على مدى عامين، اهتزت أروقة المكتبات الأوروبية على وقع سلسلة سرقات غامضة استهدفت روائع الأدب الروسي النادرة. فبين عامي 2022 و2023، اختفى ما يقارب 170 كتاباً قيّماً تعود إلى عمالقة مثل بوشكين وغوغول، في واحدة من أكثر الجرائم الأدبية إثارة للدهشة، امتدت من دول البلطيق إلى قلب أوروبا الغربية. وفقاً لصحيفة «الغارديان».
في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت مكتبة جامعة وارسو في بولندا مسرحاً لإحدى أكثر حلقات العملية جرأة. شاب وفتاة يبدوان كأي باحثَين عاديَّين، جلسا بهدوء في قاعة المطالعة، يتصفحان نسخاً نادرة من القرن التاسع عشر استُحضرت خصيصاً لهما من قسم المحفوظات المغلقة. أوراق هشة، أغلفة أنيقة، وعناوين لأعمال خالدة، من بينها طبعة نادرة من قصيدة بوشكين «الأخوان اللصّان».
لكن الهدوء لم يستمر طويلاً. فبعد استراحة قصيرة «للتدخين»، غادر الشاب والفتاة القاعة دون عودة. حين عاد الموظفون لتفقد الطاولة، كانت خمسة من الكتب الثمانية قد اختفت. لاحقاً، تبيّن أن اللصين استبدلا الكتب الأصلية بنسخ مزوّرة «عالية الجودة» صُممت لخداع العين المجردة.
إحدى الصحف البولندية وصفت الحادثة بأنها «سرقة جواهر التاج»، بينما قال الدبلوماسي السابق هيرونيم غرالا، الذي شارك في تقييم الخسائر: «كان الأمر أشبه بسرقة جزء من الذاكرة الوطنية».
كشفت التحقيقات لاحقاً عن أن ما حدث في وارسو لم يكن سوى حلقة في شبكة تمتد عبر القارة. فخلال العامين الماضيين، أُبلغ عن حوادث مشابهة في لاتفيا، وإستونيا، وليتوانيا، وفنلندا، وجمهورية التشيك، وفرنسا، وسويسرا وألمانيا، حيث بلغت القيمة الإجمالية للمسروقات أكثر من 2.5 مليون جنيه إسترليني.
وتقول المدعية العامة الإستونية لورا بيلين: «لم نشهد شيئاً بهذا الحجم والدقة من قبل. المكتبات لم تكن تعدّ نفسها هدفاً للجريمة المنظمة».
ما يثير التساؤل اليوم هو ما إذا كان وراء العملية مجرّد لصوص محترفين أم شبكة أكبر تعمل وفق أهداف ثقافية أو سياسية خفية، خصوصاً أن الكتب المسروقة جميعها تعود إلى زمن الإمبراطورية الروسية، وتحمل في طيّاتها رموزاً من صراع تاريخي طويل بين روسيا وجيرانها الأوروبيين.
في انتظار نتائج التحقيقات التي لا تزال جارية، تبقى «عملية بوشكين» مثالاً نادراً على كيف يمكن لصفحاتٍ صفراءَ هشة أن تهزّ أركان أوروبا، وتعيد فتح ملفات الماضي الثقافي والسياسي بين الشرق والغرب.



