كيف نربي أطفالاً لا يستسلمون بسهولة؟

التدخل في حل الألغاز وإنجازها نيابةً عن الأطفال يُضعفان أيضاً من إصرارهم على أداء مهام أخرى (أرشيفية - رويترز)
التدخل في حل الألغاز وإنجازها نيابةً عن الأطفال يُضعفان أيضاً من إصرارهم على أداء مهام أخرى (أرشيفية - رويترز)
TT
20

كيف نربي أطفالاً لا يستسلمون بسهولة؟

التدخل في حل الألغاز وإنجازها نيابةً عن الأطفال يُضعفان أيضاً من إصرارهم على أداء مهام أخرى (أرشيفية - رويترز)
التدخل في حل الألغاز وإنجازها نيابةً عن الأطفال يُضعفان أيضاً من إصرارهم على أداء مهام أخرى (أرشيفية - رويترز)

هل تساعد أطفالك في ربط حذائهم أو القيام بأشياء يستطيعون فعلها لكنك تفعل ذلك نيابة عنهم؟ ربما ذلك يجعلهم أقل إصراراً في المستقبل.

وتقول فانيسا لوبيو، أستاذة علم نفس في جامعة روتجرز نيوارك، والمتخصصة في نمو الرضع والأطفال إن أكثر ما كان يزعجها في أطفالها في بداية حياتهم هو البطء الشديد في تحضيرهم للخروج. وتتابع لوبيو: «أكثر ما يُزعجني هو عادةً عندما نضطر للخروج من المنزل. لم أرَ أطفالاً يتحركون بهذا البطء الذي يتحركون به عندما نحتاج للوصول إلى مكان ما في الوقت المحدد».

وتردف لوبيو، وهي أيضاً مديرة مركز دراسات الطفل: «يبدو تجهيز أطفالي للمدرسة وخروجهم من المنزل صباحاً أمراً مزعجاً. قد تظنون أنه بما أننا نفعل ذلك يومياً، فلن أضطر لتذكيرهم بارتداء الجوارب، وتنظيف أسنانهم، وتناول الفطور. ومع ذلك، فهم يحتاجون دائماً إلى تذكيرات يومية».

وعدّت الطبيبة أن مساعدة الأطفال وفعل الأشياء بدلاً عنهم هو أول الأخطاء التي نقع فيها بوصفنا أهلاً. وتفسر: «نحن جميعاً مررنا بموقف نشاهد فيه أطفالنا يحاولون القيام بشيء ما، فنشعر بالإحباط ونفعل ذلك نيابةً عنهم. أنا أفعل ذلك طوال الوقت. لكن تشير الأبحاث إلى أن هذا السلوك قد يُهيئ أطفالنا للاستسلام بسهولة».

وتضرب الطبيبة المثل؛ إذ أجرت إحدى الدراسات تجربة على آباء وأطفال يشاركون في مهمة حل أحجية، ثم طلبت من الآباء تقييم مدى إصرار أطفالهم. الآباء الذين يميلون إلى تولي زمام الأمور وحل الأحجية نيابةً عن أطفالهم كان لديهم أطفال أقل إصراراً.

في دراسة أخرى، وجد الباحثون أنفسهم أن التدخل في حل الألغاز وإنجازها نيابةً عن الأطفال يُضعف أيضاً من إصرارهم على أداء مهام أخرى غير ذات صلة. في هذه الدراسة، عُرضت على أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و5 سنوات ألغاز صعبة للغاية. لكن هذه المرة، تدخّل أحد المُجرّبين لمساعدة بعض الأطفال في حل الألغاز من خلال طرح الأسئلة وتقديم التلميحات، ولكن ليس من خلال حل الألغاز نيابةً عنهم أو حتى لمس أيٍّ من القطع. أما بالنسبة لأطفال آخرين، فبدلاً من المساعدة، تولّى المُجرّب زمام الأمور قائلاً: «هذا صعب، لمَ لا أفعله أنا من أجلكم؟».

وحسب موقع «سيكولوجي توداي»، فبعد الانتهاء من حل الألغاز في الدراسة، قُدّم للأطفال صندوق خشبي بداخله لعبة للعب بها. دون علم الأطفال، كان الصندوق مُغلَقاً بالغراء ويستحيل فتحه، لكن المُجرّب تحداهم لإخراج اللعبة. ووجدت نتيجة الدراسة أن الأطفال الذين حلّ المُجرِّب اللغز نيابةً عنهم كانوا أقل إصراراً على فتح الصندوق الخشبي مقارنةً بالأطفال الذين حلّ المُجرِّب الذي ساعدهم فحسب. وتشير تلك النتائج إلى أن هذا يشير إلى أن القيام بشيء ما لطفلك لن يجعله يتخلى عن تلك المهمة فحسب، بل سيجعله أيضاً أقل إصراراً بشكل عام في مهام لا علاقة لها إطلاقاً بالمهمة التي تدخلت فيها!

