معرض «ما بين السماء والبحر»... الوجع الفلسطيني إلى أميركا

إسماعيل أبو حطب يُقدّم سرداً حيّاً للنزوح بحكايات الخيام والرمل

الكاميرا لا تلتقط... إنها تشهد (الجهة المنظّمة)
الكاميرا لا تلتقط... إنها تشهد (الجهة المنظّمة)
TT

معرض «ما بين السماء والبحر»... الوجع الفلسطيني إلى أميركا

الكاميرا لا تلتقط... إنها تشهد (الجهة المنظّمة)
الكاميرا لا تلتقط... إنها تشهد (الجهة المنظّمة)

في زمن الحرب والحصار والصمت المدوّي، يشقُّ معرض «ما بين السماء والبحر» طريقه إلى مدينة شيكاغو الأميركية، بنسخته الثانية، حاملاً توقيع المصوّر والمخرج الفلسطيني إسماعيل أبو حطب. معرضٌ بُنيت كلّ تفاصيله عن بُعد، من داخل قطاع غزة المُحاصر، بينما كانت القنابل تنهال على سمائه، والدمار يلتهم أرضه، وأهله يتنقّلون ما بين خيمة وخسارة.

المصوّر كان جزءاً من الصورة (الجهة المنظّمة)

وسط الغياب والأنقاض، أعاد إسماعيل أبو حطب، المُصاب والنازح، تشكيل المشهد. صمَّم تجربة بصرية حسّية توثّق اللجوء وتستحضر الأمل عبر رموز بسيطة صارت شاهدة على الانهيار: أكياس طحين، وبطانيات، ومواقد من الحطب، والرمال المبلّلة، والخيام التي تلاشت معها الخصوصية والهوية. يقول: «لم أستطع الخروج من غزة، لكنني استطعتُ أن أُرسل روايتنا».

يسرد المعرض حكاية آلاف العائلات التي نزحت سيراً خلال حرب 2023-2024 على امتداد شاطئ غزة، حاملين أطفالهم وذكرياتهم، في مسيرة تتأرجح بين الحياة والموت. بعد عرضه الأول في لوس أنجليس داخل خيمة رمزية، يصل المعرض إلى شيكاغو برؤية موسَّعة ليُؤرّخ للإنسان والذاكرة، والمعنى، وللقوة الخفيّة الكامنة في الصمود؛ قبل أن يؤرّخ للحرب.

بين الرمل والهواء يولد وطن مؤقّت (الجهة المنظّمة)

«ما بين السماء والبحر» يُدخِل الزائر في واقع التهجير العاطفي والجسدي، ويستند إلى قناعة بأنّ الصورة والتركيب الفنّي قادران على سدّ فجوات الفَهْم ونقل الناس إلى ما وراء الخبر؛ نحو التجربة المعيشة. يعرض المشروع التهجير بكونه علاقة شخصية وواقعاً يجب أن يُعاش، لا أن نكتفي بمشاهدته.

الخيمة التي تؤطِّر المعرض تركيبٌ فنّي أُنجز بعناية ليعكس هشاشة الحياة اليومية في غزة. الأقمشة المُهترئة، والفُرش البالية، والرمال المبعثرة، والأغراض المنزلية المشتّتة... كلها عناصر تخلق بيئة عدم استقرار، تُذكّر بأنَّ هذا «البيت» المؤقّت هو مساحة وجود قسري. أما المشهد الصوتي، من أمواج البحر إلى صوت القصف، ومن همسات الأطفال إلى أزيز الطائرات المُسيَّرة، فيُضيف بُعداً عاطفياً مكثّفاً يُضيء على التناقض بين ما هو حيّ وما هو مُهدَّد.

