كيف غيّرت «نوبل» للآداب مصائر مبدعين حول العالم؟

البعض تألّق وآخرون انزووا أو انتحروا

إرنست همنغواي (أرشيفية)
إرنست همنغواي (أرشيفية)
TT

كيف غيّرت «نوبل» للآداب مصائر مبدعين حول العالم؟

إرنست همنغواي (أرشيفية)
إرنست همنغواي (أرشيفية)

وصف الكاتب الكولومبي، غابرييل غارسيا ماركيز، جائزة نوبل في الآداب بأنها «حدث يسبب الأرق للكتاب الكبار، وأن نتائجها لا تتعلق بالقيمة الفكرية أو الأدبية، بقدر ما تتعلق بإرادة المحكمين غير القابلة للفهم»، في الوقت نفسه صرّح في حوارات صحافية بأن الجائزة أتاحت له التفرغ أخيراً للكتابة.

أكثر من 120 شخصاً حصلوا على الجائزة المرموقة دولياً، منذ تأسيسها عام 1901 حتى هذا العام، غيّرت الجائزة في نمط حياة وطريقة تفكير، وربما مسار إبداع بعض من حصلوا عليها، بعضهم ظل في دائرة النجومية والأضواء، والبعض الآخر انزوى، وربما انتحر.

ويرى الشاعر المصري، أحمد الشهاوي، أن «الشهرة لها ثمن»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «جائزة نوبل باعتبارها أكبر جائزة أدبية عالمية لا شك أنها أثّرت إيجابياً على حائزيها، لكنها أثّرت بالسلب أيضاً على البعض وجعلتهم دائماً تحت الأضواء بعيداً عن الإبداع». وتابع: «هناك نماذج حية من مختلف اللغات والثقافات، أثّرت الجائزة على مصائرهم، فهناك مبدعون ازداد ألقهم بعد أن حصلوا على الجائزة، وكتبوا أعمالاً جديدة مدهشة، وزادت من تأثيرهم الأدبي والثقافي، مثل الإنجليزي الآيرلندي ويليام بتلر ييتس، وكذلك النرويجي جون فوسي الذي فاز بالجائزة عام 2023، وقال في خطابه إن الكتابة يمكن أن تُنقذ الأرواح».

إلى جانب هذه النماذج، هناك في المقابل ما يطلق عليه الشهاوي «لعنة نوبل» التي تصيب الفائز بفقدان الإلهام والتوقف عن الكتابة، مشيراً إلى «السويدي هاري مارتنسون، الذي حاز الجائزة عام 1974 مناصفة مع إيفيند جونسون، وتلقى الكثير من الانتقادات، خصوصاً لأنه عضو في الأكاديمية السويدية نفسها التي تمنح الجائزة، وتأثر نفسياً من حدة الانتقادات والاتهامات بغياب الموضوعية، وانتحر عام 1978، ومارتنسون نفسه صرّح بأن الجائزة دمّرت كاتباً بداخله، وأنه وجد صعوبة في مواصلة الكتابة بعد تسلّمها».

ومن النماذج الانطوائية الشهيرة هناك صامويل بيكيت، فبعد جائزة نوبل في الآداب التي نالها سنة 1969، وكان معروفاً بخجله وانطوائيته، أعرب عن قلقه من أن الجائزة قد تعيق عمله، أو أن الناس سيطلبون منه تبريراً أو مظهراً معيناً لا ينسجم مع فنّه.

ويلفت الشهاوي إلى أن «الكتّاب المنطوين الذين لا يحبّون الأضواء، غالباً ما يعانون. إن الضغوط، والمقارنات، والتوقعات والجمهور والنقاد كلها عوامل تُثقل كاهلهم، كما يعاني الكاتب من مسألة القدرة على امتلاك استقلال فني بعد الجائزة». ويضيف: «أذكر أن نجيب محفوظ قد قالها صراحة: (أنا أعمل موظفاً الآن عند جائزة نوبل)».

مؤكداً أن «اللعنة تظهر عند رفع سقف التوقعات التي لا يمكن تلبيتها بسهولة، وربما هذه التوقعات وأسباب أخرى دفعت عدداً كبيراً من الذين نالوا نوبل في الآداب للإقدام على الانتحار، خصوصاً في اليابان والولايات المتحدة الأميركية».

