عيد الأضحى في السعودية... حج وأضحية

كبيرات السن يفضلن رعاية أضحياتهن بصبغها بالحناء

تشكل «الأضحية» أهمية خاصة إذ يحرص الجميع على الوفاء بها وتأديتها عن أنفسهم أو عن أقاربهم (واس)
تشكل «الأضحية» أهمية خاصة إذ يحرص الجميع على الوفاء بها وتأديتها عن أنفسهم أو عن أقاربهم (واس)
TT

عيد الأضحى في السعودية... حج وأضحية

تشكل «الأضحية» أهمية خاصة إذ يحرص الجميع على الوفاء بها وتأديتها عن أنفسهم أو عن أقاربهم (واس)
تشكل «الأضحية» أهمية خاصة إذ يحرص الجميع على الوفاء بها وتأديتها عن أنفسهم أو عن أقاربهم (واس)

تنفرد السعودية عن سائر الدول العربية والإسلامية، ودول العالم التي يشكل المسلمون فيها نسبة من سكانها أو يقيم على أرضها مسلمون من الجاليات المهاجرة، باحتضانها الأماكن والشعائر المقدسة التي يؤمها المسلمون من كل أرجاء المعمورة؛ لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج.
ومع حلول عيد الأضحى لهذا العام، اليوم العاشر من شهر ذي الحجة، يبيت الحجاج بمزدلفة، بعد أن أفاضوا من عرفات أمس الخميس، ووقفوا على صعيدها الطاهر ليبدأ الحجاج اعتباراً من يوم غد المبيت في منى ثلاث ليال: أيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، من ذي الحجة، أو ليلتين لمن تعجل.
ومثل جميع المسلمين في أنحاء المعمورة يحرص السعوديون على الاحتفاء بالعيدين (الفطر، والأضحى) والمحافظة على سماتهما التي كانت سائدة منذ عقود من منطلقات دينية صرفه، حيث يمثل الأول احتفالية بعد انقضاء شهر الصوم، والثاني لوقوعه في أيام الحج وتنفيذ شعيرة نحر الأضاحي على مدى أربعة أيام تبدأ من يوم النحر وتنتهي ثالث أيام التشريق.
تعيد أيام عيد الأضحى من كل عام ذكريات عن هذه المناسبة من قبل كبار السن؛ إذ إن شاغل السكان في القرى والمدن «أيام زمان» هو الحجاج والأضاحي. وكانت القرى تنظم حملات حج للسكان الراغبين في تأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، عن طريق استخدام الدواب خصوصاً الجِمال للوصول إلى مكة والمشاعر المقدسة قبل دخول شهر ذي الحجة بأيام وقد تصل إلى أشهر، في حين ينشغل السكان المقيمون الذين لم يحجوا بتجهيز الأضاحي، سواء كانت عن أنفسهم أو تنفيذ وصايا الآباء والأجداد، وكانت مجمل هذه الوصايا تنحصر في: «هذا ما أوصى به أو أوصت به الفقير أو الفقيرة إلى عفو ربه أو ربها، زيت لسراج المسجد أو أضحية عنه أو عنها وعن والديه أو والديها». ليبدأ في يوم العيد نحر الأضاحي، وإهداء وتوزيع ثلثها والتصدق بثلثها وتناول ثلثها، بدءاً من «الحميسة»، في حين تتم الاستفادة من الإلية بتقطيعها قطعاً صغيرة ووضعها في قدر تغلي بالزيت ثم تناول بعضها ساخناً، ثم وضعها في أوان (مطابق) فيما يعرف بـ«الودكة» لاستخدامها لاحقاً خزنا استراتيجيا وأمنا غذائيا في أيام الجدب والقحط.
ويترتب على تناول السكان في العقود الماضية للحوم الأضاحي بصورة مفاجئة وشرهة، الإصابة بالتخمة أو ما يسمى في اللهجة الدارجة بـ«الغيرة» لعدم تعود الأجسام على النسبة العالية من البروتين الحيواني المتمثل في اللحوم، ويتم علاج ذلك بتناول كميات من الملح للقضاء على التخمة.
