مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

المُصمّم عبد الله بركة لـ«الشرق الأوسط»: قد «تعوِّض» اللوحة على الجدار

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
TT

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

يُطلق المهندس اللبناني عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية. ليستْ هنا محصورةً في عَكْس وجوهٍ وأشياء تتقاطع ضمن حدودها، فتنتهي الحاجة إليها باطمئنان الرائي إلى مظهره، أو إدخال تعديل عليه، أو بلملمة انعكاسات خارجية. بمَنْحها وَقْعاً جمالياً، تتحوّل إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر، فيستوقفه ليتساءل عن ماهيتها: أهي مرآة أو لوحة فنّية، وماذا لو كانت الاثنتين معاً؟ في «ذا ميرور بروجيكت» بمنطقة مار مخايل البيروتية، مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق.

تتحوّل المرآة إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر (ذا ميرور بروجيكت)

نُسِجت علاقةٌ بالمرايا في داخل الشاب البالغ 37 عاماً منذ المرة الأولى التي تسلَّم فيها مشروعاً وتعذَّر إيجاد مرآة بملامح فنّية. رفض الاكتفاء بزجاج يتيح للآخر رؤية نفسه من خلاله؛ فالمسألة بالنسبة إليه تتخطّى الدور المُعدّ سلفاً، والمَهمَّة الجاهزة. المرايا «فنّ وظيفي»، لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها وتُكافأ ببرودة الناظر إليها. يُحوّل عبد الله بركة الغاليري معرضَه الدائم، فتصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تسرق العين من احتمال الاكتفاء بالنظرة الخاطفة.

المرايا «فنّ وظيفي» لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها (ذا ميرور بروجيكت)

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» بشغف الفنان الباحث عن لمسة، ويُذكّر بأنّ الهندسة الداخلية تتطلّب عمقاً في النظرة والأفكار، وخَلْق مزاج فنّي خاص. يقول عبد الله بركة: «لا أريد للمرآة أن تتحلّى بدور واحد. ذلك حَدٌّ لها. المرايا هي الأشخاص. أي نحن حين تُرينا أشكالنا وصورنا. وهي انعكاس يمكن أن نشعر به، فإذا بإبهاره الجمالي المُعبَّر عنه في التصميم والكادر، يجَعْل ذلك الشعور متبادَلاً، فيُعدّل حالة نفسية أو يُغيّر نظرة تجهُّم. هذا فعلُ اللون حول المرآة وقالبها. بمجرّد أنها ليست تقليدية، يحدُث الأثر في الناظر».

يُطلق عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية (ذا ميرور بروجيكت)

لم تكن يسيرةً ولادة الغاليري. مخاضُها خليطٌ من إحباط ومحاولة. يعود إلى عام 2019 المفصلي في لبنان. كلّ شيء بدأ يتغيَّر، والمسارات تتّخذ شكل السقوط. لم يدرك مكانه في وطن شديد التقلُّب؛ مباغت، وطافح بالمفاجآت. يروي: «الفراغ كان مميتاً. أشغالٌ توقّفت ومشروعات تبخَّرت. أسوةً بشباب لبناني لمس انسداد الأفق، تراءى منزلي مساحة اختناق. في تلك اللحظة، هبَّ الأمل. اشتريتُ ألواناً ورحتُ أرسم، وصمَّمتُ أشكالاً بالطين، فلمحتُ طريقي».

لا يريد عبد الله بركة للمرآة أن تتحلّى بدور واحد (ذا ميرور بروجيكت)

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة. أراد وضع حدّ لحقيقة أنّ غاليريهات المرايا الفنّية في بيروت نادرة. اليوم، ليس عليه أو على زملاء المهنة البحث الطويل عن مرآة مشتهاة: «تعدّدت أدوات صناعة المرايا وكثَّفتُ العمل. كلما سمعتُ إطراء أردتُ مزيداً منه. في الغاليري أعمالي وأعمال مصمّمين من أميركا وكندا وأفريقيا الجنوبية وتايلاند وهولندا وأوكرانيا... خلف مراياهم قصص. ثمة مرايا مصمَّمة بالأسيد المحروق، وأخرى بالزجاج المُطبَّع، وصنف تتداخل بكادراته ألوان مُبهِجة. ولمّا تعدَّدت أسفاري، تعرَّفتُ إلى مدارس التصميم خصوصاً في ألمانيا وإيطاليا، وتعمّقت في جَعْل هذا الشغف واقعاً. اليوم أقول: أنا شاب لبناني بلغ اليأس. فرغَ العالم من حولي. وشعرتُ بالأبواب الموصدة. ثم نهضت. استراتيجية التفكير تبدَّلت، وأصبحت المعادلة: الآن أو أبداً! انتظار الوقت المناسب يهدر العمر. كل لحظة هي وقتٌ مناسب».

تصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تجذب العين (ذا ميرور بروجيكت)

أمضى شهراً ونصف شهر يُصمّم مرايا بأشكال خلّاقة حتى ساعات الليل المتقدّمة، استعداداً لإطلاق المعرض بعد تأخُّر فَرَضَه الظرف اللبناني. «4 مرايا علّقتُها على جدرانه قبل ربع ساعة من فَتْح الباب للحضور!»، يُكمل ضاحكاً. إحدى الزائرات رمت على مسمعه ما علَّم في أعماقه: «لم نكن نعلم أنّ هذه المرايا حاجة. متى أدخلناها إلى منازلنا أصبحت منّا». ومن كثافة الإقبال وحلاوة الأصداء، يُدرك أنه على السكّة التي نادته، أو ناداها؛ يمنحها كلَّه فتمنحه الإشباع الذاتي.

بعض المرايا بسيط يحوط به كادر يُجمِّل البساطة (ذا ميرور بروجيكت)

بعض المرايا بسيط، يحوط به كادر يُجمِّل البساطة. يتعامل عبد الله بركة مع تصاميمه بما يُبقي على الأساس، وهو المُتوقَّع من المرآة بوصفها زجاجاً يستجيب للانعكاسات؛ لكنه أساسٌ (Basic) لا يكتفي بنفسه، وإنما يتعدّاها إلى الغاية الجمالية والبُعد الفنّي ما دام الزجاج مقولباً بالألوان ومتداخلاً بإطار مُبتَكر. يرى في المرايا حكايات، وإنْ خلت صفحتها من أي شكل: «تُخبرني دائماً بأنّ المشاعر أصدق ما نملك. هي الدافع لنُنجز ما طال انتظاره. باستطاعتها تعويض غياب اللوحة عن الجدار. مشغولة بحبٍّ مماثل».


مقالات ذات صلة

«جازان للكتاب»... يشرع أجنحته لرواد الثقافة بأحدث الإصدارات الأدبية

يوميات الشرق يضم المعرض أحدث المؤلفات والإصدارات الأدبية من كبرى دور النشر المحلية والإقليمية (هيئة الأدب والنشر والترجمة)

«جازان للكتاب»... يشرع أجنحته لرواد الثقافة بأحدث الإصدارات الأدبية

جمع «معرض جازان للكتاب 2025»، في نسخته الأولى، مختلف صنوف المعرفة، في تظاهرة ثقافية تجمع رواد الأدب والنشر والترجمة من مختلف دول العالم.

«الشرق الأوسط» (جازان (جنوب السعودية))
يوميات الشرق النسخة السادسة من «فنّ القاهرة» تضمّ أكثر من 3 آلاف عمل فنّي (الشرق الأوسط)

«فنّ القاهرة»... أيقونات مصرية تزهو في حضرة الأجداد

تقود الأعمال المُشاركة في الملتقى زوارها إلى رحلة بصرية غنيّة بين المدارس الفنّية والتقنيات المتنوّعة ما بين التصوير والغرافيك والنحت وغيرها من الوسائط.

منى أبو النصر (القاهرة)
يوميات الشرق من أعمال معرض «الروح... مسارات السكون» (الشرق الأوسط)

«الروح: مسارات السكون»... معرض فني يستدعي طاقة الألوان

تعكس الألوان طاقات كامنة في الروح، ولكل لون قوته وقدرته على التجلي في النفس البشرية بصور مختلفة.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق يُصوّر علاقة الإنسان بالطبيعة على أنها عملية متواصلة من إعادة التفاوض (الصور بإذن من الفنان)

أيمن زيداني يُعيد تأهيل علاقة الإنسان بالأرض فنّياً

أعمال أيمن زيداني بحثية قبل اللمسة الفنّية. اعتمادُها جوهري على التقصّي وخَلْط المعلومة الواقعية بالخيال، ليملأ الجانب الخيالي فراغ الواقع غير المُكتَشف بعد.

