معرض شعبي في المتحف الفرنسي للفنون المتواضعة

نساء رومانسيات وأطفال بعيون دامعة

الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)
الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)
TT

معرض شعبي في المتحف الفرنسي للفنون المتواضعة

الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)
الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)

في مدينة سيت، جنوب شرقي فرنسا، يقع متحفٌ لا يشبه غيره من المتاحف. إن القائمين عليه لا يجمعون اللوحات والمنحوتات الباهرة التي تكشف عن مواهب فنية مقترنة بحرفية عالية وأفكار عميقة، بل تلك التي يمكن أن تصادفك على جدران صالونات الحلاقة أو غرف المراهقين. هذا ما يسمّونه بالفن الاستهلاكي الواسع. وهو ينسجم مع عصر صار فيه الاستهلاك ظاهرة اجتماعية واقتصادية بارزة.

متحف الفنون المتواضعة (دليل المعرض)

سيت مدينة بحرية مهمة، يقصدها السياح، وبالأخص الفنانون من أنحاء العالم. ففي خريف عام 2000 خطر في بال الفنان هيرفيه دي روزا افتتاح مكان يجمع الأعمال التشكيلية التي لا ترقى إلى مجموعات المتاحف التاريخية الكبرى، بل هي أقرب إلى الفن الذي يجد صداه في ذائقة عموم أبناء الشعب، أي الجماهير. ولقيت الفكرة دعماً من وزارة الثقافة ومن بلدية المحافظة، وأيضاً من متبرعين أثرياء من أبناء المنطقة. وقع الاختيار على قبو عتيق للنبيذ غاطس في الطبيعة الخضراء، يبدو للزائر من الخارج كأنه منزل ريفي لقوم بوهيميين. وتولى المهندس باتريك بوشان ترميمه وتجهيزه ليكون صالات للعرض الفني. كما اهتمت مصمّمة المساحات النباتية ليليان بوتا بتحويل الباحة الداخلية إلى «حديقة للمزروعات المتواضعة».

لوحة لجيوفاني براغولان (دليل المعرض)

حمل المكان، بكل تواضع، اسم متحف الفنون المتواضعة. هل هذا يعني أن المعروضات هنا ليست ذات قيمة؟ كلا بالتأكيد، فهي لوحات لفنانين من مختلف الجنسيات، حازت شهرة عند تقديمها في المعارض وكان لها معجبون وهواة وجدوا فيها غايتهم عند تزيين مكاتبهم وحجرات نومهم وصالونات بيوتهم. وبالتأكيد فإن من الاستحالة على عموم الناس اقتناء أعمال باهظة الأثمان، أو من غير المحبذ الاكتفاء بطبعات مصورة ومنسوخة عن اللوحات الشهيرة، لذلك فلا بأس من لوحة أنسب سعراً لفنان أو فنانة أقل شهرة.

اليوم، بعد ربع قرن تقريباً على تأسيسه، تحول المتحف الفريد من نوعه إلى مختبر مفتوح أمام أجيال مختلفة ومشارب متعددة، وصار له صيت عالمي، حيث يجمع أعمالاً لأكثر من 1000 فنان من كل الأعمار والجنسيات والمدارس الفنية. وقد كان سباقاً في احتضان الفنون الهامشية وتسليط الضوء على تجارب تجريبية وتجديدية. ويواصل القائمون عليه مساءلة الحدود المفترضة بين أشكال الفنون المعاصرة. بل إن معارضه خرجت من جدرانه وتوزعت على صالات يهمّها هذا النوع من الفن الجماهيري أو الشعبي، إن صح التعبير. وبفضل هذه الحماسة لفناني الهامش بات متحف الفنون المتواضعة يمتلك شراكة مع كبريات متاحف العالم، مثل متاحف الفن المعاصر في نيويورك «موما»، ولشبونة «مات»، ومركز بومبيدو في باريس، ومجموعة الفن الخام في لوزان.

«بنت صغيرة من مدريد» لمرغريت كين (دليل المعرض)

يطغى على اللوحات الأسلوب التصويري. وهي من النوع الذي كان القصد منه أن يُعاد إنتاجه بأعداد كبيرة مرغوبة من عامة الناس. لذلك نجد أن الموضوع المفضل هو صور الأطفال والنساء، ومن بعده صور الطبيعة. هل تذكرون لوحة الطفل دامع العينين التي انتشرت نسخها في ملايين البيوت حول العالم؟ إن من يتجول في الأحياء السياحية في باريس ويدخل دكاكين الهدايا التذكارية يجد فناً لا يمتّ بصلة لذلك المعروض في مهرجانات الفنون والمعارض الموسمية. إنه فن له تُجّاره وموزعوه. كما أن له رساميه الذين لا يملّون ولا يكلّون. وهي تجارة رائجة تراعي ميزانية السائح الذي يسعده أن يعود من باريس بلوحة أصلية زهيدة الثمن وتحمل توقيع صاحبها، كائناً من كان. وفي السنوات الأخيرة صارت تلك الأعمال تأتي من الصين، حيث تنجز في فترات قياسية وبالأطنان وبطريقة الإنتاج الصناعي الواسع. وساهم في تسهيل العملية دخول التقنيات الإلكترونية الحديثة وسرعة الاستنساخ بألوان وخلفيات متغيرة في كل مرة.

