاف عيسى خلال الندوة قائلاً: «إن شخصية بطل الفيلم (الشيخ حاتم) ستظل ملتصقة بالفنان عمرو سعد لسنوات طويلة»، وقدم له التحية على جرأته في تقديم هذه الشخصية.
وقال المخرج مجدي أحمد علي، مخرج فيلم «مولانا»: «عدتُ أخيراً من الولايات المتحدة الأميركية بعد عرض الفيلم على أعضاء (غولدن غلوب)، وأشادوا جدّاً بعمرو سعد، ووصفوه بأنه ممثل له مقاييس العالمية، ويلعب علي التفاصيل، حيث أحضر شيخ علمه طريقة المشايخ في قراءة القرآن والأحاديث».
وأضاف مجدي قائلاً: «تم منع الفيلم من العرض في جميع الدول العربية باستثناء لبنان حيث عرض بها بعد أن تم حذف 14 دقيقة منه، لذلك أنا فخور جدا بسماح الرقابة في مصر بعرض الفيلم، رغم حالة التعقيد الذي يمر به الوضع في مصر».
وقال الناقد نادر عدلي لـ«الشرق الأوسط»: «الدورة الحالية من المهرجان، تناقش قضايا مهمة يمر بها العالم العربي، مثل الهجرة غير الشرعية والتطرف الديني، وهى قضية خطيرة تفرض نفسها على العالم العربي الآن». وأضاف عدلي قائلاً: «يتميز مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط، بالحفاظ على طابعه الخاص بأفلام دول الإقليم الجغرافي للبحر المتوسط، حيث يشارك بالمهرجان نحو 60 فيلماً سينمائياً من دول البحر المتوسط، من أصل 80 فيلماً مشاركاً بالمهرجان».
وتابع عدلي قائلاً: «تتميز الدورة الحالية بالحضور الجماهيري الكبير، حيث اكتظت قاعات العرض بالجماهير العاشقة للسينما بالإضافة إلى ندوات مناقشة الأفلام التي تفتح الباب أمام الجمهور لمعرفة كواليس ومشكلات الأفلام، التي يشاهدونها للمرة الأولى وهذه نقطة تميز أخرى للمهرجان».
ولفت قائلاً: «يوجد عدد كبير من المهرجانات في مصر، لكن أغلبها يفتقد الحضور الجماهيري، لكنّ جماهير الإسكندرية تقبل على العروض بشكل منتظم». وأوضح عدلي قائلاً: «الدورة الحالية تتميز بالتنظيم الجيد وبدء العروض في موعدها دون تأخير، مع إلغاء الحفلات المسائية للوفود المشاركة في المهرجان، وهو تقليد مصري قديم، وهذا في رأيي شيء جيد لأن هذه الحفلات كانت تتعارض مع توقيت عروض الأفلام المسائية».
ينافس في مسابقة «الأفلام الطويلة» بالمهرجان عدد من الأفلام العربية والأجنبية مثل: فيلم «Dead Fish» (الأسماك الميتة تطفو) من دولة البوسنة إخراج كريستيجان ميلك، وفيلم «Ministry of Love» (وزارة الحب) من دولة كورواتيا إخراج بافو مارينكوفيتش، وفيلم «Boy on the Bridge» (صبى على الجسر)، من دولة قبرص إخراج بيتروس تشارالامبوس، وفيلم «Listen» (اسمعي)، من دولة لبنان إخراج فيليب أراكتينجي، وفيلم «Light in the dark» من دولة المغرب إخراج خولة بن عم، وفيلم «رجل وثلاثة أيام»، من دولة سوريا إخراج جود سعيد وفيلم «زهرة حلب» من دولة تونس إخراج رضا باهي، مع عدد آخر من الأفلام.
فعاليات مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط، شهدت أيضاً عرض ومناقشة الفيلم التونسي «أغسطينوس ابن دموعها»، وسط حضور جماهيري كبير، وهو العمل الحائز على دعم وزارتي الثقافة التونسية والجزائرية، وقال منتج الفيلم عماد دبور: «إن الفيلم يعد العمل الأول للإنتاج المشترك بين 4 دول عربية».
من جهته، قال مخرج الفيلم سمير سيف خلال الندوة: «عندما عُرض عليَّ الفيلم رحبتُ به، خصوصاً أن الفكرة تطرح مزيجاً بين قصتين، قديماً وحديثاً بطريقة شديدة الحرفية، وأكثر ما شجعني فكرة أن يكون هناك إنتاج عربي مشترك يتحدث عن مجموعة من الأديان بمنتهى المحبة، حتى نمحو من أذهان العالم أننا نصدِّر أفلاماً نتحدث من خلالها عن الإرهاب فقط».
يُشار إلى أن فيلم «أغسطينوس ابن دموعها»، بدأ عرضه بالجزائر وتونس، وينتظر صناعه التعاقد مع شركة توزيع مصرية لعرضه تجاريّاً بمصر.
