تلفت المذيعة السورية هبة حيدري انتباهك بأسلوبها وأدائها السهل الممتنع في برنامجها الرقمي «منّا وفينا» عبر منصة «المشهد». تترك أثراً بجمالها وذكائها الإعلامي الراقي. مهارتها في الحوار تمنحها هوية فريدة ترتكز على العفوية واحترام مساحة الضيف. وفي أحيان كثيرة تُفاجئك بأسئلة تخرج عن إطار الحوارات الكلاسيكية. مسلّحة بسلاسة وذكاء عاطفي، تُطمئن الضيف وفي الوقت ذاته تكون صوت المُشاهد وأفكاره، فتنهض قوتها من تفاعل الجمهور. لذا، حين تنتهي الحلقة، تشعر أنك تودّ مزيداً منها.
كسرت هبة حيدري مقولة «كوني جميلة واصمتي» حتى ألغتها من قاموس الإعلام، واستبدلت بها بعبارة «كوني ذكية ليبرز جمالك». وعن هدفها من ذلك تقول: «عملتُ لأكون مثالاً للمذيعة التي تجمع بين الحضور والجمال والثقافة. فالجمال يجذب الانتباه، لكن الذكاء والثقافة والحضور تترك الأثر الحقيقي عند المُشاهد».
وعمّا إذا بات الجمال ضرورة لاكتمال صورة المذيعة الناجحة؟ تردّ: «في عالم الإعلام، المذيعة تحتاج إلى مزيج من الكاريزما والمعرفة والقدرة على التواصل الفعّال. فهذه العناصر مجتمعة تصنع مذيعة كاملة الأوصاف».
استضافت حيدري عشرات نجوم الإعلام في «منّا وفينا»، دخلت إلى أفكارهم وكشفت عن هواجسهم، وأخرجت منهم ما لم يتوقعوا الحديث عنه علناً. وتقول عن اختيار الضيوف: «أختار ضيوفي بناءً على قدرتهم على تقديم قيمة مُضافة للمُشاهد. أبحثُ عن شخصيات مُلهمة تمتلك قصصاً تستحق أن تُروى، وتتناول موضوعات تهمّ المجتمع. حتى لو كان اسم الضيف معروفاً، ينبغي على المحتوى أن يكون صادقاً وخارجاً عن المألوف».
طوال نحو 50 حلقة، استضافت حيدري إعلاميين منهم مي شدياق، وكارلا حداد، وراغدة شلهوب، ومعتز الدمرداش، والراحل صبحي عطري. كما قابلت زياد نجيم، ودانا أبو خضر، ولميس الحديدي، وفاديا الطويل، وطوّرت معهم حلقات «بودكاست» مميزة بأسلوب مختلف. وعن أكثر الحلقات تأثيراً عليها، تجيب: «كل حلقة تترك بصمتها بأسلوبها، لكن تلك التي يلتقي فيها الشخصي بالعام تُلامسني أكثر. اللحظات التي يظهر فيها ضيف هشاشته أو يستعيد تجاربه من منظور جديد، تترك عندي بصمة لا تُنسى. أؤمن بأنّ الصدق العفوي هو ما يبقى في ذاكرة المستمع».
عملت هبة حيدري في مجالات إعلامية متنوّعة. درست إدارة الأعمال في جامعة دمشق، ثم انتقلت إلى الإمارات لدراسة دبلوم في تحرير الأخبار والتقديم التلفزيوني من أكاديمية «فوكس» بدبي. وانضمت إلى قناة «إم بي سي» في 2017.
تُعرِّف عن نفسها: «أنا امرأة طموح، مثابرة، مقاتلة مهما كانت الظروف. أسعى دائماً إلى التطوّر، وأحب أن أكون صوتاً للناس وأترك بصمة في الحياة». وعند سؤالها: لو لم تدخل الإعلام، ماذا كانت ستختار؟ تردّ: «ربما كنتُ سأصبح طبيبة أطفال. لطالما تمنيت خلال الحرب أن أساعد أطفال سوريا».
وهل تفكر في التمثيل؟ «راودتني الفكرة، وتلقيتُ عروضاً عدة. لكن وجدتُ شغفي الحقيقي في الإعلام، حيث أكون على طبيعتي وأوصل رسالتي بصدق. قد يأتي اليوم الذي أجد فيه الدور المناسب لي فأخوض التجربة».
تتابع هبة كل حلقات «منّا وفينا»، لأنها تؤمن بأهمية التقييم الذاتي: «يساعدني على تحسين أدائي وتقديم محتوى يليق بالجمهور». وعن قاعدتها الأساسية في الحوارات، توضح: «احترام الآخر، فلا أتعامل مع الضيف على أنه مادة إعلامية، وإنما على أنه شخص له تجربة تستحق أن تُروى بكرامة».
وعن البودكاست، هل هو ظاهرة مؤقتة؟ تُجيب: «لا، إنه تطوّر طبيعي في الإعلام. قد يتغيَّر الشكل، لكن الحاجة إلى الحوار العميق والتواصل الإنساني الصادق ستبقى. والبودكاست من أجمل تجليات ذلك». تتابع: «الناس متعطشّون للصدق، وجاء البودكاست عندما كنا بحاجة إلى صوت مختلف، بعيداً عن الضجيج الإعلامي المعتاد. منحنا فرصة للاستماع بلا تسرّع، لإعادة التفكير في رحلة نُشكل فيها ضيوفاً في عمق تجربة إنسانية، لا مجرّد متلقّين لمعلومة. نجاحه الحقيقي يكمن في بساطته وعمقه معاً».
برأيها، يجب أن يتمتّع المُحاور الجيد بصفات عدّة: «مهمته لا تقتصر على طرح الأسئلة فقط، وإنما أيضاً الاستماع بصدق، بفضول حقيقي وذكاء عاطفي لقراءة الصمت كما الكلمات. في البودكاست تحديداً، حيث لا وجود لضغط الزمن التلفزيوني، مهارة بناء الثقة مع الضيف تصبح أساسية، إلى جانب الإلمام والسلاسة واحترام مساحة الآخر».
تختم: «الساحة الإعلامية اليوم مليئة بالتحدّيات والفرص. ومع تطوّر التكنولوجيا وتغيُّر اهتمامات الجمهور، أصبح من الضروري أن نكون مرنين، مبتكرين، وملتزمين بالصدقية. الإعلام لم يعد مجرّد نقل أخبار، وإنما مسؤولية ورسالة».