في حين بدأ الكثير منهم بالامتناع عن تناول اللحوم لأسباب صحية كارتفاع الكولسترول، والخوف من الإصابة بمرض النقرس، إضافة إلى أن البروتين يتم تناوله بشكل يومي، عكس ما كان في زمن القحط والجوع.
ومن منطلقات دينية بحتة ووفاء لتأديتها تشكل «الأضحية» في حياة السعوديين، والجاليات المسلمة المقيمة فيها أهمية خاصة، بل تظل هاجسهم، وملازمة لهم، وضمن أولوياتهم والتزاماتهم السنوية؛ إذ يحرص الجميع على الوفاء بها، وتأديتها عن أنفسهم أو عن موتاهم، والعمل بما أوصى به الآباء والأجداد، أو بدافع ذاتي وفاء للراحلين من الأقارب.
ومع حلول موسم «النحر» واستقبال عيد الأضحى، تتحول بعض المنازل السعودية إلى «مسالخ» لمدة أربعة أيام، هي أيام الذبح المعروفة باسم أيام التشريق، حيث يفضل بعض السعوديين نحر أضاحيهم بأنفسهم أو تحت إشرافهم داخل منازلهم، بينما تفضل فئة من السكان ذبح أضاحيهم في المسالخ الحكومية أو الأهلية أو في المطابخ المرخص لها بالذبح، كما أن هناك فئة تفضل توكيل الجمعيات الخيرية بتأدية ذلك نيابة عنهم، مقابل شراء كوبونات مرخصة تحمل أسعاراً أقل بكثير من الأسعار، لو تم شراء الأضاحي مباشرة من أسواق بيع الأغنام لتوزيعها على المحتاجين في الدول الفقيرة.
واستعدت الأسر السعودية منذ أيام لتجهيز الأضاحي قبل حلول العيد، بتحديد عدد الأضاحي المراد نحرها في يوم العيد، والأيام الثلاثة التي تليه، ومن ثم شراؤها ووضعها داخل أحواش أو أماكن في منازلهم وتركها تتحرك بحرية داخل الساحات، في حين ينشغل الأطفال برعايتها وإطعامها واللعب معها في متعة لا تضاهى، إلى حين يوم نحرها.
وشهدت مواقع بيع الأغنام التي خصصتها أمانات في جميع مناطق السعودية، في أماكن مختلفة في المنطقة نفسها، إقبالاً كبيراً من المشترين، ووصلت ذروة الشراء يومي أمس وأول من أمس، كما يحرص البعض على شرائها قبيل الصلاة ووضعها في المركبات، ثم التوجه بها مباشرة بعد صلاة العيد إلى المسالخ الرسمية التي تقع عادة بالقرب من مواقع بيع الأغنام.
وتمثلت ذروة اهتمام السكان بأضاحيهم في أن المساومة على الأسعار تكاد تختفي، بل إن البعض لا يتردد في دفع المبلغ الذي يفرضه البائع مباشرة دون مساومة، علما بأن المشتري قام بجولة سريعة على السوق اطلع من خلالها على معدل الأسعار التي يصل رأس البعض منها إلى مبلغ 2500 ريال.
كما لوحظ أن بعض الأسر تتعمد إركاب أضاحيها في المقاعد الخلفية للمركبات وبعضها سيارات فارهة، والأضاحي منتصبة في المقاعد الخلفية وكأنها نزيلة فندق من الخمسة نجوم، رغم ما تسببه من اتساخ المقعد وأرضيته، لكنها تنازلات بسب الأضحية التي لها مكانة في نفوس السكان.
ولا تزال عادة قديمة لدى بعض كبيرات السن بخصوص الأضحية سائدة إلى اليوم، حيث تعمد إلى رعاية أضحيتها قبل أيام من حلول العيد، وغسلها وتنظيفها، ثم صبغها بالحناء في أجزاء من رأسها وأذنيها.
وترى الأسر أهمية أن تكون أضحيتها خالية من العيوب الشرعية؛ لذا يحرص المشترون على فحص الأضحية جيداً للتأكد من خلوها من أي عيب، كوجود كسر فيها أو قطع في أذنيها أو قرنيها أو ليتها، بل إن بعض البائعين يجدون حرجاً في تسويق مواشيهم التي توضع في آذانها علامات لتمييزها، واستعاضوا عن ذلك بكتابة رموز وأرقام تدل عليها، عن طريق الأصباغ المختلفة الألوان.