لازلو كاراسناهوركاي (أ.ف.ب)

وكانت اللجنة المعنية باختيار الفائز بنوبل للآداب أعلنت، الخميس، اسم الكاتب الهنغاري، لازلو كاراسناهوركاي، صاحب عدة روايات، من بينها «تانغو الخراب» و«كآبة المقاومة» اللتان تُرجمتا للعربية، بالإضافة إلى نحو 10 كتب أخرى، اتسم خلالها بالطابع السوداوي والعبثي في الكتابة.

ووصف أستاذ الدراسات العربية بجامعة يورك الكندية، الدكتور وليد الخشاب، «تأثير جائزة نوبل على من يحصلون عليها من الأدباء بأنه موضوع شائك»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «جرت العادة بأن تكون الجائزة غالباً تكريماً للأديب بعد أن قدّم منجزه، أو أهم ما في منجزه، لكن ما يثير الانتباه أن كثيراً ممن حصلوا على نوبل في الآداب لم نسمع عنهم تقريباً بعد الجائزة، مثلاً بوب ديلون حصل عليها عام 2016، ولم نسمع عنه قبلها ولا بعدها، لأنه فنان منزوٍ منعزل يرفض الأضواء».

ويتابع الخشاب: «ربما كانت نوبل في بعض الأحيان مصدر نحس للكاتب، أذكر ألبير كامو الذي حصل على نوبل عام 1957 ثم مات بعدها بسنوات قليلة في حادث سيارة عبثي، وربما نقول الشيء نفسه عن نجيب محفوظ الذي حصل على الجائزة عام 1988 وبعدها بسنوات قليلة تعرض لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياته».

«من المثير أن هناك من رفضوا الجائزة مثل جان بول سارتر، الذي احتج ورفضها لأنها مُنحت لغريمه ألبير كامو قبله، ورغم ذلك ظل توهج وعطاء جان بول سارتر، ولم ينطفئ»، وفق الخشاب.

وتمنح جائزة نوبل للآداب للفائزة مكافأة مالية تقدر بنحو 1.1 مليون دولار أميركي، كما تفتح أمامه فرصاً عديدة للترجمة والانتشار حول العالم. ومن أشهر من حصلوا عليها جورج برنارد شو، وأناتول فرانس، وويليام فوكنر، وأكتوفيو باث، وخوسيه ساراماغو، وول سونيكا، وفيسوافا شمبوريسكا.

ماركيز حصل على نوبل للآداب عام 1982 (نتفلكس - أ.ب)

وترى الشاعرة الجزائرية الباحثة في النقد والتراث، الدكتورة حنين عمر، أن «الشهرة كالنار، مبهرة وتضيء، ولكنها قد تدفئ بعضهم، وقد تحرق آخرين». وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أهمية النجاح ليست في مكاسبنا من العالم، إنما بما يمنحنا من سلام نفسي، حتى لا يصبح وحشاً يلتهم أرواحنا. وفي هذا الصدد لا يمكننا الحديث عن نوبل دون الحديث عن المسألة النفسية التي جعلت ألفرد نوبل يؤسسها عام 1900، أي أن منطلقها دافع نفسي أصلاً، ولكونها حالياً تقدم في فئاتها أرفع جائزة أدبية حالياً، فإن الحصول عليها بقدر ما هو حلم كبير، بقدر ما هو أمر خطير قد يتحول إلى كابوس».

وتابعت: «من كانت حلماً جميلاً لهم، فيمكننا أن نذكر أول من حصل عليها عام 1901، وهو الشاعر الفرنسي الكبير سولي برودوم، الذي استثمر أموالها في إنشاء جائزة أخرى للشعر، وحوّلها إلى دافع للإبداع. وأما من أثّرت عليهم وانتحروا بعدها، فيمكن أن نذكر الروائي الأميركي إرنست همنغواي، الذي نالها عام 1954 وانتحر عام 1961، وأيضاً الكاتب السويدي هاري مارتينسون، الذي نالها عام 1974 وانتحر عام 1978، والكاتب الياباني ياسوناري كواباتا الذي نالها عام 1968، وانتحر عام 1972».

