الطبيب الذي سحب الرصاص من أجساد الغزيين... بطلاً لفيلم «المهمة»

مهرجان عمّان السينمائي يستضيف العرض العالمي الأول للفيلم بحضور الجرّاح محمد طاهر والمنتج مايك ليرنر

الجرّاح العراقي - البريطاني محمد طاهر في فيلم «المهمة» الذي جرى تصويره بغزة (الشرق الأوسط)
الجرّاح العراقي - البريطاني محمد طاهر في فيلم «المهمة» الذي جرى تصويره بغزة (الشرق الأوسط)
TT

الطبيب الذي سحب الرصاص من أجساد الغزيين... بطلاً لفيلم «المهمة»

الجرّاح العراقي - البريطاني محمد طاهر في فيلم «المهمة» الذي جرى تصويره بغزة (الشرق الأوسط)
الجرّاح العراقي - البريطاني محمد طاهر في فيلم «المهمة» الذي جرى تصويره بغزة (الشرق الأوسط)

«كادت تلك اليد تكون معجزة غزة، لكن حتى المعجزات لا تبقى على قيد الحياة هنا»، هكذا علّق الجرّاح محمد طاهر بعدما خسرت الطفلة مريم يدها، رغم محاولاته الحثيثة لتفادي البتر.

دخل الطبيب العراقي - البريطاني إلى القطاع الفلسطيني المنكوب في 3 مهمات إنسانية خلال الحرب. جرى توثيق إحداها ضمن فيلمٍ حمل عنوان «المهمة»، وقد استضاف «مهرجان عمّان السينمائي الدولي» عرضَه العالمي الأول، وذلك في مسرح «رينبو» في العاصمة الأردنية، الذي امتلأ بالحضور، على رأسهم الدكتور طاهر، ومنتج الفيلم المخرج البريطاني مايك ليرنر.

د. طاهر والمنتج مايك ليرنر في حوار مع حضور مهرجان عمّان السينمائي (الشرق الأوسط)

على هامش العرض، تحدَّث طاهر لـ«الشرق الأوسط» عن المرات الكثيرة التي استطاع فيها أن ينقذ حياة ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة، وكذلك عن المرات التي تحطّم فيها قلبه أمام أطفالٍ يلفظون أنفاسهم الأخيرة. يقول: «إحدى أصعب اللحظات، وهي لا تُحصى، كانت في مستشفى (شهداء الأقصى) في دير البلح. في ذلك اليوم وصلت إصابات كثيرة من بينهم أطفال. كان أحدهم مرمياً أرضاً ومتروكاً برأسٍ مضمّد عشوائياً. تُرك يموت وحده... وأنا، وسط الفوضى والصراخ والدماء، ذهبت إليه ومسكت يده ومسحت على صدره كي لا يموت وحده».

تستوقفه دموعه عندما يسترجع مشاهد مثل هذه، وفي الفيلم أيضاً بكى الدكتور طاهر. تأثّر أمام أمٍ تشكره لأنه أجرى جراحة ناجحة لجسد ابنها المشظّى، كما شارك العائلات لوعة فقد الأحبة، وهو بكى كذلك في كل مرةٍ كان يغادر فيها غزة، تاركاً خلفه ضحايا علّقوا آمال الشفاء عليه.

د. طاهر خلال مهمته داخل مستشفى الأقصى في غزة (إنستغرام)

اليوم، وبعد أشهر قليلة على انتهاء مهمته الأخيرة، بات الطبيب ممنوعاً من دخول القطاع. لقد ذاع صيتُه وصارت الحكايات التي يوثّقها تزعج إسرائيل. غير أن الفيلم الجديد هو الشاهد الأكبر على جراح الغزيين والجحيم المفتوح عليهم.

على مدى ساعة ونصف الساعة، تابع الحضور يوميات الغزيين الدامية من خلال حركة الدكتور طاهر (40 سنة)، وهو جرّاح أعصاب من أصول عراقية، وُلد وعاش في لندن. جلس الطبيب في القاعة وسط المشاهدين، عاينَ ردود فعلهم بين شهقاتٍ ودموع وتصفيق. منهم مَن لم يستطع متابعة الفيلم لفرط قسوة المشاهد، ومنهم مَن أشاح نظره كلّما اقتربت الكاميرا من الجراح المفتوحة.