فاطمة عبد الله (الشارقة)
يوميات الشرق الفنانة اعتمدت على تصميم صناديق ظل لجمع ذكريات متفرقة (إدارة الغاليري)

40 عملاً فنياً تروي حكايات منسية على الأرصفة 

زيارة معرض «سوق ديانا... الناس والحاجات» أقرب لمغامرة بصرية تستدعي الحنين إلى الماضي، وتبحث عن فلسفة جديدة لفهم التاريخ المقيم في المقتنيات الشخصية.

منى أبو النصر (القاهرة )

«أسعد أيامي شكراً يا ترمب»... صانع مصاصات بلاستيكية يحتفل

مصنع ينتج مصاصات بلاستيكية في أميركا (سكاي نيوز)
مصنع ينتج مصاصات بلاستيكية في أميركا (سكاي نيوز)
TT

«أسعد أيامي شكراً يا ترمب»... صانع مصاصات بلاستيكية يحتفل

مصنع ينتج مصاصات بلاستيكية في أميركا (سكاي نيوز)
مصنع ينتج مصاصات بلاستيكية في أميركا (سكاي نيوز)

بعد الأمر التنفيذي الذي أصدره دونالد ترمب بشأن المصاصات البلاستيكية، يقول أحد أصحاب الأعمال إن آفاق شركته «تغيرت تماماً» بينما يشعر آخرون بالقلق بشأن العواقب المستقبلية على البيئة وجسم الإنسان.

لم يسعد أي شخص خلال استماعه إلى تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن سياسته الجديدة بشأن المصاصات مثل روس بوياجيان، رئيس شركة تصنيع المصاصات البلاستيكية في غلينديل، كاليفورنيا.

وبحسب تقرير لشبكة «سكاي نيوز»، يمتلك بوياجيان، وهو أميركي من أصل أرمني، شركة «المصاصات الماسية Diamond Straws» منذ عام 1995. وينتج مصنعه أكثر من 800 مصاصة في الدقيقة، ويزود المقاهي والمطاعم الأميركية الكبيرة في الولايات المتحدة.

مصاصات بلاستيكية معروضة في متجر (رويترز)

وتوظف شركة «Diamond Straws» حالياً 15 شخصاً، ولكنها تتوقع ارتفاعاً في الأعمال بعد أمر ترمب التنفيذي الذي أعلن أن الولايات المتحدة «تعود إلى المصاصات البلاستيكية» وتبتعد عن المصاصات الورقية.

وفي هذا الإطار، قال بوياجيان: «لقد كان أحد أسعد أيامي عندما سمعته يقول ذلك. لقد تغيرت أعمالنا بالكامل. في السابق كان الجميع قلقين ويقولون لي ماذا تفعل؟... سوف تخرج من العمل لأن لا أحد يشتري المصاصات البلاستيكية. لذلك شكراً لك يا ترمب».

صناديق من الورق المقوى مكتوب عليها «صنع في الولايات المتحدة» مكدسة حول المصنع. والمصنع واحد من المصانع المتبقية في الولايات المتحدة التي تصنع المصاصات البلاستيكية بعد انتقال جزء كبير من الصناعة إلى الصين.

لقد انتقد ترمب مراراً وتكراراً المصاصات الورقية. وباعت حملته لإعادة انتخابه عام 2019 مصاصات بلاستيكية قابلة لإعادة الاستخدام تحمل علامة ترمب التجارية.

وسيعمل أمره التنفيذي على عكس سياسة إدارة بايدن للتخلص التدريجي من مشتريات الحكومة من المصاصات البلاستيكية، وكذلك أدوات المائدة البلاستيكية والتغليف بحلول عام 2027.

لطالما كان دعاة حماية البيئة قلقين بشأن استخدام المصاصات البلاستيكية، رغم أنهم يقولون إن القضية أكبر بكثير من المصاصات وحدها.

وقالت ديانا كوهين، أحد مؤسسي تحالف التلوث البلاستيكي، ويتضمن عملها تثقيف الناس حول تأثير البلاستيك على البيئة وجسم الإنسان: «المشكلة ليست في المادة، بل في البلاستيك المستخدم لمرة واحدة. نحن بحاجة حقاً إلى الاهتمام بتقليل استخدام هذه المادة والابتعاد عنها. إن استخدام البلاستيك في تناول وشرب جميع الأطعمة التي نتناولها أمر سيء لصحتنا وصحة أطفالنا».

وأضافت: «البلاستيك يلوث أجسادنا. وقد ارتبط بعدد من المشكلات الصحية المختلفة، بما في ذلك مشكلات الخصوبة. فقد تم العثور على جزيئات بلاستيكية دقيقة في أدمغتنا وفي الخصيتين والمشيمة».