زاملت الكوميدية اللبنانية، سابين غانم، ملكةَ جمال لبنان لعام 2015، فاليري أبو شقرا، على مقاعد الدراسة، فشهدت على استطاعتها إضحاك الرفاق. ثم كبُر حبُّ التمثيل في داخلها مثل فكرة تُنمّيها الخيالات والأماني. تصوَّرت نفسها على مسارح، أو أنّ اسمها سيترك وَقْعاً في شباب العمر. مع ذلك، تخصَّصت في تنظيم الأعراس، ونجحت في اعتمادها مهنتها. قدرُها أعادَها إلى الحبّ الأول حين غادرت لبنان.
من الأم، استلهمت الإيجابية والثقة. ذلك أثَّر في وقوفها على الخشبة أمام جمهورٍ تُضحكهم على مسائل الحياة البسيطة والمُعقّدة. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «درَّبتني والدتي على المواجهة والإيمان بقوّتي الداخلية. أذكُرها خفيفةَ الظلّ، ترمي الدعابة فتُلطِّف كلَّ تلبُد. هوَّنت أصعب المواقف ولم تفارقها الابتسامة. عكَسَ وجهُها ما لا يُشبه بالضرورة أعماقها؛ فتلك لا بدَّ أنها اختبرت الحزن ومرَّت عليها لحظاتٌ أليمة».
تشكَّلت الانعكاسات في الابنة واتّخذت موقعها. فالحسُّ الكوميدي أشبه بوفاء لأثر الأم فيها. غادرت الدنيا عام 2011، مما آلم الابنة حدَّ جفاف الرغبة في إضحاك أحد. وإنما الموهبة أطلقت نداء العودة، فكانت عام 2023 من لوس أنجليس.

اندلع الخراب اللبناني عام 2019، حين كانت سابين غانم تمتهن تنظيم الأعراس وتُثبت حضورها في عالمه. تفاقَم التردّي الاقتصادي، وأُلغيت حفلات زفاف كانت تستعدُّ لها. حينها، شاءت السفر إلى الولايات المتحدة بعيداً عن لبنان ومباغتاته. تُخبر: «كانت مجرّد زيارة، فأُغرمتُ بلوس أنجليس. أطلتُ المدّة، فتعرّفتُ إلى رجل، تزوّجته وأنجبنا ابناً. لم يفارقني الشوق إلى المسرح ورؤية الوجوه تضحك. مع ذلك، الكوميديا أتت إليَّ من دون تعمُّدي الذهاب إليها».
تُكمل أنّ في هوليوود ما يُعرَف بـ«أوبن مايك»، يمنح مَلَكة المواهب فرصة الوقوف على المسرح لـ3 دقائق بشرط تمكّنهم من إضحاك الحاضرين: «أطلعتني صديقتي على هذه الإمكانية، فقلتُ: (لِمَ لا؟). أردتُ أن أُجرِّب، فحضَّرتُ نصّي. مسرح (هوليوود إمبروف) معروف، وقاصدوه لا يرحمون ما لا يروقهم. بـ48 ساعة، استعددتُ. ولمّا انتهيتُ، تقدَّم إليَّ كثيرون وقالوا إنه ينبغي عدم التوقُّف عما أفعله».
لم يرادوها الخوف أو اهتزاز الثقة: «على المسرح، وجدتُ نفسي. آخرون يخشونه، وأنا أشاء العيش هناك. أكتبُ واقعَ حياتي وأرفع شأن الصراحة في عالم يمتهن الأكذوبة. وأعتمد النكتة القائمة على نقطة التحوُّل. كأن ينتظر المتلقّي شيئاً، فيكون أمام شيء نقيض. وكما أُضحِك بحكايات من يومياتي، أُضحِك أيضاً بالبساطة. هذه مثلاً: (ابني ذكيّ جداً. يستطيع تسمية جميع الألوان ما دام أنه اللون الأزرق!). الجمهور يتوقّع مني عدَّ ميزات ابني، فأقدّم له ضدَّ ما يتوقَّع. وأكتبُ عن لبنان. كثر يسألونني عن موطني، فأُخبرهم أنني من بلد تحمَّل وصَمَد».

تُغيّب السياسة والإيحاء المبتذل عن الكوميديا التي تقدّم. تقول: «أتجنّبُ الإسهام في جعل الآخرين يرون في النساء الكوميديات رخاوةً لاعتمادهنّ على بذاءة اللفظ. إنني في وسط هوليوود، وثمة مقولة مفادها أنّ مَن يُضحِك جمهورها، ففي إمكانه إضحاك العالم. هنا الحضور مُتطلّب، ولا يروقه أي محتوى. ينتقد بقسوة. أحترم فنّي ليحترموني».
تكتُب يومياً، مُتّبِعةً قولاً إنجليزياً يرى الأفكار ملائكة تغادر إذا لم تُدوَّن: «أكتبُ النكتة، ثم أصقلها بذكاء. أقدّم على المسرح ما قلَّ ودلَّ. الكوميديا مثل الرياضة، علينا مواظبتها. لا أكفُّ عن تمريناتي».
رحيل والدتها وهي في سنواتها الـ19 لقَّنها المواجهة. سابين غانم، المعروفة في هوليوود باسمها الأول فقط، تبلغ اليوم الـ33. تقول إنها الوحيدة التي وُلدت ونشأت في لبنان، من أبوين لبنانيَّيْن، التي تقدّم كوميديا في لوس أنجليس باسم سابين. وتُكمل: «حياتي حضَّرتني لأكون حيث أنا. أنشأتُ شركةً هي نفسي. أصقلُ المحتوى وأحرص على الصورة. برأيي، لا نبلغ النضج مع العمر. النضج خيار. حين نُمرّن النفس ولا نهدر الوقت، نصل».
لا تُخفي تعرّضها لمضايقات، فكثر تساءلوا «مَن هي هذه الغريبة، وكيف تخرُق مجتمعنا؟». تُردِّد تساؤلاً آلمها، لكنها لقّنت نفسها تجاوز الصغائر: «لا مفرّ من وعورة بعض الدروب. بالنسبة إليّ، لا قوّة تضاهي قوّة امرأة تدرك قيمتها. كما نُعطي، نأخذ. أمنح الجمهور ضحكة لائقة، فيمنحني التقدير».

تُنظّم عرضاً أسبوعياً كلَّ أحد في «بارك لا بريا»؛ ثاني أكبر مجتمع سكني في الولايات المتحدة، وتُحضّر في 8 مارس (آذار)، يوم المرأة العالمي، عرضاً تصفه بالضخم للجالية اللبنانية في مقاطعة أورانج بكاليفورنيا. فيها أيضاً، سبق أن قدَّمت عرضاً منفرداً باللغة العربية في يوم «عيد الشكر». أحدهم قال لها: «مُحقَّةٌ في كلّ كلمة». ذلك أبهجها: «لم يقُل أضحكتني كلماتُكِ. ذهب أبعد من الضحكة، وهذا هدف فنّي».