«شعبيات» مصرية وروحانيات الحج في معرض فني بالقاهرة

يضم أكثر من 50 لوحة ومرسم الراحل مصطفى الفقي

لوحة عن أحداث دنشواي ورصد الخوف والفزع على الوجوه (الشرق الأوسط)
لوحة عن أحداث دنشواي ورصد الخوف والفزع على الوجوه (الشرق الأوسط)
TT

«شعبيات» مصرية وروحانيات الحج في معرض فني بالقاهرة

لوحة عن أحداث دنشواي ورصد الخوف والفزع على الوجوه (الشرق الأوسط)
لوحة عن أحداث دنشواي ورصد الخوف والفزع على الوجوه (الشرق الأوسط)

بمجرد الدخول إلى قاعة «أفق»، بجوار متحف محمود خليل بالجيزة (غرب القاهرة) تتداخل الوجوه الشاحبة ذات الملامح المطموسة والروح الوارفة، في مشاهد متنوعة توحي بتفاصيل عدة، ومفردات ثرية مأخوذة من الأحياء الشعبية وحياة البسطاء في الريف والصحراء والأماكن القديمة المشحونة بالدفء في العاصمة المصرية القاهرة.

يمثل هذا المعرض الذي يضم أكثر من 50 لوحة، بالإضافة إلى جزء من مرسم الفنان مصطفى الفقي الذي رحل عن عالمنا قبل أسابيع عن عمر يناهز 87 عاماً، مقتطفات أو إضاءات على مشواره الفني، الزاخر بالمفردات الشعبية، فضلاً عن رصده رحلة الحج وأجواءها الروحانية، وفق ابنته الفنانة غادة الفقي.

مجموعة الحج تمثّل أبعاداً روحية في مشوار الفنان (الشرق الأوسط)

تتنوع أعمال الفنان الراحل لتكشف عن سمات مدارس فنية عدة، من بينها التعبيرية والتجريدية والتأثيرية، في مزيج يعبّر عن روح متفردة لها بصمتها المميزة في الحياة الفنية بمصر، وبألوانه اللافتة وشخوصه التي تحكي قصصاً دون أن تتحدث، يعيد صياغة الكثير من مشاهد التاريخ والحياة اليومية، مثل رسمه حادث دنشواي، وكذلك أحاديث البسطاء وتجمعاتهم في القرى والأحياء الشعبية بالمدينة.

لوحة «المسمط» من الأعمال المميزة للفنان الراحل مصطفى الفقي (الشرق الأوسط)

«أعتبره بمنزلة رمبرانت الشرق» بهذه الكلمات وصف الفنان ياسر جاد، القيّم على المعرض، الفنان الراحل مصطفى الفقي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا المعرض بمثابة ومضة من منجز الفنان الراحل، وكان مقرراً إقامته قبل رحيله»، مشيراً إلى أن مساحة العرض لم تسمح بتقديم حالة استعادية لمراحله المختلفة، فقد كانت لديه تجارب ومحطات فنية متعددة على مدى 55 عاماً.

وفي تناغم لوني لافت للانتباه، تتبارى الشخوص والأماكن والرموز لتفصح عن نفسها في لوحات المعرض. «لقد كان واحداً من المجربين المهمين جداً، على مستوى التقنية والحلول وطريقة الرسم نفسها، وفي الوقت نفسه لم يخرج بالتجريب خارج إطار الأكاديمية»، وفق جاد.

لوحة «المومياء» تعبّر عن تأثر الفنان بالحضارة المصرية القديمة (الشرق الأوسط)

وبتقنيات تجمع بين سمات المدرستين التعبيرية والتجريدية، استطاع الفنان الراحل أن يرصد معاني كبرى، مثل ثنائية الحياة والموت عبر رموز بسيطة وتقنيات مبتكرة، تمنح الفكرة ملمحاً كونياً، وفي الوقت نفسه تخرج من مفردات الحياة المصرية القديمة ورموزها، وهو ما يظهر في إحدى لوحات المعرض التي تعبّر عن تلك الثنائية، في رأي القيّم على المعرض.

وتوضح الفنانة غادة الفقي لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اللوحات جاء ليعكس شخصية الفنان، الذي عُرف في حياته الفنية بلوحات الحمام، لكن هناك جانباً آخر بارزاً في مشواره الفني يتمثل في اهتمامه بتجسيد شخوص البسطاء والمهمشين في المجتمع المصري، والمناظر التي تعكس هذه الحالة، خصوصاً في الأحياء الشعبية، وهو ما ركزنا عليه في المعرض لأنه يعكس روح الفنان».

