دراما رمضان المصرية... رهان على الكوميديا والمسلسلات القصيرة

عبر 34 عملاً جديداً تُشكّل البروموهات الترويجية منافسة شرسة بينها

مسلسل «إخواتي» ضمن السباق الرمضاني (الشركة المنتجة)
مسلسل «إخواتي» ضمن السباق الرمضاني (الشركة المنتجة)
TT
20

دراما رمضان المصرية... رهان على الكوميديا والمسلسلات القصيرة

مسلسل «إخواتي» ضمن السباق الرمضاني (الشركة المنتجة)
مسلسل «إخواتي» ضمن السباق الرمضاني (الشركة المنتجة)

تُراهن الدراما الرمضانية في مصر هذا العام على تقديم جرعات كبيرة من الكوميديا، من خلال مسلسلات قصيرة في حدود 15 حلقة، بعدما أثبتت نجاحها في الموسم الرمضاني الماضي، ولقيت حماسة من الممثلين والمنتجين، وكذلك قنوات العرض التي وجدت فيها فرصة لتغيير شكل شاشتها بعمل جديد في النصف الثاني من الشهر.

وحقّقت المسلسلات القصيرة قفزة إنتاجية في الموسم الحالي عبر 26 عملاً يكتفي كل منها بـ15 حلقة، في مقابل 8 مسلسلات طويلة (30 حلقة)، في إنتاج ينطوي على تنوّع كبير بخلاف الكوميديا، إذ تفتح مسلسلات أخرى ملفات شائكة في قضايا اجتماعية راهنة، وتقدّم دراما شعبية بروح الحارة المصرية.

عودة محمد هنيدي

يُعيد مسلسل «شهادة معاملة أطفال» الفنان محمد هنيدي إلى الدراما الرمضانية بعد غياب 7 سنوات، منذ تقديمه مسلسل «أرض النفاق» عام 2018. ويُقدّم، في جديده، شخصية محامٍ شهير يدخل في غيبوبة طويلة، ويحصل على شهادة معاملة أطفال، مما يوقعه في مواقف كوميدية.

محمد هنيدي يعود إلى الدراما بعد غياب 7 سنوات (الشركة المنتجة)
محمد هنيدي يعود إلى الدراما بعد غياب 7 سنوات (الشركة المنتجة)

تدور الأحداث في 30 حلقة، وهو العمل الكوميدي الوحيد الطويل في الموسم الرمضاني بمصر؛ من تأليف محمد سليمان عبد المالك، وإخراج سامح عبد العزيز، وتُشارك في بطولته سما إبراهيم، ونهى عابدين، وصبري فواز، ويُعرض عبر قنوات «دي إم سي» و«سي بي سي» ومنصة «ووتش إتْ».

في حين تتكوّن باقي المسلسلات الكوميدية من 15 حلقة، فتُقدّم دنيا سمير غانم مسلسل «عايشة الدور» وتجسّد من خلاله شخصيتين: الأولى لأم مطلقة، والثانية لطالبة جامعية؛ وهو من تأليف أحمد الجندي وإخراجه. وتعود شقيقتها إيمي سمير غانم إلى الدراما بمسلسل «عقبال عندكوا» الذي يجمعها بزوجها حسن الرداد، وتدور أحداثه في حلقات منفصلة متصلة حول «سها» و«فادي» اللذين يواجهان أزمات في زواجهما؛ والعمل من تأليف أحمد سعد والي وعلاء حسن، وإخراج علاء إسماعيل.

وبعد نجاح الجزء الأول في رمضان الماضي وتصدُّره أفضل الأعمال الكوميدية، يعود الثنائي هشام ماجد وأسماء جلال بجزء ثانٍ من مسلسل «أشغال شقة جداً»، لتتواصل مواقفهما الكوميدية بعدما أصبح لديهما 4 أطفال، وتزداد معاناتهما مع مُساعِدات المنازل؛ والمسلسل من إخراج خالد دياب الذي شارك في كتابته مع شقيقته شيرين دياب.

كما يواصل الثنائي شريف سلامة ودينا الشربيني تقديم مسلسل «كامل العدد ++» في جزئه الثالث، إذ تنقلب حياتهما مجدّداً ويواجهان تحدّيات مع أولادهما. ويشهد هذا الجزء حضور مكة، ابنة اللاعب الشهير محمد صلاح، ضيفة شرف، كما تُشارك في البطولة إسعاد يونس، وحسين فهمي، وإنجي المقدم، وإخراج خالد الحلفاوي.

