«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

مخرجها رام نور الدين لـ«الشرق الأوسط»: نريد للغرب أن يعرف الحكاية

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)
تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)
TT
20

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)
تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

يُعيد المخرج اللبناني المقيم في بريطانيا، رام نور الدين، طرحاً يتّسم بالجرأة إلى الخشبة. فمن 26 إلى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، يقدّم مسرحية «الماعز» (Goats) المُتحلّية برمزية تفكيكية تُضاعف الحرب المشتعلة في بلاده الحاجة إلى طرحها. نصُّها للكاتبة السورية لواء يازجي؛ يتحلّى بمقاربته الشُّجاعة لإشكالية الخيارات الفردية لئلا تُمحى بسطوة الآخرين على العقل، وتنحاز لخطاب واحد. على مسرح «بارونز كورت» اللندني، يُراد من العرض إطلاع الجمهور الغربي على أهوال تُقاصيها أوطان الشرق الحزينة.

تُضاعف الحرب المشتعلة في لبنان الحاجة إلى استعادة المسرحية (رام نور الدين)
تُضاعف الحرب المشتعلة في لبنان الحاجة إلى استعادة المسرحية (رام نور الدين)

ينهمك رام نور الدين في التحضيرات ويشاء ألا تخذله النتيجة، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يريد من المسرحية محاكاة الغرب بسردية ترفض شطب حرية الفرد العربي، وجرّه إلى الذوبان في فكرة الموت الواحدة: «أسعى إلى جسر يربط بريطانيا بمنطقتي العربية. الآتون إلى مسرح (كاي دي سي) سيشهدون سردية مغايرة لإشكالية بذل العُمر من أجل قضية». قد تُقال أشياء لم تُقل، ويتفكك خطاب يُراد منه مزيد من الضحايا.

يُشكّل تحدّياً بالنسبة إليه توظيف عدد كبير من الشخصيات على خشبة لا تتّسع للأعداد الهائلة. اختزل منها ما أمكن، مُبقياً على الخيوط المؤثّرة في صناعة الحدث. يُسمِّي ذلك «ضغط الشخصيات»، ويتوقّف عند «أسماء وألقاب عربية نراها عادية، وإنما في بريطانيا قد تبدو مُستغربة. كأنْ يكثُر الـ(أبو) والـ(أم) ضمن الحوارات، مثل (أبو فراس) و(أم الطيب)... الجمهور الغربي ليس معتاداً وقد يتعثّر في الفَهْم العميق للسياق».

ينهمك الممثلون في التحضيرات ويشاء الجميع ألا تخذلهم النتيجة (صور رام نور الدين)
ينهمك الممثلون في التحضيرات ويشاء الجميع ألا تخذلهم النتيجة (صور رام نور الدين)

إنها الحرب الأهلية، وفق السيناريو، تحصد الأرواح وتُحرّك شهية المقابر. الماعز في كل مكان، يتحوّل تعويضاً لأهالي الشهداء، بادّعاء حكومي أنّ هذا المقابل كافٍ. المسرحية، ومدّتها ساعتان ونحو 45 دقيقة، تملك «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنّية لتُلقي «خطاباً» جديداً. بالنسبة إلى مُخرجها والمضطلع بمَهمّة الاقتباس ومقارنة نسختيها الإنجليزية والعربية للتأكّد من المطابقة وتقريب المفاهيم بين اللغتين، «لا بدّ للغرب أن يعرف الحكاية»، يحاكيه من خلال جمهور يترقَّب حضوره عروضاً قابلة لجَعْله يتساءل ويُعيد النظر. المسرحية، في منظور صنّاعها، احتمالُ فَهْم أفضل لواقع مُعقَّد.

يحدُث الفَهْم أيضاً بتعمُّد تنوُّع الشخصيات واختلاف جنسياتها وثقافاتها. برأي رام نور الدين، «الحرب يمكن أن تصل إلى أي شخص وأي مكان». اختيار النصّ الأصلي قريةً سوريةً صغيرةً تتّخذ من سفح تلّة موقعها، ميداناً لاندلاع حرب أهلية واشتداد القتال وضحاياه، سرعان ما يغدو اختزالاً لحرب كبرى يشهدها العالم من أوكرانيا إلى فلسطين ولبنان. فواقع الحروب وفق وجهة النظر هذه، تقريباً مشترك، لإصرار الدعاية على كسب مؤيّدين واستمالة مستعدّين للموت من أجل ما يرونه الحقيقة الأكيدة.

