الطبيب الذي سحب الرصاص من أجساد الغزيين... بطلاً لفيلم «المهمة»

مهرجان عمّان السينمائي يستضيف العرض العالمي الأول للفيلم بحضور الجرّاح محمد طاهر والمنتج مايك ليرنر

الجرّاح العراقي - البريطاني محمد طاهر في فيلم «المهمة» الذي جرى تصويره بغزة (الشرق الأوسط)
الجرّاح العراقي - البريطاني محمد طاهر في فيلم «المهمة» الذي جرى تصويره بغزة (الشرق الأوسط)
TT

الطبيب الذي سحب الرصاص من أجساد الغزيين... بطلاً لفيلم «المهمة»

الجرّاح العراقي - البريطاني محمد طاهر في فيلم «المهمة» الذي جرى تصويره بغزة (الشرق الأوسط)
الجرّاح العراقي - البريطاني محمد طاهر في فيلم «المهمة» الذي جرى تصويره بغزة (الشرق الأوسط)

«كادت تلك اليد تكون معجزة غزة، لكن حتى المعجزات لا تبقى على قيد الحياة هنا»، هكذا علّق الجرّاح محمد طاهر بعدما خسرت الطفلة مريم يدها، رغم محاولاته الحثيثة لتفادي البتر.

دخل الطبيب العراقي - البريطاني إلى القطاع الفلسطيني المنكوب في 3 مهمات إنسانية خلال الحرب. جرى توثيق إحداها ضمن فيلمٍ حمل عنوان «المهمة»، وقد استضاف «مهرجان عمّان السينمائي الدولي» عرضَه العالمي الأول، وذلك في مسرح «رينبو» في العاصمة الأردنية، الذي امتلأ بالحضور، على رأسهم الدكتور طاهر، ومنتج الفيلم المخرج البريطاني مايك ليرنر.

د. طاهر والمنتج مايك ليرنر في حوار مع حضور مهرجان عمّان السينمائي (الشرق الأوسط)

على هامش العرض، تحدَّث طاهر لـ«الشرق الأوسط» عن المرات الكثيرة التي استطاع فيها أن ينقذ حياة ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة، وكذلك عن المرات التي تحطّم فيها قلبه أمام أطفالٍ يلفظون أنفاسهم الأخيرة. يقول: «إحدى أصعب اللحظات، وهي لا تُحصى، كانت في مستشفى (شهداء الأقصى) في دير البلح. في ذلك اليوم وصلت إصابات كثيرة من بينهم أطفال. كان أحدهم مرمياً أرضاً ومتروكاً برأسٍ مضمّد عشوائياً. تُرك يموت وحده... وأنا، وسط الفوضى والصراخ والدماء، ذهبت إليه ومسكت يده ومسحت على صدره كي لا يموت وحده».

تستوقفه دموعه عندما يسترجع مشاهد مثل هذه، وفي الفيلم أيضاً بكى الدكتور طاهر. تأثّر أمام أمٍ تشكره لأنه أجرى جراحة ناجحة لجسد ابنها المشظّى، كما شارك العائلات لوعة فقد الأحبة، وهو بكى كذلك في كل مرةٍ كان يغادر فيها غزة، تاركاً خلفه ضحايا علّقوا آمال الشفاء عليه.

د. طاهر خلال مهمته داخل مستشفى الأقصى في غزة (إنستغرام)

اليوم، وبعد أشهر قليلة على انتهاء مهمته الأخيرة، بات الطبيب ممنوعاً من دخول القطاع. لقد ذاع صيتُه وصارت الحكايات التي يوثّقها تزعج إسرائيل. غير أن الفيلم الجديد هو الشاهد الأكبر على جراح الغزيين والجحيم المفتوح عليهم.

على مدى ساعة ونصف الساعة، تابع الحضور يوميات الغزيين الدامية من خلال حركة الدكتور طاهر (40 سنة)، وهو جرّاح أعصاب من أصول عراقية، وُلد وعاش في لندن. جلس الطبيب في القاعة وسط المشاهدين، عاينَ ردود فعلهم بين شهقاتٍ ودموع وتصفيق. منهم مَن لم يستطع متابعة الفيلم لفرط قسوة المشاهد، ومنهم مَن أشاح نظره كلّما اقتربت الكاميرا من الجراح المفتوحة.

«كل المحتوى حقيقي. لا نصوص ولا تحضير ولا إعادة تمثيل هنا»، يؤكّد الدكتور طاهر لـ«الشرق الأوسط». ما الحاجة إلى سيناريو ومؤثرات خاصة حين يكون الواقع تجسيداً للسرياليّة؟!

لا يناسب الفيلم أصحاب القلوب الضعيفة لما يحتويه من مشاهد قوية داخل غرف العمليات (الشرق الأوسط)

يفيض وثائقيّ «المهمة» بالدماء والآلام، تقترب كاميراته من أعماق الجسد، تلاحق ملاقط الطبيب وهي تسحب الرصاصات والشظايا من بين العظام والأضلاع. وحدهم أصحاب القلوب القوية قادرون على متابعة المُشاهدة، فالعمل قاسٍ بصورته، لكنه لا يفعل سوى توثيق حقيقة ما يجري في غزة من دون تجميل، ومن قلب مستشفياتها وغرف عملياتها. يقترب العمل في هذه الناحية أكثر إلى التغطية الإخبارية منها إلى الفيلم الوثائقي.