ويظهر الفنان أكرم حسني بشخصية طيار في مسلسل «الكابتن»، إذ تتعرّض طائرته للسقوط ويكون الناجي الوحيد، فتُطارده أرواح ركاب الطائرة. تُشاركه البطولة آية سماحة؛ وكتب المسلسل أيمن الشايب وعمرو الدالي، وهو من إخراج معتز التوني.

مسلسل «عايشة الدور» يُنافس في رمضان بـ15 حلقة (الشركة المنتجة)
مسلسل «عايشة الدور» يُنافس في رمضان بـ15 حلقة (الشركة المنتجة)

بدوره، يؤدّي الفنان أحمد أمين شخصية نصّاب محترف يتوب عن السرقة ويتحوّل بطلاً شعبياً في مسلسل «النُّص» المأخوذ عن كتاب «مذكرات نشال»، من إخراج حسام علي.

في هذا السياق، تتوقّف الناقدة ماجدة موريس عند مفهوم الكوميديا الذي يُساء فهمه لدى بعض المؤلّفين ويعدّونه مجرّد «قفشات وإفيهات» يتبادلها الأبطال بالسخرية من الآخَر، لكنها، كما تؤكد لـ«الشرق الأوسط»، «ترتبط بمواقف درامية، لذا تُعدّ الأصعب في الكتابة».

وترفض فكرة الأجزاء في الدراما، لا سيما في الأعمال الكوميدية، وتراها «استسهالاً واستغلالاً للنجاح بدلاً من البحث عن أفكار جديدة برّاقة»، وتؤيّد التوجّه الكبير تجاه الدراما القصيرة لأنها تُتيح ظهور كتَّاب ومخرجين وأبطال جدد، وتُساعد في تغيير شكل الشاشة، كما ترى أنه إذا تعرَّض المنتج لخسارة، فلن تكون بثقل مسلسلات الـ30 حلقة.

انحسار الدراما الطويلة

وتقتصر المسلسلات الطويلة على 8 أعمال؛ هي: «سيد الناس» لعمرو سعد وإلهام شاهين وفريق كبير من الممثلين، إذ كشف البرومو التشويقي عن رحلة انتقام يخوضها سعد بعد خروجه من السجن، وتتفجّر الصراعات داخل الحارة حيث تدور أحداثه في إطار شعبي؛ وهو من إنتاج صادق الصباح.

كما يُعرَض للمخرج محمد سامي أيضاً مسلسل «إش إش» الذي كتبه وتؤدّي بطولته الفنانة مي عمر مع ماجد المصري وهالة صدقي، فتقدّم مي شخصية الراقصة «إش إش» التي تدخل عالم الرقص رغماً عنها.

أما مسلسل «العتاولة»، فيطلّ في جزء ثانٍ بعد نجاح الأول؛ من تأليف مصطفى جمال هاشم، وإخراج أحمد خالد موسى، وبطولة أحمد السقا، وطارق لطفي، وباسم سمرة، وزينة، وفيفي عبده؛ وتشهد الحلقات الجديدة صراعاً مختلفاً بظهور شخصيات جديدة.

كما يُعرَض أيضاً الجزء الخامس من مسلسل «المداح» لحمادة هلال، إذ يواصل صابر المداح حروبه ضدّ الجن ويضطر لمواجهة بنات إبليس.

بدورها، تعرض منصة «وواتش إتْ» و«قنوات المتحدة» 4 مسلسلات طويلة، هي: «وتقابل حبيب» لياسمين عبد العزيز وهو اجتماعي رومانسي، يُشاركها بطولته كريم فهمي ونيكول سابا؛ تأليف عمرو محمود ياسين، وإخراج محمد حمدي الخبيري. و«حكيم باشا» لمصطفى شعبان ودينا فؤاد وسهر الصايغ، في دراما صعيدية تتناول ظاهرة سرقة الآثار، من كتابة محمد الشواف، وإخراج أحمد خالد أمين. و«فهد البطل» لأحمد العوضي بمشاركة ميرنا نور الدين وأحمد عبد العزيز، وتدور أحداثه في إطار شعبي، من كتابة محمود حمدان، وإخراج محمد عبد السلام، فيما يؤدّي الفنان محمد رجب بطولة مسلسل «الحلانجي»، مُقدِّماً شخصية نصَّاب، وتُشارك في بطولته أيتن عامر.

