كمال الشناوي أوصى بتقديم قصة حياته كما كتبها

تزوج شادية على الشاشة وشقيقتها في الواقع... وأحب راقية إبراهيم!

شادية وكمال الشناوي ثنائي العصر الذهبي
شادية وكمال الشناوي ثنائي العصر الذهبي
TT

كمال الشناوي أوصى بتقديم قصة حياته كما كتبها

شادية وكمال الشناوي ثنائي العصر الذهبي
شادية وكمال الشناوي ثنائي العصر الذهبي

يجمعني أنا والأستاذ كمال نفس اللقب (الشناوي) وكثيرا ما كان يحدث أن يسألني البعض هل أنت ابن الأستاذ كمال، أقول لهم مع الأسف لم أنل هذا الشرف، وبعدها أتصل به تليفونيا ليتحول الموقف إلى دعابة بيننا.
من حسن حظي أنني كنت واحدا من المقربين إليه، ومن بين قلائل من الصحافيين يرتاح إليهم، ويشي لهم بالكثير، حتى أنني قبل رحيله بعامين فقط صورت له لحساب إحدى شركات الإنتاج تسجيلا تلفزيونيا امتد نحو أكثر من خمس ساعات، حكي فيه الكثير من الوقائع، انتقلنا فيها بين البيت والمستشفى، حيث كان يتلقى العلاج الطبيعي.
كمال الشناوي الذي غادرنا في مثل هذه الأيام قبل نحو 6 سنوات ترك لنا رصيدا رائعا يربو على أكثر من 200 فيلم سينمائي، ناهيك عن بصمته التلفزيونية الرائعة والخاصة جدا، حيث كان هو واحدا من الجيل الثاني بين النجوم سبقه بسنوات قليلة أنور وجدي وعماد حمدي وحسين صدقي ويحيي شاهين؛ لكنه سبق في النجومية كلا من فريد شوقي ورشدي أباظة وشكري سرحان.
كان كمال الشناوي لديه دائما قدرة على الانضباط العاطفي وعلى القراءة الصحيحة للحياة الفنية، فهو لا يبالغ في قيمة ما يقدمه للناس، وأيضا لا يبخس حق نفسه؛ ولهذا ظل على الأفيش اسما له بريقه، وصورة لها جاذبيتها عند الجمهور.
مع مرور السنوات، كان يحافظ على لياقته، ومن طقوسه التي باح لي بها الانضباط؛ فهو لا يسهر سوى يوم واحد في الأسبوع، وينام بين الحين والآخر على لوح خشبي تجنبا للانزلاق الغضروفي، ويصحو يوميا لممارسة رياضة المشي في حي الدقي بمدينة الجيزة حيث يقطن.
وعندما وصل لمشارف التسعين، فهو من مواليد 1918، شعر بدنو أجله واقتراب النهاية، وكان التلفزيون قد عرض مسلسلات لعدد من الشخصيات من أصدقائه الفنانين وهو يقينا يعلم الكثير والحقيقي عنها، إلا أنه أكتشف الكثير من الزيف في هذه المسلسلات يُقدم باعتباره حقيقية، مثل مسلسلات «السندريلا» عن حياة سعاد حسني، و«العندليب» عن حياة عبد الحليم، و«الشحرورة» عن حياة صباح، وأيضا عن ليلي مراد وتحية كاريوكا وإسماعيل ياسين، وغيرهم.
انزعج كمال الشناوي مما يراه مغايرا للحقيقة في مواقف كان هو شاهدا عليها، بعض الفنانين مثل هند رستم أوصت ألا يقدم أحد حياتها حفاظا على صدق التاريخ، وبالفعل ابنتها الوحيدة بسنت رفضت كل المشروعات لتقديم حياتها في أعمال درامية، كما أن الفنانة القديرة مديحة يسري - متعها الله بالصحة والعافية - جعلتنا جميعا، شهودا على وصيتها بألا نسمح لأحد بتقديم قصة حياتها، شادية فوجئت قبل ثماني سنوات بأن هناك مسلسلا يتناول حياتها وشرعوا فعلا في تصويره وأسند دورها إلى دُنيا سمير غانم، فأوقفت التصوير؛ خوفا من تشويه صورتها أو تقديم أشياء تجافي الحقيقة.
