رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل

عاشت حرة وأحبت الحيوانات أكثر من السينما والرجال

صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
TT

رحيل بريجيت باردو... هرم فرنسا المعتزل

صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست
صورة أرشيفية لباردو تقبّل كلبة ضالة خلال زيارتها لمأوى كلاب في بوخارست

لم تكن تحت العين وقيد السمع، لكن بريجيت باردو، الممثلة التي رحلت اليوم عن 91 عاماً، كانت هرماً فرنسياً حاضراً في الأذهان رغم اعتزالها وعزلتها. لذلك جاء غيابها الجسدي ليُعيد التذكير بفصول من تاريخ فرنسا الحديث منذ منتصف القرن الماضي، وبكل ما عاشه البلد من تحولات اجتماعية. إنها الممثلة التي يُنقل عن الجنرال ديغول قوله إن أفلامها من مصادر الدخل القومي الفرنسي.

العناوين عنها كثيرة، وكلمات الرثاء لم تتوقف منذ لحظة إعلان وفاتها. هي فرصة للسياسيين والفنانين المنسيين أن يظهروا للعلن ويسجلوا موقفاً أمام الجماهير التي عايش بعضها «ثورة باردو»، في حين ما زالت غالبية الشباب تجهل تاريخها. رحيل ألان ديلون أو جوني هاليداي أو شارل أزنافور في كفّة، وانطفاء الممثلة الشقراء في كفّة أخرى. هي الأنثى الفرنسية الحرّة منذ أن اكتشفها المخرج روجيه فاديم، وقدّمها في فيلم «وخلق الله المرأة» عام 1956.

تكتب صحيفة «لوبوان» أنها كانت «مزعجة للنساء، مثيرة للرجال. ففي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، جسّدت باردو، سابقة عصرها، الثورة الجنسية وتحرر المرأة. وعلى امتداد حياتها ارتبطت الأحرف الأولى من اسمها B.B. بالحرية. لا يمكن لمن عاصرها أن ينسى تلك الصبية ذات الفم المزموم، وهي ترقص حافية القدمين على أنغام المامبو الحماسية والجريئة والساخنة مثل بركان». كان مشهداً من فيلم فاديم، الذي تزوجها وفق عادته في الاقتران ببطلاته الشقراوات، صُوِّر في ميناء سان تروبيه الصغير ليكون نقطة ولادة الأسطورة.

في عام 1984، روى روجيه فاديم لمجلة «باريس ماتش» الباريسية أنه عاد من تقديم ندوة في قسم السينما بجامعة كبرى في لوس أنجليس، وتفاجأ بأن الطلاب الذين شاهدوا فيلم «وخلق الله المرأة» أبدوا دهشتهم من حداثة شخصية جولييت، التي أدّتها بريجيت باردو، وكذلك من مهاجمة المحافظين في القارات الخمس الذين صرخوا مندّدين بالفضيحة وبالإباحية عند عرض الفيلم. فما قدّمه الفيلم بات عادياً في الزمن التالي، وليس فيه ما يستدعي التنديد.

باردو وجاك بالانس أثناء تصوير فيلم «الازدراء» في روما (أ.ب)

تجاوزت شهرة باردو حدود بلدها إلى العالم، وقدّمت لها هوليوود عروضاً مغرية، لكنها اكتفت بأفلام قلائل هناك وفضّلت العودة إلى فرنسا. عاشت حياة مضطربة، وتزوجت أكثر من مرة، وارتبطت بقصص حب عدّة، لكنها اختارت إنهاء مهنتها السينمائية وهي في عز شهرتها، والتفرغ للاعتناء بحيوانات مزرعتها وتكريس كل جهودها لقضية الدفاع عن تلك المخلوقات الضعيفة، باذلة الغالي والرخيص في سبيلها. وكان من نتائج حربها ضد طريقة ذبح الأضاحي أن كانت هدفاً لملاحقات قانونية بتهمة العنصرية وبث التفرقة بين المواطنين والتطاول على المسلمين. لكنها لم تتراجع، وكانت لا تتورع عن ملاحقة الوزراء ورؤساء الدول وكتابة العرائض والسير في المظاهرات من أجل وقف صيد حيوان الفقمة، مثلاً، أو منع الصيد العشوائي وذبح الطيور وطبخ الأرانب والمواشي.