كيف نجعل الطفل أكثر إصراراً؟

تشير الأبحاث إلى أن مشاهدة طفلك يبذل جهداً قد يكون مفيداً. في دراسة أجرتها نفس المجموعة البحثية، أُعطي أطفال في سن ما قبل المدرسة نفس صندوق اللعبة الصعبة المستخدم في الدراسة السابقة، وشاهدوا المُجرِّب (1) ينجح في فتحه دون جهد، (2) ينجح في فتحه بجهد كبير، (3) يستسلم دون جهد، (4) أو يستسلم بعد جهد كبير. وأظهر الأطفال مثابرة أكبر عندما بذل الكبار جهداً ونجحوا؛ ومع ذلك، كانوا أقل ميلاً للمثابرة عندما فشل الكبار، بغض النظر عما إذا كانوا قدوة في الجهد أم لا. وتُظهر أبحاث أخرى أن هذا ينطبق حتى على الأطفال. وإجمالاً، يُظهر هذا العمل أنه عندما يعلم الأطفال أن شيئاً ما سيكون صعباً، فإنهم يثابرون أكثر عندما يرون شخصاً بالغاً يحاول بجد وينجح. ولكن عندما يرون الكبار يفشلون دون محاولة، فإن الأطفال لا يحاولون على الإطلاق.

تُظهر الأبحاث أيضاً أن الأطفال يُثابرون أكثر عندما يُطبّق الكبار ما يُنصحون به. بمعنى آخر، عندما يقول الكبار شيئاً مثل: «هل تعلم ما هو أفضل شيء تفعله عند مواجهة أمرٍ مُعقّد؟ أن تُحاول قصارى جهدك ولا تستسلم». وتختم لوبيو: «إذا أردتَ تربية أطفالٍ يُؤدون أعمالهم بأنفسهم، فعليك أولاً أن تُتيح لهم القيام بها بأنفسهم، حتى لو كان ذلك مؤلماً. من خلال عدم السماح لأطفالي بربط أحذيتهم بأنفسهم، أوصلت إليهم رسالةً مفادها أنهم لا يستطيعون (ولا ينبغي لهم) القيام بذلك بمفردهم، فتوقفوا عن المحاولة. علاوةً على ذلك، ربما أوصلت إليهم أيضاً رسالةً مفادها أنني لا أعتقد أنهم يستطيعون فعل أي شيء بمفردهم، مما يدفعهم إلى الاستسلام بسهولةٍ أكبر في مهام أخرى، خاصةً إذا اعتقدوا أنني سأتدخل وأقوم بها نيابةً عنهم».


مقالات ذات صلة

المسح المبكر... للسيطرة على أعراض القلق لدى الأطفال

صحتك المسح المبكر... للسيطرة على أعراض القلق لدى الأطفال

المسح المبكر... للسيطرة على أعراض القلق لدى الأطفال

كشفت دراسة نفسية لعلماء من مركز أبحاث الطب النفسي للأطفال بجامعة توركو في فنلندا، عن الفاعلية الكبيرة لبرنامج «سيطر على قلقك»، في علاج أعراض القلق في الأطفال

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
العالم صورة ملتقطة في 18 مارس 2025 تظهر أحد أعضاء برنامج الأغذية العالمي وهو يتحقق من الوثائق بينما ينتظر اللاجئون الحصول على المساعدات في مخيم خارج مدينة ميتكينا في شمال شرقي ميانمار (أ.ف.ب)

«برنامج الأغذية»: نقص التمويل قد يعلّق برامج مكافحة سوء تغذية الأطفال في العالم

حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، من احتمال تعليق البرامج التي تساعد على منع سوء تغذية الأطفال في اليمن وأفغانستان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي مشيعون فلسطينيون يحملون جثة طفل قُتل في غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة (د.ب.أ) play-circle 00:31

مقتل 6 أطفال في غارة إسرائيلية على مبنى بمدينة غزة

لقي 6 أطفال حتفهم وأصيب آخرون إثر قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية بمدينة غزة، حسبما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
يوميات الشرق أمينة خليل والطفل علي البيلي في لقطة من مسلسل «لام شمسية» (الشركة المنتجة)

«لام شمسية» يطرح ظاهرة «البيدوفيليا» درامياً للمرة الأولى

أثبت المسلسل أنَّ أكثر الأخطاء والمشكلات التي نعيشها من الممكن طرحها درامياً، وأن مصطلح «قضايا مسكوت عنها» لم يعد موجوداً.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق بعض الخبراء يرون أننا نتوافق بشكل أفضل مع أطفالنا الأكثر تشابهاً بنا (رويترز)

لماذا يفضل الآباء أحد أبنائهم على إخوته؟

يشرح الأطفال من جميع الأعمار والبالغون أيضًا تصورهم لديناميكيات الأسرة، وغالبًا ما يشعرون بالإحباط لأن والديهم يفضلون أحد أشقائهم مهما بذلوا من جهد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مبادرات مصرية لاستعادة «روائع المسرح» في يومه العالمي