لكن هل يمكننا أن نسائل نوبل بسبب حوادث الانتحار المتكررة للفائزين في تاريخها، وفي كل فئاتها؟ ربما لا يمكن ذلك ببساطة، إن رجعنا إلى تحليل علم النفس، وعرفنا أن النجاح والشهرة لهما أثر بالغ في التحولات النفسية لأي إنسان، وفق الشاعرة الجزائرية.

نجيب محفوظ (دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة)

ويرى الناقد الأدبي المصري، الدكتور رضا عطية إسكندر، صاحب كتاب «العائش في السرد» عن نجيب محفوظ، أن «الجائزة منحت كثيراً من الكتّاب فرصة للتألق والظهور بشكل كبير، مثل ماركيز، الذي حاز على نوبل عام 1982، وانتشر بعدها بشكل كبير، لخصوصية تجربته في الواقعية السحرية، وكذلك نجيب محفوظ الذي قدّم تجربة ثرية تحمل رؤية نقدية وتأملية وفلسفية في العالم، واستمر تألقه بعد فوزه، وكذلك أورهان باموق وبيتر هندكه». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لكن للأسف كما منحت نوبل قبلة الحياة والتألق للبعض، أدّت إلى انزواء البعض الآخر، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة، فلم يحققوا انتشاراً كبيراً».

ولفت إسكندر إلى أن «الجائزة أصبحت محل تساؤل واستغراب من الأسماء التي تحصل على الجائزة، ولا يقدمون بعدها جديداً، بل يتم اكتشاف أن منجزهم الأدبي أو الإبداعي لا يستحق الجائزة». وحول المصائر المأساوية التي يتعرض لها حائزو نوبل، قال إسكندر: «أشهر حالات الانتحار كانت للكاتب الفذّ إرنست همنغواي، وعموماً العزلة والانتحار أمران واردان وشائعان بين طبقات الكتّاب الفنانين لحساسيتهم المفرطة تجاه العالم».


مقالات ذات صلة

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

الولايات المتحدة​ ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

يُتوقع أن يُسلم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب "جائزة الفيفا للسلام" عند إجراء قرعة كأس العالم يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم الشرع خلال إلقائه كلمته (سانا)

أبرز 5 شخصيات طبعت سنة 2025

فيما يأتي لمحة عن أبرز 5 شخصيات طبعت سنة 2025 في مختلف المجالات ومن مختلف أنحاء العالم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أميركا اللاتينية زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو (رويترز)

فنزويلا تعتزم اعتبار زعيمة المعارضة «هاربة» في حال سفرها لتسلم جائزة نوبل

تعتزم فنزويلا اعتبار زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو «هاربة من وجه العدالة» في حال مغادرتها البلاد إلى النرويج لتسلم جائزة نوبل للسلام التي نالتها.

«الشرق الأوسط» (كاراكاس)
آسيا ساناي تاكايتشي لدى وصولها إلى مقر رئاسة الوزراء في العاصمة اليابانية طوكيو (أرشيفية - أ.ب)

رئيسة وزراء اليابان تعتزم ترشيح ترمب لجائزة نوبل

تستعد رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي لترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لجائزة نوبل للسلام، مشيرة إلى أنها تقوم بالترتيبات اللازمة لإبلاغه بنواياها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق عالم الفيزياء النظرية الحائز جائزة نوبل تشين نينغ يانغ (صحيفة تشينا ديلي)

وفاة العالم الصيني نينغ يانغ حائز «نوبل» في الفيزياء عن 103 أعوام

توفي عالم الفيزياء النظرية الحائز جائزة نوبل، تشين نينغ يانغ، في بكين اليوم (السبت) عن عمر ناهز 103 أعوام.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
TT

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

في «عيد الكاريكاتير المصري» الخامس، يحتفي فنانون من مصر والبلاد العربية وأوروبا بـ«المتحف المصري الكبير»، وبمرور مائة عام على ميلاد فنان الكاريكاتير أحمد طوغان، أحد رموز مدرسة الكاريكاتير المصرية.

المعرض الاستثنائي، الذي افتتحه الفنان محمد عبلة، الخميس، ويستمر حتى 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يضمُّ 150 لوحة، وتستضيفه قاعتا «نهضة مصر» و«إيزيس» في «مركز محمود مختار الثقافي» بالقاهرة، ضمن مبادرة «فرحانين بالمتحف الكبير ولسه متاحف مصر كتير» التي أطلقتها مصر بهدف تعزيز ارتباط المواطنين بتراثهم الثقافي والفني.