صرخة المعرض: التهجير في غزّة تفكيكٌ للذات (الجهة المنظّمة)

في صميم المعرض، تقف صور إسماعيل أبو حطب. لقطات تُجسِّد تفاصيل الحياة داخل الخيام: أطفال يلعبون بين الأنقاض، أمهات يتقاسمن الخبز، وجوهٌ تعكس الفقدان والتعب، لكنّها أيضاً تشعُّ بالتحدّي. هذه الصور قصائد بصرية تُعيد تعريف المكان وتروي كيف غيَّر التهجير شكل الحياة، وحوَّل الشاطئ من فسحة أمل إلى سجن مفتوح على السماء.

الهدف أبعد من التوعية. إنه محاولة لكسر اللامبالاة وخلق شعور حيّ بوزن التهجير وبثّ التعاطف مع مَن يعيش في مكان لا يصلح للعيش. بين الجمال والخوف، يُصوّر المعرض كيف يمكن أن يمنح البحر والسماء لحظة هدوء، حتى حين يكونان شاهدَين صامتَين على المأساة.

على الوجوه خريطة من التعب والرجاء (الجهة المنظّمة)

وبينما يوثّق «ما بين السماء والبحر» الألم، يسعى إلى صناعة ذاكرة مضادّة للنسيان. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تعرَّض أبو حطب لإصابة خطيرة خلال تغطيته القصف الإسرائيلي. فَقَد القدرة على المشي لعام ونزح من بيته، لكنه واصل التصوير كونه أحد أولئك الذين تهشَّمت حياتهم. يقول: «لم أكن مجرّد شاهد صامت خلف الكاميرا. كنتُ نازحاً أبحث عن مأوى، مصاباً أجرُّ قدمي، فاقداً بيتي وأحبّتي، ومحاطاً بالخطر الذي يحيط بكل مَن أمام عدستي». أراد الكاميرا مرآة تنزف وأداة بقاء.

الحياة تسير على أطراف الهاوية (الجهة المنظّمة)

صوَّر الواقع وما وراءه؛ الكرامة المحاصَرة والنور الذي لا يخبو وسط الخراب: «كنتُ أبحثُ عن صوتي المفقود في وجوههم وعن نجاتي من خلال قصصهم»، يقول: «كلّ صورة التقطتُها لم تكن عنهم فقط، وإنما عنّا جميعاً. عن غزّة التي لا تُختصر في موت، لتُروى على أنها حياة مستمرّة رغم كلّ شيء».

الرسالة التي يحملها، رغم الألم والخذلان والتكرار، هي أنّ فلسطين كرامة تُحاصَر يومياً وليست فقط مأساة تُختزل في خبر عاجل. والإنسان الفلسطيني ليس مجرَّد ضحية حرب، وإنما كائنٌ يحاول أن يحبّ ويُبدع ويعيش، وإنْ على حافة الهاوية.

يتحوَّل البحر جداراً والسماء سقفاً هشّاً (الجهة المنظّمة)

يحاول المعرض أن يُعيد للنزوح الفلسطيني صوته، فيُذكّر بأنَّ التهجير في غزّة ليس انتقالاً من بيت إلى خيمة، بل تفكيك للذات وتجريد للإنسان من أبسط حقوقه على مستوى الأمان والخصوصية. حين تنام على الرمل وتسمع البحر يختلط بصوت الطائرات، تفهم أنَّ الغربة تتخطَّى المكانية لتشمل كلّ ما كنتَ تحسبه ثابتاً.