وحتى في عزلتها، لم تنجُ من مطاردة السياح والمصورين لها، فكانت أفواجهم تركب البحر في قوارب تمر بمحاذاة منزلها في «سان تروبيه»، البلدة الساحلية الصغيرة التي أخذت شهرتها من باردو، على أمل رؤيتها أو الفوز بصورة لها.

وُلدت باردو في عائلة برجوازية وفي حيّ من أحياء باريس الراقية، لكنها لم تكفَّ يوماً عن عيش حياتها كما تشاء. تأكل حين تجوع، تُصوّر إن طاب لها ذلك، وتقول رأيها بصوت عالٍ. كانت نسوية من دون أن تكون محسوبة على النسويات ونصيرات تحرير المرأة. بل إن كثيرات وجدن فيها امرأة مسترجلة لأنها امتلكت حرية الرجل. ومع هذا، فإن دارسي أحوال المجتمع الفرنسي الحديث يجدون أن باردو لعبت دور المسرّع لمجتمع كان ينتظر ذلك.

بريجيت باردو بمناظرة ضد صيد الفقمة في ستراسبورغ عام 1978 (أ.ف.ب)

تزوجت حين عنّ لها الزواج، وتطلقت حين فتر الحب وخبت الشعلة. وكان من أزواجها، بعد فاديم، جاك شارييه، وغونتر زاكس، وبرنار دورمال، رفيق حياتها الأخير الذي كان من وجوه حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف. وبموازاة الأزواج، كان من عشّاقها المتعدّدين جان-لوي ترنتينيان، وجيلبير بيكو، وساشا ديستيل، وسامي فراي، وسيرج غانسبورغ. لم تكن العلاقات بالنسبة لها ذنوباً. قالت في مقابلة صحافية: «في فرنسا، الرجل الذي له عشيقات يُقال عنه دون جوان، أمّا المرأة التي لها عشّاق فهي عاهرة». وكان رأيها أن هذه أفكار يجب دفنها إلى الأبد.

في عام 1996، نشرت بريجيت باردو مذكراتها التي جاءت صريحة ومن دون حسابات لردود الأفعال. تحدثت في الكتاب عن كل شيء: إخفاقاتها المهنية، ونوبات انهيارها العصبي، والإهانات التي تعرّضت لها، ومحاولات الانتحار، وكراهيتها العميقة لصحافة لاحقتها حتى خنقتها ومنعتها من عيش حياة طبيعية.

كتبت كما عاشت دائماً: من دون أقنعة أو خجل مصطنع. وصفت زوجها، الممثل الوسيم جاك شارييه، بأنه «برجوازي حتى العظم»، ونعتت أحد عشاقها بالأحمق المتأنق، ورأت في زميلتها ومنافستها جان مورو «انتهازية مستعدة لفعل أي شيء»، واختصرت ألان ديلون بكلمة «نرجسي»، وكاترين دونوف «ساذجة». لكن الزلزال الحقيقي لم يكن في تصفية الحسابات، بل في كسر واحد من أقدس المحرّمات: الأمومة. تجرأت باردو على قول ما كان يدور همساً بين النساء، وهو رفض أسطورة الأمومة الإلزامية، ونقد الشعور بالذنب المفروض اجتماعياً، وفضح فكرة أن الأمومة قدر لا نقاش فيه.

باردو وزوجها غونتر زاكس في استقبال بقصر الإليزيه بباريس عام 1967 (أ.ب)

كانت، كعادتها، تفضّل أن تصدم على أن تكذب، حتى لو بقيت وحدها في مواجهة الجميع. كتبت عن ولادة ابنها نيكولا عام 1960 عبارات صادمة: «طفلي كان أشبه بورم داخل جسدي. عندما استيقظت ظننت أن على بطني قِربة ماء مطاطية. كان ذلك ابني. لم تكن لديّ يوماً غريزة الأمومة». وبسبب تلك التصريحات تعرّضت بريجيت باردو لملاحقات قضائية من زوجها السابق جاك شارييه ومن ابنها نيكولا شارييه بتهم انتهاك الحياة الخاصة والتشهير والإساءة. وصدر بحقها حكم بدفع تعويضات مالية. وفي حوار مطوّل في مجلة «مدام فيغارو»، سُئلت عمّا إذا كانت جدة أفضل مما كانت أمّاً، فجاء جوابها قاطعاً ومحرجاً: «أنا لستُ جدّة أصلاً. ولا أندم على شيء. أتحمّل وحدي المسؤولية، في السراء والضراء. لقد كنت حرّة دائماً».