لوحة الفنان الأردني محمود الرفاعي (الشرق الأوسط)

وقال الفنان فوزي مرسي، قوميسير المعرض، إن الأعمال التي شاركت في الاحتفاء بمئوية طوغان اقتصرت على الفنانين المصريين، وجاءت بأساليب متعددة؛ فمنهم من رسمه وهو يحمل ريشته كسلاح لمواجهة الفساد ومشكلات المجتمع وعيوبه، مثل الفنان مصطفى الشيخ، في حين صوّره الفنان حسني عباس في لوحة معبّرة وهو يحمل ريشته كشعلة يضيء بها الظلام من حوله، في إشارة إلى ما قدّمه طوغان عبر مسيرته في فن الكاريكاتير. أما في لوحة لخضر حسن، فجاء تصويره لطوغان وهو يحمل قلماً تنطلق منه رصاصات ضد الفساد وأمراض المجتمع.

ويضيف مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «جاءت أبرز المشاركات العربية في (عيد الكاريكاتير) من الإمارات، من خلال عمل للفنانة آمنة الحمادي. ومن السعودية حيث شارك الفنان أمين الحبارة بلوحة رسم في قلبها هرماً كبيراً تتصدره راية مصر، وتظهر خلفه مجموعة من الأهرامات. ومن الأردن شارك الفنان محمود الرفاعي، وقد كرّمته جمعية الكاريكاتير وأهدته درعها تقديراً له. واحتفت لوحته بالمتحف المصري الكبير عبر رموز فرعونية وقبطية وإسلامية وفنية وثقافية، رآها عناصر أساسية في تشكيل الشخصية المصرية، وجعل الأهرامات وأبو الهول في قلبها بوصفهما العماد الذي تقوم عليه حضارة مصر».

طوغان يحمل شعلة مضيئة... لوحة الفنان حسني عباس (الشرق الأوسط)

لوحاتُ الفنانين الأجانب عبّرت عن سعادتهم بافتتاح المتحف، وقدّموا أعمالاً رسموها خصيصاً لـ«عيد الكاريكاتير». وجاءت بعض المشاركات من الصين وبولندا وإسبانيا، ومن أوروغواي التي شارك منها الفنان لويس هارو بلوحةٍ رسم في قلبها فارساً فرعونياً يرحّب بزيارة المتحف. كما ركّزت لوحات فناني أوكرانيا على إبراز عناصر مصرية خاصة، من بينها أبو الهول والأهرامات و«حورس» والكباش، فجاءت بمثابة رسالة سلام ترحِّب بافتتاح المتحف الكبير وتدعو إلى زيارته.

أمّا لوحات الفنانين المصريين التي شاركت في الاحتفال بالمتحف، فقد اتخذ بعضها منحًى اجتماعياً ساخراً، منها عملٌ للفنان سعيد أبو العينين صوَّر فيه زوجةً تهاتف والدتها مستنجدةً بها من زوجها وابنها، مشيرةً إلى أنهما بعد افتتاح المتحف «تفرعنا» عليها، في إشارة إلى استعراضهما القوة أمامها. وقد اتخذ الفنانان عمرو سليم ودعاء العدل المنحى الساخر نفسه في أعمالهما.

لوحة الفنان الأوكراني كازانيفسكي (الشرق الأوسط)

«تركّزت لوحات الرسامين الأجانب المشاركة على الصورة، بخلاف المصريين الذين كان لتعبيرهم بالكلمات دورٌ أساسي في تشكيل أعمالهم وتكويناتها»، وفق الفنان سمير عبد الغني، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «(عيد الكاريكاتير) في دورته الخامسة يتشكّل من موضوعين: الأول الاحتفال بافتتاح المتحف الكبير، والثاني مئوية ميلاد طوغان».