للمسرحية رغبة في تفنيد هذا الوعي ووَضْع الإصبع على جراح مُصابة بخشية الآخرين من لمسها. إنها بشكل أو بآخر، انتصار للحياة بمجرّد دحض السردية الرائجة القائمة على تمجيد نقيضها.

تحاكي المسرحية الغرب بسردية ترفض شطب حرية الفرد العربي (صور رام نور الدين)
تحاكي المسرحية الغرب بسردية ترفض شطب حرية الفرد العربي (صور رام نور الدين)

ألم يتسلَّل الخوف من طرحٍ بهذه الجرأة، إلى رام نور الدين وهو يُشكِّل رؤيته ويختار الشخصيات ويتبنّى منطقاً آخر لأقدار البشر المقيمين ضمن خرائط الشرق الأوسط المشتعلة؟ يحسم: «على الإطلاق، العكس حصل، فأصررتُ على طرحها بشكلها الشجاع اليوم، وسط هذه الآلام العربية، إذ يغدو الموت جديراً بالمراجعة، والحرب مُطالَبة بتفسير يتعلّق بمراكمة الجثث. إنه الصراع المُحتدم في الشرق، أنقله إلى المسرح في لندن لتقريب الصورة، أترقّب ممَن يُشاهد أن يعيد النظر، وربما أن يبحث عن إجابات فرضتها أسئلته واستغراباته. المسرحية فرصة لتغدو مصدراً لمُشاهدها، فينطلق منه نحو القراءة الشاملة».

يُراد من العرض إطلاع الجمهور الغربي على أهوال تُقاصيها أوطان الشرق (بوستر المسرحية)
يُراد من العرض إطلاع الجمهور الغربي على أهوال تُقاصيها أوطان الشرق (بوستر المسرحية)

تتّخذ الشخصيات موقعها المناسب على الخشبة لتعرية النفاق السياسي. والماعز في الأرجاء ينتظر التحوُّل «تعويضاً» لعائلات الشهداء. تُرمَى المعادلة المؤلمة أمام المُرتَقب حضورهم: «الحيوان مقابل الإنسان». قاسية وفظَّة! الأُسر الحزينة في قبضة البروباغندا؛ تشدّ الخناق عليها. الأدمغة مغسولة، والتضحية بالإنسان تُكلِّف جنائز على مَدّ النظر.

قبل 7 سنوات، عُرض العمل للمرة الأولى في لندن؛ واليوم، يعيد رام نور الدين تصوُّر الشخصيات والمكان. تُترجم كاثرين هولز النسخة الأصلية، ويُشرف المخرج على تقريب المفاهيم من متلقّيها لإحداث التفاعل. عملٌ يشاء حَرْف الأنظار عن السائد للتعمُّق في النظرية الأخرى. للحكومات دعايتها، تُشرّبها للأدمغة وتتأكد من امتصاصها كاملةً. هجاء هذه الدعاية يُنقذ ما تبقّى.


مقالات ذات صلة

أنجو ريحان... تعدّدت الشخصيات والإبداع المسرحيّ واحد

يوميات الشرق الممثلة اللبنانية أنجو ريحان (صور الفنانة)

أنجو ريحان... تعدّدت الشخصيات والإبداع المسرحيّ واحد

«مجدّرة حمرا» في عرضٍ متواصل منذ 6 سنوات... شكّلت هذه المسرحية نقطة تحوّل في مسيرة الممثلة أنجو ريحان التي تقول إنها وجدت شغفها على الخشبة بعد أعوام من التردّد.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق غالبية المسرحيات التي تُنتجها ميشيل فنيانوس تعالج قضايا المرأة وهواجسها (صور فنيانوس)