كمال الشناوي، على العكس، رحب تماما بأن تُقدم حياته، على الشاشة، لكنه قرر وعلى طريقة المثل الشهير «بيدي لا بيد عمرو» أن يكتب هو القصة والسيناريو وأوصى ابنه المخرج السينمائي محمد الشناوي أن يتولى الإشراف على كل التفاصيل، كما كتبها بالضبط، ومن المؤكد أن كثيرا من المواقف حكاها كمال لابنه ربما لم يدونها كلها في السيناريو، ومن البديهي أنه سيتضمنها أيضا في أحداث الفيلم أو المسلسل الذي يُقدمه عن أبيه.
كمال الشناوي تنازعه في الحقيقة مواهب عدة، الغناء والفن التشكيلي والتمثيل، وأيضا التدريس، مارس على استحياء الغناء في عدد من الأفلام، عندما يجمعه «دويتو» مع شادية مثل أغنية «سوق على مهلك» وصباح «زي العسل»، لكنه لم يكتف بهذا القدر؛ بل قرر أن يدرس أيضا أصول الغناء أكاديمياً في معهد الموسيقى، وكما روى لي تقدم للإذاعة وأجازوا صوته، لكنه اشترط عليهم عند إذاعة أي أغنية له أن يذكروا اسمه مسبوقا بلقب الأستاذ، وحيث إن هذا الطلب كان صعبا في التنفيذ، وبخاصة أن الإذاعة لم تتعود مثلا أن تقول الأستاذ عبد الوهاب أو فريد أو عبد الحليم فلم تتم الموافقة، قال لي كمال الشناوي «كنت أعلم استحالة تلبية هذا الطلب، لكني قررت بدلا من الانسحاب أن أضع شرطا تعجيزيا»، قلت له ماذا لو وافقوا على أن يقدموك بلقب الأستاذ المطرب كمال الشناوي؟، أجابني ضاحكا «كنت سوف أغني كما ينبغي أن يكون غناء الأستاذ لأثبت للجميع أنني فعلا الأستاذ»، وأضاف «في الحقيقة أنا كنت أرى في عبد الحليم حافظ صورة المطرب الناجح جماهيريا مع الناس، ولا أدعي أنني كنت من الممكن أن أنافسه، وكنت من معجبيه ومتابعيه ومن شلة الأصدقاء، فهو في النهاية من نفس الجيل، ولا تنسَ أن أخي عبد القادر الشناوي تزوج من السيدة عليّة شقيقة عبد الحليم، كان يربطنا إطار عائلي واحد، وبالصدفة امتد هذا الرباط حتى الآن، ابني محمد تزوج ابنة عليّة شقيقة عبد الحليم».
ويبقي أيضا الفنان الدرامي بداخله كان وظل يشغل المساحة الأهم، فهو من الممكن كممثل أن يحيل الأداء الموسيقي إلى أداء درامي، حيث يطوع الفنان حركاته الجسدية التعبيرية وكأنه يتحرك وفق نوتة موسيقية، هو فقط الذي يقرأ رموزها، وهكذا نجح في هذا النوع من التعبير، وهذا ما منحه فعلا بصمة خاصة في فن الأداء، ويبقى الفنان التشكيلي الذي كان كمال الشناوي بصدد فعلا افتتاح معرض له يضم كل لوحاته، وعددها 12، كما قال لي، شاهدت في بيته بعض لوحاته الأخيرة التي لم تكتمل، وكان قبل ثورة 25 يناير يريد فعلا الانتهاء منها لإقامة أول معرض تشكيلي له، إلا أن أحداث الثورة، أوقفت مشروعه بسبب قانون حظر التجوال الذي واكب الأشهر الأولى للثورة، كما أن المرض كان قد اشتد عليه فلم يتمكن من استكمال اللوحات، قال لي كمال الشناوي إنه أبدا لم يتخل عن عين الفنان التشكيلي التي ظلت تلازمه في كل اختياراته الدرامية التعبير باللون أو الهارمونية، وأيضا التضاد بالألوان كلها تفاصيل من الممكن للممثل أن يعثر على معادل درامي لها في فن الأداء.
وأضاف موهبة رابعة أنه أساسا مدرس؛ فلقد تخرج فعلا من كلية التربية الفنية وعُيّن مدرسا لفن الرسم، وكان يصطحب معه إلى الفصل معزة ويطلب من الطلبة أن يرسموا واحدة تشبهها، ومن المفارقات التي لا ينساها أن أحد الطلبة الذين درّس لهم بالمدرسة أصبح بعد ذلك هو أحد رجال ثورة 23 يوليو، والغريب كما قال لي كمال الشناوي إنه كان أكثرهم شغبا في الفصل الدراسي، ولن أذكر اسمه؛ حتى لا أثير حفيظة الورثة، إلا أن كمال الشناوي كان رأيه أن الممثل بداخله أستاذ يلقي المعلومة والحكمة للجمهور، المهم أن يراعي الجاذبية في توصيل الفكرة.