تعرّضت النجمة لأزمة صحية قبل عامين، وأُدخلت قسم العناية المركزة. نشطت وسائل الإعلام كافة في تحضير ملفات وتقارير تواكب احتمال وفاتها، لكنها خيّبت التوقعات وخرجت سالمة، لتُأجل الملفات إلى موعد مرتقب، وهو ما جرى اليوم، قبل يومين من نهاية العام الميلادي، وفي عز استعداد الفرنسيين لرأس السنة. ماتت رمز حرية المرأة الفرنسية.


مقالات ذات صلة

البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيد

يوميات الشرق المخرج داود عبد السيد (فيسبوك)

البحث عن الحقيقة المتوارية في أفلام داود عبد السيد

عجز المخرج داود عبد السيد منذ 2022 عن تمويل فيلم جديد، وكان «قدرات غير عادية» (2015) آخر أفلامه قبل اعتزاله.

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
رياضة عالمية أسطورة كرة القدم الأرجنتينية دييغو مارادونا (رويترز)

عزل القاضية التي تسببت في بطلان المحاكمة بقضية وفاة مارادونا

عُزِلت القاضية التي تسببت في بطلان المحاكمة في قضية وفاة أسطورة كرة القدم في الأرجنتين، والعالم، دييغو أرماندو مارادونا.

«الشرق الأوسط» (لابلاتا)
يوميات الشرق جعفر جاكسون بدور عمّه في فيلم «مايكل» الذي يُعرض في أبريل المقبل (الشركة المنتجة Lionsgate)

جعفر جاكسون يعيد عمّه مايكل إلى الحياة في فيلم مثير للجدل

الفيديو الترويجي لفيلم «مايكل» حطّم أرقام المشاهدات خلال 24 ساعة، في دليل على أن شخصية مايكل جاكسون وحياته ما زالت تثير الفضول والاهتمام.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الممثلة جنيفر أنيستون وحبيبها الجديد جيم كورتيس (إنستغرام)

جنيفر أنيستون في الـ56... الحب لا يأتي متأخراً

فاجأت الممثلة الأميركية، جنيفر أنيستون، الجمهور بإعلانها علاقة عاطفية جديدة تجمعها بجيم كورتيس. فما تفاصيل قصة الحب هذه الآتية على مشارف خريف العمر؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق عدد من مشاهير الموسيقى والتمثيل لا يعطون أولوية للنظافة الشخصية (رويترز – أ.ب)

إهمال النظافة الشخصية... ظاهرة عابرة للمشاهير

منهم مَن يوفّر مياه الاستحمام والمرحاض حفاظاً على البيئة، ومنهم من لا ينظّف أسنانه، بينما يقاطع آخرون مزيل التعرّق.

كريستين حبيب (بيروت)

الخزانة البريطانية تؤمّن «نسيج بايو» التاريخي بـ800 مليون إسترليني

فنية تفحص النسيج (متحف بايو)
فنية تفحص النسيج (متحف بايو)
TT

الخزانة البريطانية تؤمّن «نسيج بايو» التاريخي بـ800 مليون إسترليني

فنية تفحص النسيج (متحف بايو)
فنية تفحص النسيج (متحف بايو)

تعتزم وزارة الخزانة البريطانية تأمين لوحة «نسيج بايو» التاريخية ضد التلف أو الضرر بقيمة نحو 800 مليون جنيه إسترليني خلال فترة إعارتها إلى المتحف البريطاني، العام المقبل. ويبلغ طول النسيج نحو 70 متراً، ويصور وقائع معركة هاستينغز عام 1066.

وتشمل التغطية التأمينية عملية النقل والتخزين والعرض للجمهور، ضمن نظام التعويض الحكومي الذي يسمح بعرض أعمال فنية ثمينة دون تكاليف باهظة، وفق «بي بي سي».

وأكدت وزارة الخزانة أن هذا النظام يحمي المؤسسات العامة من أقساط التأمين التجاري المرتفعة، ويوفر لها فرصة عرض قطع نادرة بأمان مالي كبير.

وأثار نقل النسيج جدلاً في فرنسا بسبب هشاشته وكون عمره يبلغ ألف عام، لكن المسؤولين الفرنسيين أكدوا صلاحيته للسفر، وفق معايير دقيقة. وقد قُيِّم التأمين بشكل أولي، وقُدّر بقيمة 800 مليون جنيه إسترليني، مع انتظار التقييم النهائي.