الفيلم السوري «رجل وثلاثة أيام»، المشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة ويلعب بطولته محمد الأحمد، وربا الحلبي، ولمى الحكيم، وعبد المنعم عمايري، وإخراج جود سعيد، تم عرضه لأول مرة بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، ويتناول الفيلم الأزمة السورية من منظور إنساني، من خلال شخصية «مجد»، وهو مخرج يدعي الشهرة، وتتسم شخصيته بالأنانية، قبل أن تتحول للنقيض بعد استشهاد ابن خاله الضابط في الجيش السوري، حيث يتصل به خاله ليحضر جثة «بيرم» للضيعة التي يعيش بها، وعلى مدار ثلاثة أيام تفشل محاولات مجد لنقل الجثمان من دمشق للضيعة بسبب صعوبة الإجراءات، فيضطر إلى أن تبقى الجثة معه، وخلال هذه الأيام يتغير فكر وشخصية مجد للنقيض، حيث يعرض الفيلم فلسفة كيف يستطيع ميت أن يعيد الحياة لمن ماتوا وهم على قيد الحياة.
وقال محمد الأحمد، بطل الفيلم الذي سبق له التمثيل في مسلسل «غرابيب سود»، خلال الندوة التي أقيمت عقب عرض الفيلم: «إن الحرب السورية ليست حرباً بالرصاص والدم فقط، ولكنها نفسية أيضا، وتؤدي إلى اضطرابات في العلاقات الإنسانية، لذلك حاولنا أن نقدم قصة بسيطة بمضمون عميق لتوصيل رسالة معينة وتوثيق على شريط السينما».
قضية الهجرة غير الشرعية كانت حاضرة بقوة في الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان، لا سيما أن المهرجان قد اتخذ منها شعاراً له هذا العام، وأُقيمت على هامش فعاليات العروض السينمائية ندوة حول هذه القضية الشائكة التي تؤرق الكثير من الدول العربية والأوروبية، أدارتها الدكتورة رانيا يحيى، بحضور المخرج الفلسطيني فايق جرادة، والسيناريست المصري ناصر عبد الرحمن، إلى جانب حضور كثير من جمهور وفناني المهرجان.
وتحدث جرادة عن الفيلم الفلسطيني «مراكب الموت» الذي يُوثِّق ثلاثة تجارب لأشخاص اضطر أصحابها للهجرة قائلاً: «يتعرض كثير من المهاجرين لحالات إنسانية صعبة، عندما يتجهون إلى أوروبا وكأنها الجنة أو المدينة الفاضلة، ولكنها ليست كذلك».
وأضاف جرادة قائلاً: «إن تنظيم داعش أصلُه فكرة، وليس سلاحاً أو قوة، والسينما لها دور كبير في القضاء على هذا الفكر».
في غضون ذلك احتفى المهرجان أيضاً بمئوية ميلاد «فارس السينما المصرية»، الفنان أحمد مظهر، من خلال ندوة قدمها الناقد أشرف غريب، وفي بداية الندوة تم عرض فيلم تسجيلي عنه رصد جوانب حياته العسكرية والفنية الطويلة، وقال أشرف غريب في الندوة: «نحتفي بالفنان الكبير، ليس لأنه صاحب 98 فيلماً يُعدّ أغلبها من كلاسيكيات السينما المصرية والعربية فقط، بل لأنه أيضاً أحد الضباط الأحرار الذين شاركوا في الإعداد لثورة يوليو (تموز) 1952، وكان الضباط يجتمعون في بيته، بالإضافة إلى أنه كان بطلاً لرياضة الفروسية التي حقق فيها نجاحات كثيرة».
وطالب أشرف غريب بضرورة أن تتنبه جهات الدولة لذكرى ميلاده المئوية، وتعطيه حقه كفنان وطني شجاع»، ولفت قائلاً: «قبيل وفاته قامت وزارة الإسكان بتحطيم مزرعته بكل ما فيها من نباتات نادرة من أجل مشروع المحور».

*********** *************** *******************
*********** *************** *******************
*********** *************** *******************
*********** *************** *******************
*********** *************** *******************
الصور المصاحبة:
*********** *************** *******************

1- جانب من حفل افتتاح الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان «الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط»

2- الفنان حسين فهمي يلقي كلمة بمناسبة تكريمه وإطلاق اسمه على الدورة الحالية
3- شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».