في مشهد اعتادت فيه الأضواء أن تتجه نحو المخرجين والممثلين، قرَّرت الممثلة السعودية خيرية أبو لبن أن تُعيد ترتيب اللقطة، وتُزيح الكاميرا قليلاً إلى الخلف، لتُسلّط الضوء على أولئك الذين يعملون وراء الكواليس: مساعد المخرج، ومشرف الإضاءة، ومساعد مدير التصوير، ومُصمم الإنتاج، وغيرهم من صنّاع الصورة الذين لا تُطبع وجوههم على البوستر، لكن العمل السينمائي لا يكتمل من دونهم. هذه الرؤية شكّلت جوهر بودكاست «مَفلم»، الذي تقدّمه خيرية أبو لبن عبر منصة أوسع تحمل الاسم نفسه.
تؤكد خيرية في حديثها إلى «الشرق الأوسط» أن بودكاست «مفلم» يبتعد عن الحوارات التقليدية مع النجوم، ويتجه إلى مسار مختلف، باحثاً عن المِهن غير المرئية في صناعة السينما، وعن الأشخاص الذين يُشكّلون العمود الفقري لأي مشروع سينمائي. وتوضح: «كثير من الشغوفين بالسينما يظنون أن الخيارات تقتصر على الإخراج أو التمثيل أو الكتابة، بينما هناك مهن عديدة مطلوبة ومهمة، لكنها لا تحظى بالاهتمام الكافي. لذلك، حرصت في (البودكاست) على تسليط الضوء عليها».
«البودكاست» الذي تُبث منه حلقتان شهرياً، تعتقد خيرية أبو لبن أنه أول «بودكاست» سعودي يتناول تقنيات وفنيات صناعة الأفلام، مع وجود برامج حوارية عدّة متعلقة بالقالب السينمائي النقدي على وجه التحديد، مضيفة: «يتكلم (مفلم) عن الصنعة، وكيف بالإمكان ممارستها على طريقة الخبراء، كلٌّ في مجاله».
ضيوف غير تقليديين
في نحو 30 حلقة، لم تستَضِف سوى مخرجَين اثنين فقط، أما بقية الحلقات، فذهبت إلى أصوات ومواقع أخرى: كتّاب، ومصممو إنتاج، وممثلون بتجارب متنوعة، ومساعدو إخراج، ومشرفو إضاءة، وفنيون، وغيرهم. وفي إحدى الحلقات مثلاً، ناقشت خيرية مع صانعة الأفلام نورا أبو شوشة سؤالاً دقيقاً: «كيف تكتب المرأة عن عوالم الرجال؟» وفي أخرى، بحثت في التقاطعات بين مدارس التمثيل الأميركية والأوروبية والعربية، وفي اختلاف تكنيك الأداء من ممثل لآخر.
وترى خيرية أن هذا «البودكاست» لا يُعرِّف بالمهن فقط، بل يمنح الداخلين الجدد حداً أدنى من الوعي بطبيعة كل دور، وأين يمكن أن يجدوا أنفسهم. مضيفة: «لا يوجد لدينا عدد كافٍ من مساعدي الإخراج، ولا من الفنيين العاملين تحت إدارة التصوير، إلى درجة أننا نضطر أحياناً إلى جلبهم من الخارج، في حين هناك سعوديون شغوفون لم يدركوا بعد أن هذه وظائف ضرورية ومطلوبة».
بين التجربة والمعرفة
انعكست خبرتها، التي بدأت منذ عام 2013، متنقلة بين المسرح والدراما التلفزيونية والسينما، على طريقة إدارة الحوار، فهي لا تتحدث بوصفها مقدمة «بودكاست» فقط، بل ممثلة عاشت التفاصيل، وتفهم العلاقة العميقة بين كل قسم وبين أداء الممثل، وهنا تقول: «عندما أتحاور مع مصمم إنتاج، مثلاً، فأنا أعلم تماماً كم يُغيِّر اختياره لموقع التصوير من أدائي ممثلةً، وأعرف قيمة المصور، والكاتب، ومساعد الإخراج، لأنهم أثَّروا فيَّ بوصفي فنانة، وشكّلوا ذائقتي وخبرتي».
وبسؤالها عن الفرق ما بين الوقوف أمام الكاميرا ممثلة، مقارنة بدورها الحالي مُحاورة، تُشير خيرية إلى أن «البودكاست» اكتمل تسجيله قبل نحو سنتين، وأنها منذ الحلقة الأولى شعرت بارتياح كبير، وتُرجع ذلك إلى الخبرة التي تمتلكها، بالإضافة إلى فريق الإعداد الذي كان يُحضِّر الأسئلة بعناية. كما أنها أضافت إلى الحوارات من خبرتها وتجربتها الشخصية. وتتابع قائلة: «أعتقد أن ما يميزني هو عفويتي، إلى جانب أني أشبه الإسفنجة؛ أتشكل بسهولة حسب الضيف الذي أمامي، وأراعي الفروقات بين الضيوف، محاوِلة أن أكون انعكاساً لكل واحد منهم، بما يمنحهم شعوراً كبيراً بالراحة أثناء الحديث».
تجارب مختلفة
وعلى عكس المسار المعتاد الذي يبدأ فيه صانع المحتوى من «البودكاست» لينتقل لاحقاً إلى التمثيل والأضواء، اختارت خيرية أن تسلك الطريق المعاكس؛ فبعد أكثر من عقد من العمل في المجال الفني، توجهت إلى «مفلم». وعند سؤالها إن كان ذلك قد فتح شهيتها للعمل الإعلامي، تجيب: «أنا منفتحة على التجارب المختلفة، ومؤمنة بأن كثرة هذه التجارب تساعد الإنسان على فهم نفسه وقدراته بصورة أعمق».
وفي ختام حديثها، كشفت خيرية أبو لبن عن أحدث مشاريعها، إذ من المقرر أن يبدأ نهاية الشهر الحالي تصوير مسلسل «الحد»، الذي تشارك في بطولته، في مدينة الباحة (جنوب السعودية). العمل من إنتاج «إم بي سي ستوديوز»، وتنفيذ «كليلة»، ومن إخراج الفوز طنجور. كما تنتظر خيرية طرح فيلمها «محمول مكفول» خلال العام الحالي، وهو إنتاج سعودي-عربي-تركي مشترك، وتصفه بأنه تجربة مختلفة ومميزة بالنسبة لها.