مصر: سخرية ومشادات تجعل مهمة سماسرة العقارات صعبة

يضطرون إلى عرض منتجعات فاخرة على «مُعدمين» أحياناً

سوق العقارات شهدت اتساعاً في السنوات الأخيرة بمصر (من إعلان ترويجي لإحدى الشركات المصرية على «فيسبوك»)
سوق العقارات شهدت اتساعاً في السنوات الأخيرة بمصر (من إعلان ترويجي لإحدى الشركات المصرية على «فيسبوك»)
TT

مصر: سخرية ومشادات تجعل مهمة سماسرة العقارات صعبة

سوق العقارات شهدت اتساعاً في السنوات الأخيرة بمصر (من إعلان ترويجي لإحدى الشركات المصرية على «فيسبوك»)
سوق العقارات شهدت اتساعاً في السنوات الأخيرة بمصر (من إعلان ترويجي لإحدى الشركات المصرية على «فيسبوك»)

زادت في الآونة الأخيرة وتيرة استقبال الكثير من المصريين، من مختلف الطبقات، مكالمات ترويجية لبيع العقارات الفاخرة. وبسبب طبيعة هذه الاتصالات العشوائية أحياناً، يتعرض سماسرة العقارات إلى مواقف متنوعة ومختلفة.

ورغم حداثة خبرة سالي زكي في مجال «سمسرة تسويق العقارات»، فقد واجهت خلال 4 أشهر كثيراً من المواقف الكوميدية والتراجيدية، بسبب اضطرارها لعرض وحدات سكنية فارهة وشاليهات على أرقام عشوائية، لتكتشف أن بعضها يعود لأشخاص محدودي الدخل، يردون أحياناً بحدة أو يسخرون من عروضها. ومع ذلك، تمكنت سالي من تحقيق مكاسب تشجعها على الاستمرار في هذا المجال.

مصر تقر ضوابط جديدة لمكالمات تسويق العقارات (من إعلان ترويجي لإحدى الشركات المصرية على «فيسبوك»)

ومع ازدياد الشكاوى من هذه المكالمات، قرر الجهاز القومي للاتصالات العام الماضي وضع معايير لشركات التسويق، ومنحها مهلة عام لتقنين أوضاعها وتسجيل أرقام هواتفها، وبدأ تنفيذ القرار فعلياً منذ أسبوع.

وفي الوقت نفسه، تخلت زكي عن إجراء هذه المكالمات بعدما لاحظت أنها «تهدر وقتها»، وبدأت في التركيز على «السوشيال ميديا» للتواصل مع عملاء يتفاعلون مع عروضها لشراء الوحدات، وبذلك قلّ تعرضها لردود أو مواقف «محبطة». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «كثيراً من الناس لا يجيبون على المكالمات لأن رقمها يظهر على تطبيق (تروكولر) على أنه مكالمة محتملة الخطر».

وتضيف: «يرد بعضهم بأنه لا يجد قوت يومه، لكي نعرض عليه هذه الوحدات»، مستذكرة: «مرة عاملتني سيدة بحدة شديدة، وطلبت مني حذف رقمها من النظام عندي حتى لا يتصل بها أحد غيري».

ويعدّ بلال رزق، البروكر ورئيس قسم المبيعات في شركة «تسكين» للتسويق العقاري، أن المكالمات العشوائية تُصعّب عمل «البروكرز»، خصوصاً الشباب، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن مكالمات «البروكر» يُفترض أن تتركز على من سجلوا على إعلانات الشركات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من سبق لهم شراء وحدات، بدلاً من «حرق طاقة (البروكر) ومن يتلقى المكالمة».

ومع ذلك «لا يوجد (بروكر) في مصر إلا ومرَّ بمرحلة المكالمات العشوائية، وواجه خلالها كثيراً من المواقف الساخرة والمؤلمة»، وفق رزق.

مهنة «البروكر» تجد إقبالاً لافتاً من الشباب (من إعلان ترويجي لإحدى الشركات المصرية على «فيسبوك»)

وتتَّسم الكثير من ردود فعل متلقي المكالمات الترويجية بـ«العصبية». يتذكر رزق، الذي يعمل في مجال التسويق العقاري منذ عام 2019، بعدما عمل 8 سنوات مذيعاً، حين فتح عليه عميل وابلاً من الشتائم بمجرد إبلاغه أنه يعرض عليه وحدات سكنية.

ويعلم «البروكر» حين يجاريه العميل في حين لا ينوي الشراء فعلياً أو لن يتمكن منه، قائلاً: «دوري أن أقرأ العميل، وأضبط أعصابي سواء قابلني بالغضب أو السخرية»، متذكراً إحدى المكالمات «فتحت فيها الميكروفون وظللنا نضحك أنا وزملائي ونحن متأكدون أن متلقي المكالمة على الجانب الآخر يفعل الأمر نفسه».

كوميديا سوداء

ينظر كثير من المصريين إلى هذه المكالمات على أنها نوع من «الكوميديا السوداء»، ففي الوقت الذي يعانون فيه لتدبير معيشتهم اليومية، يجدون عروضاً لشراء وحدات بالملايين، فحولها بعضهم إلى مادة للسخرية عبر السوشيال ميديا، تُظهر الفجوات بين الطبقات.