وأضاف عبد الغني: «في كل الدورات السابقة كانت المشاركة تقتصر على فناني مصر، لكن هذه السنة كانت متميّزة، خصوصاً بمناسبة افتتاح المتحف الكبير؛ لذا وجّهنا دعوات إلى فنانين من بلدان كثيرة للمشاركة. وتميّزت لوحاتهم بوعي بصري كبير اشتغلوا من خلاله على الصورة التي سيطرت على التكوين، بخلاف لوحات المصريين التي ينقسم تشكيلها بين الرسم والتعبير اللغوي. والفرق بيننا وبينهم، كما أرى، نابعٌ من أنهم يشتغلون على فكرة سبعة آلاف سنة حضارة، والمومياوات، والضوء الذي يخرج من قلب عالمنا الخاص الساحر الزاخر بالعظمة منذ آلاف السنين، ومن هنا جاءت رسوماتهم مختلفة، بخلاف أعمال المصريين التي اتسمت بالوضوح والمباشرة».

لوحة الفنان جورج رودريغيز من فنزويلا (الشرق الأوسط)

تعود الفروق بين مساهمات فناني مصر والمشاركات الأجنبية، حسب عبد الغني، إلى ما يمكن تسميته بـ«الوعي البصري» المرتبط بثقافة الفنانين الأجانب، التي تتغذّى على زيارة المتاحف وما تضمه من آثار وتحف مصرية قديمة، إضافة إلى الاهتمام المبكر بالصورة عبر التعليم في مراحله المختلفة. أمّا الفنانون المصريون، فيأتي تعبيرهم في رسوم الكاريكاتير متأثّراً بسيطرة التعبير اللغوي في كثير من فنوننا، منها الأغنية والنكتة. ولعل أعمال مصطفى حسين، وأحمد رجب، وصلاح جاهين، وحجازي، وبهجت عثمان، وغيرهم كثيرون، خير تمثيل لذلك.

ورحّبت وزارة الثقافة المصرية بالمعرض، مشيرةً في بيان إلى أن «عيد الكاريكاتير» يهدف إلى ترسيخ الشعور بالهوية المصرية، وإعادة تسليط الضوء على ما تمتلكه مصر من متاحف وقيمة حضارية فريدة، إضافةً إلى تشجيع المشاركة المجتمعية في الفعاليات الثقافية والفنية التي تنظمها المتاحف المصرية، وتعميق الوعي بدورها بوصفها جسوراً تربط المصريين بتاريخهم العريق، وتغرس الانتماء من خلال الاحتفاء بموروثهم الإنساني والحضاري.

وتعكس الأعمال المشاركة تنوّعاً بصرياً وفنياً لافتاً؛ إذ تجمع بين النقد المرح، والفلسفة الساخرة، والطرح الإنساني، بما يمنح الجمهور تجربةً غنية تُبرز قدرة الكاريكاتير على تناول القضايا الكبرى بلغة فنية جذابة وقريبة من الناس.


من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
TT

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)

هل تجد صعوبة في إبقاء عينيك مفتوحتين بعد الغداء؟ كثيراً ما يبدأ الناس يومهم بنشاط ثم تنهار طاقتهم بعد الغداء. هناك العديد من الأسباب التي تجعل الأشخاص يشعرون بانخفاض نشاطهم في فترة ما بعد الظهر، وخاصةً بين الساعة الواحدة ظهراً والرابعة عصراً.

كشف الدكتور أنتوني ريفي، اختصاصي النوم السلوكي في مركز هنري فورد الصحي: «الإيقاع اليومي الطبيعي لجسمنا، وهو الساعة الداخلية التي تعمل على مدار 24 ساعة وتساعد على تنظيم عملياتنا البيولوجية، يرسل إشارات إلى الدماغ خلال النهار ليبقينا متيقظين ونشيطين. مع حلول وقت الغداء، تنخفض هذه الإشارات مما قد يجعلنا نشعر بالنعاس».

إليك طرق تساعدك في التغلب على نعاس ما بعد الظهر دون احتساء رشفة من القهوة:

استمع إلى الموسيقى

أثبتت الدراسات أن الاستماع إلى موسيقى مُبهجة يُحسّن المزاج ومستوى الطاقة. للحفاظ على نشاطك خلال النهار بعد الغداء، أنشئ قائمة تشغيل لأغانٍ مُبهجة لتسلية نفسك. ولأن الموسيقى نشاط ممتع في كثير من الأحيان، فإنها تُحفز إفراز هرمون السعادة الذي يُبقيك نشيطاً.

