«الخلية»... شريط سينمائي على هوى الناس من بطولة أحمد عز

حادث اغتيال النائب العام المصري نقطة الانطلاق

TT

«الخلية»... شريط سينمائي على هوى الناس من بطولة أحمد عز

لا يزال فيلم الخلية في سباق مع نفسه، فهو يحتل المركز الأول في الإيرادات والفارق شاسع ويزداد اتساعاً مع الفيلم الذي يليه في الشباك وهو «الكنز». استطاع «الخلية» حتى كتابة هذه السطور أن يصل إلى رقم مليوني دولار، وهو بمقياس السينما المصرية يعد أحد الأرقام الاستثنائية.
بعد العرض الخاص للفيلم، تدافع عدد من الصحافيين حول بطل الفيلم أحمد عز وسألوه عن دوره في العمل الفني، وما هي الاحتمالات لكي يحقق الفيلم أرقاماً قياسية في دور العرض وبعضهم تطرق إلى كواليس الفيلم، ورأيه في التجربة الثانية التي جمعته مع المخرج طارق العريان، وهل يقبل أن يشارك المطربة أصالة زوجة العريان في فيلم سينمائي.
كل الأسئلة السابقة وغيرها والتي تقع في النطاق نفسه، أجاب عنها عز بقدر كبير من الارياحية، وكانت تعلو وجهه ابتسامة، حتى جاء السؤال، الذي من الواضح أن عز لم يفاجأ به، وهو السؤال الذي يطارد عز منذ نحو أربع سنوات، وهو ما الذي يعقب به على الحكم الذي أصدرته المحكمة قبل ساعات من عرض فيلمه في سباق العيد، السؤال أو إن شئت الدقة «القنبلة الموقوتة» التي لا أظن عز فوجئ بها، وهي ما الذي تقوله عن حكم المحكمة برفض الطعن في نسب طفليه إليه، وأصبحا من الناحية القانونية يحملان اسمه، ولم يعد هناك مفر من الاعتراف بهما خاصة أنه يرفض إجراء تحليل (دي إن أيه)، مما أضعف حجته في إنكار النسب، مما دفع القاضي إلى التأكد من أنهما حقاً طفليه، لم يتوقف عز كثيرا أمام هذا السؤال، واعتبره ربما مؤامرة لإحراجه في ليلة عُرسه، أقصد ميلاد فيلمه، بل لعله اعتبره مكيدة من الفنانة زينة أم طفليه، فجاءت إجابته غير متوقعة، واكتفي بأن قال للجميع بعد أن رسم ابتسامة على وجهه: «كل سنة وأنتم طيبين»، وأكمل طريقه للخروج من القاعة.

استحواذ على الإيرادات
الإيرادات لم تتأثر فعلاً بأي شيء خارج الشريط السينمائي، الناس كما تعودت ممارسة حياتها الطبيعية وهي ترى ما يجري في الدنيا من اغتيالات وأعاصير وقتل ودمار، فهم أيضا قرروا مشاهدة الفيلم من دون إنزال أي عقاب أدبي على بطل الفيلم، وهكذا استحوذ «الخلية» بمفرده على نصف الإيرادات الكلية للسينما.
الفيلم السينمائي في العادة رهان على جاذبية النجم، ولا شك أن عز لديه قسط وافر من الجاذبية، إلا أن هذا الفيلم تحديداً، بالإضافة إلى نجومية أحمد عز، وقدرة المخرج على قراءة جمهوره، فاستطاع المخرج طارق العريان أن يُقدم شريطا سينمائيا قادرا على أن يُمسك بمشاعر الناس ليحبس أنفاسه وحتى اللحظة الأخيرة، وهو يتابع بكل شغف وحب بطله أحمد عز وهو يقهر زعيم الإرهابيين الذي أدى دوره الفنان السوري سامر المصري بعد أن أراد بمصر شراً.

