حياكة... خَبْز... زَرْع... هوايات جدّاتِنا تقدّم العلاج السحري للاكتئاب والقلق

TT

حياكة... خَبْز... زَرْع... هوايات جدّاتِنا تقدّم العلاج السحري للاكتئاب والقلق

هوايات الجدّات في رواج متصاعد لمواجهة القلق والاكتئاب (بكسلز)
هوايات الجدّات في رواج متصاعد لمواجهة القلق والاكتئاب (بكسلز)

أشارت أحدث دراسةٍ تُعنى بالصحة النفسية للجيل زِد إلى أنّ هؤلاء هم الأكثر تعاسةً على الإطلاق. وقالت مجلة «بلوس وان» العلمية إنّ منحنى السعادة يبلغ أدناه لدى الأشخاص المتراوحة أعمارهم ما بين 13 و28 سنة، ليعودَ ويرتفع تدريجياً في الثلاثينات والأربعينات من العمر.

أما أسباب اليأس والإحباط اللذَين يضربان تلك الفئة العمريّة الشابة، فهي أوّلاً الاستخدام الكثيف للهواتف الذكية، والتصفّح المتواصل لوسائل التواصل الاجتماعي، وقضاء وقتٍ طويل أمام الشاشات. إلى تلك الأسباب، يضيف معدّو الدراسة جائحة كورونا التي أرغمت مراهقي الجيل زد على المكوث في المنازل، ما ضاعف من عزلتهم، وإحباطهم.

الجيل زد الأكثر تعاسةً والسبب الرئيس هو الاستخدام المتواصل للهاتف (رويترز)

في المقابل، لا يبدو هذا الجيل مستسلماً لواقعه التعيس، فهو معروفٌ بإدراكه ثقافة حب الذات، والاعتناء بها. وها هو يستقي من خزائن الجدّات حلولاً بسيطة وناجعة قد تشكّل علاجاً للصحة النفسية المتدهورة. أما الهوايات والأنشطة المرغوب فيها فتتّسم بطابعها اليدويّ البطيء، والذي يتناقض مع سرعة العالم الافتراضيّ المثير للتوتّر.

الحياكة والتطريز

خلال السنوات الـ3 الأخيرة، شهدت دروس الحياكة والتطريز حول العالم إقبالاً غير مسبوق من قبل الفئات العمرية الصغيرة. شبّانٌ وفتيات على حدٍ سواء يرغبون في احتراف الإبرة والخيط، وإشغال أيديهم بالصوف، والأقمشة.

تشهد دروس الحياكة إقبالاً كبيراً من قبل الجيل الجديد نظراً لأثرها على الصحة النفسية (أ.ف.ب)

لا شكّ في أنّ فيديوهات "تيك توك" التي روّجت لتبنّي هواية الجدّات تلك، شكّلت محفّزاً لهؤلاء الشبّان. إلا أنّ الرأي العلمي لعب دوراً توجيهياً كذلك، إذ يُجمع خبراء الصحة النفسية على فوائد الخياطة، وحياكة الصوف، والتطريز، والكروشيه.

إضافةً إلى تحفيز التركيز، والانتباه، والصبر، وتفعّل هذه الهواية القدرة على ابتداع الحلول للمشكلات. كما أنها تمنح شعوراً بالرضا نابعاً من فكرة الإبداع، والإنجاز. يكفي أن ينظر المرء إلى كنزةٍ أو شالٍ حاكه بيدَيه حتى يشعر بأنه حقّق هدفاً.

الخَبز وتحضير المونة

لم يشهد الطهو والخَبز في البيت رواجاً كما حصل خلال سنوات جائحة كورونا، والحَجر المنزلي. وهي هوايةٌ تمسّك بها الجيل الشاب، لِما فيها من آثار إيجابية على الصحة النفسية.

تماماً كما كانت تُمضي الجدّات ساعاتٍ في تحضير الخُبز، والمونة، هكذا يفعل كثيرون حالياً. قضاء ساعاتٍ في إعداد المربّيات، أو المخلّلات، أو خبز العجين المخمّر (sourdough) -على سبيل المثال- يشغّل الحواس، ويمنح شعوراً بالإنجاز، والإبداع بعيداً عن السرعة، والتوتّر. كما تنعكس هذه الهواية إيجاباً على الدماغ، فتخفّف من الأفكار القلقة، والمتسارعة، وتحفّز التركيز على اللحظة الحالية.

الخَبز المنزلي معروف بمنافعه النفسية والذهنية (رويترز)

الزَرع والاعتناء بالنبات

لم تكن الزراعة موضةً في زمن الأجداد، بل كانت نشاطاً حيوياً يشغل غالبيّة أفراد المجتمع. وبينما كان الجدّ يمضي يومه في الحقل، لم تكن الجدّة تُهمل نباتاتها، بل تسقيها، وتعتني بها، وتقطف منها لتنكيه الطعام.

عاد الجيل زِد وجيل الألفيّة إلى تلك الأنشطة الزراعيّة، وإن كان على نطاقٍ أضيق. ليس مستغرباً أن تكون شرفة غرفة النوم مليئة بالمزروعات، ومنها الحبق، والنعناع، أو حتى شجرة حامض.

وقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة «برينستون» عام 2020 أن الاهتمام بالزرع يمنح البشر النسبة ذاتها من السعادة التي يمنحها ركوب الدراجة الهوائية، أو المشي في الطبيعة، أو الخروج لتناول العشاء. ولفتت دراسة أخرى لجامعة «كانساس» إلى أنّ انعكاس الأنشطة الزراعية إيجابي على الجسد والدماغ معاً.

القيام بأنشطة ذات طابع زراعي يرفع منسوب السعادة (رويترز)

صناعة الخزف والفخّار

من أجل التخلّي عن الهاتف، لا بدّ من إشغال اليدَين. ومن أجل التخفيف من الأفكار السلبيّة، وتحفيز الدماغ، يُنصَح بتعلّم مهارة جديدة. تثبت صناعة الفخار والخزف فعاليتها في هذا النطاق، ومنهم مَن يعتمدها بوصف أنها علاج للاكتئاب لدى البالغين، وللتخفيف من القلق لدى الطلّاب.

عندما ينغمس البشر في هواية بطيئة وهادئة يجدون مهرباً من الضغوط اليومية، والأفكار المقلقة، ويلاحظون أنّ إيقاع تنفسهم قد تحسّن. أما إذا كان تعلّم صناعة الخزف والفخّار ضمن مجموعة، فهذا يضاعف من الفوائد النفسية، والذهنية، إذ قد يؤدّي إلى بناء صداقات، ويفعّل شعور الانتماء، والتواصل.

الصناعات اليدوية تلهي الناس عن هواتفهم (رويترز)

الرسم والتلوين

أثبتت دراسة أجريت عام 2019 أن 10 دقائق فقط من الرسم يومياً قادرة على تحسين المزاج. فالانغماس بشكلٍ كامل في نشاطٍ إبداعيّ كفيل بمضاعفة التركيز على اللحظة الحالية، والتوقّف عن القلق من الماضي، والمستقبل. كما أنّ الانتهاء من الرسمة أو اللوحة والنظر إليها يمنح شعوراً بالرضا، والفخر، ويضاعف الثقة بالنفس.

يساعد الرسم في خفض منسوب القلق (رويترز)

مراقبة الطيور

وفق دراسة علميّة نُشرت عام 2022، فإنّ مراقبة الطيور والاستماع إلى أصواتها هما نشاط يومي ذات منافع كبيرة على الصحة النفسية، لا سيما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب. في أوروبا وبريطانيا، غالباً ما يُمضي نزلاء دور العجزة وقتاً في الطبيعة، لما في ذلك من منافع صحية، ونفسية. هذه الهواية البسيطة وغير المكلفة يُنصح بها للتخفيف من التوتّر، والابتعاد عن الشاشات، والسموم الرقميّة.

مراقبة الطيور هواية بسيطة وغير مكلفة لها منافع صحية ونفسية (رويترز)

الشبّان الذين يتبنّون هوايات الجدّات والأجداد ربما لا يعلمون أنهم يستثمرون في صحتهم على المدى البعيد. فإلى جانب تعزيزها التركيز، والصبر، والثقة بالنفس، والقدرة على حل المشكلات، تساعد هوايات مثل الحياكة، والخَبز، والصناعات اليدوية في التخفيف من خطر الإصابة بالخرف.


مقالات ذات صلة

«اليوم الخفي»... طريقة تساعدك على إعادة شحن طاقتك وسط الزحام

يوميات الشرق الآثار طويلة المدى للتوتر تُسهم في زيادة القلق واجترار الأفكار واضطرابات النوم (بيكسلز)

«اليوم الخفي»... طريقة تساعدك على إعادة شحن طاقتك وسط الزحام

من الشائع جداً أن تشعر كأنك تُستهلك من اتجاهات مختلفة بفعل الرسائل النصية، ورسائل البريد الإلكتروني، وقوائم المهام، خاصةً خلال موسم الأعياد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أشخاص يستنشقون غاز الضحك باستخدام البالونات (رويترز)

غاز الضحك قد يساعد في علاج الاكتئاب

كشفت دراسة جديدة عن أن غاز الضحك قد يكون علاجاً سريع المفعول للاكتئاب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة نشرتها شركة «هيودول» للدمية الروبوت

«دمى روبوتية» للتخفيف من عزلة واكتئاب المسنين في كوريا الجنوبية

في محاولة للتخفيف من عزلة واكتئاب كبار السن في كوريا الجنوبية، ابتكرت إحدى شركات التكنولوجيا دمى روبوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تقوم بتقليد أفعال الأطفال.

«الشرق الأوسط» (سيول)
صحتك البالغون الذين يعانون من انخفاض مستويات فيتامين «د» أعلى عرضة للإصابة بالاكتئاب (بيكسباي)

كيف يمكن لمستويات فيتامين «د» أن تؤثر على حالتك المزاجية؟

يُصيب الاكتئاب ملايين الأشخاص حول العالم، ويحاول الباحثون استكشاف سبل غير متوقعة لفهم الآليات التي تُنظم صحتنا النفسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يمكن للشوكولاته الداكنة التي تحتوي على 70 % كاكاو فأكثر أن تحسّن المزاج سريعاً (بيكسباي)

8 أطعمة تعزّز المزاج وتدعم صحتك النفسية

يمكن لبعض الأطعمة أن تلعب دوراً مهماً في تحسين المزاج ودعم الصحة النفسية إلى جانب النوم الجيد وممارسة الرياضة. إليكم أبرز تلك الأطعمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.