مسرح المرأة... خشبةٌ تصرخ نيابةً عن النساء الصامتات

في اليوم العالمي للمرأة، لقاء مع ميشيل فنيانوس التي تكرّس نشاطها الإنتاجي للأعمال المسرحية التي تُعنى بشؤون المرأة وحقوقها.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق صورة تذكارية خلال المؤتمر الصحافي (الشركة المنتجة)

مسرحية استعراضية تروي سيرة «كوكب الشرق»

تجربة جديدة يترقبها المسرح المصري بالتحضير لعرض موسيقي ضخم يتناول سيرة «كوكب الشرق» أم كلثوم، ويستعرض مسيرتها بأسلوب ميوزيكال.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تُغيّب سابين السياسة والإيحاء المبتذل عن الكوميديا التي تقدّم (صور الفنانة)

اللبنانية سابين من لوس أنجليس: الكوميديا أبعدُ من ضحكة

تصوَّرت اللبنانية سابين نفسها على مسارح، أو أنّ اسمها سيترك وَقْعاً في شباب العمر. مع ذلك، تخصَّصت في تنظيم الأعراس، ونجحت في اعتمادها مهنتها.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق ستحتضن أكاديمية الفنون عروضاً متنوعة في المهرجان (أكاديمية الفنون)

مهرجان «الفضاءات المسرحية» يراهن على اكتشاف المواهب بمصر

يراهن مهرجان «الفضاءات المسرحية» الذي تنظمه «أكاديمية الفنون» المصرية خلال شهر أبريل المقبل على اكتشاف المواهب الشابة

أحمد عدلي (القاهرة)

المسرح المصري يستقبل جمهوره بـ10 عروض في العيد

الملصق الترويجي لمسرحية «غرام في المسرح» (البيت الفني للمسرح)
الملصق الترويجي لمسرحية «غرام في المسرح» (البيت الفني للمسرح)
TT
20

المسرح المصري يستقبل جمهوره بـ10 عروض في العيد

الملصق الترويجي لمسرحية «غرام في المسرح» (البيت الفني للمسرح)
الملصق الترويجي لمسرحية «غرام في المسرح» (البيت الفني للمسرح)

يستقبل المسرح المصري، عبر 10 عروض، جمهوره في إجازة عيد الفطر، وتتنوع العروض بين موضوعات اجتماعية وغنائية واستعراضية، بالإضافة إلى مسرحيات الأطفال.

ويحرص عشاق المسرح في مصر على الاستمتاع بالعروض المختلفة خلال موسم العيد، بالتزامن مع موسم عيد الفطر السينمائي، الذي يضم 5 أفلام كوميدية ورومانسية.

الملصق الترويجي لمسرحية «سجن النسا» (البيت الفني للمسرح)
الملصق الترويجي لمسرحية «سجن النسا» (البيت الفني للمسرح)

تعرض المسرحية الدرامية الغنائية الاستعراضية «سجن النسا»، في موسمها الأول بداية من الثلاثاء في اليوم الثاني من العيد، على خشبة مسرح «السلام»، تأليف الكاتبة الراحلة فتحية العسال، ورؤية وإخراج يوسف مراد منير، وإنتاج «فرقة المسرح الحديث»، وبطولة مجموعة كبيرة من نجوم المسرح.

الملصق الترويجي لمسرحية «في يوم وليلة» (البيت الفني للمسرح)
الملصق الترويجي لمسرحية «في يوم وليلة» (البيت الفني للمسرح)

وتقدم فرقة «المسرح الكوميدي» مسرحية «في يوم وليلة»، في موسمها الأول على مسرح «ميامي» ابتداءً من الثلاثاء، من بطولة محمد علي رزق، وسارة درزاوي، ومن تأليف وإخراج محمد عبد الستار.

وعلى مسرح «الغد» يواصل صُنَّاع عرض «بلاي» تقديم المسرحية عبر موسم جديد، من تأليف سامح مهران، وإخراج محمد عبد الرحمن الشافعي، وينتمي العرض لكوميديا الارتجال، أما أحداثه فتدور حول فرقة مسرحية تبحث عن نص لتقدمه في موسم جديد؛ كما تعرض فرقة «مسرح الطليعة» مسرحية «كارمن» من إخراج ناصر عبد المنعم في قاعة زكي طليمات، بداية من الأربعاء.

