الغزيون يفضلون الأسماك على اللحوم... و«الحسبة» باب رزق مفتوح على البحر

يصطادون في ظروف صعبة ويبيعون بأسعار أقل من دول الجوار

داخل «الحسبة» في غزة باعة ومشترون وأسماك يطلبها الجميع
داخل «الحسبة» في غزة باعة ومشترون وأسماك يطلبها الجميع
TT

الغزيون يفضلون الأسماك على اللحوم... و«الحسبة» باب رزق مفتوح على البحر

داخل «الحسبة» في غزة باعة ومشترون وأسماك يطلبها الجميع
داخل «الحسبة» في غزة باعة ومشترون وأسماك يطلبها الجميع

ما إن تعلن عقارب الساعة الخامسة والنصف فجراً، حتى يغادر أحمد مقداد منزل عائلته في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ويقود عربته الصغيرة التي يجرها حمار، إلى ما يعرف بـ«الحسبة» (سوق السمك) قرب ميناء غزة جنوب غربي المدينة، لشراء أنواع مختلفة من الأسماك التي يأتي بها الصيادون، ويقوم بدوره ببيعها للذين يفضلون الأسماك على أنواع كثيرة من الطعام.
والأسماك بكل أنواعها تمثل قيمة غذائية عالية لسكان قطاع غزة الذين يفضلونها في كثير من الأحيان، على اللحوم، ويجعلون منها وجبة دائمة على موائدهم، وفي المناسبات العائلية الصغيرة.
وينقل مقداد ما يشتريه من أسماك بعربته إلى سوق مخيم الشاطئ التي يأتيها مواطنون من مختلف المناطق للحصول على أسماك طازجة، ويعمل على بيع ما اشتراه، في غضون ثلاث إلى خمس ساعات.
ويقول مقداد إنه امتهن بيع الأسماك عن والده منذ ما يزيد على 13 عاماً، ولكنه لظروف مادية صعبة، لم يستطِع شراء قارب صيد من صنع محلي، للعمل عليه بنفسه مع آخرين، وتحقيق ربح مادي أكبر.
ولفت إلى أنه يُضطَر لشراء الأسماك من الصيادين الذين يملكون قوارب صيد، ويفضلون بيع ما يصطادونه إلى التجار الذين بدورهم يقومون ببيع السمك لعامة المواطنين، مشيراً إلى أنه يحقق ربحاً مادياً بسيطاً، لكنه يستطيع من خلاله توفير قوت يومه لعائلته المكونة من 9 أشخاص، يحتاجون إلى مصاريف التعليم وتوفير احتياجاتهم من مأكل ومشرب وغيره.
وتقل أسعار السمك في قطاع غزة عن غيرها من المناطق الفلسطينية، وحتى عن أسعاره في دول الجوار. ويقول مقداد إن الأسعار تختلف حسب نوع السمك، لكن أسعارها تبقى الأقل إجمالاً، لأسباب مختلفة، أبرزها أن الأيدي العاملة الغزية كثيرة، وما تتلقاه لقاء عملها أقل مما هو عليه في مناطق أخرى خارج القطاع. وينطبق هذا على كثير من الأعمال الأخرى.
أما عبد الله الهسي، فهو صياد يعمل على قارب يملكه. غير أنه ونظراءه، يواجهون كثيراً من المصاعب كما يقول. ويُرجِع ذلك إلى إجراءات الاحتلال، وحرمانهم من الصيد في مناطق أوسع من التي يسمح لهم، حالياً، بالصيد فيها، وتصل إلى ستة أميال، وفي بعض الأحيان إلى تسعة بدلاً من 12 ميلاً، وفق اتفاق أوسلو.
ويشير الهسي إلى أنه ما قبل عام 2004، كان يسمح للصيادين بالصيد في مساحة 12 ميلاً، إلا أن الأمور تعقدت مع تصاعد أحداث انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، وراحت إسرائيل تقلص من مساحات الصيد وتتحكم به.
ولفت الهسي إلى أنه ومعه كثير من الصيادين يغادرون منازلهم ليلاً، ويبدأون في ساعات الفجر الأولى رحلة صيد تكون قاسية في أغلب الأيام، إما لبرودة الطقس، أو بسبب إجراءات الاحتلال واستهدافها المتكرر للصيادين، وتعرض قواربهم لإطلاق النار، مشيراً إلى عوامل أخرى تتسبب، أحياناً، في فشل موسم الصيد، منها نقص كميات الأسماك نفسها، نتيجة للصيد في مساحات ضيقة.
وذكر أنه لا يبيع ما يصطاده من الأسماك في الأسواق، بل لتجار باعة يدفعون ثمناً معقولاً ومقبولاً من الطرفين.
ونوه بأن أسعار أنواع الأسماك تكون جيدة ومتناسبة مع الحياة الصعبة في غزة، في ظل فرض إسرائيل حصار خانق على القطاع منذ أحد عشر عاماً، وتراجُعِ دخل الفرد، والأزمات المتلاحقة التي يمر بها القطاع.
وتتراوح أسعار الأسماك عادة بين 10 شواقل و40 شيقل، أي ما يعادل 3 دولارات إلى 12 دولاراً.
ويقول أيمن ضاهر، وهو من سكان حي الشجاعية شرق غزة، إنه يذهب إلى «حسبة السمك» أكثر من 4 مرات في الأسبوع لشراء أسماك مختلفة. وإن عائلته تفضل الأسماك في وجبات الطعام، على الدواجن واللحوم، وإن زوجته تعده بطرق مختلفة تزيد الشهية.
وأكد بدوره أن أسعار بيع الأسماك تناسب المواطنين كثيرا مقارنةً باللحوم. ولفت إلى أن هناك ثلاثة أشهر تنتشر فيها أسماك معروفة باسم «الجلمبات» ويسميها الصيادون «سرطان البحر»، مشيراً إلى أن هذه النوعية من الأسماك مرغوبة جدّاً للمواطنين، وتعد مفيدة صحياً بشكل كبير، وأن الصيادين يستفيدون كثيراً مادياً في هذه الفترة بحكم الإقبال الشديد على هذا النوع من الأسماك.