السينما تواكب السياسة
للفن أدوار متعددة، يؤديها وبكفاءة عالية، والسينما تحديداً باعتبارها أكثر أنواع الفنون اقترابا من الجمهور، حيث تتسع دائرتها لتصل إلى الملايين، وهكذا واكبت السينما في العالم كله الأحداث السياسية والوطنية، ووثقت مثلاً في أوروبا ولا تزال الحربين الأولى والثانية، ولم تتوقف السينما العالمية عن إرسال المزيد لنا من تلك الأفلام، إلا أننا ولنكن حققنا فشلا ذريعاً في هذا المجال، مع الأسف وبنسبة كبيرة السينما العربية وليست فقط المصرية، لم نكن على قدر المسؤولية في توثيق الأحداث التي عشناها، مثلا حرب 73 وهو النصر العربي على العدو الإسرائيلي، عجزت السينما حتى الآن عن تسجيله فنياً على الشاشة، وهو خطأ يقترب من تخوم الخطيئة، تركنا الميدان لإسرائيل لكي تنفرد هي بتقديم وجهة نظرها المجحفة في حرب 73.
العالم مثلا يُقدم بين الحين والآخر أعمالا درامية عن التنظيم الظلامي «داعش»، بينما نحن تراجعنا تماماً عن تلك الخطوة ولا يوجد في الجعبة سوى فيلم هزلي قدمناه مؤخراً اسمه «دعدوش» وقبله بعام «قرموطي على خط النار»، وعلى الطريقة نفسها، وبالمناسبة ليس لي أدنى اعتراض على تقديم الحروب بل وكل القضايا المصيرية التي نعيشها، برؤية ساخرة، ولكن هناك فرقا بين الكوميديا والتهريج وما شاهدناه في «دعدوش» وقبله «القرموطي» ينتمي للتهريج، السينما معادلة تجمع بين الفكرة والمعالجة، وتستطيع من خلالها تمرير رسائل سياسية أو اجتماعية، ومن هنا جاءت رسالة هذا الفيلم المنسوجة من دون مباشرة في بنائه الذي يجمع بين كل جماليات السينما.

الإرهاب... وتر حساس
كانت نقطة الانطلاق هي حادث اغتيال النائب العام، الذي دبرته قوى الشر في مصر قبل نحو عامين، لم يقل مباشرة على الشاشة ذلك فهو ليس فيلما توثيقيا، ولكنه كان يُدرك أن هذا المشهد لم يغادر ذاكرة جمهوره لبشاعته، كما أنه ينشط ذاكرة الجمهور، من خلال الارتكاز على مؤثرين، الأول هو الرغبة في الثأر لدى الناس، كما أنه يقدم دليلا عمليا على قوة الإرهاب الذي يتدثر عنوة بالدين وقدرته على الوصول للجميع، حتى الشخصيات التي بطبعها تحظى برقابة وحماية، وهذا في الحقيقة يلعب دوره الإيجابي في زيادة الشغف بالطرف الآخر في المعادلة، كلما كان الخصم قوياً استطعت أن تضمن أعلى درجات المتابعة.
الفيلم يعزف على وتر حساس، وهو يتناول الإرهاب الذي لم يعد فقط على الحدود بل هناك عمليات استطاع رجال الشرطة اكتشافها قبل وقوعها في الداخل، وهناك عمليات أخرى نجح الإرهابيون في تنفيذها.
ثلاثة أصدقاء، اثنان في العمليات الخاصة (أحمد عز وأحمد صفوت)، والثالث محمد ممدوح في الأمن الوطني، كاتب السيناريو صلاح الجهيني كان تقليديا ومباشرا وهو يزرع فكرته، إلا أن الجمهور كانت لديه رغبة لا شعورية في أن يقدم له عمل فني لا يُجهده كثيرا في التلقي، يستشهد أحمد صفوت بيد الإرهاب، ويشعر عز بأن عليه الانتقام من قاتليه وبأي طريق حتى لو اخترق القانون، وهنا يتدخل ممدوح الذي يحاول أن يضم إليه عز في قطاع الأمن والاستخبارات حتى يقترب أكثر من تنظيم العصابة، ولا يخترق القانون، المفروض على رجل الشرطة الالتزام به، إلا أن الرغبة في الانتقام أحيانا كانت تسيطر على أحمد عز، وينسى المحددات التي يقرها القانون، حتى في التعامل مع الخارجين على القانون.