يؤكد طاهر أنّ التصوير جرى بمجهودٍ شخصي من الفريق الطبي، مع حرصٍ على عدم الكشف عن أسماء المصوّرين لأسبابٍ أمنية، إلا أنّ اللقطات تبدو محترفة. فالنقلات انسيابية، والصورة واضحة وثابتة رغم قسوة المحتوى. «في البداية لم تكن هناك خطة لتحويل مهمتي الطبية إلى فيلم، لكن نصائح عدة من حولي نجحت في إقناعي بالأمر. ولاحقاً عندما بدأنا التصوير في غزة، أدركنا أن ما سنقدّمها للعالم رسالةٌ إنسانيةٌ نفتح من خلالها أبواب مستشفيات وغرف عمليات غزة أمام الرأي العام العربي والعالمي».

رغم الظروف الصعبة فإن التصوير محترف والحركة السينمائية انسيابية (الشرق الأوسط)

لا يقتصر التصوير على داخل المستشفيات فحسب، بل تواكب العدسة الطبيب وزملاءه المتطوّعين في جمعيّة «الفجر العلمي» وهي منظّمة غير حكومية تكرّس جهودها لتقديم الخدمات الطبية للأشخاص المحرومين منها أينما كانوا في العالم.

ترافق الكاميرا إذن الدكتور طاهر خلال تنقّله بين شمال القطاع وجنوبه، فهو جال على عدد كبير من مستشفيات غزة. تلك المشاهد الخارجية توثّق بدَورها هَولَ ما حلّ بغزّة من دمار شامل لم يُبقِ سوى مساحات لا متناهية من الركام. والرحلة من الشمال إلى الجنوب محفوفة بأخطار القصف، وبالعصابات التي تسرق المساعدات، وبشتّى أشكال القلق.

استراحة للأطباء المتطوعين في مستشفيات غزة (إنستغرام)

لكن ثمة دائماً نافذة ضوء يحرص الفيلم على فتحها، كأن يخرج الطبيب إلى الشارع في فسحة قصيرة بعد ليلة طويلة من العمليات الجراحية. هناك، وسط الأبنية المدمّرة، يصافح الأطفال ويقدّم لهم الحلوى. «هذه هي فسحتي واستراحتي من فظاعة ما أرى في غرف العمليات»، يعلّق طاهر. ثم يرافق فريقه الطبي والتمريضي في استراحة لساعات على شاطئ غزة. يسيرون على الرمال، ويتحدّثون إلى الصيادين والسبّاحين المحاصَرين بالزوارق الإسرائيلية. «هذا المشهد الوحيد الذي لم تهشّمه الصواريخ... البحر والرمال»، يعلّق طاهر.

وفي أحد أكثر مشاهد الفيلم تأثيراً، تمتزج وحشيّة الحرب بشاعريّة الكَون؛ فبعد ليلٍ طويلٍ من الإسعافات والعمليات يصعد الطبيب إلى سطح المستشفى مستعيناً بضوء الجوال. يتفرّج على السماء، حيث تلمع النجوم وتظهر المجرّات بوضوح في ليل غزة الدامس، لكن سرعان ما يطغى أزيز المسيّرات الإسرائيلية ليسلب سحر اللحظة.

اختُتم العرض بوقوف الحضور تصفيقاً لدقائق (الشرق الأوسط)

ليس من المؤكّد بعد ما إذا كان فيلم «المهمة» سيشقّ طريقه إلى مهرجانات سينمائية دولية أخرى، لكنه سيُعرَض في بعض صالات المملكة المتحدة وأوروبا. أما الانطلاقة من قلب عمّان ومن ضمن فعاليات مهرجانها السينمائي، فمحطة أساسية في طريقه نحو الناس. «يعني لي كثيراً أن يكون العرض الأول في الأردن، خصوصاً أنه دولة لصيقة بفلسطين، وأن نسبة الفلسطينيين فيه مرتفعة»، يقول الدكتور طاهر.

ربما لن يستطيع الطبيب العودة إلى غزة في مهمة رابعة، إلا أنه يستعد لإطلاق منصة تُجمَع من خلالها المساعدات، وتُقدَّم أشكال الدعم كلها لأهالي القطاع. وفق طاهر، هؤلاء يستحقون الأجمل: «أكثر ما فاجأني في أهل غزة، أنهم رغم الفاجعة، لم يفارقوا يوماً إيمانهم».


مقالات ذات صلة

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

يوميات الشرق «الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر الحالي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

تؤكد المخرجة المصرية سارة جوهر أن قوة فيلمها تكمن في قدرته على التأثير في المشاهد، وهو ما التقطته «فارايتي» بضمّها لها إلى قائمتها المرموقة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

رغم التحديات الأمنية واللوجيستية وعزلة القرية في غامبيا، فإن المخرج البلجيكي يشعر بالرضا عن التجربة التي خلّدت اسم «باتيه سابالي».

أحمد عدلي (الدوحة)
يوميات الشرق بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)

من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

قدَّم وثائقي «سبع قمم» سيرة رجل فَقَد ملامح المدير التنفيذي عند «المنطقة المميتة» في "إيفرست"، ليبقى أمام عدسة الكاميرا إنساناً يسأل نفسه: لماذا أواصل؟

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

أصدر النجم ليوناردو دي كابريو تحذيراً للممثلين الشباب، موضحاً سبب رفضه عروضاً ضخمة في بداية مسيرته الفنية الحافلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.