ختام فعاليات «ليالي البينالي» الرمضانية تجربة ثقافية تُزاوج بين التراث والحداثة

بحضور نخبة من المبدعين والخبراء من داخل المملكة وخارجها

سوق ليالي البينالي الرمضانية تجربة متكاملة غنية بمذاقات متنوعة (بينالي الفنون الإسلامية)
سوق ليالي البينالي الرمضانية تجربة متكاملة غنية بمذاقات متنوعة (بينالي الفنون الإسلامية)
TT
20

ختام فعاليات «ليالي البينالي» الرمضانية تجربة ثقافية تُزاوج بين التراث والحداثة

سوق ليالي البينالي الرمضانية تجربة متكاملة غنية بمذاقات متنوعة (بينالي الفنون الإسلامية)
سوق ليالي البينالي الرمضانية تجربة متكاملة غنية بمذاقات متنوعة (بينالي الفنون الإسلامية)

اختُتمت فعاليات برنامج «ليالي البينالي» الرمضاني الذي نُظّم ضمن النسخة الثانية من «بينالي الفنون الإسلامية» في صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، بعد شهر حافل بالأنشطة الثقافية والفنية التي جمعت بين روحانية الشهر الكريم وإبداعات الفنون الإسلامية.

شهد البرنامج حضور نخبة من المبدعين والخبراء من داخل المملكة وخارجها، حيث قدَّم تجربة ثقافية متكاملة احتفت بجماليات رمضان، وسلَّطت الضوء على التراث الإسلامي العريق من خلال ورش عمل، وعروض أفلام، وتجارب تفاعلية، وسوق رمضانية زاخرة بالنكهات التقليدية والمنتجات التراثية، مما جعل «البينالي» محطة فنية استثنائية تجمع بين الإبداع والحوار الثقافي.

أكثر من مجرد طهي

وسط أجواء «ليالي البينالي» الرمضانية، شكَّل مطبخ «البينالي» مساحة تفاعلية جمعت بين الموروث الغذائي الإسلامي، والابتكار، والاستدامة. من خلال مجموعة من الورش المميزة، اكتشف المشاركون خلالها العلاقة بين الطعام والثقافة والتقاليد، في تجربة جمعت بين التذوق والحواس والوعي البيئي.

لفائف الربيع الفيتنامي (بينالي الفنون الإسلامية)
لفائف الربيع الفيتنامي (بينالي الفنون الإسلامية)

في إحدى الجلسات، تعرّف المشاركون على النباتات المذكورة في القرآن الكريم، مثل التين، والزيتون، والتمر، والرُّمان، واكتشفوا معانيها الروحية والعلمية، مع خوض تجربة تفاعلية لصناعة الزيوت العطرية منها، ممَّا عزز فهمهم للعلاقة بين الروحانية والطبيعة والمسؤولية البيئية. كما شهد المطبخ لقاءً فريداً بين المطبخ الفيتنامي والإسلامي، حيث أعدّ المشاركون لفائف الربيع الفيتنامية بورق الأرز باستخدام خضروات مستوحاة من أطباق طفولتهم، في تجربة طهي تفاعلية اختُتمت بتذوُّق شاي الأولونغ، وصلصة الفول السوداني المنزلية، وتمور المجدول، مما عكس أهمية التبادل الثقافي عبر المائدة الرمضانية.

مطبخ البينالي رحلة عبر النكهات الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)
مطبخ البينالي رحلة عبر النكهات الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)

امتد هذا الحوار بين الماضي والحاضر من خلال ورشة تناولت تاريخ المأكولات التراثية الإسلامية، حيث أُتيحت للمشاركين فرصة ابتكار وصفاتهم الخاصة باستخدام مكوِّنات محلية وتقنيات مستوحاة من مخطوطات الطُّهاة المسلمين الأوائل. في حين قدّمت الشيف ياسمين حمزة تجربة حسِّية متكاملة عن الأطعمة الموسمية، حيث أعدَّ المشاركون السليق بالزبدة البنِّية المُدخَّنة، ومشروب الكركديه بالشاي الأسود والزنجبيل، والفواكه المحمصة بالتوابل، وشراب قشور الموز المخمَّرة، مما سلط الضوء على تقنيات الطهي المستدام وتقليل الهدر.