مقالات ذات صلة

«خديعة» لردع أسماك القرش عن مهاجمة ركّاب الأمواج

يوميات الشرق أمكن لعشّاق الموج «الاطمئنان» (شاترستوك)

«خديعة» لردع أسماك القرش عن مهاجمة ركّاب الأمواج

الخوف من أسماك القرش البيضاء قائم منذ فترة طويلة، وأحد أسبابه هو عدم فهمنا لهذه الحيوانات بشكل جيد...

«الشرق الأوسط» (سيدني)
بيئة السمكة الشبح (المعهد الوطني للمياه والغلاف الجوي في نيوزيلندا)

باحثون يكتشفون سمكة قرش جديدة ومذهلة في نيوزيلندا

تم اكتشاف نوع جديد من أسماك القرش الشبح في أعماق المياه بنيوزيلندا.

«الشرق الأوسط» (ويلينغتون)
يوميات الشرق السمكة الصغيرة تتميز بمظهرها الشرس وأنيابها الكبيرة (الباحث فيكتور نونيس بينيمان)

اكتشاف نوع جديد من «الأسماك الغاضبة» في البحر الأحمر

اكتشف فريق من الباحثين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بالسعودية، وجامعة واشنطن نوعاً جديداً من الأسماك يظهر بمظهر غاضب دائماً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الصيّادة التونسية سارة السويسي في قاربها (أ.ف.ب)

صيّادات تونسيات «عالقات في شباك» السيطرة الذكورية والتغيّر المناخي

تزاول تونسيات مهنة صيد السمك رغم السيطرة الذكورية على القطاع وتحدّيات يفرضها التغيّر المناخي.

«الشرق الأوسط» (تونس)
يوميات الشرق التلوّث مُسمِّم للأسماك (تعبيرية - أ.ف.ب)

أجسام الأسماك مُخترَقة بالبلاستيك وإطارات السيارات

تخترق المواد البلاستيكية الدقيقة المُنتشرة في مختلف جوانب البيئة أعماق أجسام الأسماك، وهي موجودة بكثافة في الشرائح التي يأكلها المستهلكون.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».