استمر بالحركة

إذا شعرت بالنعاس بعد تناول الطعام بعد الظهر، يمكنك الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك. يعتقد الخبراء أن ممارسة الرياضة تُنشط عقلك وجسمك. كما أنها تُعرّضك للهواء النقي والإضاءة الطبيعية، مما يُحقق لك نتائج جيدة.

اخرج إلى الشمس

اخرج إلى الشمس لضبط ساعتك البيولوجية وتوفير فيتامين «دي» الضروري. يمكن لأشعة الشمس الطبيعية أن تمنع إنتاج هرمون النوم (الميلاتونين) في جسمك. إذا كنت في المكتب، ولا يسمح لك ذلك بالتعرض لأشعة الشمس، يمكنك تشغيل أضواء السقف الساطعة وتجنب الظلام، خاصةً بعد استراحة الغداء.

حافظ على رطوبة جسمك

يُعد الحفاظ على رطوبة الجسم أمراً بالغ الأهمية لأداء وظائفك اليومية. ويؤكد الباحثون أن الجفاف، حتى لو كان خفيفاً، قد يؤدي إلى التعب، مما قد يؤثر على قدرتك على التركيز. يقول الدكتور ريفي: «للأسف، يُصاب الكثير من الناس بالجفاف المزمن لمجرد أنهم لا يشربون كمية كافية من الماء لأداء أنشطتهم اليومية».

تناول غداءً متوازناً

احرص على تناول نظام غذائي متوازن غني بالبروتين والألياف والدهون الصحية خلال النهار. اتباع هذه النصيحة الواعية سيساعدك على التغلب على مشكلة النوم بعد الظهر، التي تأتي فجأةً بعد الغداء، خاصةً بين الساعة الأولى ظهراً والرابعة عصراً.

اتبع نمط نوم جيداً

النوم الجيد ليلاً أمرٌ لا غنى عنه، خاصةً إذا كنت تحاول إدارة انخفاض الطاقة بعد الغداء. يوصي الخبراء بأن ينام الشخص البالغ من 7 إلى 9 ساعات على الأقل ليلاً ليشعر بالنشاط خلال النهار. يوضح الدكتور ريفي: «كمية النوم التي يحتاج إليها كل شخص تختلف من فرد لآخر، وتتغير على مدار حياته».


«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
TT

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

لم يتخيّل المخرج البلجيكي جان فرانسوا رافانيان أن مقطعاً مصوَّراً عابراً على مواقع التواصل الاجتماعي سيقوده، بعد سنوات من البحث، إلى قلب أفريقيا، وتحديداً إلى قرية نائية في غامبيا، ليغوص عميقاً في مأساة إنسان يُدعى «باتيه سابالي».

الشاب الذي هزّ غرقُه في القناة الكبرى بالبندقية عام 2017 الرأيَ العام العالمي، حين اكتفى العشرات من المتفرجين بالصراخ وإطلاق الإهانات العنصرية بدلاً من مدّ يد العون له، كان مقطعُ الفيديو المصوَّرُ له الشرارةَ الأولى لفيلمه الوثائقي «الشاطئ الأخير»، الذي يحاول أن يعيد لهذا الشاب اسمه وصوته وحكايته.

قال رافانيان لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتذكّر اللحظة الأولى جيداً؛ «كان الأمر صفعةً. رأيتُ الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، كما شاهده آلاف غيري في ذلك الوقت. صدمتني اللامبالاة، والكلمات العنصرية، والجمود الكامل أمام غرق شاب لا يحاول أحد مساعدته. في البداية لم أفكّر في فيلم؛ فكّرتُ بصفتي صحافياً: مَن هذا الشاب؟ ماذا حدث؟ ولماذا لم يتحرّك أحد؟».

وأضاف المخرج، الذي عُرض فيلمه للمرة الأولى عربياً في مهرجان «الدوحة السينمائي»، أن الأمر تحوّل إلى هاجس، بيد أنه اصطدم منذ اللحظة الأولى بحقيقة أن التحقيقات في إيطاليا كانت مغلقة بالكامل، مما جعل الوصول إلى أي معلومة أمراً معقّداً وصعباً.

