أيهما أفضل للإنسان: أن يواجه حقيقة صادمة تزلزل كيانه وقد تكتب كلمة النهاية في حياته من فرط بشاعتها، حتى لو نجا من فخاخ الموت المباشر الصريح، فقد يموت عاطفياً ونفسياً إلى الأبد، أم أن يعيش بدلاً من ذلك في وهم جميل يخدر أعصابه ويمنحه أملاً زائفاً حتى يستطيع مواصلة الحياة ولكنه سيدفع ثمناً باهظاً يتمثل في العيش كما لو كان معصوب العينين حتى لا يرى مفردات الواقع؟
تطرح المسرحية القطرية «الساعة التاسعة»، التي تُعرَض في «مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي» راهناً، هذا التساؤل بشكل غير مباشر من خلال قصة أب وأم ينتظران بفارغ الصبر وكامل الأشواق عودة ابنهما من السفر، حيث يعمل طياراً بأحد البلاد الأوروبية. ومن المفترض عودة الابن الساعة التاسعة صباحاً، لكنه لا يأتي، فينتظرانه في التاسعة مساءً، وأيضاً لا يظهر أبداً.
يبدو موضوع المسرحية مفعماً بقدر استثنائي من الحزن والأسى، وهو ما جعلنا نسأل مخرج العمل محمد يوسف الملا عمّا أثار حماسه لاختيار هذا النص الذي كتبته مريم نصير، فأجاب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «شدّتني جرأة النص في طرق موضوع الفقد والانتظار، وهما قضيتان نعيشهما جميعاً، لكننا لا نواجههما بصدق».

وأضاف: «النص فتح أمامي نافذة لأطرح تساؤلاتي الخاصة حول الزمن والإنسان، ولأدخل في منطقة غير مطروقة كثيراً، منطقة الاشتياق والصراع الداخلي، وحماسي كان مضاعَفاً لأنه نصٌّ يتيح لي أن أختبر أدوات إخراجية وتجريبية جديدة، مثل التعبير الجسدي، والموسيقى الحية».
يظهر الابن المفقود أخيراً وسط مشاعر لا توصف من الفرحة من قبل الوالدين، وقد أدى دوريهما الفنانان أسرار محمد وطالب الدوس، لكن تلك الفرحة سرعان ما تتحول إلى مأساة صادمة، حيث يتضح أن الابن العائد هو ممثل موفد من جانب شركة متخصصة في توفير «خدمة بدلاء للأحباء المفقودين». الابن العائد، إذن، هو مجرد موظف محترف قام بتمثيل دور الابن الحقيقي حتى يمنح الأم والأب فرحةً مؤقتةً بعودة ابنهما، حتى لو عن طريق الوهم وبشكل زائف؛ لأنهما ببساطة لا يقويان على تحمل فكرة أنهما فقدا إلى الأبد ابنهما في حادث مأساوي.
لكن، ألم يخشَ صناع العمل من أن تزعج تلك المأساة الجمهور الباحث في النهاية عن شيء من الترفيه؟ يجيب الملا: «أؤمن بأن المسرح ليس مساحة لتجميل الواقع بقدر ما هو مساحة للمواجهة بطريقة فنية جمالية، قد يبدو العمل في ظاهره قاتماً وعبثياً، ولكنه في جوهره ليس كذلك، فنحن نطرح من خلاله أسئلةً مؤلمةً من أجل أن نعيد اكتشاف قيمة الحياة».

ويتابع: «صحيح أننا نعرض الصراع مع الزمن والفقد والانتظار بطريقة اجتماعية، ولكن الغاية ليست ترسيخ فكرة العبث، بل العكس تماماً، وهي أن ندفع المتلقي إلى التمسُّك باللحظة الواقعية، أن يعيش إنسانيته مع البشر بصدق قبل أن تضيع منه، المسرحية هنا تضعنا أمام المأساة كي نتعلم كيف نحولها إلى دافع للحياة، وكيف نصنع من الحزن طاقة للتجدد».
استعان الملا بعدد من المفردات على مستوى الديكور، فقد كانت الساعة ذات حضور مركزي مهيمن في بداية العرض، لا سيما حين تشير عقاربها إلى التاسعة، لكن بمجرد أن يعلن الابن المزيف هويته الحقيقية بصفته موظفاً جاء يؤدي خدمة مقابل أجر محدد، تتساقط عقارب الساعة، واحداً تلو الآخر، في إشارة رمزية لتفكك الزمن، وانكشاف حقيقة الوهم الخادع.

وفي الختام، يقول الملا: «أردنا التأكيد على أن الهروب من مواجهة الذات لن يغير الحقيقة، وأننا نخسر كثيراً حين نؤجل المواجهة مع مشاعرنا أو نغطيها بلهو الحياة، كما أن الفقد ليس مجرد نهاية، بل هو مساحة للتأمل في معنى الوجود، ووسيلة لاكتشاف إنسانيتنا العميقة».