المسرح القومي في مصر (هيئة الاستعلامات)
المسرح القومي في مصر (هيئة الاستعلامات)
TT
20

مبادرات مصرية لاستعادة «روائع المسرح» في يومه العالمي

المسرح القومي في مصر (هيئة الاستعلامات)
المسرح القومي في مصر (هيئة الاستعلامات)

بالتزامن مع اليوم العالمي للمسرح الذي يحل في 27 مارس (آذار) كل عام، أطلقت مصر مبادرات لاستعادة روائع المسرح، كما أعلنت عن مساعيها لحفظ التراث المسرحي الرائد ورقمنته والعمل على افتتاح مسارح جديدة في أنحاء البلاد.

وعدّ وزير الثقافة المصري، أحمد فؤاد هنو، المسرح من وسائل القوى الناعمة المصرية، وقال في كلمة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح إن «المسرح المصري ظل عبر تاريخه منارة للإبداع والتنوير ومساحة حرة للتعبير عن قضايا المجتمع وترسيخ الهوية الوطنية».

وشهد المسرح المصري طفرات عبر تاريخه منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وشيد الخديوي إسماعيل المسرح الكوميدي الفرنسي ودار الأوبرا عام 1869 بمناسبة الاحتفال بافتتاح قناة السويس، وشيّد أيضاً مسرحاً في ميدان العتبة عام 1870 الذي شهد أول العروض الوطنية لفرقة أبو خليل القباني عام 1885، وفق الهيئة المصرية للاستعلامات.

وأكد وزير الثقافة أن «اليوم العالمي للمسرح يمثل احتفاءً بأحد أعرق الفنون وأكثرها تأثيراً في تشكيل الوعي والوجدان»، وأشاد بدور المسرحيين المصريين في إثراء الحركة الفنية والثقافية، وفق بيان للوزارة، الخميس.

وأوضح أن الوزارة تولي اهتماماً خاصاً بتطوير ودعم المسرح، وتعمل على توفير بيئة ملائمة تتيح للمبدعين تقديم أعمال متميزة، مؤكداً أن الفترة المقبلة ستشهد افتتاح عدد من المسارح التي ستضاف إلى منظومة العمل الثقافي، وفي مقدمتها «مسرح مصر» بشارع عماد الدين ومسرح «بيرم التونسي» بالإسكندرية، ضمن خطة الوزارة لتوسيع نطاق النشاط المسرحي، بهدف إتاحة الفنون لأوسع شريحة من الجمهور المصري.

جمهور المسرح القومي في مصر (صفحة المسرح القومي على «فيسبوك»)
جمهور المسرح القومي في مصر (صفحة المسرح القومي على «فيسبوك»)

وتضم مصر 41 مـسرحـاً تابعا للقطاع العام، وفق آخر إحصائية تعود لعام 2022، وقد بلـغ متوسط عــــدد المشاهــديــن 512 ألــــف مشاهــد، بمتوسط إجمالــي إيرادات 44 مليون جنيه. بخلاف مسارح القطاع الخاص والمسرح الجامعي.

وأكد وزير الثقافة المصري إعطاء اهتمام خاص بالحفاظ على التراث المسرحي المصري الغني والمتفرد، وقال: «سيتم الإعلان قريباً عن عدد من المبادرات الفنية التي تهدف إلى إبراز روائع المسرح المصري، ودعم المبدعين، ورقمنة الأعمال المسرحية الرائدة، انطلاقاً من إيمان الدولة بدور المسرح كأحد الروافد الأساسية للقوى الناعمة المصرية».

وتنظم مصر أكثر من مهرجان مسرحي بصفة دورية من بينها المهرجان القومي للمسرح المصري ومهرجان المسرح التجريبي، فضلاً عن مهرجانات أخرى للمسرح المستقل والمسرح الجامعي ومسرح الأقاليم والمسرح الجوال.

وشدد وزير الثقافة على «تطوير البنية التحتية للمسارح وتهيئتها لاستقبال العروض التي تواكب تطلعات الجمهور المصري»، وكذلك العمل على توفير بيئة إبداعية خصبة للفنانين، وتعزيز الحراك المسرحي، بما يحقق رؤية الدولة في دعم الفنون والثقافة كجزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة، وفق بيان الوزارة.

مؤكداً على استمرار جهود الوزارة في دعم المسرحيين، وتحفيز الأجيال الجديدة على تقديم أعمال تعكس ثراء وتنوع المشهد الثقافي المصري.

ومن أشهر المسارح التابعة للدولة في مصر المسرح القومي الذي شهد، أخيراً، العرض المسرحي «مش روميو وجولييت» من بطولة علي الحجار ورانيا فريد شوقي وإخراج عصام السيد، ومسارح السلام والطليعة والغد والبالون.