اكتشف باحثون من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد ووكالة الفضاء الأميركية (ناسا) ظاهرة غير متوقَّعة على قمر كوكب زحل، «تيتان»، قد تغيَّر فهم العلماء لكيمياء ما قبل نشأة الحياة على الأرض.
وأوضحوا أنّ هذه النتائج قد تساعد في تفسير تكوين البحيرات والبحار والكثبان الرملية على سطح «تيتان»، ونُشرت الدراسة، الخميس، في دورية «PNAS».
يُعد «تيتان» أكبر أقمار كوكب زحل، ومن أكثر العوالم غرابة في المجموعة الشمسية، إذ يتميَّز بغلاف جوّي كثيف من النيتروجين والميثان يُشبه إلى حدّ ما الغلاف الجوّي للأرض قبل ظهور الحياة. وتُغطّي سطحه بحيرات وأنهر من الميثان والإيثان السائلين، كما يُعتَقد أنّ تحت قشرته الجليدية محيطاً من الماء السائل قد يحتضن أشكالاً بدائية من الحياة، ما يجعل منه مختبراً طبيعياً لدراسة ظروف نشأة الحياة المُبكرة.
ووجد الباحثون أنّ بعض المواد التي لا تمتزج عادةً، مثل سيانيد الهيدروجين (وهو مُركَّب شديد القطبية)، وغازَي الميثان والإيثان (وهما غير قطبيين)، يمكن أن تتّحد لتشكّل بلورات مستقرّة في درجات حرارة «تيتان» المنخفضة جداً التي تصل إلى نحو 180 درجة مئوية تحت الصفر.
وفي الظروف الطبيعية على الأرض، يستحيل تقريباً امتزاج المواد القطبية بغير القطبية، لأنّ الجزيئات القطبية تجذب بعضها بعضاً، بينما تنفر من الجزيئات غير القطبية، مثلما لا يختلط الماء بالزيت. لكن النتائج تُظهر أنه تحت ظروف البرودة الشديدة، يمكن لهذه الجزيئات أن تُرتّب نفسها داخل شبكة بلورية واحدة مستقرّة من دون أن تتحلَّل أو تتفاعل كيميائياً.
وباستخدام عمليات مُحاكاة حاسوبية متقدّمة، تمكّن الباحثون من اختبار آلاف الترتيبات الجزيئية المُحتملة، وتبيَّن أنّ جزيئات الميثان والإيثان تستطيع اختراق الشبكة البلورية لسيانيد الهيدروجين لتكوّن تراكيب جديدة ثابتة.
وأكّدت قياسات «ناسا» الطيفية تطابق الضوء المُنعكس من هذه البلورات مع التوقيعات المحسوبة حاسوبياً، ما يثبت صحة الاكتشاف.
ووفق الباحثين، تُعد هذه النتائج تحدّياً جزئياً لقاعدة «المُتشابه يذيب المُتشابه»، التي تُعد من المبادئ الراسخة في الكيمياء، إذ أثبتت الدراسة أنّ تفاعلات غير متوقَّعة يمكن أن تحدث في بيئات قاسية.
كما أنّ وجود سيانيد الهيدروجين في هذه التراكيب قد يُفسّر كيف تشكّلت اللبنات الأولى للحياة، مثل الأحماض الأمينية والقواعد النيتروجينية، في البيئات الباردة على الأرض القديمة أو على كواكب وأقمار أخرى.
وقال الباحث المشارك في الدراسة من جامعة تشالمرز، الدكتور مارتن رهم، إنّ هذه النتائج «تفتح الباب أمام فهم جديد لكيمياء البيئات الباردة في الفضاء، وربما تُفسّر كيف بدأت اللبنات الأولى للحياة في أماكن غير متوقَّعة». وأضاف عبر موقع الجامعة أنّ «هذا الاكتشاف قد يساعد أيضاً في تفسير الخصائص الجيولوجية الفريدة لسطح (تيتان)، بما في ذلك بحيراته وبحاره وكثبانه الرملية الغريبة».
لكنه أشار إلى أنّ هذه النتائج لا تعني إعادة كتابة كتب الكيمياء، لكنها «تُوسّع حدود ما نعرفه عن سلوك الجزيئات في الظروف القاسية، وتُظهر أنّ القواعد المعروفة ليست مُطلقة دائماً».



