لقاء استثنائي يجمع الألحان العذبة لشبه الجزيرة العربية والأنغام العريقة الآتية من الصين، في «المتحف الوطني السعودي»، حيث سيسطع إرث الصين الموسيقي والطقوسي العريق، في تناغم مع حيوية التراث الثقافي السعودي، في حدث ثقافي وفني يأخذ زواره في رحلة عبر الموسيقى الصينية القديمة، ليعمق أواصر الصداقة والحوار بين الصين والسعودية.
ويحتضن «المتحف الوطني السعودي» بالرياض فعاليات معرض «صوت التناغم: رحلة عبر الموسيقى الصينية القديمة»، الذي تنظمه «هيئة المتاحف» بالتعاون مع «المتحف الوطني الصيني»، وذلك ضمن فعاليات «العام الثقافي السعودي - الصيني 2025»، الذي يستمر حتى ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويضم المعرض أكثر من 100 قطعة موسيقية نادرة ونفيسة، بينها: ناي العظم، وأجراس البرونز، وأنابيب اللُو الاثنتا عشرة، وآلة الغوتشين (القيثارة الصينية) التي تعدّ أداة الحكماء، والتي جمعت بين الجبال والأنهار في أنغامها، وأصبحت رمزاً للسكينة والانسجام مع الكون، وارتبط وجودها بالفلاسفة والحكماء، فكانت وسيلتهم لتهذيب النفس والتأمل في أسرار الكون؛ إذ تجمع أوتارها بين السماء والأرض والإنسان، لتجسد أسمى معاني الانسجام.
وتقدم المعروضات رؤية شاملة لمسار تطور الموسيقى الصينية منذ عصور ما قبل التاريخ، وصولاً إلى أسرتي «مينغ» و«تشينغ». وتجسد هذه الآلات السعي المبكر الدؤوب لفن الصوت في الصين، وتمثل شاهداً خالداً على تنوع الحضارة الصينية واستمراريتها، وارتباط الموسيقى بالطقوس والهوية الثقافية في الصين.

جولة معرفية وفنية
يأخذ المعرض زواره في جولة معرفية وفنية عبر 5 أقسام رئيسية، يكشف كل قسم منها جانباً من ثراء التجربة الموسيقية الصينية، بدءاً من أقدم الآلات التي ابتكرها الإنسان للتواصل مع الطبيعة، مروراً بمكانة الموسيقى في الطقوس والنظم الاجتماعية، ووصولاً إلى تفاعلها مع الثقافات المجاورة، وانعكاسها في التراث الموسيقي الرسمي والشعبي... ففي قسم «التناغم مع السماء والأرض»، تعرض بدايات الموسيقى، حين صنع الإنسان من عظام الطيور ناياته الأولى، وجعل الألحان لغة تواصل مع الكون، ويروي هذا القسم كيف تحوّل صوت الطبيعة إلى نغم، وكيف صارت الألحان لغةً لحفظ النظام الاجتماعي.
ويتعرف الزائر في قسم «أصداء من الحجر والبرونز» على حكاية انتقال الموسيقى في الصين القديمة لتكون جزءاً من نظام الحكم والطقوس، عبر أجراس برونزية ضخمة وأحجار موسيقية ارتبطت بالسلطة والتراتبية الاجتماعية، منذ بزوغ العصر البرونزي، حيث تداخلت الطقوس مع الحكم، وفيه لم تعد الآلات أدوات عزف فقط، بل صارت رموزاً للنظام والسلطة.

ويكشف قسم «أنغام متبادلة بين المناطق والغرباء» عن قصة عبور الألحان الآتية من الغرب إلى قلب الصين، وكيف امتزجت بالموسيقى المحلية لتصنع مزيجاً مدهشاً من الأصوات والرقصات، وذلك خلال فترات «وي» و«جين» وسلالتَيْ «سوي» و«تانغ»، حين تدفقت الألحان الوافدة من الغرب ومن المناطق المجاورة إلى الصين، لتصبح جزءاً من الموسيقى الرسمية، وتخلق تناغماً بين المحلي والوافد.

أما قسم «تحية للتراث الموسيقي الصيني»، فيبرز كيف وحّدت الموسيقى بين السلطة والشعب؛ من المعابد والقصور إلى الغابات والقرى، وكيف ارتبطت الموسيقى الصينية بالمراسم الرسمية والفنون الشعبية، في رحلة تكشف كيف جمع التراث الموسيقي الصيني بين المراسم الملكية والألحان الشعبية، ليصبح جسراً بين الحكم والناس، ومرآةً للانسجام. ويختتم المعرض بقسم «الجبال والمياه والريح في الغابة».

ويتجاوز المعرض فكرة عرض القطع الأثرية وحدها، حيث يسعى إلى تقديم رؤية متكاملة عن الدور الفلسفي والروحي الذي لعبته الموسيقى في الحضارة الصينية، بوصفها لغة للتأمل والانسجام والتواصل الإنساني، ومصدراً للقيم المشتركة التي تتجاوز حدود المكان والزمان.
وخلال جولاتهم بين أروقة المعرض يلمس الزوار دور وعمق الحضارة الصينية، والرؤية الفلسفية الكامنة في صوت التناغم الذي تحتضنه الموسيقى الصينية التقليدية، وجسر التعاون الثقافي، وشعلة التبادل الحية؛ لتعزيز التفاهم بين التجربتين العربية والصينية، وليبقى الحوار العابر للجبال والبحار مسموعاً وحيّاً عبر الأجيال.
ويتزامن معرض «صوت التناغم» مع «العام الثقافي السعودي - الصيني 2025»، وهو مبادرة ثقافية مشتركة بين البلدين انطلقت مطلع العالم الحالي، لتعزيز العلاقات الثنائية عبر فعاليات متنوعة تشمل الفنون، والأدب، والمتاحف، والتبادل السياحي... فيما يعكس هذا المعرض الفريد في موضوعه العمق التاريخي والدلالات الثقافية للآلات الموسيقية الصينية القديمة، التي تعزف كل قطعة منها أنغام حوار ثقافي عابر للحدود.







