زارت المصوِّرة الفوتوغرافية نادين أشقر معرض رشيد كرامي في طرابلس أكثر من 10 مرّات. وكان هدفها اكتشاف فلسفة المهندس البرازيلي أوسكار نيماير المعمارية وعلاقتها بالمرأة.
وفي كل مرة كانت تقترب من مجسّم معماري في هذه البقعة الضخمة، التي تبلغ مساحتها مليون متر مربّع، تلتقط بعدسة كاميرتها هذه الازدواجية الكامنة في عمارة نيماير، والمنطوية على ملامح المرأة وشكل جسدها.

في معرضها «عالم حواسي - إرث نيماير»، في المركز الثقافي البرازيلي في بيروت، تنقل نادين أشقر مشاعر اجتاحتها أثناء جولاتها هناك، وتوزّعها في لوحات فوتوغرافية تتخذ من الأبيض والأسود ملعباً لها. وقد اختارت للتعبير عن أحاسيسها القائمة على عمارة نيماير وعلاقتها بالمرأة مهندسة معمارية لتكون موديلاً لها، وراحت تلتقط صوراً لها أمام القبة، وتحت القوس الضخم، وفي أرجاء صالات المعرض.
بعدستها المرهفة كشفت عن هذا التمازج بين تلك المجسمات والشكل الأنثوي ككل.
وعن سبب اختيارها المهندس البرازيلي ليكون ملهم عدستها، تقول: «لقد صُوِّرت أعمال نيماير بعدسات مصوّرين كثر، بينهم عالميون ومحليون. وعندما غصتُ في عالمه المعماري من خلال أبحاث ودراسات عدَّة، لمست تأثره بالمرأة، فقررت أن أعبّر عن أحاسيسي تجاهها على طريقتي. فهو كان يستلهم جمال عمارته منها، ويترجمها بأشكال هندسية رائعة».
تحمل لوحات أشقر عناوين طويلة تنقل فيها مشاعرها لكل مشهد التقطته، كتبتها خواطر انتابتها خلال زياراتها المتكررة لهذا المعلم التراثي. وتقول: «كنت أركّز على مساحة معيّنة. وأجريت دراسات كثيرة قبل ذلك لأتعرّف إلى أسلوب تفكيره. ولاحظت هذه الأنوثة الكامنة في منحنيات عمله، وأنه من خلال ملامح المرأة وجمالها يعكس نظرته المعمارية. وهو ما ولّد عندي هذه الخواطر، فعبرتُ فيها عن مشاعري، وتفتحت في أعماقي من باب أنوثتي امرأة لامسها فن نيماير».

ترى نادين أشقر أن العمارة، كما الإنسان، تمثل كياناً في تطوّر مستمر، وأن أي عمل معماري، حتى المنحوتات والنُّصُب التذكارية، تتفاعل معه الحواس فتثير مشاعر وحالات ذهنية متعدّدة.
وهذا ما نقلته في عناوين لوحاتها، كالتي تمثل الهرم الضخم في المعرض: «الملك من دون الملكة في لعبة الشطرنج يصبح مجرد بيدق». في حين تعلِّق على لوحة ثانية تُصوِّر امرأة تحت مجسّم القوس المعماري بعنوان: «أنا انعكاس لماضيك؛ كل إنشٍ منه بمثابة نصب تذكاري لخطاياك».
وتحت القوس نفسه صوّرت نادين أشقر امرأة تركض نحوه، وكتبت عنوان اللوحة لتفسرها كامرأة تطير. أما صورة أخرى لقناطر نيماير المتوازية في الأبيض والأسود فظهرت فيها امرأة تقول: «هناك بين العتمة والضوء، بعيداً عن أي شكوك تنتابني، وجدتُ ملاذي».
وتضيف نادين أشقر: «تأثرت كثيراً بهذا المشروع، وعبّرت من خلاله عن أفكاري بصفتي امرأة تحلّق في فضاءات أحلامها».
وتابعت: «ولأني درست فن التصوير الفوتوغرافي، اتخذتُ من الضوء عنواناً لأعمالي، ومن خلاله أبني أفكار لوحاتي. ولذلك أنتظر إشراقة الشمس ولعبة الظلال لأستفيد منهما. وهذا ما دفعني في هذا المعرض إلى اعتماد الأبيض والأسود ترجمة لرؤيتي. فالألوان الأخرى قد تسرق منا تركيزنا فنشيح عن المعنى الحقيقي للّوحة».
تعترف نادين بأنها أثناء التقاط صور معرضها شعرت وكأن نيماير يراقبها: «في الحقيقة كنت أشعر به يرافقني ويدقّق في صوري، وكأنه يتفرّج على كل لقطة أقوم بها».
وعن كيفية ضبط صورها في مساحة شاسعة تقول: «صوت كاميرتي وهي تلتقط المشهد كان يحدّد أحاسيسي. صحيح أنني التقطت مئات الصور، لكنني كنت أتوقف بلا شعور عندما أدرك أنها الصورة المطلوبة».

تقدّم نادين أشقر ضخامة عمارة نيماير وأشكالها الهندسية الخارجة عن المألوف في معرضها بوصفها روائع فنية، فيقف المشاهد أمامها طويلاً ليتشرّب جمالياتها ويدقّق في أسلوبه المعماري الحديث المرتكز على الخرسانة المسلحة. وهنا تستطرد نادين أشقر: «يملك نيماير نظرة هندسية لا تشبه غيرها. وكان أول من راح ينحت عمارته بقالب مليء بالمنحنيات والأقواس والالتواءات، فابتكر أسلوباً هندسياً حديثاً لم يسبق أن فكّر فيه أحد من قبل. وهذه المنحنيات استوحاها من شكل المرأة، فشيّد لها إطارات فنية تصبّ في خدمة جمالية الهندسة المعمارية».