«كل المحتوى حقيقي. لا نصوص ولا تحضير ولا إعادة تمثيل هنا»، يؤكّد الدكتور طاهر لـ«الشرق الأوسط». ما الحاجة إلى سيناريو ومؤثرات خاصة حين يكون الواقع تجسيداً للسرياليّة؟!

لا يناسب الفيلم أصحاب القلوب الضعيفة لما يحتويه من مشاهد قوية داخل غرف العمليات (الشرق الأوسط)

يفيض وثائقيّ «المهمة» بالدماء والآلام، تقترب كاميراته من أعماق الجسد، تلاحق ملاقط الطبيب وهي تسحب الرصاصات والشظايا من بين العظام والأضلاع. وحدهم أصحاب القلوب القوية قادرون على متابعة المُشاهدة، فالعمل قاسٍ بصورته، لكنه لا يفعل سوى توثيق حقيقة ما يجري في غزة من دون تجميل، ومن قلب مستشفياتها وغرف عملياتها. يقترب العمل في هذه الناحية أكثر إلى التغطية الإخبارية منها إلى الفيلم الوثائقي.

يؤكد طاهر أنّ التصوير جرى بمجهودٍ شخصي من الفريق الطبي، مع حرصٍ على عدم الكشف عن أسماء المصوّرين لأسبابٍ أمنية، إلا أنّ اللقطات تبدو محترفة. فالنقلات انسيابية، والصورة واضحة وثابتة رغم قسوة المحتوى. «في البداية لم تكن هناك خطة لتحويل مهمتي الطبية إلى فيلم، لكن نصائح عدة من حولي نجحت في إقناعي بالأمر. ولاحقاً عندما بدأنا التصوير في غزة، أدركنا أن ما سنقدّمها للعالم رسالةٌ إنسانيةٌ نفتح من خلالها أبواب مستشفيات وغرف عمليات غزة أمام الرأي العام العربي والعالمي».

رغم الظروف الصعبة فإن التصوير محترف والحركة السينمائية انسيابية (الشرق الأوسط)

لا يقتصر التصوير على داخل المستشفيات فحسب، بل تواكب العدسة الطبيب وزملاءه المتطوّعين في جمعيّة «الفجر العلمي» وهي منظّمة غير حكومية تكرّس جهودها لتقديم الخدمات الطبية للأشخاص المحرومين منها أينما كانوا في العالم.

ترافق الكاميرا إذن الدكتور طاهر خلال تنقّله بين شمال القطاع وجنوبه، فهو جال على عدد كبير من مستشفيات غزة. تلك المشاهد الخارجية توثّق بدَورها هَولَ ما حلّ بغزّة من دمار شامل لم يُبقِ سوى مساحات لا متناهية من الركام. والرحلة من الشمال إلى الجنوب محفوفة بأخطار القصف، وبالعصابات التي تسرق المساعدات، وبشتّى أشكال القلق.

استراحة للأطباء المتطوعين في مستشفيات غزة (إنستغرام)

لكن ثمة دائماً نافذة ضوء يحرص الفيلم على فتحها، كأن يخرج الطبيب إلى الشارع في فسحة قصيرة بعد ليلة طويلة من العمليات الجراحية. هناك، وسط الأبنية المدمّرة، يصافح الأطفال ويقدّم لهم الحلوى. «هذه هي فسحتي واستراحتي من فظاعة ما أرى في غرف العمليات»، يعلّق طاهر. ثم يرافق فريقه الطبي والتمريضي في استراحة لساعات على شاطئ غزة. يسيرون على الرمال، ويتحدّثون إلى الصيادين والسبّاحين المحاصَرين بالزوارق الإسرائيلية. «هذا المشهد الوحيد الذي لم تهشّمه الصواريخ... البحر والرمال»، يعلّق طاهر.