ملفات اجتماعية شائكة

وتتواصل المسلسلات القصيرة التي تجمع بين الإثارة والتشويق والقضايا الاجتماعية عبر مخرجين أثبتوا تميُّزهم، من بينها «إخواتي» لنيللي كريم وكندة علوش وروبي وجيهان الشماشرجي، وتدور أحداثه من خلال 4 شقيقات، ويخرجه محمد شاكر خضير. ومسلسل «ظلم المصطبة» لريهام عبد الغفور وفتحي عبد الوهاب وإياد نصار، وإخراج هاني خليفة، ويَعرُض قضايا الريف المصري. و«قلبي ومفتاحه» لآسر ياسين ومي عز الدين وأشرف عبد الباقي، من إخراج تامر محسن، يطرح أزمة مطلّقة تبحث عن حلّ للعودة إلى زوجها.

ذلك بالإضافة إلى مسلسل «نص الشعب اسمه محمد» لعصام عمر ومايان السيد، من إخراج عبد العزيز النجار، ويقع بطله في حب فتاتين يخطّط للزواج منهما في الوقت عينه.

وكذلك مسلسل «لام شمسية»، من بطولة أمينة خليل وأحمد السعدني، وتأليف مريم نعوم وإخراج كريم الشناوي، ويتناول مشكلات الطفل في المدرسة. و«منتهي الصلاحية» لمحمد فراج وياسمين رئيس، وإخراج تامر نادي، يُواجه بطله أزمات تقوده إلى عالم مظلم ومليء بالمخاطر.

وتُعيد غادة عبد الرازق تقديم قصة «شباب امرأة» التي قدَّمها المخرج صلاح أبو سيف في فيلم لعبت بطولته تحية كاريوكا ويُعدُّ من كلاسيكيات السينما المصرية. وبعيداً عن الكوميديا، يطلُّ الفنان أحمد مكي بمسلسل «الغاوي» بمشاركة عائشة بن أحمد وعمرو عبد الجليل، وإخراج محمد العدل، وتدور أحداثه من خلال شاب يعيش صراعاً بين التوبة والانحراف.

وحول شقيقين يهربان من الملجأ ويدخلان في صراعات غير محسوبة، تدور أحداث مسلسل «ولاد الشمس» من بطولة أحمد مالك وطه دسوقي ومحمود حميدة، وإخراج شادي عبد السلام.

«قلبي ومفتاحه» من الأعمال التي تخوض السباق الرمضاني (الشركة المنتجة)
«قلبي ومفتاحه» من الأعمال التي تخوض السباق الرمضاني (الشركة المنتجة)

أما الفنانة ياسمين صبري، فتُواجه في أحداث مسلسل «الأميرة: ضل حيطة» مشكلة الخيانة الزوجية. ويخوض الفنان السوري جمال سليمان في مسلسل «أهل الخطايا» صراعاً في مواجهة عالم السحر والجن. وتُشارك الفنانة ميرفت أمين في بطولة مسلسل «جوما» مع محمود عبد المغني وريم البارودي، وإخراج محمد النقلي، وتدور أحداثه في عالم الطبّ النفسي. وتظهر هدى المفتي بشخصية مصفِّفة شعر ضمن أحداث مسلسل «80 باكو»؛ من تأليف غادة عبد العال وإخراج كوثر يونس.

فيما يعود «جودر» الذي نال إعجاباً لافتاً في رمضان الماضي لتميُّزه فنياً، بجزء ثانٍ، وهو من بطولة ياسر جلال وياسمين رئيس ونور، وإخراج إسلام خيري.

وتعليقاً، عدَّ الناقد الفنّي المصري أحمد سعد الدين التفوّق العددي الكبير للمسلسلات القصيرة «عودةً إلى أصل الدراما التي كانت تتكوَّن من 13 أو 15 حلقة، فيما كانت الأعمال الطويلة ترتبط فقط بالمسلسلات الدينية والتاريخية»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنّ «الوضع تغيَّر مع ظهور المنصات وعرضها لحلقات قصيرة نجحت في تحريك المياه الراكدة والعودة بالدراما إلى الأصل».