«القرنة» من اللوحات التي ترصد الطبيعة المصرية ومنازل البسطاء (الشرق الأوسط)

بيئات مصرية متنوعة تناولها الفنان، مثل قلعة شالي في سيوة، والأقصر، في الصحراء، الريف، الأحياء الشعبية في القاهرة، جميعها كانت حاضرة في أعمال الفنان؛ لتعبر عن حالة مصرية أصيلة في كل التفاصيل.

مشاهد متنوعة من شارع القلعة وشارع العز والفخارين زخرت بعها لوحات الفنان، وحرصت غادة أيضاً على عرض لوحات للفنان في أسفاره خارج مصر، منها لوحات في إيطاليا وتأثره بالبيئة الأوروبية، وكذلك أعماله في المدينة المنورة، حيث قضى في السعودية 6 سنوات وتأثر كثيرا بمناسك الحج والعمرة ورصدها في الكثير من اللوحات التي توضح التوحد في أجواء روحانية، كما رسم الطواف حول الكعبة ورمي الجمرات، وجسّد بفرشاته حالة التوحد في سلوك واحد واتجاه واحد، وكأن كل هذه الجموع البشرية كتلة واحدة، قدمها بحسه الفني بعد عودته إلى المدينة، وفق كلام غادة.

لوحة «رمي الجمرات» من مجموعة الحج للفنان الراحل مصطفى الفقي (الشرق الأوسط)

وتتجلى الروح الصوفية في مجموعة الحج بما تحمله من عمق وجداني يجسّد البعد الروحي للمكان، كما تزخر أعمال الفنان بالألوان الثرية التي تضفي قيمة وأبعاداً جديدة على الشخوص والمناظر، وفق الناقد الفني المصري صلاح بيصار في مقدمة كتيب المعرض تحت عنوان «مصطفى الفقي: دنيا النبض الشعبي وابتهالات الضوء».

 

يبدأ المعرض بلوحة عمال السكة الحديد، وهو مشروع التخرج للفنان مصطفى الفقي عام 1964، في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، التي عمل أستاذاً بها كما عمل أستاذاً للفنون في الكويت والسعودية، وينتهي بآخر لوحات الفنان بعنوان «صندوق الدنيا»، المليئة بالتفاصيل والشخوص والأحداث، وكأنه كان يحشد زخم الحياة كلها في هذه اللوحة إيذاناً بالرحيل.

يأخذ أفكاره ويُعمل خياله من مفردات البيئة الشعبية التي اختبرها وتأثر بها، وكذلك المفردات المصرية القديمة، جميع لوحاته خارجة من المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا ما يقرّبه أكثر للعالمية، فكلما استغرق الفنان في بيئته الشعبية تجلت خصوصيته وتميزه، وهو ما يظهر في لوحات مثل «المسمط» أو «قرية القرنة» أو «بائع البطاطا»، وفق القيّم على المعرض.

«صندوق الدنيا» آخر لوحات الفنان الراحل (الشرق الأوسط)

لم تكن قرية القرنة بالأقصر قد أزيلت بعد حين زارها الفنان الراحل؛ لذلك جسَّدها بألوان البيوت المصطفة في سفح الجبل، لكن تجمعها حالة من الدفء الإنساني اختزنها الفنان ورصدها في لوحة من أهم أعماله.

وتضيف غادة أن «اللوحات التي تعبّر عن تأثر الفنان بالفن المصري القديم تظهر مرتبطة بأحداث غالباً مثل موكب المومياوات، فعلى أثر هذا الحدث رسم لوحة المومياء على ورق البردي، وفي فترة التسعينات اتجه الفنان إلى الفن المودرن ووقتها رسم لوحات (سر الهرم) و(المدمن) فقد كان متجدداً وينحو إلى التجريب طوال الوقت».

جزء من مرسم الفنان يحتوي على مقتنياته (الشرق الأوسط)

توفي الفنان مصطفى الفقي في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقبل وفاته بأسبوع كان مستمراً في الرسم رغم المرض، ويتضح ذلك من «باليتة الألوان» التي تقول غادة إنها كانت لا تزال سائلة، وقد عرضتها في جزء خاص بالفنان يتضمن أجواء مرسمه ومقتنياته الخاصة، حيث كان يهوى جمع التحف، خصوصاً ذات الطابع الشعبي ويزيّن بها مرسمه، وكانت هذه التحف بشكل غير مباشر مصدر إلهام له.


