إشارتان من شأنهما أن تفضحا الكاذب... تَعَرَّف عليهما

بحث جديد يُظهر كيف يمكن للحديث والعيون أن يكشفا الخداع

يريد الكاذبون أن يبدوا أكثر صدقاً من خلال الحفاظ على تواصل بصري ثابت (سيكولوجي توداي)
يريد الكاذبون أن يبدوا أكثر صدقاً من خلال الحفاظ على تواصل بصري ثابت (سيكولوجي توداي)
TT

إشارتان من شأنهما أن تفضحا الكاذب... تَعَرَّف عليهما

يريد الكاذبون أن يبدوا أكثر صدقاً من خلال الحفاظ على تواصل بصري ثابت (سيكولوجي توداي)
يريد الكاذبون أن يبدوا أكثر صدقاً من خلال الحفاظ على تواصل بصري ثابت (سيكولوجي توداي)

تعد القدرة على اكتشاف الخداع أمراً أساسياً في جميع الاتصالات البشرية تقريباً. ويريد الإنسان أن يشعر بأن الناس من حوله صادقون. لكن، ما الذي يمكن أن يُشْعِرك في ردود الأشخاص من حولك بأنه لا يجري إخبارك بالحقيقة؟

إن سيكولوجيا كشف الكذب لها ماضٍ طويل ومعقَّد، وليس بالضرورة ناجحاً. ويلجأ الباحثون إلى التركيز فيها على التلميحات غير اللفظية مثل نظرة العين، وتعبيرات الوجه، ووضعية الجسم، وفقاً لما ذكره موقع «سيكولوجي توداي» المَعْنِيّ بالصحة النفسية والعقلية والعلوم السلوكية، الذي رصد «الإشارات الأسهل والأكثر وضوحاً» لكشف الكذب.

وفقاً للباحث برام دي كيرسماكر وزملائه من جامعة غنت البلجيكية، تنقسم النظريات حول كشف الخداع إلى فئتين: دلالية وغير دلالية. وكما يشير المصطلح، تقول النظريات غير الدلالية إنه لا توجد إشارات ترشدك إلى الشخص المخادع. في المقابل، تؤكد النظريات الدلالية أن «العمليات النفسية الأساسية للكذب تختلف جوهرياً عن تلك المرتبطة بقول الحقيقة». بمعنى آخر، يكون من الصعب على الكاذب أن يكذب، ويتطلب الأمر جهداً معرفياً أكبر لتوليد «اختلاقات كاذبة» تتماسك معاً بدلاً من قول الحقيقة.

«أمر مرهق للغاية»

تستنزف العواطف المرتبطة بالكذب - بدءاً من الخوف من الوقوع في قبضة الشعور بالذنب لاحقاً - الطاقة، ويمكن أن يتسرب هذا الضغط العاطفي إلى قنوات الاتصال اللفظية وغير اللفظية؛ ما يجعل اكتشاف الكذبة أسهل.

ويؤكد الباحثون البلجيكيون الذين يتبنون النظريات الدلالية أن الإشارات الأكثر موثوقية لكشف الكذب هي عدم الطلاقة سواء في الكلام أو التواصل البصري. يراقب المتحدثون باستمرار ما يقولونه وكيف يقولونه؛ لذلك عندما يكذبون، يجب عليهم حقاً التركيز على كيفية إيصال رسالتهم.

وتقترح فرضية الطلب المعرفي «CDH» أنه نظراً لأن الكذب أمر مرهق جداً، فإن الكاذبين سوف يملأون حديثهم بمزيد من التردد، ويتعثرون في كلماتهم. وفي المقابل، تشير فرضية محاولة التحكم «ACH» إلى أن الكذابين يكونون أكثر ترتيباً وتنظيماً عندما يكذبون؛ لأنهم يتدربون كثيراً، ويبذلون جهداً إضافياً للتحدث بسلاسة.

وعندما يتعلق الأمر بالعيون، ترى فرضية الطلب المعرفي أن الكاذبين يتجنبون التواصل البصري؛ لأنهم «يشعرون بالخجل من أنفسهم، بالإضافة إلى أنه يتعين عليهم بذل جهد لاختراع أكاذيبهم». وترى فرضية محاولة التحكم العكس، حيث تشير إلى أن الكاذبين يريدون أن يبدوا أكثر صدقاً من خلال الحفاظ على تواصل بصري ثابت.

نوعان من الخداع

ترى دراسة كيرسماكر وزملائه أن هناك نوعين من الخداع يجب التمييز بينهما، وهما قول حقيقة تريد أن تظهر ككذبة، وقول كذبة تريد أن تظهر كحقيقة؛ ولذلك، يصبح من المهم أخذ نية المتحدث في الحسبان.