في سياق آخر، ناقشت الشيف عُلا كيال تحدي هدر الطعام في رمضان، مستعرضة الإحصائيات المحلية، والمبادئ السبعة للاستدامة، والتغيُّرات في أنماط الاستهلاك، إلى جانب عروض عملية لإعادة استخدام الأطعمة المُهدرة بطرق مبتكرة. كما قدمت فرح تاج الدين ورشة في تنسيق الموائد بأسلوب فنِّي مستدام مستوحى من العمل الفني لـ«سلافز أند تترز»، حيث تعلَّم المشاركون تقنيات تنسيق الطاولات بالزهور والبطيخ، وصناعة مشروبات صيفية منعشة بنكهات طبيعية.

سوق رمضان شهدت إقبالاً واسعاً (بينالي الفنون الإسلامية)
سوق رمضان شهدت إقبالاً واسعاً (بينالي الفنون الإسلامية)

إقبال واسع على سوق رمضان

استقطبت سوق رمضان جمهوراً واسعاً من الزوار الذين استمتعوا بتجربة غنية تنوَّعت بين الأطباق التقليدية، والمشروبات الرمضانية الشهيرة مثل الكرك والتمر الهندي، وعروض الحناء، والهدايا الحصرية من متجر البينالي للتصميم. كما أضفت العروض الموسيقية والثقافية الحيَّة لمسة إبداعية على الأجواء، حيث امتزجت أنغام الموسيقى بمذاق المائدة الرمضانية، مما خلق تجربة رمضانية متكاملة تجمع بين التراث والتجديد.

الفنون التقليدية بلمسات عصرية

كان لوِرَش العمل حضورها البارز ضمن الفعاليات، حيث نظّمت «مؤسسة معمل الفن الإسلامي» مجموعة من الورش التفاعلية التي استقطبت المهتمين بالفنون الإسلامية، مثل فن التذهيب على الخط الكوفي، والتّطريز الإسلامي، وصباغة الأقمشة بالألوان الطبيعية. كما كشفت بعض الورش الروابط بين التراث والفنون المعاصرة، مثل ورشة «النحت والملاحظة وما بينهما» التي قدمها الدكتور معن العبادي.

عروض الأفلام في ليالي البينالي الرمضانية (بينالي الفنون الإسلامية)
عروض الأفلام في ليالي البينالي الرمضانية (بينالي الفنون الإسلامية)

قصص ملهمة من العالم الإسلامي

عكست عروض الأفلام المختارة ضمن الفعاليات الرمضانية تنوع القصص والرؤى الفنية الآتية من العالم الإسلامي، حيث قُدمت أفلام مميزة مثل «الذراري الحمر» و«لقتل حصانٍ منغولي» بالتعاون مع «مهرجان البحر الأحمر السينمائي». وقد تناولت هذه الأعمال موضوعات الصمود، والإيمان، والهوية، مقدمةً زوايا فنية جديدة تسلِّط الضوء على التجربة الإنسانية في سياقات ثقافية مختلفة.

مؤسسة «معمل الفن الإسلامي» نظمت مجموعة من الورش للمهتمين بالفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)
مؤسسة «معمل الفن الإسلامي» نظمت مجموعة من الورش للمهتمين بالفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)

دمج التراث بالتكنولوجيا

من بين التجارب التفاعلية التي لاقت إعجاب الزوار، كانت تجربة «مراحل صناعة كسوة الكعبة المشرفة والمحافظة عليها» التي قدمتها الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين، والتي عرّفت الحضور على تقنيات صناعة الكسوة والمحافظة عليها عبر عرض تفاعلي يدمج التراث بالتكنولوجيا الحديثة.

مع انتهاء برنامج «ليالي البينالي»، خرج الزوار بتجربة ثقافية غنية أعادت إحياء الفنون الإسلامية، ودمجت التقاليد مع الممارسات المعاصرة. وتختتم ولاء حداد، إحدى الزائرات، حديثها عن الفعالية قائلة: «كان بينالي الفنون الإسلامية تجربة لا تُنسى. أدهشني التنوع في الأنشطة، من ورش الخط العربي والتذهيب إلى عروض الأفلام التي سلَّطت الضوء على قصصٍ من العالم الإسلامي. وأكثر ما أعجبني هو كيف تمكن البينالي من مزج الروحانية بالفن، مما جعل التجربة غنية وعميقة. أتمنى أن تستمر مثل هذه الفعاليات التي تُعرّفنا على تراثنا بأسلوب معاصر وتفاعلي».