الملصق الترويجي لمسرحية «كارمن» (البيت الفني للمسرح)
الملصق الترويجي لمسرحية «كارمن» (البيت الفني للمسرح)

بدورها، تعرض فرقة «المسرح الحديث» مسرحية «كازينو»، على خشبة مسرح السلام، في قاعة يوسف إدريس، وهي من كتابة وأشعار أيمن النمر، ورؤية وإخراج عمرو حسان؛ حيث تدور الأحداث داخل كازينو في إطار تشويقي مثير.

الملصق الترويجي لمسرحية «كازينو» (البيت الفني للمسرح)
الملصق الترويجي لمسرحية «كازينو» (البيت الفني للمسرح)

أما فرقة «مسرح القاهرة للعرائس» فتعرض مسرحية «مروان وحبة الرمان»، من تأليف رحمة محجوب، وإخراج ياسر عبد المقصود؛ وتقدم فرقة «المسرح القومي للأطفال» عرض «مملكة الحواديت»، من تأليف وأشعار وليد كمال، وإخراج إيهاب ناصر، على المسرح القومي للأطفال.

وعلى مسرح الحديقة الدولية في القاهرة تعرض فرقة «مسرح الشمس لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة» مسرحية «أسطورة أرض الفراولة»، من تأليف سامح عثمان، وإخراج علي عثمان.

الملصق الترويجي لمسرحية «مروان وحبة الرمان» (البيت الفني للمسرح)
الملصق الترويجي لمسرحية «مروان وحبة الرمان» (البيت الفني للمسرح)

وفي الإسكندرية (شمال مصر)، تُقدم فرقة «مسرح الإسكندرية» مسرحية «غرام في المسرح»، تأليف بدر محارب، وإعداد محمد عبد القوي، وإخراج سامح الحضري، على مسرح «ليسيه الحرية».

وعن بعض تفاصيل العرض المأخوذ من نص مسرحية «دراما الشحاذين»، يقول الكاتب الكويتي بدر محارب، إنه كتب المسرحية عام 2010، وعُرضت في فعالية «اليوم العالمي للمسرح» في الكويت باللغة العربية الفصحى، من إخراج المخرج الكويتي عبد العزيز صفر، وحقَّقت حينها نجاحاً لافتاً، وأُعيدت صيفاً في العام نفسه بناءً على رغبة الجمهور الكويتي، ومن ثَمّ ترشحت للمشاركة في مهرجان «دمشق الدولي»، في ديسمبر (كانون الأول)، من العام نفسه.

ويُضيف محارب لـ«الشرق الأوسط»: «بعد هذه النجاحات نشرتُ كتاب (تاتانيا)، وهو عبارة عن نصوص مسرحية قصيرة تضمُّ مسرحيات (حدث في جمهورية الموز)، و(تاتانيا)، و(دراما الشحاذين)، وانتشر الكتاب في الوطن العربي بعد تبنِّي المجلس الوطني للثقافة في الكويت طباعته ونشره مجاناً مع سلسلة (عالم المعرفة)، في يناير (كانون الثاني) 2015».

الملصق الترويجي لمسرحية «غرام في المسرح» (البيت الفني للمسرح)
الملصق الترويجي لمسرحية «غرام في المسرح» (البيت الفني للمسرح)

وذكر محارب أن النص قُدِّم عبر فرق مسرحية في الدول العربية، من بينها سوريا تحت اسم «أوبرا الشحاتين»، وقدمته فرقة «بني ياس» في الإمارات خلال مهرجان الشباب في دبي، كما قُدِّم في المغرب تحت اسم «على الهامش»، وفي مصر قدَّم النص أكثر من 10 فرق مسرحية، من بينها فرق الكليات في الجامعات، وكذلك قُدّم في «المعهد العالي للفنون المسرحية».

وتضمُّ القاهرة كثيراً من المسارح الحكومية والخاصة، التي تكون وجهة مفضَّلة للأُسر المصرية خلال الإجازات، ويتميَّز مسرح الدولة برخص أسعار تذاكره، مقارنة بأسعار تذاكر القطاع الخاص.