عمال ينقلون النسيج في متحف بايو (متحف بايو)

ومن المقرر عرض النسيج في قاعة معارض ساينسبري بالمتحف البريطاني من سبتمبر (أيلول) المقبل حتى يوليو (تموز) 2027، بالتزامن مع ترميم متحفه الحالي في بايو الفرنسية. ويضم العمل 58 مشهداً و626 شخصية و202 حصان، ويروي صراع ويليام الفاتح مع هارولد غودوينسون على عرش إنجلترا، ليصبح أول ملك نورماني.

ويتيح نظام التعويض الحكومي عرض القطع الفنية القيمة في المملكة المتحدة بتكلفة أقل، وقد أسهم منذ إنشائه عام 1980 في إعارة أعمال مهمة، بينها لوحة «غرفة النوم» لفنسنت فان غوخ. ووفق الاتفاق، سيُعير المتحف البريطاني قطعاً أثرية إلى فرنسا، تشمل مكتشفات أنغلو-سكسونية وقطع شطرنج لويس من القرن الـ12.


«المُلحد» على شاشات السينما المصرية أخيراً بعد تجاوز الجدل والمنع

محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)
محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)
TT

«المُلحد» على شاشات السينما المصرية أخيراً بعد تجاوز الجدل والمنع

محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)
محمود حميدة وصابرين في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

يصل فيلم «المُلحد» إلى شاشات السينما المصرية بعد مسار شائك من الجدل لم يكن منفصلاً عن طبيعة العمل نفسه، ولا عن القضايا التي يقترب منها بحذر وجرأة في آنٍ واحد، فالفيلم الذي لم يعرض في موعده بصيف 2025 لأسباب «رقابية» قبل أن يحصل أخيراً على الموافقة، سيطرح بالصالات السينمائية بدءاً من الأربعاء المقبل، بعد أكثر من عام ونصف العام على الانتهاء من تصويره، وأقيم العرض الخاص له مساء السبت في القاهرة.

لا يكتفي الفيلم -الذي يقوم ببطولته أحمد حاتم، ومحمود حميدة، وحسين فهمي، وصابرين، ونجلاء بدر- بطرح فكرة الإلحاد بوصفها موقفاً فكرياً، بل يحاول تفكيك السياق الاجتماعي والنفسي الذي قد يدفع شاباً إلى هذا الخيار، واضعاً التشدد الديني في قلب هذا السياق.

أحمد حاتم وحسين فهمي في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

منذ مشاهده الأولى، يضع «المُلحد» المشاهد أمام صدام مباشر لا يحتمل التأويل. الأب «حافظ»، الذي يؤدي دوره محمود حميدة، يقرر تزويج ابنته القاصر رجلاً يكبرها في السن، وفي مواجهة هذا القرار يرفض الابن «يحيى»، الذي يجسده أحمد حاتم، هذا الزواج، ويعدّه جريمة أخلاقية قبل أن يكون خلافاً عائلياً، وحينها تتفجر أزمة بين الأب والابن لا تتوقف عند حدود الأسرة، بل تمتد سريعاً إلى جوهر الإيمان ذاته.

ومع تصاعد الصدام، يتكشف أن «يحيى» لم يعد مجرد ابن متمرد، بل شاب اختار الإلحاد بعد رحلة طويلة من القهر الفكري والتناقضات التي عاشها داخل بيت يحكمه التشدد، هنا يتحوّل الخلاف من نزاع على قرار زواج إلى مواجهة وجودية، يرى فيها الأب أن ابنه خرج عن الدين، في حين يرى الابن أن ما فُرض عليه باسم الدين لم يكن سوى قسوة وتجريد للإنسان من حقه في السؤال والاختيار.

تأخذ المواجهة منحنى أكثر قتامة حين يُهدد الأب ابنه بالقتل، لا بوصفه فعلاً إجرامياً بل «واجب» (في منطق الشخصية) لتطهير العائلة، واستعادة ما يراه حقّاً إلهياً.

في هذا السياق، يُحاول الأب أن يمنح نفسه شرعية أخلاقية عبر جلسات «الاستتابة»، فيسعى إلى إعادة ابنه إلى الإيمان قبل تنفيذ تهديده، في مشاهد تتقاطع فيها القسوة مع الادعاء، والرحمة المعلنة مع العنف الكامن.