من خلال مزجه بين الروحانية، والفنون، والثقافة، والاستدامة، نجح «بينالي الفنون الإسلامية» في تقديم تجربة استثنائية تعزِّز التواصل الثقافي والإبداعي بين الشعوب، مؤكداً أن الفن الإسلامي ليس مجرد إرث، بل مساحة متجددة للحوار والتجربة والابتكار.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق مدحت صالح يختتم ليالي الأوبرا الرمضانية (وزارة الثقافة المصرية)

مدحت صالح يُسدِل ستارة حفلات «ليالي رمضان» مُقدِّماً جميل أغنياته

شدا مدحت صالح على المسرح الكبير في الأوبرا بأشهر أغنياته برفقة عازف البيانو والموزّع الموسيقي عمرو سليم، والفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو أحمد عامر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تاريخ من العراقة والحكايات (تصوير: غازي مهدي)

«المظلوم» في جدة... حارةٌ كثُرت حولها الأساطير والحكايات

في أيام رمضان، يُقبل الزوار على حارة «المظلوم» التي شهدت أسوةً بقرى في المدينة التاريخية فعاليات توزَّعت على جميع الأحياء، تشمل عروضاً ثقافيةً وتفاعليةً.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق ميدان «المصليات» في المدينة المنورة (واس)

ميدان «المصليات» معلم تاريخي يقصده أهالي وزوّار المدينة المنورة

يعدّ ميدان «المصليات» الواقع في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي، أحد الأماكن التاريخية بالمدينة المنورة، وكان يصلي فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مسجد الرفاعي حظي بتصميم معماري مميز (وزارة السياحة والآثار)

مساجد مصر الأثرية تتصدر الوجهات السياحية خلال رمضان

في ليالي رمضان، يصبح لمساجد مصر الأثرية طابعها الخاص المميز؛ تلك المساجد التي تشهد صلاة التراويح، والتفرغ للعبادة خصوصاً في العشر الأواخر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

زاهي حواس ينفي وجود أعمدة تحت الأهرامات

لغز بناء الأهرامات ما زال يحير العلماء  (تصوير: عبد الفتاح فرج)
لغز بناء الأهرامات ما زال يحير العلماء (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT
20

زاهي حواس ينفي وجود أعمدة تحت الأهرامات

لغز بناء الأهرامات ما زال يحير العلماء  (تصوير: عبد الفتاح فرج)
لغز بناء الأهرامات ما زال يحير العلماء (تصوير: عبد الفتاح فرج)

نفى آثاريون مصريون الأنباء المتداولة بشأن «اكتشاف مدينة ضخمة أسفل أهرامات الجيزة»، وعدّوا ذلك «ضرباً من الخيال العلمي لا أساس له من الصحة»، و«محاولة للنيل من الحضارة المصرية».

وكانت وسائل إعلام محلية ورواد على مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا أنباء عن «اكتشاف مدينة ضخمة تحت أهرامات الجيزة» بناء على دراسة زعم فيها باحثون من إيطاليا واسكوتلندا «وجود مدينة ضخمة تحت الأرض تمتد على مسافة تزيد على 6500 قدم»، مشيرين إلى «استخدام أجهزة رادار لإنشاء صور عالية الدقة في أعماق الأرض كشفت وجود هذه المدينة».

ووفق الدراسة، فإن «هناك 8 هياكل أسطوانية رأسية تمتد لأكثر من 2100 قدم تحت الهرم، بالإضافة إلى المزيد من الهياكل غير المعروفة على عمق 4000 قدم». وأشارت الدراسة إلى «وجود 5 مبانٍ متطابقة أسفل قاعدة هرم خفرع متصلة بمسارات هندسية، يقع أسفلها 8 آبار أسطوانية رأسية».

ونفى عالم الآثار المصرية الدكتور زاهي حواس ما يتردد من أنباء بشأن «وجود أعمدة تحت هرم الملك خفرع». وقال، في بيان صحافي (السبت): «هذه أكاذيب صدرت من بعض غير المتخصصين في الحضارة المصرية القديمة وتاريخ الأهرامات».