من مجموعة الموسيقيين المهرجين لبرنار بوفيه (دليل المعرض)

يستضيف المتحف حالياً معرضاً بعنوان «الطيب والسيئ والقبيح»، نسبة إلى الفيلم الأميركي الشهير الذي يحمل الاسم ذاته. وعند زيارة المعرض نتأكد أن هذا المتحف لا يجد غضاضة في الاحتفاء بالنوع التجاري من الأعمال، دون أن يتوقف عندها بل يمضي لاكتشاف طرائق جديدة وصيغ تجريبية لا يعرف أصحابها طريق صالات العرض الرسمية. هناك، مثلاً، لوحة زيتية للفنان المعروف برنار بوفيه (1928 ـ 1999) من سلسلة لوحات «الموسيقيون المهرجون». كما يجد الزائر لوحة لفلاديمير تريشيكوف (1913 ـ 2006) الذي تخصّص في رسم لوحات تصوّر نساءً في أوضاع رومانسية. وتريشيكوف هو أول رسام باع نسخ لوحاته في المتاجر الكبيرة للأغذية «السوبرماركت». ومثله وجدت الفنانة مرغريت كين (1927 ـ 2022) سوقاً متعطشة لفنّها باعتبارها تخصّصت في رسم الأطفال ذوي الأعين الحزينة، ومنها لوحة «البنت الصغيرة من مدريد». وبلغ من رواج أعمال كين في ستينات القرن الماضي أن مبيعات لوحاتها المنسوخة كانت تحقق مليوني دولار في العام. كما أُنتج فيلم روائي عن سيرتها.


مقالات ذات صلة

إشارتان من شأنهما أن تفضحا الكاذب... تَعَرَّف عليهما

يوميات الشرق يريد الكاذبون أن يبدوا أكثر صدقاً من خلال الحفاظ على تواصل بصري ثابت (سيكولوجي توداي)

إشارتان من شأنهما أن تفضحا الكاذب... تَعَرَّف عليهما

سيكولوجيا كشف الكذب لها ماضٍ طويل ومعقد وليس بالضرورة ناجحاً. يلجأ الباحثون للتركيز فيها على التلميحات غير اللفظية مثل نظرة العين، وتعبيرات الوجه، ووضعية الجسم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا ممارسة ألعاب الفيديو تجعل عقلك أصغر سناً (رويترز)

دراسة: ألعاب الفيديو تجعل عقلك أكثر شباباً... التمارين لا تفعل ذلك

كشفت دراسة جديدة عن أن ممارسة ألعاب الفيديو تجعل عقلك أكثر شباباً، لكن التمارين الرياضية لا تفعل ذلك.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
يوميات الشرق وائل مرقص وعلاقة حب مع الخطّ العربي (صور الفنان)

وائل مرقص لـ«الشرق الأوسط»: الخطّ العربي مفتاح الهوية العربية الواحدة

حقّق وائل مرقص شهرته من خلال علاقته بالخطّ العربي. إقامته في أميركا منذ نحو 12 عاماً زادت من توطيدها. فالغربة، كما يقول، «توقظ عندنا مشاعر الحنين لأوطاننا».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق اللافتة التي وضعها مطار دنيدن (سي إن إن)

مطار نيوزيلندي يثير الجدل... ويضع حداً زمنياً لـ«عناق الوداع»

أثار مطار دنيدن في نيوزيلندا الجدل حول العالم بعدما فرض «حداً أقصى» لـ«عناق الوداع»؛ حيث وضع لافتة جديدة تفرض حداً أقصى يبلغ 3 دقائق على العناق بمنطقة الإنزال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق لم تقتله الشِّدة (مواقع التواصل)

«الحظ» ينقذ ذكر سلحفاة من إعادة التدوير ضمن 22 طناً من النفايات

شهد ذكر سلحفاة يوماً آخر بعدما حُمِّل على شاحنة قمامة، ومرَّ بعملية فرز كاملة في مركز إعادة تدوير. فماذا جرى؟

«الشرق الأوسط» (لندن)

ملتقى دولي في الرياض لبحث تحديات التبادل المعرفي وتطلعات المترجمين

النسخة السابقة من ملتقى الترجمة الدولي 2023 (واس)
النسخة السابقة من ملتقى الترجمة الدولي 2023 (واس)
TT