وبإجراء اختبار تجريبي على عينة شملت عدداً من المشاركين طُلب منهم الخداع، أظهرت النتائج أن نية المشاركين في الكذب كانت كافية للتأثير في سلوكهم، وهو دليل قوي لصالح فرضية محاولة التحكم وما تتبناه، أي أن الناس يدركون أن «أعينهم الكاذبة وحديثهم السلس» بحاجة إلى التحكم إذا أرادوا أن يكونوا قابلين للتصديق؛ لذلك فإن مراقبة استخدام الأشخاص لنظراتهم وكلامهم السلس ومحاولاتهم الزائدة للسيطرة عليهما يمكن أن تساعد على إرشادك إلى تشكيل صورة أوضح نحو من يقول الحقيقة.


مقالات ذات صلة

«التوقيت الشتوي»... كيف سيؤثر على صحتك؟

صحتك تبدأ الكثير من الدول حول العالم العمل بالتوقيت الشتوي خلال أيام (رويترز)

«التوقيت الشتوي»... كيف سيؤثر على صحتك؟

تبدأ الكثير من الدول حول العالم العمل بالتوقيت الشتوي خلال أيام، حيث سيتم تأخير الساعة بواقع ساعة واحدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق قائد الشرطة تاكايوشي تسودا ينحني أمام هاكامادا (أ.ب)

قائد شرطة ياباني يعتذر لرجل تمت تبرئته بعد نحو 60 عاماً في انتظار الإعدام

اعتذر قائد شرطة ياباني، اليوم (الاثنين)، شخصياً لإيواو هاكامادا عن معاناته التي استمرت عقوداً، بعد إدانة خاطئة أبقته على قائمة المحكوم عليهم بالإعدام 58 عاماً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
تكنولوجيا الأداة تعمل جهاز تلقين للمرشحين للوظائف أثناء مقابلات العمل التي تجرى عَبر الإنترنت (أ.ف.ب)

أداة ذكاء اصطناعي تلقِّن المتقدمين للوظائف الإجابات أثناء مقابلات العمل

ابتكر باحثون أداة ذكاء اصطناعي تعمل جهاز تلقين للمرشحين للوظائف، أثناء مقابلات العمل التي تجرى عبر الإنترنت.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)

معرض شعبي في المتحف الفرنسي للفنون المتواضعة

بعد ربع قرن على تأسيسه، تحوّل المتحف الفريد من نوعه إلى مختبر مفتوح أمام أجيال مختلفة ومشارب متعددة، وصار له صيت عالمي، حيث يجمع أعمالاً لأكثر من 1000 فنانٍ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
تكنولوجيا ممارسة ألعاب الفيديو تجعل عقلك أصغر سناً (رويترز)

دراسة: ألعاب الفيديو تجعل عقلك أكثر شباباً... التمارين لا تفعل ذلك

كشفت دراسة جديدة عن أن ممارسة ألعاب الفيديو تجعل عقلك أكثر شباباً، لكن التمارين الرياضية لا تفعل ذلك.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

معرض شعبي في المتحف الفرنسي للفنون المتواضعة

الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)
الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)
TT

معرض شعبي في المتحف الفرنسي للفنون المتواضعة

الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)
الأميرة وحيدة القرن لروبن كوني (دليل المعرض)

في مدينة سيت، جنوب شرقي فرنسا، يقع متحفٌ لا يشبه غيره من المتاحف. إن القائمين عليه لا يجمعون اللوحات والمنحوتات الباهرة التي تكشف عن مواهب فنية مقترنة بحرفية عالية وأفكار عميقة، بل تلك التي يمكن أن تصادفك على جدران صالونات الحلاقة أو غرف المراهقين. هذا ما يسمّونه بالفن الاستهلاكي الواسع. وهو ينسجم مع عصر صار فيه الاستهلاك ظاهرة اجتماعية واقتصادية بارزة.

متحف الفنون المتواضعة (دليل المعرض)

سيت مدينة بحرية مهمة، يقصدها السياح، وبالأخص الفنانون من أنحاء العالم. ففي خريف عام 2000 خطر في بال الفنان هيرفيه دي روزا افتتاح مكان يجمع الأعمال التشكيلية التي لا ترقى إلى مجموعات المتاحف التاريخية الكبرى، بل هي أقرب إلى الفن الذي يجد صداه في ذائقة عموم أبناء الشعب، أي الجماهير. ولقيت الفكرة دعماً من وزارة الثقافة ومن بلدية المحافظة، وأيضاً من متبرعين أثرياء من أبناء المنطقة. وقع الاختيار على قبو عتيق للنبيذ غاطس في الطبيعة الخضراء، يبدو للزائر من الخارج كأنه منزل ريفي لقوم بوهيميين. وتولى المهندس باتريك بوشان ترميمه وتجهيزه ليكون صالات للعرض الفني. كما اهتمت مصمّمة المساحات النباتية ليليان بوتا بتحويل الباحة الداخلية إلى «حديقة للمزروعات المتواضعة».

