بعدما كان من المقرر أن تُعرض مسرحيته «تانغو بالاس» على خشبة مسرح دوار الشمس في بيروت، قرر جوزيف زيتوني تأجيلها. ويشرح لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التأجيل يعود إلى أسباب عدّة: «المسرحية تحمل موضوعاً عميقاً وجميلاً في آن واحد، وتحثّ من يحضرها على التحليل والتفكير في معانيها. وصدف أن انشغلت بأعمال أخرى، كما سبق أن أجلت عرضها أكثر من مرة بسبب ظروف البلد. لكن هذه المرة جاء التأجيل عن قناعة منّي بضرورة عرضها في وقت يستطيع فيه المشاهد التفرغ لها. وأعتقد أنني لن أعرضها قبل العام المقبل».

يتمتع جوزيف بخلفية أكاديمية غنية، صقلها مؤخراً بأعمال مسرحية وسينمائية ودرامية، فسطع اسمه كأنه دخل للتوّ هذا المجال. فلماذا هذا التأخير؟ يوضح: «كنت متطلباً بعض الشيء، ولم أشأ أن أدخل هذا المجال من دون قناعة تامة. كما أنني كنت منشغلاً بتعليم فن المسرح في المدارس. اليوم هناك 5 أفلام سينمائية أنجزتها. من بينها (هردبشت) و(الفيل). بعضها عُرض وغيرها في انتظار تحديد موعد لها».
لم تجد الأفلام التي شارك في بطولتها الإقبال المطلوب بسبب الأزمات والحروب في لبنان، كما يقول. وهو ما لعب دوراً سلبياً تجاهه. «تأثرتْ يومها السينما بشكل مباشر بأجواء البلاد. كما أن تجربتي الدرامية كانت شبه معدومة، وبينها (دور العمر)، و(يا غايب)، ومن ثم شاركت في (مرحبا دولة) على شاشة (إل بي سي آي). وفي مسرحية (جرة غاز سبيسيال) عادت أسهمي ترتفع من جديد».

وعن الثنائية الناجحة التي ألّفها مع سينتيا كرم في «جرّة غاز سبيسيال» يقول: «هذا التناغم بيننا يعود إلى تحضيرات مكثّفة سبقت عرض المسرحية. كما أن سينتيا ممثلة تدرك جيداً لعبة المسرح، وتعرف كيف تتعامل مع الخشبة. وأرى أن صفة التواضع التي تتمتع بها تلعب دوراً أساسياً في تناغم أي ممثل معها. كما أنها من الأشخاص الذين يصغون إلى الممثل الآخر ويتفاعلون معه. هذه الثقة المتبادلة بيننا ولّدت كيمياء انعكست إيجاباً على العمل ككل. فالخبرة عندما تجتمع مع الموهبة والثقة لا بدّ أن تولّد عملاً ناجحاً».
ويرى زيتوني أن منتجَي ومخرجَي المسرحية كريم شبلي وسارة عبدو، أسهما في ترك مساحة حرية لهذه الثنائية. فجاء الأداء عفوياً ومسلياً في آن. ويتابع: «كما أن الموضوع في حد ذاته يحمل رسائل اجتماعية تهمّ كل الناس. ومن المتوقع أن نعيد عرض هذا العمل في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل للنجاح الذي حققه».
جسّد زيتوني في المسرحية دور العامل السوري في أحياء بيروت. فكيف أعدّ له؟ يردّ: «لديّ أصدقاء كثر من سوريا في لبنان، وأعرف معاناتهم بوصفهم ضيوفاً ينزعج البعض منهم. تحمست للدور كونه ينقل رسالة مهمة تحكي عن هذا الموضوع».

يعلّق جوزيف على النهضة المسرحية التي تشهدها بيروت اليوم. فبين مسرحية وأخرى ينبت عرض مسرحية ثالثة، ويعدّها علامات إيجابية تشدّ من عزيمة العاملين في هذا المجال، وتزيد من حماسة الناس لارتياد المسرح لا سيما أن الموضوعات المقدمة منوَّعة. ويعلّق: «ليست جميعها جيدة. وبالنسبة إليَّ فإن النص المسرحي المطلوب نفتقر إليه اليوم. والأجدى بنا التحول إلى موضوعات ترتبط ارتباطاً مباشراً بواقعنا، فيتماهى معها الجمهور وتحثّه على التفكير، فتحرّك عنده الوعي المسرحي المطلوب».
إذن، كيف تقيّم الموضوعات التي تقدّم اليوم على المسرح؟ يرد: «إنها بصراحة لا تحاكي تطلعاتي بصفتي فناناً مسرحياً. فوجئت ببعضها لأنها تنطوي على استسهال أكاديمي، فيصاب مشاهدها بخيبة أمل رغم أن أركانها والمسؤولين عنها أكاديميون. هناك ثقة مبالَغ فيها عندهم. كأن أي عمل سيقدمونه سيلاقي الترحيب. الاستخفاف في الموضوعات المطروحة يُبرز هذه الفجوة الكبيرة بين بعض الأكاديميين والجمهور. كما أن الـ(سوشيال ميديا) تُسهم في لعب هذا الدور السلبي. هناك من يروّج لأعمال لا تستحق المشاهدة، لذلك علينا الاجتهاد في اختيار الموضوع الذي يعكس حياتنا اليومية ويعالج همومنا. عندها ستولد الثقة بين المشاهد وفنان المسرح، ويمكن البناء عليها لمستقبل واعد».