- تجارة الجلود تنشط... وأجور الجزارين تتزايد
- يلاحظ أيام عيد النحر تحول بعض شوارع العاصمة السعودية بعيد صلاة العيد إلى أشبه ما تكون بالمسالخ، حيث يتعمد بعض السكان ذبح الأضاحي في الشوارع والأراضي الفضاء؛ مما تتسبب في بعض المتاعب للسكان، كما أن هذا الأسلوب في الذبح لا يخضع إلى فحص بيطري للتأكد من سلامة الذبيحة وصلاحيتها للاستهلاك، ويلجأ السكان إلى هذا الأسلوب؛ نظراً إلى الازدحام في المسالخ، وإلى قناعتهم بأن الذبح بهذه الطريقة وبحضور أفراد الأسرة يشكل قمة متعة المناسبة.
ولجأ البعض من السكان إلى استئجار استراحات ليلة العيد، وتناول إفطار صيام يوم عرفة فيها، مع جلب الأضاحي إليها وجعلها ترتع داخل هذه الاستراحات، ثم حملها إلى مصيرها المحتوم بعد صلاة العيد إلى المطابخ والمسالخ المجاورة لنحرها وتوزيعها إلى قطع، حيث يتم طبخ ثلثها للمدعوين من الضيوف، والتصدق بثلثها، وإهداء ثلثها الأخير.
وتنشط أيام العيد تجارة الجلود، حيث تقوم عمالة بالمرور على المنازل والمطابخ والاستراحات للحصول على جلود الأضاحي التي تم نحرها داخلها، إما بأسعار مجانية، وإما بأسعار محددة من قبل المطابخ، في حين أن المسالخ الرسمية تجمع هذه الجلود من قبل شركات تشغيلها للاستفادة منها لصالح المصانع والمصدرين، وفق آلية تم الاتفاق عليها طوال العام.
ويتراوح سعر ذبح الرأس الواحد من الأغنام بـ100 ريال (26.6 دولار)، كما دخل في هذه المهنة بصفة مؤقتة السباكون والمبلطون والدهانون حتى سائقو سيارات الأجرة، بعد أن لمسوا أن دخولهم من عمليات الذبح والسلخ خلال أيام العيد الأربعة تفوق دخلهم من مهنهم الأصلية.


مقالات ذات صلة

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

الخليج الأمير سعود بن مشعل أكد ضرورة تكثيف التنسيق بين كافة القطاعات لتهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات (إمارة منطقة مكة المكرمة)

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

نحو تهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات وتسهيل طرق الحصول عليها وتحسين المرافق التي تحتضن هذه الشعيرة العظيمة، أعلنت السعودية عن بدء التخطيط الزمني لحج 1446هـ.

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج 7700 رحلة جوية عبر 6 مطارات نقلت حجاج الخارج إلى السعودية لأداء فريضة الحج (واس)

السعودية تودّع آخر طلائع الحجاج عبر مطار المدينة المنورة

غادر أراضي السعودية، الأحد، آخر فوج من حجاج العام الهجري المنصرم 1445هـ، على «الخطوط السعودية» من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة للطرفين عقب توقيع الاتفاقية (مجموعة السعودية)

«مجموعة السعودية» توقّع صفقة لشراء 100 طائرة كهربائية

وقّعت «مجموعة السعودية» مع شركة «ليليوم» الألمانية، المتخصصة في صناعة «التاكسي الطائر»، صفقة لشراء 100 مركبة طائرة كهربائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».