المخرج البلجيكي (الشركة المنتجة)

ولأن الطريق إلى الحقيقة كان مسدوداً، اختار المخرج البلجيكي طريقاً آخر، وهو البحث عن عائلة باتيه. يقول: «استغرق الأمر عامين كاملين لأجد أثرهم في غامبيا، وعندما وصلت أخيراً إلى القرية، أدركت أن الغضب الذي اجتاحني أمام شاشة الكمبيوتر في أوروبا كان صورة مختلفة. فالعائلة دعتني إلى رؤية الأمور من زاوية أخرى: زاوية الفقد، والغياب، والبحث عن المعنى. عند تلك اللحظة تغيّر الفيلم تماماً».

يشير رافانيان إلى أن «أصعب ما واجهته في البداية لم يكن الطبيعة أو الظروف، بل بناء الثقة مع العائلة»، مضيفاً: «عندما تصل إلى قرية بعيدة، وتكون غريباً، عليك أن تدرك أن لكل عائلة سرديّتها الخاصة. كان عليّ أن أجد الطريقة المناسبة للوقوف بالكاميرا، وأن أتجنّب أي منظور قد يُشعِرهم بأننا نمسك بموقع قوة أو وصاية. الثقة كانت المفتاح، لا الأدوات ولا الموقع ولا التقنية».

وعن ظروف التصوير في القرية، يشرح رافانيان أن «الفريق كان صغيراً للغاية؛ كنت أنا، ومدير التصوير، ومساعدة تنتمي إلى مجتمع الفولا، تتحدث لغتهم وتفهم ثقافتهم. ولم تكن المسألة لغةً فقط، بل سلوكاً ومعتقدات ونظرة إلى الحياة. كنا نقيم في القرية أياماً طويلة بلا كهرباء، نصحو مع الفجر وننام مع المغيب؛ لا فنادق ولا راحة، فقط الحياة اليومية كما هي. وكل 8 أيام نعود إلى المدينة لشحن البطاريات وإحضار حاجات العائلة، ثم نعود من جديد. كان الوجود الدائم ضرورياً، لأن أقرب مدينة تبعد أربعين دقيقة بالسيارة، ولأن الحياة في القرية تبدأ وتنتهي مبكراً».

المخرج حاول تسليط الضوء على هوية العائلة في فيلمه (الشركة المنتجة)

اختار المخرج ألّا يُظهر باتيه، رغم امتلاكه صوراً عدّة له سواء من العائلة أو من الإنترنت، لكنه لم يرغب في استخدامها، وهو ما يفسّره قائلاً: «أردتُ أن يراه الجمهور من خلال غيابه، كما تعيشه عائلته. أردتُه غائباً، حاضراً بالصوت وبالأثر. فالصوَر قد تعيد تجسيده، لكنها قد تُسطّح ما تعرّض له، بينما الصوت، صوت العائلة وذاكرتها، يعيد إنسانيته كاملة».

وعن كيفية حماية العائلة في هذا النوع من الأفلام الحسّاسة، يقول رافانيان إن ما فعله يشبه عمل الصحافة أكثر منه عملاً سينمائياً؛ فالعائلة لم تكن تعرف تفاصيل ما حدث في القناة، ولم يرغب في أن يضع الفيديو أمامهم أو أن يعرّضهم لصدمة جديدة. وحين سألته الأم عمّا وقع لابنها، قال لها الحقيقة بالكلمات. ويضيف: «لم تشأ أن ترى الفيديو، واكتفت بأن تعرف. كان هناك أيضاً تقريرٌ من 200 صفحة صادر عن السلطات الإيطالية، لم يكن من حقّهم الحصول عليه، فساعدناهم على الوصول إليه. كان الفيلم أيضاً وسيلة لكشف الحقيقة لهم، ولإنصافهم أسرياً».

لم يُنكر المخرج البلجيكي وجود صعوبات عدّة أثناء التصوير في غامبيا، من الإجراءات الأمنية والبيروقراطية المعقّدة، إلى عدم اعتياد السكان على الكاميرا، فضلاً عن عزلة القرية نفسها وافتقارها إلى الكهرباء والمياه العامة، واعتماد حياتها اليومية على الزراعة وتربية النحل. لكنه، رغم ذلك، لا يُخفي سعادته بهذه التجربة التي وثّقت اسم «باتيه سابالي».