تتمدد الأسلاك وتتشابك في مساحة من الفراغ لتصنع هيئة أو جسد حيوان في إطار من التعبير أحياناً، والتجريد في أحيان أخرى. إنه «الثور» الذي اختاره الفنان المصري جلال جمعة عنواناً وموضوعاً لمعرضه الفني الأحدث في غاليري «أوديسي» بوسط القاهرة.
المعرض الذي انطلق 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ويمتد حتى 23 من الشهر نفسه، اشتمل على أكثر من 50 عملاً فنياً من الأسلاك التي اعتاد الفنان أن يجسد منحوتاته بها في صور مختلفة، ولكنها هذه المرة تقتصر على تيمة واحدة: «الثور».

«في عمله (الثور النافر) يقدم الفنان جلال جمعة نموذجاً مدهشاً لتفاعل القوة والجمال»، بهذه الكلمات يصف الناقد والفنان المصري، صلاح بيصار، أحد أعمال المعرض الذي يبدو وكأنه ثور في حلبة مصارعة، وكأن الفنان نفسه يروّضه بالفن، عبر سياحة الأسلاك في بياض الفراغ.
ويضيف بيصار: «يجسد جمعة الثور في هيئة مفرغة من السلك، تسهم في توزيع الثقل وتخفيف صلابة المادة. دون أن يتخلى عن التحليل التشريحي للجسد».

وترجع فلسفة اختيار «الثور» تيمةً واسماً للمعرض إلى صفاته «كحيوان قوي وعنيد ومثابر، وهي صفات تبدو واضحة حتى من النظر لشكله الخارجي»، وفق تصريحات الفنان جلال جمعة لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «تشريحياً، الثور يجذب أي فنان ليتناوله كتيمة في أعماله، ومعظم الفنانين تناولوه كتيمة فنية في الرسم، بينما في النحت لم أرَ سوى عمل بالحديد الخردة، ولم أصادف أعمالاً نحتية تقليدية بالحجر وخلافه».

وأوضح: «لذلك فكرتُ في تناوله وتجريده من الخطوط والزخرفة؛ حيث أتعامل بالخط مع الفراغ لتكوين الكتلة ثلاثية الأبعاد التي تشكل الثور، وهو ما قدمته في معرضي وفقاً لطريقتي في النحت بالسلك، وكان العمل على هذا المعرض ممتعاً جداً».
وتتنوع طريقة الفنان في التعامل مع النحت بالأسلاك بطريقة لافتة؛ فقد يستخدم سلكاً واحداً لتجسيد ثور كامل في هيئة تجريدية، وقد يستخدم كمية كبير من الأسلاك لنحت رأس الثور فقط، وفي كل الحالات تبدو الأبعاد الرمزية لجسد الثور أكثر حضوراً من المعنى المباشر.

ويضم المعرض مجموعات من الثيران في مكان واحد، وفي أوضاع وهيئات مختلفة، كما يضم أيضاً قطعاً فنية أشبه بالمشغولات اليدوية أو القلادة التي يمكن ارتداؤها وتحمل رأس الثور، وتتفاوت أحجام القطع وطريقة عرضها في مساحات واسعة أو ضيقة، بحسب قدرتها على التناغم مع الفراغ المحيط.

ويعدّ الفنان جلال جمعة (مواليد 1947)، من أبرز فناني النحت بالسلك، وقد تخرج في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، وعمل مهندساً للديكور بمشاريع كبرى، منها فندق «مينا هاوس»، وشارك في معارض بمصر وإيطاليا وفرنسا وكندا والصين وغيرها من الدول.

وتتحرك الخطوط المعدنية بانسياب متقن، توازن بين القوة والعنف والجمال، فيحيلنا المشهد إلى حلبة مصارعة الثيران بكل ما تحمله من صخب وتحدٍّ واندفاع نحو الحياة، وبحسب بيصار «يجمع الفنان بين ثقل المعنى وخفة المادة. بين الصلابة والفراغ. ليصوغ من الثور أيقونة رمزية تعبر عن القوة الكامنة والانبعاث من الداخل».