ويرى سعد الدين أنّ «الكوميديا متقدّمة هذا العام»، ويلفت إلى «المنافسة الشرسة بين البروموهات الترويجية» الذي يعدّها «عنصر الجذب الأول للعمل، لكن نجاح المسلسل لا يعتمد عليها».


مقالات ذات صلة

حمادة هلال لـ«الشرق الأوسط»: لن نقدم جزءاً سادساً من «المداح»

يوميات الشرق الفنان المصري حمادة هلال (صفحته على «فيسبوك»)

حمادة هلال لـ«الشرق الأوسط»: لن نقدم جزءاً سادساً من «المداح»

أكد الفنان المصري حمادة هلال أن تصوير مسلسل «المداح» طيلة السنوات الخمس الماضية، أثَّر سلباً على مسيرته الغنائية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق أرهقها دور «إكرام» لكثرة البكاء والحزن (إنستغرام)

سمارة نهرا استحضرت والدتها لتجسيد دورها في «بالدم»

سمارة نهرا تعترف بأنه «أتعبني دور إكرام في مسلسل (بالدم) كثيراً... فكنت دائماً الأم الحزينة التي تبكي باستمرار».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق سامر البرقاوي

البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: لستُ مع فكرة البطل الذي لا يُقهر

وضع سامر البرقاوي رؤيته الإخراجية لمسلسل «تحت سابع أرض» الرمضاني، وبحرفيته المعهودة حبك العمل بعصارة خبراته، وتوّجها بتناغم بارز بينه وبين تيم حسن.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة التونسية الراحلة إيناس النجار - حسابها بموقع «فيسبوك»

الموت يغيب الفنانة التونسية إيناس النجار في مصر

توفيت الفنانة التونسية إيناس النجار بأحد مستشفيات العاصمة المصرية القاهرة بعد تعرضها لأزمة صحية خلال الأيام القليلة الماضية.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق فتحي عبد الوهاب وإياد نصار في مواجهة صعبة ضمن أحداث مسلسل «ظلم المصطبة» - الشركة المنتجة

نهايات مسلسلات رمضانية تثير جدلاً في مصر

تكتسب الحلقة الأخيرة من المسلسلات أهمية خاصة لتضع النقاط فوق الحروف فيما أثارته من أحداث وأزمات لاحقت أبطالها.

انتصار دردير (القاهرة)

السينما المستقلّة اليوم في أزمة طاحنة

المخرج شون بيكر في أثناء تسلّمه الأوسكار عن فيلمه «آنورا» (Anora)
المخرج شون بيكر في أثناء تسلّمه الأوسكار عن فيلمه «آنورا» (Anora)
TT
20

السينما المستقلّة اليوم في أزمة طاحنة

المخرج شون بيكر في أثناء تسلّمه الأوسكار عن فيلمه «آنورا» (Anora)
المخرج شون بيكر في أثناء تسلّمه الأوسكار عن فيلمه «آنورا» (Anora)

في الثاني والعشرين من الشهر الماضي وقف المخرج شون بيكر لتسلّم جائزة «إندبندنت سبيرِت» في مناسبتها الأربعين عن فيلمه «آنورا» (Anora) بعد نحو عشرة أيام من تسلّمه الأوسكار عن الفيلم ذاته.

خلال كلمته توجّه بيكر إلى الحاضرين بتصريح لم يسبقه إليه أحد؛ إذ قال: «أنا قادر على العيش لثلاث سنوات دون دخل؛ لأنني بلا زوجة وبلا أولاد. ليس لديّ عائلة».

بدوره ألقى المخرج برادي كوربت في المناسبة ذاتها كلمة قال فيها: «تحدّثت إلى كثير من صانعي الأفلام المستقلّة المتقدمة للمسابقات هذا العام الذين ليس لديهم ما يكفي لدفع إيجارات مساكنهم».

هاتان كلمتان من رجلَيْن استحقا الفوز في محافل موسم الجوائز نهاية العام الماضي ومطلع هذا العام. برادي أنجز «ذا بروتاليست» وبايكر «آنورا» بما يشبه الإعجاز.

علاوة على ذلك، لا تقوم شركات التوزيع بتأمين متطلبات الدعاية الإعلامية وحضور المناسبات الصحافية؛ ما يعني أن مثل هذه التكاليف عليها أن تخرج من جيب مخرجي الأفلام ومنتجيها.