مقالات ذات صلة

«صبا نجد»... ﺣﻛﺎﯾﺎت 7 فنانات من الرياض

يوميات الشرق عمل للفنانة خلود البكر (حافظ جاليري)

«صبا نجد»... ﺣﻛﺎﯾﺎت 7 فنانات من الرياض

بعنوان بعضه شعر وأكثره حب وحنين، يستعرض معرض «صبا نجد» الذي يقدمه «جاليري حافظ»، بحي جاكس في الدرعية يوم 15 يناير (كانون الثاني) الحالي، حكايات لفنانات سعوديات…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

بات «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، يشكل تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق الطبيعة بريشة الفنانة البرازيلية (متحف لوكسمبورغ)

تارسيلا دو أمارال... الفنانة المتمردة التي رسمت البرازيل

يأتي معرض الرسامة البرازيلية تارسيلا دو أمارال، في متحف دوقية لوكسمبورغ، ليشيع دفئاً لاتينياً جنوبياً يأخذ زواره إلى بقاع تحب الألوان الحارة والإيقاعات البدائية

«الشرق الأوسط» (باريس)

السعودية: مركز «إكثار النمر العربي» ينال اعتماداً دولياً

الهيئة الملكية للعلا تلتزم بحماية النمر العربي المهدد بالانقراض وإكثاره (واس)
الهيئة الملكية للعلا تلتزم بحماية النمر العربي المهدد بالانقراض وإكثاره (واس)
TT

السعودية: مركز «إكثار النمر العربي» ينال اعتماداً دولياً

الهيئة الملكية للعلا تلتزم بحماية النمر العربي المهدد بالانقراض وإكثاره (واس)
الهيئة الملكية للعلا تلتزم بحماية النمر العربي المهدد بالانقراض وإكثاره (واس)

حصل «مركز إكثار وصون النمر العربي» التابع للهيئة الملكية لمحافظة العُلا (شمال غربي السعودية) على اعتماد الجمعية الأوروبية لحدائق الحيوان والأحياء المائية (EAZA)، كأول مؤسسة من نوعها في البلاد تنال هذه العضوية.

ويأتي الاعتماد تأكيداً على التزام الهيئة بحماية النمر العربي المهدد بالانقراض بشدة، والمساهمة في الحفاظ على التنوع البيئي والحيوانات النادرة بالمنطقة، حيث يعمل المركز على إكثار هذا النوع ضمن إطار شامل لصون الحياة البرية واستدامتها.

وبحسب تصنيف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، يُعد النمر العربي من الأنواع المهددة بالانقراض بشدة منذ عام 1996، وهو ما يسلط الضوء على أهمية هذا الاعتماد في دعم جهود الحفاظ عليه، وإعادته لموائله الطبيعية.

النمر العربي يعدّ من الأنواع المهددة بالانقراض بشدة (واس)

ومنذ انتقال إدارة المركز إلى الهيئة في عام 2020، ارتفع عدد النمور من 14 إلى 31 نمراً، حيث شهد عام 2023 ولادة 7 هراميس، كما استقبل العام الماضي 5 ولادات أخرى، من بينها 3 توائم.

من جانبه، عدّ نائب رئيس الإدارة العامة للحياة البرية والتراث الطبيعي بالهيئة، الدكتور ستيفن براون، هذه الخطوة «مهمة لدعم جهود حماية النمر العربي والحفاظ عليه»، وقال إنها «تتيح فرصة التواصل مع شبكة من الخبراء الدوليين، مما يعزز قدرات فريق العمل بالمركز، ويزودهم بأحدث المعارف لدعم مهمتهم الحيوية في زيادة أعداد النمور».

وأشار إلى أن المركز «يعكس التزام السعودية المستمر بحماية البيئة، ضمن مشروع طويل الأمد يهدف إلى الحفاظ على هذا النوع النادر»، مضيفاً: «مع كل ولادة جديدة، نقترب أكثر من تحقيق هدفنا بإعادة النمر العربي إلى موائله الطبيعية، وهو ما يشكل جزءاً أساسياً من استراتيجية الهيئة لإعادة التوازن البيئي، والحفاظ على التنوع الحيوي في العُلا».

إعادة النمر العربي لموائله تُشكل جزءاً من استراتيجية إعادة التوازن البيئي (واس)

وتُجسِّد العضوية في الجمعية مساعي المملكة لتحقيق التنمية المستدامة، وحماية المساحات الطبيعية من خلال مبادرات إعادة التشجير، وتأهيل البيئات الطبيعية، بما يتماشى مع «مبادرة السعودية الخضراء».

كما تتيح للهيئة وللمركز فرصة الوصول إلى شبكة عالمية من الخبراء والمتخصصين في مجالات رعاية الحيوان، والتنوع الحيوي، والحفاظ على البيئة، فضلاً عن الاستفادة من برامج الإكثار المشتركة الناجحة.

وتسعى الهيئة لإعادة النمر العربي إلى موائله الطبيعية في العُلا، بما يتماشى مع «رؤية المملكة 2030» التي تركّز على الحفاظ على التراث الطبيعي، وتعزيز السياحة البيئية المستدامة.