في السنوات الأخيرة، بدأت ملامح صناعة السينما الإماراتية تظهر بوضوح أكثر، ليس فقط من حيث حجم الإنتاج، بل أيضاً من الرؤية السينمائية التي تحاول هذه الصناعة أن تشكّلها، كما أصبح لافتاً أن عدداً من الأفلام الإماراتية الحديثة اعتمدت على نجوم سعوديين في أدوار محورية، ليكونوا أبطال العمل والوجوه الرئيسية على البوستر.
وما بين الرغبة في التوسع الإقليمي وبناء هوية سينمائية محلية، يبدو أن السينما الإماراتية تراهن على النجم السعودي بوصفه جسراً جماهيرياً إلى سوقٍ أكبر وأكثر تأثيراً، خصوصاً أن السينما السعودية هي الأضخم في المنطقة من حيث الإيرادات وحجم السوق، ومنذ انطلاقتها في عام 2018 باتت هي المؤثر الأكثر حضوراً للسينما العربية والخليجية، ومختبر الذائقة الجماهيرية على مستوى المنطقة.

«باب»... بطولة سعودية
أحدث تجليات هذا المسار يتجسد في فيلم «باب» (2025) للمخرجة الإماراتية نايلة الخاجة، الذي جاء عرضه العالمي الأول في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ46، ليصبح أول فيلم طويل لمخرجة إماراتية يُعرض في مهرجان عربي من الفئة «A»، وهو عمل درامي نفسي، يقوده حضور نسائي مزدوج، خلف الكاميرا مخرجة إماراتية رائدة، وأمامها الممثلة السعودية شيماء الفضل في أداء يجسّد الفقدان والهلوسة والذاكرة، ضمن حكاية تنسجها الرمزية أكثر مما يحرّكها الحدث.
يتمحور «باب» حول امرأة تطاردها أشباح أختها التوأم الراحلة، في عمل تتقاطع فيه الصحراء بالروح، والواقع بالوهم، فيما تتحول الموسيقى التصويرية؛ التي وضعها المؤلف الهندي الحائز الأوسكار إيه. آر. رحمان؛ إلى عنصر سردي مستقل، يصوغ إيقاع الحزن كصوتٍ ثالث في الفيلم الذي هو انعكاس لطموح سينما إماراتية تسعى للتعريف بنفسها عبر لغةٍ أكثر حسيّة وعمقاً، وفي الوقت ذاته تستند إلى وجه سعودي صاعد يمنح العمل بعداً جماهيرياً أوسع.
تتحدث الممثلة السعودية شيماء الفضل لـ«الشرق الأوسط» عن تجربتها في فيلم «باب» الذي اكتمل تصويره قبل نحو عام، قائلةً: «الأدوار هي التي تنادي الفنان»، حيث جاء عرض العمل عليها بمحض الصدفة في أثناء تقديمها عملاً مسرحياً، وتتابع: «هي تجربة مختلفة لأنها أول بطولة سينمائية مطلقة لي في فيلم روائي طويل».
وبالسؤال عن العمل السينمائي المشترك بين السعودية والإمارات، ترى الفضل أنها تجارب مهمة وتصقل الفنان وتضيف إلى رصيد موهبته وتفتح له أبواباً وفرصاً جديدة، مضيفةً: «الاحتكاك الفني مهم جداً في السينما العربية والخليجية تحديداً، فهو يضيف إلى الطرفين، كما أن السينما السعودية تتطور بشكل كبير ولافت، خلال فترة قصيرة».

«حوبة»... الرعب بعيون سعودية
وبالتزامن مع «باب»، يأتي فيلم «حُوبة» (2025) للمخرج ماجد الأنصاري ليواصل هذا الاتجاه بزاوية مختلفة. والفيلم، الذي بدأ عرضه في دور السينما الإماراتية في 30 أكتوبر (تشرين الأول)، ومن المنتظر عرضه هذا الشهر في السعودية، يُعد من أبرز إنتاجات الإماراتية الحديثة، ويشارك في بطولته عدد من الوجوه الخليجية، من بينها الممثلة السعودية سارة طيبة.
ورغم أن الرعب ليس هو النوع الأكثر انتشاراً في السينما الخليجية، فإن الأنصاري يستخدمه هنا أداةً لاختبار خوف الإنسان من ذاته، لا من الكائنات الغامضة، حيث تدور القصة في بيت إماراتي يختزن ذاكرةً مأساوية.
ووجود سارة طيبة في قلب هذا العمل يضيف طبقة من الألفة البصرية بالنسبة إلى الجمهور السعودي، ويمنح الفيلم قدرة تسويقية واضحة، كما يفتح باب النقاش حول رهان السينما الإماراتية على «الوجه السعودي» للوصول إلى جمهور أوسع.

«العيد عيدين»... بداية المرحلة
أما فيلم «العيد عيدين» (2024) للمخرجة الإماراتية ميثة العوضي، فيمكن اعتباره البذرة الأولى لهذا التوجّه، وإن كان في قالبٍ كوميدي عائلي بسيط، حيث قاد البطولة النجم السعودي فهد البتيري إلى جانب طاقم إماراتي محلي، في حكاية تجمع عائلة طرفيها سعودي وإماراتي، يذهبون لقضاء العيد في جزيرة ياس بأبوظبي.
ورغم بساطة الفكرة، فإن الفيلم الذي عُرض العام الماضي؛ جسّد على نحو رمزي ما يمكن تسميتها بـ«العائلة الخليجية السينمائية»، حيث الحدود مفتوحة، واللهجات تتقاطع، والعيد يُحتفل به كقيمة مشتركة لا كاختلاف ثقافي.
ومن هذه الزاوية، لم يكن «العيد عيدين» مجرد فيلم تسلية، بل كان إعلاناً عن مرحلة جديدة من التعاون الخليجي في السينما، حيث تصبح النجومية أداة دبلوماسية ناعمة تربط بين صناعتين متقاربتين.
وعلى مستوى التوزيع، أثبت الفيلم أن الاستعانة بنجم سعودي يمكن أن تفتح الأبواب أمام العرض المتبادل بين البلدين، إذ حظي بإقبال ملحوظ في دور السينما السعودية.
وبالنظر إلى التجارب الإماراتية الجديدة، يمكن القول إن الممثل السعودي ليس مجرد ضيف في السينما الإماراتية، بل هو من خلال مشاركاته يُعد جزءاً فاعلاً ومؤثراً في تشكيل ملامح صناعة ناشئة، بهوية خليجية مشتركة، حيث تتقاطع النجومية بالجهود الإنتاجية الكبيرة والرؤية السينمائية التي تحاول الوصول إلى جمهور واسع.