وأكد أن «المجلس الأعلى للآثار لم يعط هؤلاء الأشخاص أي تصريحات للقيام بأي أعمال داخل هرم الملك خفرع». وقال: «لم يتم استعمال أي أجهزة رادار داخل الهرم، وكل ما قيل عن وجود أعمدة أسفل الهرم ليس له أي أساس من الصحة، ولا يوجد أي دليل علمي يؤيد هذا الكلام، ولا توجد أي بعثات تعمل في هرم الملك خفرع الآن».

وأضاف حواس أن «قاعدة هرم الملك خفرع تم نحتها من الصخر بارتفاع نحو 8 أمتار، ولا يوجد أسفل هذه القاعدة أي أعمدة، وذلك طبقاً للدراسات والأبحاث العلمية التي تمت حول الهرم في السنوات الأخيرة».

زاهي حواس ينفي وجود أعمدة تحت هرم خوفو (تصوير: عبد الفتاح فرج)
زاهي حواس ينفي وجود أعمدة تحت هرم خوفو (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأشار حواس إلى أن «ما قيل هو محاولة للنيل من الحضارة المصرية القديمة، وهي محاولات فاشلة، وسوف تذهب هذه الإشاعات إلى مزبلة التاريخ»، وفق تعبيره.

بدوره، قال مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، الدكتور حسين عبد البصير، لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الأنباء تفتقر إلى أبسط معايير العلم الرصين، وتقع في دائرة المبالغات والتضليل»، مشيراً إلى أن «أي اكتشاف علمي حقيقي في مجال الآثار يجب أن يُنشر أولاً في دورية علمية موثوقة بعد مراجعة دقيقة من خبراء مستقلين»، لافتاً إلى أن «ما تم تداوله مبنيّ على مؤتمر صحافي دون ورقة علمية منشورة في أي مجلة موثوقة، ودون إعلان رسمي من وزارة السياحة والآثار المصرية أو المجلس الأعلى للآثار».

وأكد عبد البصير، الذي شغل في وقت سابق منصب مدير عام أهرامات الجيزة، أن «التقنيات الجيوفيزيائية، مثل الرادار المخترق للأرض (GPR)، أو التحليل الزلزالي تستطيع مسح أعماق محدودة، لا تتجاوز عشرات الأمتار في أفضل الأحوال. أما الادعاء بوجود هياكل ضخمة على عمق 2000 قدم (600 متر) فهو خيال علمي لا يستند لأي حقيقة تقنية».

وأوضح أن «العلم الحقيقي يقول إن هناك بالفعل أنفاقاً وشبكات غرف صغيرة أسفل بعض الأهرامات، مثل بئر أوزيريس أسفل هضبة الجيزة، أو الغرف غير المكتشفة التي كشفتها عمليات المسح الحديثة. لكنها كلها تقع في حدود منطقية من حيث العمق والحجم، ولا ترقى إلى أن تكون (مدينة تحت الأهرامات)».

أهرامات الجيزة من الأعلى ( الصفحة الرسمية لوزارة السياحة والآثار المصرية)
أهرامات الجيزة من الأعلى ( الصفحة الرسمية لوزارة السياحة والآثار المصرية)

وبين الحين والآخر يثار جدل بشأن الأهرامات، التي مرّ على إنشائها نحو 4 آلاف و500 سنة، ونهاية العام الماضي أحدث مقطع فيديو قصير مُولَّد بالذكاء الاصطناعي، يشرح طريقة بناء الأهرامات، ويُظهِر بعض العمال العمالقة وهم يحملون الأحجار وينقلونها إلى منطقة بناء الأهرامات، جدلاً واسعاً، مع تأكيدات مصرية بأن المصريين هم مَن بنوا الهرم، وفق ما كشفته «برديات وادي الجرف».

يُشار إلى أن فريقاً بحثياً اكتشف، خلال العقد الماضي، فراغاً داخل الهرم الأكبر، يصل حجمه إلى 30 متراً، وذلك أثناء البحث عن حجرة دفن سرية للملك خوفو، الذي لم يُعثر على المومياء الخاصة به، لكن الأبحاث لم تصل إلى نتيجة حتى الآن. وكانت هناك محاولة عام 2010 لاكتشاف ما الذي يوجد خلف حجرة الدفن الرئيسية، عبر روبوت أُدخل لاكتشاف غموض الأبواب السرية داخل هرم خوفو، لكن المحاولة لم تُسفر سوى عن اكتشاف باب آخر.