لوحة لجيوفاني براغولان (دليل المعرض)

حمل المكان، بكل تواضع، اسم متحف الفنون المتواضعة. هل هذا يعني أن المعروضات هنا ليست ذات قيمة؟ كلا بالتأكيد، فهي لوحات لفنانين من مختلف الجنسيات، حازت شهرة عند تقديمها في المعارض وكان لها معجبون وهواة وجدوا فيها غايتهم عند تزيين مكاتبهم وحجرات نومهم وصالونات بيوتهم. وبالتأكيد فإن من الاستحالة على عموم الناس اقتناء أعمال باهظة الأثمان، أو من غير المحبذ الاكتفاء بطبعات مصورة ومنسوخة عن اللوحات الشهيرة، لذلك فلا بأس من لوحة أنسب سعراً لفنان أو فنانة أقل شهرة.

اليوم، بعد ربع قرن تقريباً على تأسيسه، تحول المتحف الفريد من نوعه إلى مختبر مفتوح أمام أجيال مختلفة ومشارب متعددة، وصار له صيت عالمي، حيث يجمع أعمالاً لأكثر من 1000 فنان من كل الأعمار والجنسيات والمدارس الفنية. وقد كان سباقاً في احتضان الفنون الهامشية وتسليط الضوء على تجارب تجريبية وتجديدية. ويواصل القائمون عليه مساءلة الحدود المفترضة بين أشكال الفنون المعاصرة. بل إن معارضه خرجت من جدرانه وتوزعت على صالات يهمّها هذا النوع من الفن الجماهيري أو الشعبي، إن صح التعبير. وبفضل هذه الحماسة لفناني الهامش بات متحف الفنون المتواضعة يمتلك شراكة مع كبريات متاحف العالم، مثل متاحف الفن المعاصر في نيويورك «موما»، ولشبونة «مات»، ومركز بومبيدو في باريس، ومجموعة الفن الخام في لوزان.

«بنت صغيرة من مدريد» لمرغريت كين (دليل المعرض)

يطغى على اللوحات الأسلوب التصويري. وهي من النوع الذي كان القصد منه أن يُعاد إنتاجه بأعداد كبيرة مرغوبة من عامة الناس. لذلك نجد أن الموضوع المفضل هو صور الأطفال والنساء، ومن بعده صور الطبيعة. هل تذكرون لوحة الطفل دامع العينين التي انتشرت نسخها في ملايين البيوت حول العالم؟ إن من يتجول في الأحياء السياحية في باريس ويدخل دكاكين الهدايا التذكارية يجد فناً لا يمتّ بصلة لذلك المعروض في مهرجانات الفنون والمعارض الموسمية. إنه فن له تُجّاره وموزعوه. كما أن له رساميه الذين لا يملّون ولا يكلّون. وهي تجارة رائجة تراعي ميزانية السائح الذي يسعده أن يعود من باريس بلوحة أصلية زهيدة الثمن وتحمل توقيع صاحبها، كائناً من كان. وفي السنوات الأخيرة صارت تلك الأعمال تأتي من الصين، حيث تنجز في فترات قياسية وبالأطنان وبطريقة الإنتاج الصناعي الواسع. وساهم في تسهيل العملية دخول التقنيات الإلكترونية الحديثة وسرعة الاستنساخ بألوان وخلفيات متغيرة في كل مرة.

من مجموعة الموسيقيين المهرجين لبرنار بوفيه (دليل المعرض)

يستضيف المتحف حالياً معرضاً بعنوان «الطيب والسيئ والقبيح»، نسبة إلى الفيلم الأميركي الشهير الذي يحمل الاسم ذاته. وعند زيارة المعرض نتأكد أن هذا المتحف لا يجد غضاضة في الاحتفاء بالنوع التجاري من الأعمال، دون أن يتوقف عندها بل يمضي لاكتشاف طرائق جديدة وصيغ تجريبية لا يعرف أصحابها طريق صالات العرض الرسمية. هناك، مثلاً، لوحة زيتية للفنان المعروف برنار بوفيه (1928 ـ 1999) من سلسلة لوحات «الموسيقيون المهرجون». كما يجد الزائر لوحة لفلاديمير تريشيكوف (1913 ـ 2006) الذي تخصّص في رسم لوحات تصوّر نساءً في أوضاع رومانسية. وتريشيكوف هو أول رسام باع نسخ لوحاته في المتاجر الكبيرة للأغذية «السوبرماركت». ومثله وجدت الفنانة مرغريت كين (1927 ـ 2022) سوقاً متعطشة لفنّها باعتبارها تخصّصت في رسم الأطفال ذوي الأعين الحزينة، ومنها لوحة «البنت الصغيرة من مدريد». وبلغ من رواج أعمال كين في ستينات القرن الماضي أن مبيعات لوحاتها المنسوخة كانت تحقق مليوني دولار في العام. كما أُنتج فيلم روائي عن سيرتها.