المخرج برادي كوربت (آي إم دي بي)
المخرج برادي كوربت (آي إم دي بي)

الحمل بحد ذاته ثقيل منذ الأساس. ما كان يمكن لفيلم مستقل يقوم على بضعة أسماء معروفة من غير النجوم أن يتكلّفه قبل عشر سنوات لم يعد ممكناً هذه الأيام. فعلى سبيل المثال بلغت ميزانية فيلم «آنورا» ستة ملايين دولار، وهو بلا أي نجم. في حين تكلّف «ذا بروتاليست» عشرة ملايين دولار مع ممثلين معروفين (مثل: أدريان برودي وفيليسيتي جونز وغاي بيرس).

بحسبة واقعية حصد «آنورا» 55 مليون دولار في الأسواق العالمية. هذا الرقم يُعدّ ربحاً بدرجة مقبولة؛ لكن بعد توزيع الحصص ما بين الجهة المموّلة (تستعيد تكاليفها بالإضافة إلى 20 في المائة من الإيراد)، وشركة التوزيع (نسبة مماثلة)، وصالات السينما (30 إلى 40 في المائة لأول أسبوعَيْن ثم ما بين 20 و30 في المائة إذا ما استمرت عروض الفيلم لأكثر من ذلك)، فإن ما يبقى للطاقم الفني (المخرج وفريق الكتابة وباقي الطاقم الأساسي)، وللمنتج (وهو يختلف عن المموّل)، نحو 300 ألف دولار يتم تقسيمها إلى نصفَيْن. الأول يذهب إلى المخرج والآخر للفريق الفني. على هذا الأساس ما يتبقّى للمخرج ما بين 20 و30 ألف دولار هي حصيلة ثلاث سنوات من العمل لإنجاز الفيلم... هذا إذا ما سجل الفيلم إيراداً يتجاوز ثلاثة أضعاف التكلفة.

نهاية نظام

السينما المستقلة تعبير ارتفع شأنه في الستينات على أيدي مخرجين قرروا «الاستقلال» عن نظام «هوليوود» الذي كان انقلب على نفسه في تلك الآونة. النظام الذي ساد حتى ذلك الحين كان نظام الشركة التي تسيطر على الطاقم الفني الأساسي كاملاً عبر عقود تلزم المخرجين والممثلين بالعمل فقط لصالح هذا الاستوديو أو ذاك. في أحيان كان الاستوديو المنافس يرى أن ممثلاً معيناً مرتبطاً باستوديو آخر هو من يصلح لبطولة مشروع قادم. في هذه الحالة يتم استئجار الممثل من مالكه (الشركة) مقابل مبلغ يودع في حساب المالك ولا ينال الممثل منه شيئاً. في هذه الحالة هو أشبه بقطعة ديكور تخدم غايتها ثم تُعاد إلى أصحابها.

هذا النظام انتهى ومعه انتهت العقود طويلة الأمد. السينما المستقلة نشأت في أجواء هذه النقلة، وكان من فرسانها روبرت ألتمان، وجون سايلس، ومارتن سكورسيزي، وجون كازاڤيتز، وحتى فرنسيس فورد كوبولا. هم إما انتقلوا لاحقاً للعمل ضمن الاستوديوهات (سكورسيزي)، وإما بقوا ملتزمين باستقلاليتهم في الكتابة والتفكير وكل أساليب العمل (كازاڤيتز وجون سايلس مثلاً)، وإما تنقلوا ما بين الإنتاج المستقل حيناً والمؤسساتي حيناً آخر (ألتمان، وكوبولا).

في السبعينات بلغت السينما المستقلة ذروة في عدد الأفلام المنتجة وفي نجاحاتها. شقّت طريقها بنجاح كبير داخل أميركا وخارجها، وهذا في الوقت الذي كانت فيه السينما الأوروبية واللاتينية والعربية دخلت في النطاق ذاته.

نجاحات متميّزة

أثبتت السينما المستقلة فاعليّتها ونجاحها. لم يكن عليها أن تلتزم بنوع (جَنر) معيّن بل بأسلوب إخراج متحرر من تعليمات الاستوديوهات المعلّبة. كانت تختلف في أساليبها الفنية التي تنتمي إلى اختيارات المخرج وإلى أفكار تطرحها تحمل اختلافاً عن الحكايات السائدة أو المتوقعة، كما الحال مع فيلم الرعب «The Texas Chain Saw Massacre» («مذبحة منشار تكساس») لتوبي هوبر (1974)، أو فيلم الخيال العلمي «THX-1138» لجورج لوكاس (1971).