سألته يوما عن روشتة الاستمرار كيف يراها وما هو المعيار؟، أجابني «مهما قلت لك من أسباب موضوعية يبقي هناك شيء خاص جدا، ومضة خاصة يمنحها الله، لا يدركها الفنان مباشرة هي التي تضمن له الاستمرار».
نعم، إذا كان مقياس النجومية هو الوسامة فإنه الوسامة المشوبة بالإشعاع، وإذا كان مقياس النجومية هو الحضور فإن له طلة لا تنسى، إن كل شروط النجومية تنطبق عليه، الحضور والوهج، إلا شرط واحد فقط لا ينطبق عليه إنه العمر الافتراضي، لكل نجم عمر فني يصل فيه للذروة ثم يبدأ مرحلة الانزواء، لكنه وعلى مدى يقترب من ستين عاما ظل في البؤرة اسمه يتصدر الأفيشات في السينما والتترات في التلفزيون... إنه نجم لكل الأجيال إنه «كمال الشناوي» إنه الكمال اسما ومعنى!
كان في مرحلة المراهقة يستهويه الفن التشكيلي ويمسك بالريشة والألوان ويمنح كل طاقته للوحة، يحيل المساحة البيضاء إلى مشاعر وأحاسيس يفرغ فيها وجدانه، ثم يكافئ نفسه بالذهاب إلى السينما مع شلة الأصدقاء... كان يرى أن الواقع يخلق الفن الحقيقي؛ ولهذا كان يمزج دائما بينهما.
النقطة الفارقة في حياة كمال الشناوي هي تلك التي كان عليه أن يترك التدريس ليتفرغ للتمثيل السينمائي، وكان لديه شرط لا يقبل التنازل عنه وهو البطولة... لا يرضى كمال الشناوي إلا بالنجاح الطاغي منذ أن قدمه نيازي مصطفى بطلاً في أول أفلامه «غني حرب»، ومن بعدها لم يغادر قطار البطولة وتعثرت الطرق بينه وبين نيازي، ولم يكمل المسيرة معه، لكن المخرج الذي يحتل مساحة بارزة في وجدان ومشاعر كمال الشناوي هو مخرج الروائع حسن الإمام أحد تلاميذ نيازي مصطفى... لكن التلميذ عرف مفاتيح كمال الشناوي أكثر من الأستاذ واستكمل معه باقي المشوار!
حسن الإمام له موقع متميز على الخريطة الفنية والإنسانية لكمال الشناوي... وكان أيضاً لكمال الشناوي موقع خاص على مشاعر وسينما حسن الإمام؛ فهو بالنسبة له ليس مجرد نجم جماهيري كل منهما وجد نفسه في الآخر... وبدأت الرحلة مع «ظلموني الناس»، و«ساعة لقلبك» ثم «بنات الليل»، و«الجسد»، و«وداع في الفجر» وغيرها من الأفلام... حسن الإمام يقدم دائماً درجة من السخونة في أفلامه، هذه السخونة تنتقل مباشرة للجمهور وتعبّر عن نفسها عن طريق إيرادات الأفلام... كمال الشناوي كان واحدا من أهم أسلحة حسن الإمام في تحقيق تلك الجماهيرية!
كمال الشناوي له عند كل المخرجين رصيد ضخم وأكثر من فيلم لا ينسى... مثلاً كمال الشيخ «اللص والكلاب»... محمود ذو الفقار «المرأة المجهولة»... علي بدر خان «الكرنك»... «سعيد مرزوق» في واحد من أهم أفلامه «المذنبون»... «خيري بشارة» في فيلم من أفلام البدايات «العوامة 70»... شريف عرفة «الإرهاب والكباب»، حيث لعب دور وزير الداخلية وحافظ بأستاذية على تلك الشعرة وهو يؤدي دور وزير في وزارة الداخلية، وينبغي أن يلتزم بكل التفاصيل التي تؤكد هيبته؛ فهو عنوان للانضباط، في الوقت نفسه فإن «كمال الشناوي» يضيف إليه قدرا لا ينكر من خفة الظل... الأداء المرح الذي تميز به كمال الشناوي تجد لديه تنويعات كثيرة وأفلاما مثل «الأستاذة فاطمة»، و«الحموات الفاتنات»، و«سكر هانم» ثم استمر في «طأطأ وريكا وكاظم بيه»، و«الواد محروس بتاع الوزير» ثم فيلم «ظاظا»، حيث شارك هاني رمزي البطولة وهو من إخراج علي عبد الخالق، وضرب هاني رمزي مثلاً لكل النجوم عندما أصر على أن يأتي اسمه تالياً في التترات لكمال الشناوي.