جزءٌ من المقاطع السوشيالية الساخرة تدور حول شخص مُعدم، يتلقى مكالمة وهو يرتدي ملابس ممزقة أو يحاول إصلاح «حذاء»، في حين يعرض عليه المتصل وحدة بملايين الجنيهات، فيجاري المواطن المتصل على نحو متهكم. وتختلف ردود فعل من أعادوا تقديم المشهد نفسه، بين من يقول إنه «سيراجع حسابه في البنك» أو أنه «يريد مراجعة أرصدته في سويسرا».

مقاطع أخرى اقتبست أصوات فنانين للتعبير عن تأففهم من كثرة هذه المكالمات، مثل مقطع انتشر على «تيك توك»، يستخدم صوت الفنانة فيفي عبده، وهي «تلعن النت والاتصالات المتكررة».

وتناولت مشاهد فنية الظاهرة، وشهدت تفاعلاً ورواجاً كبيراً، مثل مشهد للفنان كريم محمود عبد العزيز في مسلسل «البيت بيتي»، وهو يتعجب من سماعه لأرقام شراء العقارات، وآخر للفنان أحمد داود في أحد أعماله الدرامية، يتلقى فيه مكالمة من «بروكر» وهو في «الميكروباص»، وبعد سماعه رقم الوحدة المعروضة عليه مذهولاً، يرد بتلقائية «هنزل من الميكروباص وأبقى أكلمك»، في إشارة إلى أنه من الطبقة الكادحة التي تعتمد على وسائل النقل الجماعية.

ويفسر الباحث في الإنثروبولوجي، وليد محمود، التهكم على مهنة «البروكر» بأنه ليس مجرد سخرية عابرة من اتصالات مزعجة أو عروض خيالية لشقق بالملايين، لكنه انعكاس اجتماعي عميق لظاهرة أكبر، وهي فجوة الثقة بين المواطن وسوق العقارات، بل وبين المواطن والخطاب الاقتصادي ككل.

وشهدت سوق العقارات اتساعاً في السنوات الأخيرة، إذ حققت أكبر 21 شركة عقارية مبيعات خلال عام 2024 بـ 1.4 مليار جنيه، بارتفاع نسبته 99 في المائة، مقارنة بعام 2023، وفق تقرير «The Board Consulting».

وأضاف محمود لـ«الشرق الأوسط»، أن «شراء شقة بات حلماً بعيداً بالنسبة للكثيرين في ظل ارتفاع الأسعار بشكل لا يتناسب مع الدخل، لذا حين يتصل (بروكر) لعرض وحدة بملايين، يكون ذلك بمثابة تذكير يومي بالفجوة الطبقية واتساعها، فيأتي التهكم كآلية دفاع اجتماعية، للحماية من الإحباط».

مصر توجد بها مشروعات عقارية كثيرة (من إعلان ترويجي لإحدى الشركات المصرية على «فيسبوك»)

وبلغت نسبة الفقر في مصر 32.5 في المائة عام 2022، وفق البنك الدولي، ما يجعل الاصطدام بأحد الفقراء أو حتى أبناء الطبقة الوسطى ممن لا يستطيعون اقتناء وحدات بعشرات الملايين، أمراً شبه حتمي خلال عمل «البروكر» بطريقة الـ«cold call»، أي «مكالمات عشوائية» لمجموعة من الأرقام في قاعدة بيانات ما، على أمل العثور من بينها على عميل.

لا تنسى الثلاثينية منى يسري، وهي صحافية مصرية، مكالمة جاءت إليها من «بروكر» يعرض عليها شقة في مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) مقابل مقدم عدة ملايين، ويشير إلى مزاياها بأنها «فيو المونوريل» (قطار داخلي يسير على كوبري).

تقول يسري لـ«الشرق الأوسط»: «سألته هل أصبح المونوريل مثل النيل مشهداً يستحق دفع ملايين للسكن أمامه، وإذا كان الوضع كذلك فالأفضل لي أن أذهب وأشتري شقة في ميدان رمسيس (وسط القاهرة) بمشهد محطة مصر، وكل الخدمات حولي».


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا أحد الأبنية المصرية القديمة في وسط القاهرة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

جدل «الإيجار القديم» يعود للواجهة في مصر بسبب «الزيادات الجديدة»

عاد ملف «الإيجار القديم» إلى صدارة النقاش في مصر، مع جدل حول بدء تطبيق الزيادات الجديدة في القيمة الإيجارية للوحدات السكنية والتجارية.

محمد عجم (القاهرة)
عالم الاعمال مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وSEE القابضة توقعان مذكرة تفاهمٍ

مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وSEE القابضة توقعان مذكرة تفاهمٍ

وقّعت مدينة الملك عبد الله الاقتصادية مذكرة تفاهم مع مجموعة SEE القابضة المختصة في مجال الاستدامة والمطورة لنموذج «المدينة المستدامة».

الاقتصاد نماذج لمشروع «بوابة الملك سلمان» في أحد المعارض (الشركة)

«رؤى الحرم المكي» توقِّع 6 مذكرات تفاهم استراتيجية لتعزيز مشروع «بوابة الملك سلمان»

أعلنت شركة «رؤى الحرم المكي»، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة، توقيع 6 مذكرات تفاهم استراتيجية مع شركاء دوليين في مشروعها «بوابة الملك سلمان».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار شركة «دار جلوبال» في بورصة لندن بعد قرع الجرس (الشرق الأوسط)

«دار جلوبال» تنتقل إلى فئة الشركات التجارية في بورصة لندن

سجّلت شركة «دار جلوبال» المدرجة في بورصة لندن خطوة جديدة في مسارها، بانتقالها إلى فئة «أسهم رأس المال الشركات التجارية».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.