وفي أحد أكثر مشاهد الفيلم تأثيراً، تمتزج وحشيّة الحرب بشاعريّة الكَون؛ فبعد ليلٍ طويلٍ من الإسعافات والعمليات يصعد الطبيب إلى سطح المستشفى مستعيناً بضوء الجوال. يتفرّج على السماء، حيث تلمع النجوم وتظهر المجرّات بوضوح في ليل غزة الدامس، لكن سرعان ما يطغى أزيز المسيّرات الإسرائيلية ليسلب سحر اللحظة.

اختُتم العرض بوقوف الحضور تصفيقاً لدقائق (الشرق الأوسط)

ليس من المؤكّد بعد ما إذا كان فيلم «المهمة» سيشقّ طريقه إلى مهرجانات سينمائية دولية أخرى، لكنه سيُعرَض في بعض صالات المملكة المتحدة وأوروبا. أما الانطلاقة من قلب عمّان ومن ضمن فعاليات مهرجانها السينمائي، فمحطة أساسية في طريقه نحو الناس. «يعني لي كثيراً أن يكون العرض الأول في الأردن، خصوصاً أنه دولة لصيقة بفلسطين، وأن نسبة الفلسطينيين فيه مرتفعة»، يقول الدكتور طاهر.

ربما لن يستطيع الطبيب العودة إلى غزة في مهمة رابعة، إلا أنه يستعد لإطلاق منصة تُجمَع من خلالها المساعدات، وتُقدَّم أشكال الدعم كلها لأهالي القطاع. وفق طاهر، هؤلاء يستحقون الأجمل: «أكثر ما فاجأني في أهل غزة، أنهم رغم الفاجعة، لم يفارقوا يوماً إيمانهم».


مقالات ذات صلة

فيلم «الزرفة»... كثير من الضحك خارج حدود المنطق

سينما ‎⁨إبراهيم الخيرالله وأضوى بدر وفهد المطيري في مشهد من الفيلم (الشرق الأوسط)⁩

فيلم «الزرفة»... كثير من الضحك خارج حدود المنطق

ليس مستغرباً أن يتصدر الفيلم السعودي «الزرفة» شباك التذاكر المحلي في أسبوعه الأول، محققًا إيرادات 9 ملايين ريال، لكن المفاجأة كانت في حجم الحشود.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق الفائزون بجوائز دعم الأفلام المقدّمة من مهرجان عمّان السينمائي (إدارة المهرجان)

من المخاض إلى الولادة... كيف يتحمّل المخرجون الشباب مشاقّ صناعة فيلم؟

«أيام عمّان لصنّاع الأفلام» ملتقى شبابيّ ينبض بالمواهب السينمائية العربية الشابة ويحتضنها من خلال منصاته لتسويق ودعم مشروعات الأفلام.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق مدير «صندوق البحر الأحمر» عماد إسكندر ومدير الدورة فيه سلمان المساعد يتحدّثان في مهرجان عمّان السينمائي (إدارة المهرجان)

«البحر الأحمر» في «عمّان السينمائي»... معاً لأفلام أفضل

لا يتعامل المهرجانان بمنطق التنافس، بل يمدّان الجسور بهدف خدمة الصناعة السينمائية العربية.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تامر حسني في العرض الخاص لفيلم «ريستارت» (حسابه بموقع «فيسبوك»)

تامر حسني يثير جدلاً لربطه بين أحداث «ريستارت» وحريق «سنترال رمسيس»

أثار الفنان المصري تامر حسني جدلاً بعد نشره مقطع فيديو من فيلمه «ريستارت»، الذي يعرض حالياً بمصر وعدد من الدول العربية.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق هنيدي ومنى زكي في فيلم «الجواهرجي» (فيسبوك)

محمد هنيدي للمنافسة على «شباك التذاكر» بـ«الجواهرجي»

يخوض الفنان المصري محمد هنيدي المنافسة في الموسم السينمائي الصيفي من خلال فيلم «الجواهرجي».