وسط هذا التصعيد يتدخل العم، الذي يؤدي دوره حسين فهمي، شقيق الأب، بوصفه صوتاً مختلفاً داخل العائلة لا يملك حلولاً جاهزة، لكنه يكشف عبر حضوره هشاشة البناء الفكري الذي يستند إليه الأب، ويطرح نماذج أخرى في العائلة مع خلفيات تكشف مزيداً من التفاصيل الحياتية حول العائلة، وما مرت به في فترات سابقة.

حسين فهمي في العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

الفيلم لا يقدم «يحيى» بوصفه بطلاً مثالياً أو مالكاً لحقيقة مطلقة، بل شخصية «مأزومة» تشكّلت عبر صراع طويل بين العقل والخوف، وبين الرغبة في الفهم والرغبة في النجاة. وفي المقابل، لا يُصور الأب شيطاناً مطلقاً، بل هو إنسان اختزل الإيمان في منظومة من الأوامر الجامدة، وفقد قدرته على رؤية ابنه إلا بوصفه مشروع خطيئة ينبغي محوها.

بطل الفيلم أحمد حاتم أكّد لـ«الشرق الأوسط» أن «الجدل المصاحب للعمل لا يقلقه بقدر ما يهمه استقبال الجمهور للعمل»، مؤكداً أن «الحكم الحقيقي لا يكون إلا بعد المشاهدة، لكونها وحدها قادرة على الرد على كل شيء، فالعمل موجّه للجمهور في الأساس، ولكل مشاهد الحق الكامل في أن يراه ويفسره بطريقته الخاصة».

وأضاف أن «حماسه للفيلم جاء من إيمانه بأنه عمل مهم يناقش فكرة نادراً ما يتم التطرق إليها في السينما المصرية، معرباً عن أمله في أن يتأثر الناس بالفيلم ويحبوه، مع ترحيبه بجميع ردود الأفعال بعد المشاهدة، سواء أكانت سلبية أم إيجابية».

وعن تجسيده شخصية «يحيى»، الشاب الذي تتشكل أفكاره في ظل بيئة دينية متشددة، كشف أحمد حاتم عن تحضيرات مكثفة سبقت التصوير، موضحاً أنه جلس لفترات طويلة في مذاكرة الشخصية، واستعان بمدرب تمثيل، بهدف الوصول إلى أكبر قدر من المصداقية، عادّاً أن «التحدي الحقيقي كان في إقناع الجمهور بالشخصية، لا في إثارة الصدمة، لأن التأثير من وجهة نظره لا يتحقق إلا إذا شعر المشاهد بأن ما يراه حقيقي وقابل للحدوث، وليس مجرد تمثيل».

الناقد السينمائي محمد عبد الرحمن يرى أن «عرض (المُلحد) يفتح علامة استفهام كبيرة حول أسباب منعه في البداية»، عادّاً أن «الفيلم يناقش قضية محددة وواضحة، تتمثل في أن التشدد الديني قد يقود إلى نتيجة عكسية هي الإلحاد أو الكفر بكل المبادئ والأديان».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأضاف أن «الفيلم يُقدّم هذه الفكرة من خلال بناء درامي متماسك، مشيداً بما عدّه نجاح المخرج محمد العدل في إيجاد معادل بصري قوي للحوارات الفكرية التي تشبه، في كثير من الأحيان، مناظرة مستمرة بين 3 أطراف؛ التشدد، والإيمان الوسطي، والإلحاد».

ويرى عبد الرحمن أن «الفيلم لا يقع في فخ الخطابة المباشرة، بل يوظف مواقع التصوير وبناء المشاهد ليُحافظ على توتر درامي مستمر، خصوصاً بعد النصف الأول من الفيلم». وخلص إلى أن «العمل لا يُقدّم صراعاً ثنائياً مبسطاً، بل يعتمد على شبكة من الشخصيات التي تخلق توازناً داخل الحكاية، بحيث لا تتحول القضية إلى مواجهة أحادية بين أب وابن فقط».