دراما تقليدية
الفيلم لا يحمل أي جديد على مستوى الدراما، فبه كل الملامح التقليدية، التي رأيناها من قبل في العديد من أعمال التشويق المماثلة، وكيف أن العصابة حتى تحصل على عز تخطف ابن أحمد صفوت لتجبره على أن يستسلم لها حتى يتم الإفراج عن الطفل. الخطوط الرئيسية والثانوية تشعرك بأنك شاهدتها من قبل عشرات المرات.
اختار المخرج طارق العريان موقع المترو بذكاء، حيث يتكدس الآلاف، ويصبح الأمر مهيئاً لكي تنجح الخطة في الاستحواذ على القسط الأكبر من الهلع لدى الجمهور، عندما يصبح زمن تفجير العبوة الناسفة الموضوعة بالشنطة - التي أجبر عز على أن يحملها - هو الزمن الفعلي للحدث.
طارق العريان هو واحد من أهم مخرجي الأكشن (الحركة) في السينما العربية، منذ أن قدم في التسعينات أفلاما مثل «الإمبراطور» و«الباشا» بطولة الراحل أحمد زكي، وهو دائما يُمسك بكل التفاصيل لكي يجعل المتفرج على الموجة تماما ولا يستطيع الفكاك. إنها حرفية المخرج، عربة المترو تتحرك وبداخلها القنبلة الموقوتة، وفي تبادل النيران يقتل سائق المترو، وذلك حتى تزداد مساحة التشويق أكثر، ويظل الأمر معلقاً، ونحن ننتظر البطل بملامحه التقليدية وهو القادر على أن ينقذ الجميع، مضحياً بنفسه وحتى اللحظة الأخيرة، وهكذا يصفق الجمهور للبطل على الشاشة، وهو يفصل يدوياً العربة من القاطرة ليلقي بنفسه بعدها، وينقذ المئات، وتنفجر القاطرة بعيدا عنها ليقتل الإرهابي، وتأتي المكافأة بأن يتزوج في نهاية الأمر الفتاة الجميلة الحسناء التي يحبها «أمينة خليل».
الفيلم يجمع بين ثلاثة عناصر جاذبة التشويق والعاطفة والكوميديا، ليصبح الأمر متكاملا، طبعاً الشخصية التي يؤديها أحمد عز تحتاج إلى قدرة على المزج بين القوة الجسدية وخفة الظل، وهو بالفعل ما يتوفر في عز، الذي من الواضح أنه كانت لديه لمحاته الخاصة، بالإضافة إلى أن محمد ممدوح الذي أضفى قدراً من الحضور وخفة الظل على الشخصية التي يلعبها بنجاح وألق، إلا أن ممدوح يحتاج إلى كثير من التدريب الصوتي، لأن مخارج ألفاظه المتلعثمة ليست في صالحه، حيث يتشابه أداؤه بسبب تلك الحالة التي تصاحبه أثناء الحوار وفي كل المواقف، حتى صارت وكأنها تعبر عن الإنسان محمد ممدوح، وليست الشخصية الدرامية، وتلك هي المشكلة.
عناصر عديدة تفوقت في هذا الفيلم، موسيقى هشام نزيه، وتصوير مازن المتجول، كلها مؤثرات لعبت دورا إيجابيا في التنفيذ لخلق الإحساس بالتماهي مع الفيلم.

جماهيرية رغم ملفات شائكة
نجح الشريط السينمائي قطعاً في تحقيق جماهيرية تستطيع أن ترصدها رقمياً، ولكن الأهم هو التماس العاطفي، شاهدت بعد العرض الكثير من الشباب وهم يريدون أن يصبحوا في صورة هذا البطل الذي جسده عز، وبرغم أن الفيلم مسموح فقط لمن هم أكبر من 12 عاما، وذلك طبقا لقانون التصنيف العمري الذي تُطبقه مصر منذ ثلاث سنوات، رغم أن الفيلم يصلح في الحقيقة لكل الأعمار.
فهو يعزف حقاً على المشاعر المتأججة في ضمير المشاهدين ضد التطرف والإرهاب، قفز الفيلم بأحمد عز درجات أعلى للجماهيرية، وتسامح الجمهور معه برغم القضية التي لا تزال تتداولها المحاكم وتتناول طفليه اللذين لا يريد الاعتراف بهما، وفي الوقت نفسه يخشى من إنكار الأبوة علنا، ويكتفي فقط بأن يسارع بالطعن في كل حكم قضائي يثبت ذلك.
الجمهور تجاوز كل ذلك وصدق فقط البطل، الذي يحمل اسم «سيف»، بكل ما تحمله الكلمة من دلالات. استطاع البطل أن يقهر التنظيم، وعبر عن ذلك الموقف بمساحة من التصفيق تكررت في العديد من دور العرض. الجمهور صدق «سيف» الضابط الشجاع، فلم يتوقف عن إعلان إعجابه به، والدليل هو الأرقام التي يحققها. وضع الناس حاجزا بين النجم المحبوب الذي يؤدي دور ضابط الشرطة، وبين الإنسان الذي يترك طفلين يكبران وهما لا يدريان من هو أبوهما. الجمهور ضبط موجته فقط على الشريط السينمائي، ولا يعنيه ما قبل وما بعد فيلم «لخلية»!!


مقالات ذات صلة

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».