قال المخرج اللبناني نيكولا خوري إن مشروع فيلمه «ثريا حبي» بدأ عام 2021، عندما حضر في بيروت عرضاً لأحد أفلام المخرج الراحل مارون بغدادي بعد ترميمه. لكن ما لفت انتباهه في تلك الأمسية لم يكن حضور المخرج الغائب من خلال أرشيفه فحسب، بل الحضور الطاغي لزوجته ثريا بغدادي، التي بدت له في تلك اللحظة مزيجاً من الأناقة والغموض والقوة الهادئة، وهو ما دفعه إلى التساؤل عمّن تكون، وكيف حملت قصتها كل هذا الصمت الذي يشبه الكلام.
وأضاف خوري لـ«الشرق الأوسط»: «لم أكن أعرفها من قبل، لكنني شعرت بأن شيئاً في نظرتها وروحها يقول إن وراءها حكاية لم تُروَ بعد. فالحديث الأول بيننا، الذي جاء بعد العرض بفترة، تحوّل تدريجياً إلى مساحة من الثقة، لتوافق في النهاية على مشاركة قصتها، رغم حساسية التجربة وقربها الشديد من حياتها الخاصة».

ويشارك الفيلم في «المسابقة الدولية» ضمن الدورة الحالية من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، ويركز على العالم الداخلي لثريا بغدادي، وقصتها مع زوجها الراحل مارون بغدادي منذ لقائهما أثناء تصوير فيلم «حروب صغيرة» عام 1981، مروراً بحياتهما في باريس، وصولاً إلى رحيله المفاجئ عام 1993 في حين كانت تنتظر طفلهما الثالث.
وأوضح خوري أن الصعوبة في البداية لم تكن في إقناع ثريا بالمشاركة، بل في احترام حدودها؛ إذ كانت تحمل في داخلها ذكريات وتجارب ظلت محفوظة لسنوات طويلة قبل أن تسمح للكاميرا بالاقتراب منها، إلى جانب التحدي الأكبر في المونتاج بعد تسجيل أكثر من 150 ساعة من الأحاديث.
وقال: «كان التعامل مع هذا الكم الهائل من المواد أشبه بالدخول في متاهة شعورية وزمنية؛ إذ كان بإمكان هذا الأرشيف أن ينتج مئات الأفلام المختلفة. لكن التحدي كان في العثور على الخيط الذي يتيح صنع فيلم يقوم على شخصية واحدة لا يمكن تعويض حضورها أو استبداله. لذلك استغرق تحويل هذا الكم من الذكريات والصور والمواد المتناثرة إلى بناء سردي محكم أكثر من عام ونصف العام من العمل المتواصل».

وأضاف أن «الفيلم يتنقل بين الأرشيف الشخصي والمكالمات المسجّلة والرسائل ولحظات التأمل والرقص، ليعيد بناء صورة امرأة تواجه الغياب من خلال الضوء لا من خلال الظل». وأكد أنه لم يسعَ إلى تمجيد ثريا أو تقديمها بصورة مثالية، «بل أردتُ أن أُظهرها كما هي، بصدقها وترددها وقوتها وضعفها؛ لأن هدفي منذ البداية كان رسم قصة بشرية خالصة عن الحب والذاكرة».
وتابع خوري: «لا يتناول الفيلم السياسة اللبنانية بشكل مباشر، بل فضّلت تجاهلها، رغم أنها تحيط بكل تفصيل من تفاصيل حياة الناس هناك، وكان من السهل أن يدخل الفيلم في تفاصيل الحرب أو السياق العام، لكنني تعمّدت تجنّب ذلك حتى لا يضيع جوهر الحكاية، فظهرت السياسة كظلّ وإحساس يحيط بالشخصيات؛ لأن الهدف كان الحفاظ على بساطة القصة وعمقها الإنساني».

وأشار خوري إلى أنه اضطر إلى حذف كثير من المشاهد المؤثرة، بعضها لحظات رقص أحبها كثيراً، لكنه أدرك أن الفيلم يحتاج إلى خفة لا تتحقق إلا بالتخفف من الزوائد. وأوضح أن الحذف كان مؤلماً في البداية، ثم أصبح جزءاً من فهمه للبناء النهائي.
وأضاف أن التصوير نفسه حمل لحظات شديدة القوة؛ لأن الكاميرا كانت تعيد ثريا إلى مواجهة نفسها وماضيها، وقد شكّلت تلك المواجهات لحظات إنسانية مؤثرة لا تشبه أي جلسات تصوير تقليدية.
وعن اللحظة التي شعر فيها بأن الفيلم اكتمل، قال خوري: «إن الأمر لم يكن سهلاً، فالأفلام الوثائقية لا تمنح صُنّاعها لحظة واضحة للنهاية. في كل مرة كنت أظن أن الفيلم انتهى، كنت أكتشف أنه ما زال يحتاج إلى تعديل، إلى أن وصلت في النهاية إلى الإحساس بأن ما أريد قوله بات حاضراً كما يجب. لذلك كان قرارا التوقف عن التصوير والمونتاج أصعب قرارين في العملية كلها».