مقالات ذات صلة

ميرنا مشنتف وصغار التوحُّد... ما يُهمَل يستحقّ فرصة أخرى

يوميات الشرق بلمسة من اللون والخيال حصلت الأجسام المعدنية على حياة ثانية (الشرق الأوسط)

ميرنا مشنتف وصغار التوحُّد... ما يُهمَل يستحقّ فرصة أخرى

ميرنا مشنتف تحمل في داخلها هَمّ إنقاذ الحضارة من التآكل. منذ أن تفتَّح شغفها بالرسم، قرَّرت أن تمنحه بُعداً بيئياً، وأن تربطه بالقصص التي تُهمَل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق معرض «مروان روح في المنفى» بدار «كريستيز» في لندن (الشرق الأوسط)

بين الوطن والمنفى... نظرة داخل عالم الفنان السوري مروان

في دار «كريستيز» بحي سانت جيمس الراقي بلندن يقام معرض يحتفي بأحد أهم الفنانين العرب في القرن العشرين، وهو مروان قصاب باشي، المعروف باسم مروان.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق التاريخ حين يُروى (إدارة المعرض)

معرض وثائقي يُعيد إحياء ذاكرة السيدة زينب في قلب القاهرة

يحكي المعرض سيرة التطوّر العمراني وسياساته في منطقة السيدة زينب عبر أكثر من ألف و200 عام، ويضمّ مجموعة كبيرة من الرسوم الاستشراقية والصور الفوتوغرافية والخرائط.

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق فنٌّ يُكرّم الذاكرة (دار رعاية برمنغهام)

120 ثوراً تكسوها الألوان... برمنغهام تتحوّل إلى معرض في الهواء الطلق

انطلق في شوارع برمنغهام قطيع يضمّ أكثر من 120 ثوراً ضمن قافلة فنّية مجانية، مُزيَّنة بأنامل فنانين محلّيين، وموضوعة في أماكن مختلفة من المدينة البريطانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تحدّي «التحيُّز البصري» (معرض ليدز سيتي للفنون)

للمكفوفين حصّة في الجمال... حدث يُبدّد «التحيُّز البصري»

يستضيف معهد هنري مور في ليدز بإنجلترا معرضاً بعنوان «ما وراء المرئي»، بهدف تحدّي «التحيُّز البصري» في صالات العرض.

«الشرق الأوسط» (لندن)

صاحب واقعة «فيديو حفل كولدبلاي»... استقالة الرئيس التنفيذي لشركة «أسترونومر»

لقطة من الفيديو المتداول لآندي بايرون وكريستين كابوت خلال حفل فرقة «كولدبلاي»
لقطة من الفيديو المتداول لآندي بايرون وكريستين كابوت خلال حفل فرقة «كولدبلاي»
TT

صاحب واقعة «فيديو حفل كولدبلاي»... استقالة الرئيس التنفيذي لشركة «أسترونومر»

لقطة من الفيديو المتداول لآندي بايرون وكريستين كابوت خلال حفل فرقة «كولدبلاي»
لقطة من الفيديو المتداول لآندي بايرون وكريستين كابوت خلال حفل فرقة «كولدبلاي»

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا الأميركية «أسترونومر» استقالته بعد أن أثار مقطع فيديو تم تصويره خلال حفل موسيقي لفرقة «كولدبلاي» جدلاً واسعاً.

ووفقاً لبيان نشرته الشركة على موقع «لينكد إن»، يوم السبت، استقال آندي بايرون من منصبه كرئيس تنفيذي للشركة.

وقالت الشركة في منشورها على «لينكد إن»: «تلتزم أسترونومر بالقيم والثقافة التي وجهتنا منذ تأسيسنا. ويتوقع من قادتنا أن يحددوا المعايير في السلوك والمساءلة على حد سواء، ومؤخراً، لم يتم الوفاء بهذا المعيار»، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية.

يأتي هذا الإجراء بعد يوم من إعلان الشركة عن وضع بايرون في إجازة، وفتح مجلس الإدارة تحقيقاً رسميا في الحادثة التي انتشرت بشكل واسع.

وانتشر مقطع فيديو يظهر فيه بايرون وهو يعانق رئيسة قسم الموارد البشرية في شركته، كريستين كابوت، عبر شاشة العرض العملاقة (جامبوترون) خلال حفل «كولدبلاي»؛ ما دفعهما للهرب من مكانهما محرجين، ما أثار اتهامات بالخيانة.