ملتقى دولي في الرياض لبحث تحديات التبادل المعرفي وتطلعات المترجمين

النسخة السابقة من ملتقى الترجمة الدولي 2023 (واس)
النسخة السابقة من ملتقى الترجمة الدولي 2023 (واس)

تستعد هيئة الأدب والنشر والترجمة لإقامة ملتقى الترجمة 2024 في نسخته الرابعة، مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ويستمر يومين بمقر وزارة التعليم في الرياض؛ ليواصل جهوده في تعزيز التواصل والتبادل الثقافي بين مجتمع المترجمين عبر مختلف المسارات التي اتخذها الملتقى منذ 4 أعوام لتسليط الضوء على صناعة الترجمة إقليمياً ودولياً.

ويمنح الملتقى مساحة مهمة لرواده وضيوفه من مختلف دول العالم، للالتقاء والتحدث مع خبراء الترجمة المحليين والدوليين المشاركين، وذلك من خلال مسار «قابل الخبراء»، إلى جانب ما يقدمه الملتقى من أنشطة متواصلة تتضمن جلسات حوارية تناقش واقع الترجمة وتحدياتها والفرص الواعدة لمستقبل القطاع، وورش عمل متخصصة يقدمها خبراء في مختلف الفنون المتصلة بالصناعة الترجمية.

وإلى جانب تجهيز معرض مصاحب للملتقى، كمساحة للجهات المحلية والدولية المتخصصة في المجال الترجمي، يتيح الملتقى، الذي ينظم في 8 و9 نوفمبر المقبل، الفرصة لاستكشاف آخر الأبحاث العلمية التي تناولت قضايا القطاع وقدّمت حلولاً ومقترحات في وجه تحدياته المختلفة. فيما تفتح «حكايا ترجمية»، إحدى مساحات الملتقى، نوافذ للتعرف على أبرز رواد المجال وأهم القصص والدروس المستفادة والتجارب الشخصية والمهنية للمشاركين.

وتسلط هيئة الأدب والنشر والترجمة، من خلال ملتقى الترجمة، الضوء على دورها في تعزيز حضور السعودية الثقافي دولياً، إلى جانب ما سيُسهم به الملتقى من إكساب مجتمع المترجمين خبرات مهارية وتقنية حديثة في صناعة الترجمة من خلال ورش العمل والجلسات الحوارية، وتحفيز التنافسية وتحسين فرص العمل في مجال الترجمة.

ولم تتوقف المبادرات التي أطلقتها السعودية في القطاع الترجمي على الإطار المحلي، بل وسّعت إطار مبادراتها لتستوعب المنطقة العربية بجهود تعزيز أعمال الترجمة ومدّ جسور بين «العربية» والثقافات والحضارات والشعوب العالمية، وقد أطلقت مؤخراً أعمال المرصد العربي للترجمة، بوصفه أول مرصدٍ نوعيٍّ لتنسيق الجهود العربية في مجال الترجمة ودعم مسيرتها.

ومع تزايد قيمة الترجمة، أصبحت هناك حاجة ملحة لمواكبة التقدم الحضاري، وتبادل المعارف والمعلومات ، وإبراز دورها في التواصل بين الأمم ذات الألسن المختلفة، وإثراء رصيدها الثقافي والعلمي. كما اتخذت الهيئة مجموعة من الخطوات الفريدة التي أنعشت القطاع الترجمي السعودي وعكست الحراك الذي شهدته السعودية مؤخراً، الأمر الذي انعكس على تسجيل نموٍ متصاعد في الإنتاج الترجمي، بعد أن كان حجم الإنتاج قبل سنوات قليلة لا يتجاوز 30 إلى 40 كتاباً، ولكن مع الدّعم الحكومي والمبادرات التي شهدها الوسط الثقافي السعودي قفزت هذه الأرقام إلى ما يقرب من 4 أضعاف.

وحسب أحدث تقرير للحالة الثقافية في السعودية، الصادر في سبتمبر (أيلول) الماضي، رصد التقرير نتائج مبادرة «ترجم»، التي أطلقت عام 2021م كإحدى المبادرات النوعية لتعزيز العمل في القطاع الترجمي، وبلغ عدد الكتب التي ترجمتها مبادرة «ترجم» خلال عام 2023م 595 كتاباً، وهو أعلى رقم تحققه المبادرة، مسجلة نسبة نمو بلغت 74 بالمائة، وجاء تحقيق هذه النسبة العالية بمشاركة 48 دار نشر في عام واحد، أي ما يقارب ضعف عدد المشاركات عن العام قبل الماضي، وامتد أثر ذلك على تنوع مواضيع الترجمة، التي زادت قليلاً عن العام السابق.