زمن الفن الجميل لم يكن كله جمالا كما تعودنا أن نصفه، مثلا لم يكن أنور وجدي وهو من الجيل الأسبق لكمال الشناوي يشعر بأن كمال الشناوي، فنان موهوب، بل كان يعتبره ظاهرة مؤقتة سرعان ما تنتهي، وإنه مجرد فتي وسيم، وسوف يجد نفسه خارج الخريطة الفنية خلال سنوات قلائل، وأراد كمال الشناوي أن يردها له فقال عندما سألوه، إن أنور وجدي لا يزال يلعب دور الفتي الأول رغم أن لديه كرشا يسبقه بنحو مترين، كما أنه صار صاحب لُدغ معتبر يملأ وجهه وكأنه قد صار لُدغا تم تركيب وجه عليه.
ويعترف كمال الشناوي بأنه كان قاسيا على أنور وجدي، وتم الصلح بينه وبين أنور وجدي في نهاية الأمر.
سألت كمال الشناوي عن موقفه السياسي... قال لي «عاصرت الملكية والجمهورية من خلال أربعة رؤساء محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك»... وأضاف «قضيتي هي أن أدافع عن حرية الإنسان... الفن هو المعادل للحرية، لكني لم أضع نفسي في إطار حزبي صارم»، ورغم ذلك فإن لكمال الشناوي موقفا سياسيا عبر عنه عندما وافق على أن يؤدي دور «خالد صفوان» في «الكرنك»، وكان المقصود بهذه الشخصية هو رجل المخابرات الأول في عهد «عبد الناصر» وهو «صلاح نصر»!
هل يستطيع أحد أن ينسى أشهر ثنائي عرفته شاشة السينما كمال الشناوي وشادية، أو شادية وكمال الشناوي... لقد تغلغل هذا الثنائي في وجدان الناس إلى درجة أن كمال الشناوي ظل يتلقى حتى رحيله خطابات من المعجبين يسألونه عن شادية باعتبارها زوجته، وأظن أن شادية لا تزال تتلقى هذا النوع من الخطابات، حتى في عصر المحمول، في حين أن الحقيقة هي أن كمال الشناوي تزوج شقيقتها عفاف شاكر، يقول كمال الشناوي «ظروف خاصة جداً لا أبوح بها أحاطت بهذا الزواج»، أما الحب المستحيل في حياته كان حبه للحسناء اليهودية الديانة الفنانة راقية إبراهيم، التي غنى عبد الوهاب لها أغنيته الشهيرة «حكيم عيون» في فيلمه الرائع «رصاصة في القلب» التي يقول فيها «عشان تبطلي تاكلي جلاس وتدوبي في قلوب الناس»، لكنها لم تشعر بكمال الذي كان قلبه فعلا يذوب حبا وهياما بها، ولم تبادله المشاعر وكما قال لي كان حبا من طرف واحد، ولكنه أحب وتزوج من الراقصة هاجر حمدي، وأنجب منها ابنا، أما الحب الذي ملأ حياته وظلت الحبيبة مخلصة له حتى رحيلها في عز شبابها فإنها ناهد شريف، وتزوجها عرفيا، ثم تزوج من سيدة سورية وظلت حتى النهاية معه!
لكن الناس لا تعترف سوى بحب واحد لم يحدث سوى على الشاشة وهو حبه لشادية، وكان قد وضع خطته لتقديم جزء ثان لفيلم يقدمانه في منتصف الثمانينات، يبدأ مع نهاية أي فيلم قديم بينهما (أبيض وأسود) وذهابهما للمأذون، ليقدما من خلاله أزمة منتصف العمر للمتزوجين، إلا أنه بعد اعتزال شادية أوقف المشروع، وقال لي «لن يصدق أحد هذا الفيلم من دون شادية»!


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».