أيهما أفضل للبشرة... فيتامين «سي» أم «هـ»؟

فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
TT

أيهما أفضل للبشرة... فيتامين «سي» أم «هـ»؟

فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)
فيتامين «سي» وفيتامين «هـ» عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة (جامعة آيوا)

في عالم العناية بالبشرة، يكاد لا يخلو أي ممر في متاجر مستحضرات التجميل من منتجات تحتوي على فيتامين «سي» أو فيتامين «هـ»، سواء على شكل زيوت أو كريمات مرطبة. ويُنظر إلى الفيتامينين على أنهما عنصران أساسيان للحفاظ على بشرة صحية ومشرقة. لكن يبقى السؤال الأهم: أيهما أفضل للبشرة؟

يؤكد أطباء الجلدية وخبراء التغذية أن كلاً من الفيتامينين مهم، لكن لكل واحد دور مختلف، وغالباً ما تكون أفضل النتائج عند استخدامهما معاً، وفق مجلة «بريفنشن» الأميركية.

ويُعرف فيتامين «سي» بدوره الأساسي في تحفيز إنتاج الكولاجين، وهو البروتين المسؤول عن تماسك البشرة ومرونتها وتسريع التئام الجروح. كما يساعد على حماية الجلد من الأضرار الناتجة عن الأشعة فوق البنفسجية والتلوث، ويُسهم في تقليل مظهر التجاعيد والندبات، إلى جانب دوره في تفتيح البشرة وتوحيد لونها.

وتشير دراسات حديثة إلى أن فيتامين «سي» قد يساهم أيضاً في إعادة تنشيط الجينات المرتبطة بنمو الجلد وإصلاحه، مما يجعله خياراً مفضلاً للبشرة الناضجة أو التي تعاني من التصبغات.

وعلى عكس فيتامين «سي»، فإن فيتامين «هـ» موجود بشكل طبيعي في الجسم، حيث يُعد جزءاً من الزهم الذي يشكل حاجزاً واقياً يساعد البشرة على الاحتفاظ بالرطوبة. ولهذا السبب، يدخل فيتامين «هـ» بكثرة في تركيبات الكريمات المرطبة، ويُستخدم أحياناً في صورة زيت لعلاج الجفاف والتقشر أو لتخفيف أعراض الإكزيما.

ويتميز فيتامين «هـ» بكونه قابلاً للذوبان في الدهون، مما يجعله فعالاً داخل أغشية خلايا الجلد، حيث يقلل من الأضرار الناتجة عن الجذور الحرة، ويُسهم في تهدئة الالتهابات ودعم الحاجز الطبيعي للبشرة.

مقارنة مباشرة

يرى الخبراء أن المقارنة المباشرة بين الفيتامينين ليست دقيقة، لأن لكل منهما وظيفة مختلفة، فبينما يُعد فيتامين «سي» مثالياً لتفتيح البشرة وتحفيز إنتاج الكولاجين، يبرز فيتامين «هـ» في الترطيب وحماية الحاجز الجلدي.

الأهم من ذلك، أن الدراسات تشير إلى أن استخدام فيتامين «سي» مع فيتامين «هـ» معاً يعطي نتائج أفضل، إذ يعزز كل منهما فعالية الآخر، خاصة في حماية البشرة من أضرار الشمس وعلامات التقدم في السن.

ويُوصي خبراء التغذية بالاعتماد أولاً على النظام الغذائي، فمصادر فيتامين «سي» تشمل البرتقال، والفلفل الحلو، والطماطم، والكيوي، والفراولة، والبروكلي. أما فيتامين «هـ» فيتوفر بكثرة في الزيوت النباتية مثل زيت جنين القمح، إضافة إلى المكسرات، والبذور، والأفوكادو.

أما من الناحية الموضعية، فيُنصح باستخدام سيرومات (تركيبات سائلة وخفيفة) لفيتامين «سي» صباحاً، خاصة عند دمجها مع واقي الشمس، لتعزيز الحماية من العوامل البيئية. في حين يظل فيتامين «هـ» خياراً شائعاً في الكريمات المرطبة، خصوصاً لأصحاب البشرة الجافة.

ويخلص الخبراء إلى أن الأمر لا يتعلق بالاختيار بين فيتامين «سي» أو فيتامين «هـ»، بل بكيفية الجمع بينهما بالشكل الصحيح، فكل منهما يكمل الآخر، ويمنح البشرة دعماً متكاملاً من الداخل والخارج.

ومع نظام غذائي متوازن، ونوم كافٍ، وترطيب جيد، يمكن لهذين الفيتامينين أن يكونا جزءاً أساسياً من وصفة بشرة صحية ونضرة.