انتصار دردير (القاهرة )

«اشتهاء الشوكولاته»... رسالة من جسمك ليخبرك بأشياء معينة... ما هي؟

الشوكولاته طعام «مريح» يرتبط بالذكريات الجميلة (رويترز)
الشوكولاته طعام «مريح» يرتبط بالذكريات الجميلة (رويترز)
TT

«اشتهاء الشوكولاته»... رسالة من جسمك ليخبرك بأشياء معينة... ما هي؟

الشوكولاته طعام «مريح» يرتبط بالذكريات الجميلة (رويترز)
الشوكولاته طعام «مريح» يرتبط بالذكريات الجميلة (رويترز)

قد يشعر الإنسان بأنه يشتهي الشوكولاته لأسباب عديدة، مثل الجفاف، أو التوتر، أو التعب، وفق ما ذكره موقع «فيري ويل هيلث». فلماذا تشعر إذن باشتهاء الشوكولاته؟ وما الرسائل التي يريد جسمك نقلها إليك في هذه الأوقات؟

الجفاف

قد تشتهي الشوكولاته لأنك تعاني من الجفاف. والجفاف هو عندما لا يحصل جسمك على ما يكفيه من السوائل، إما بسبب قلة شرب الماء، أو فقدان السوائل عن طريق العرق.

قد يجعلك الجفاف تشعر بالجوع، خاصة للأطعمة الحلوة مثل الشوكولاته، لأنه يصعب على جسمك الوصول إلى الجلوكوز (السكر) المخزن في حالة الجفاف. وتناول الشوكولاته التي تحتوي على سكريات مضافة يمكن أن يمنحك جرعة سريعة من السكر تُجدد طاقتك.

التوتر

قد يدفع الشعور بالتوتر بعض الناس إلى الرغبة في تناول الشوكولاته. طعم الشوكولاته لذيذ، وبالنسبة للكثيرين، فهي طعام «مريح» يرتبط بالمتعة والذكريات الجميلة. وقد تلجأ إلى الشوكولاته عند شعورك بالتوتر، لأنك ربطت نفسياً الشوكولاته (التي تُشعرك بالسعادة) بحلٍ للشعور بالسوء.

الحواس المُحفَزة

تولد لدى بعض الأشخاص رغبة شديدة في تناول الشوكولاته من خلال مُحفِزات خارجية، مثل المرور بمخبز أو رؤية إعلان ما، حيث قد تتخيَل لا إرادياً طعم الشوكولاته أو شعور قضم قطعة منها، ما قد يُسبب الرغبة الشديدة في تناولها.

اشتهاء السكر

تحتوي الشوكولاته - وخاصة الشوكولاته بالحليب والشوكولاته البيضاء - على مستويات عالية من السكر. ولا يتفق العلماء حول ما إذا كان السكر يُسبب الإدمان، لكنهم يعلمون أنه يُنشط مسارات المكافأة في الدماغ (وهي شبكة عصبية مسؤولة عن الشعور بالمتعة والتحفيز)، مما قد يُثير الرغبة الشديدة. بعبارة أخرى، قد تشتهي الشوكولاته لأنك تربطها بالسكر.

التعب

تحتوي الشوكولاته على الكافيين، لذا من المحتمل أن تشتهيها بسبب دفعة الطاقة التي تحصل عليها عادة من الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على الكافيين. وتحتوي شوكولاته الحليب والشوكولاته البيضاء على مستويات منخفضة نسبياً من الكافيين مقارنة بالشوكولاته الداكنة.

كيف تتخلص من الرغبة في تناول الشوكولاته؟

هناك بعض الطرق لكبح جماح الرغبة الشديدة في تناول الشوكولاته، منها:

ممارسة اليقظة الذهنية: حاول ممارسة اليقظة الذهنية من خلال التركيز على شعور جسمك في تلك اللحظة. هل أنت جائع حقاً، أم عطشان؟ هل تحتاج إلى الشوكولاته أو أي شيء آخر؟

صرف الانتباه: حاول صرف انتباهك بنشاط آخر لإسكات هذه الرغبة الشديدة.

شرب الكثير من الماء: قد يؤدي الجفاف إلى اشتهاء الأطعمة الحلوة مثل الشوكولاته، لذا اشرب الكثير من الماء.

تجنب الأطعمة الغنية بالسكر: تجنب الأطعمة السكرية، مثل الحلوى والمشروبات الغازية، يساعد في إخماد رغبتك الشديدة في تناول السكر.

انتقل إلى الشوكولاته الداكنة: استهدف الشوكولاته الداكنة التي تحتوي على نسبة أعلى من الكاكاو وكمية أقل من السكر والحليب.