سوزانا يورك في «صور» لروبرت ألتمان (آي إم دي بي)
سوزانا يورك في «صور» لروبرت ألتمان (آي إم دي بي)

الحقل كان كبيراً والاختيارات كثيرة. فيلم «كازاڤيتز» (Shadows) («ظلال»، 1959) كان محاولة من المخرج لتوفير معالجة برغماتية في فيلم أميركي. «صور» (Images)، و«3 نساء» (Three Women) كانا من بين أفلام روبرت ألتمان المُمعنة في أسلوب المخرج الفريد. أفلام جون كاربنتر (بما فيها الأجزاء التي أخرجها من«هالووين») كانت بدورها مستقلّة تماماً. فيلم ديڤيد لينش الأول (Eraserhead) المُنتج سنة 1977 كان أول أعماله المستقلة.

واستمر النجاح للعقدَيْن التاليين مع أسماء جديدة، مثل: بول توماس أندرسن «لن يكون هناك دم» (There Will Be No Blood)، ووس أندرسن «فندق بودابست الكبير» (The Great Budapest Hotel)، وجيم جارموش «باترسن»، «فقط العشاق بقوا أحياء»، (Only Lovers Left Alive)، ونيل لابوت «في صحبة رجال» (In the Company of Men) وغيرهم.

فيلم «فندق بودابست الكبير» للمخرج ووس أندرسن (آي إم دي بي)
فيلم «فندق بودابست الكبير» للمخرج ووس أندرسن (آي إم دي بي)

واقع مختلف

لكن الحال ليس على ما يرام بالنسبة إلى معظم مخرجي الأفلام المستقلة منذ مطلع هذه الألفية. في الواقع لولا توجه لينش وجارموش وبول أندرسن ووس أندرسن إلى فرنسا لما استطاعوا الاستمرار إلا لماماً.

ما يحدث الآن هو أن الاهتمام بفيلم مستقل، حتى ولو حمل اسم مخرج من الفئة الأولى، أصبح أقل مما كان عليه سابقاً. ما يدور في أرجاء «هوليوود» هو الاستعداد لتوفير التمويل من قِبل موزعين مستقلّين أو شركات كبيرة مقابل تنازل المخرج أو المنتج عن نصف الميزانية التي يتقدّم بها. ما كان ممكناً تحقيقه بـ5 ملايين دولار قبل سنوات صار بالكاد يكفي في أيامنا الحاضرة؛ لكن هذا لا يمنع المموّلين من الضغط للحصول على تنازلات.

بعض المموّلين يرضى هذه الأيام بترك حرية الاختيارات الفنية للمخرج. بعضهم الآخر بات يريد الاستئثار بالكلمة الأخيرة (أو ما يُعرف بـThe Final Cut).

صانعو الأفلام المستقلة ليسوا وحدهم الذين يعانون من أزمة عاصفة يمرون بها تبعاً لوضع يتطلّب منهم التواري كما حال جون سايلس وجارموش ونيل لا بوت وسواهم، أو التوجه صوب تمويل فرنسي يقدّر أكثر ما هم بصدد إنجازه. إلى جانب هؤلاء هناك صالات السينما التي اختصّت بعرض الأفلام غير «الهوليوودية» نمطياً أو إنتاجياً، سواء في الولايات الأميركية أو في عواصم عالمية أخرى. وما يقع في أميركا، في هذا الصدد، يقع في معظم أرجاء العالم مع جمهور بات لا يعرف من السينما إلا ما توفره له المنصّات وشركات الإنتاج الكبرى.

دور المنصّات في تقليل حجم الهواة والمتابعين لم يتوقف عند حد السينما المستقلة، بل شمل عموم أنواع الرواد وفئاتهم كما عموم أنواع السينما بصرف النظر عن مصادرها وتصنيفاتها. في المقابل لا توفر هذه المنصّات البديل المطلوب للأفلام المستقلة ولا تختلف إنتاجاتها عن معظم ما تقوم «هوليوود» بإنتاجه لصالات السينما.

هي حلقة تدور حول نفسها بسرعة، مع أمل أن تنهار يوماً وتعود الحياة إلى بعض ما كانت عليه.