يشهد مسجد قباء بالمدينة المنورة خلال الأيام الحالية، توافد كثير من ضيوف الرحمن، حجاج بيت الله الحرام بعد أن مّن الله عليهم بأداء فريضة الحج، للصلاة فيه والوقوف على معالمه الإسلامية والتاريخية لاستذكار تاريخ إسلامي حافل بالسيرةٍ النبوية العطرة التي اكتسبها منذ وصول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة مُهاجراً إليها من مكة المكرمة.
ولمسجد قباء أهمية تاريخية في الإسلام لأسباب عدة، فهو أول مسجد أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، فقد خطه الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة عندما وصل لطيبة الطيبة، وشارك في وضع أحجاره الأولى ثم أكمله الصحابة من بعده.
واهتم المسلمون بمسجد قباء منذ عصره عليه الصلاة والسلام، وعصر الخلفاء من بعده فقد جدده رابع الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، ثم عمر بن عبد العزيز الذي بالغ في تنميقه وجعل له رحبة وأروقة ومئذنة وهي أول مئذنة تقام فيه، وفي سنة 435 هـ جدده أبو يعلى الحسيني وفي سنة 555 هـ جدده جمال الدين الأصفهاني وجدده أيضاً بعض الأعيان والمحسنين في أعوام (671 و733 و840 و881) هـ وفي عهد الدولة العثمانية جُدد عدة مرات آخرها في زمن السلطان عبد المجيد، وفي العهد السعودي لقي مسجد قباء عناية كبيرة فرُمم وجُددت جدرانه الخارجية وزيد فيه من الجهة الشمالية سنة 1388 هـ (1968م).
وفي عام 1405 هـ (1985) أمر الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، بإعادة بنائه ومضاعفة مساحته عدة أضعاف مع المحافظة على معالمه التراثية بدقة، فهُدم المبنى القديم وضُمت قطع من الأراضي المجاورة من جهاته الأربع إلى المبنى الجديد وامتدت التوسعة وأعيد بناؤه بالتصميم القديم نفسه وجعل له أربع مآذن عوضاً عن مئذنته الوحيدة القديمة كل مئذنة في جهة وبارتفاع 47 متراً وبُني المسجد على شكل رواق جنوبي وآخر شمالي تفصل بينهما ساحة مكشوفة، ويتصل الرواقان شرقاً وغرباً برواقين طويلين ويتألف سطحه من مجموعة من القباب المتصلة منها ست قباب كبيرة قطر كل منها 12 متراً، و56 قبة صغيرة قطر كل منها ستة أمتار وتستند القباب إلى أقواس تقف على أعمدة ضخمة داخل كل رواق، وكسيت أرض المسجد وساحته بالرخام العاكس للحرارة وتظلل الساحة بمظلة آلية صنع قماشها من الألياف الزجاجية تُطوى وتُنشر حسب الحاجة.
وبلغت مساحة المصلى وحده 5035 متراً مربعاً وبلغت المساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له 1305 ألف، متر مربع في حين كانت مساحته قبل هذه التوسعة 1600 متر مربع فقط، كما أُلحق بالمسجد مكتبة ومنطقة تسويق لخدمة الزائرين.
ويعد مسجد قباء من أكبر مساجد المدينة المنورة بعد المسجد النبوي الشريف حيث تُقام فيه الصلوات العادية وصلاة الجمعة والعيدين، ويُعد مقصداً لزوار وسكان المدينة.
وتزخر المدينة المنورة بكثير من المعالم الإسلامية البارزة، وهي حاضرة الإسلام الأولى التي شهدت فترة الرسالة المحمدية وانطلاق وتوسع الدولة الإسلامية، حيث عاصرت الأحداث المبكرة في صدر الإسلام، فتاريخ تلك الحقبة حاضر بقوة، وخصوصا فيما يتصل بالمساجد.
ويتفق خبراء ومختصون في مجال التراث العمراني على أن المدينة المنورة مقبلة على تنفيذ مجموعة من المشروعات التطويرية المتميزة، منها مشروع «درب السنة»، ومشروع قصر عروة، ومشروع مدينة السيرة في محيط مدينة المعرفة، إضافة إلى عدد من المشروعات التراثية الاستثمارية ذات الصبغة العالمية، تحاكي المضامين التاريخية الزمانية والمكانية وتستثمر في أقدم وأفضل تراث ورثه العالم.
مسجد قباء حلقة وصل بين الماضي والحاضر... ومقصد للحجاج
مسجد قباء حلقة وصل بين الماضي والحاضر... ومقصد للحجاج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة