استلهم فريق من الباحثين من جامعتي بوليتكنيكا دي فالنسيا (UPV) وفيغو (UVigo) في إسبانيا حلولاً تقنية لعمل تصميمات جسور أكثر أماناً من خلال محاكاة الطبيعة والتعلم من شبكات العنكبوت.
وتمكن الفريق البحثي عبر نتائج دراستهم المنشورة في دورية «نيتشر (Nature)» من الكشف عن سبب عدم انهيار الجسور - وتحديداً الجسور الجمالونية الفولاذية - عند تأثرها بحدث كارثي كالاصطدام أو الزلزال.
وقال خوسيه م. آدم، الباحث في معهد ايسيتك (ICITECH) التابع لجامعة بوليتكنيكا دي فالنسيا: «هذه المرة، تعلمنا من شبكات العنكبوت، التي يُشبه سلوكها سلوك جسور الجمالونات الفولاذية».
وأضاف في بيان نشر الأحد: «لقد أظهرنا أنه كما تتكيف شبكات العنكبوت وتستمر في اصطياد الفريسة بعد تعرضها للضرر، فإن الجسور الجمالونية الفولاذية المتضررة قد تظل قادرة على رفع أحمال أكبر من تلك التي تتحملها في ظروف الاستخدام العادية، دون أن تنهار».
ومن خلال محاكاة الطبيعة والتعلم منها، قدم الفريق البحثي رؤى جديدة لتصميم جسور أكثر أماناً ومرونة في مواجهة الظواهر الجوية المتطرفة. كما أسهم في تحسين استراتيجيات رصد الجسور القائمة وتقييمها وإصلاحها. إضافةً إلى ذلك، قد تُساعد نتائجهم في تحديد متطلبات جديدة لتعزيز متانة هذا النوع من الجسور.
وقالت بيلين ريفيرو، الباحثة في مركز أبحاث التكنولوجيا والطاقة والعمليات الصناعية بجامعة فيغو: «في ظلّ تزايد حدة الأحداث الطبيعية غير المتوقعة والتغيرات البيئية التي تُسرّع من تدهور الجسور، من الضروري ضمان عدم انهيار هذه الهياكل بعد حدوث عطل محلي».
وتُمثل جسور الجمالونات الفولاذية مشهداً شائعاً على الطرق والسكك الحديدية حول العالم، ويعود تاريخ إنشاء كثير منها إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وعلى الرغم من ارتفاع نسبة قوتها إلى وزنها، مما يسمح لها بتحمل الأحمال الثقيلة، فإنها معرضة للانهيار. بعضها ينهار عند كسر أحد مكوناته، بينما يبقى البعض الآخر قائماً. ولطالما كان هذا الاختلاف المحير لغزاً، لكن الدراسة الجديدة توصلت أخيراً إلى تفسير.

وقام الباحثون في هذه الدراسة ببناء جسر جمالوني فولاذي مصغر، واختبروا قوة تحمله عن طريق إتلافه عمداً بطرق مختلفة، مثل قطع عارضة دعم رئيسية. كما طبّق الفريق عليه أحمالاً تعادل مرور قطار فوقه.
قامت مقاييس الإجهاد وأجهزة استشعار الإزاحة بقياس استجابة الجسر، واستُخدمت البيانات لإنشاء نموذج حاسوبي. سمح هذا للفريق بإجراء أكثر من 200 اختبار إضافي، وهو ما كان من المستحيل إجراؤه في المختبر. في المحاكاة النهائية، استمر الباحثون في إضافة المزيد من الوزن إلى الجسر حتى انهار.
بعد تحليل جميع البيانات، خلص العلماء إلى أن فشل أحد مكونات جسر الجمالون يمكن أن يُحفز مجموعة من آليات المقاومة الثانوية التي تُمكّنه من البقاء مستقراً.
كما كشف الباحثون عن الآليات الثانوية التي تُمكّن هذه الجسور من أن تكون أكثر مقاومة، وحددوا خصائصها؛ إذ تُطوّر مقاومة كامنة بدلاً من الانهيار.
وهو ما عليه علق الباحث الرئيسي خوان سي. رييس-سواريز قائلاً: «تُظهر نتائجنا أن جسور الجمالون الفولاذية قد تتمتع بقدرة استثنائية على تحمل فشل أي مكون رئيسي واحد بفضل تفعيل 6 آليات مقاومة ثانوية أساسية».
ويرى الباحثون أن نتائج هذا البحث يمكن أن تساعد المهندسين على إعادة تأهيل الهياكل القائمة لتحمل الأعطال المفاجئة بشكل أفضل، وإنشاء جسور جمالونية جديدة أكثر أماناً ومرونة وأقل عرضة للأحداث غير المتوقعة.


