«المسرح الوطني اللبناني» يحتضن النازحين في طرابلس

الحياة على الخشبة بطعمٍ آخر

الصالة الرئيسية للمسرح تشغلها بعض العائلات (الشرق الأوسط)
الصالة الرئيسية للمسرح تشغلها بعض العائلات (الشرق الأوسط)
TT

«المسرح الوطني اللبناني» يحتضن النازحين في طرابلس

الصالة الرئيسية للمسرح تشغلها بعض العائلات (الشرق الأوسط)
الصالة الرئيسية للمسرح تشغلها بعض العائلات (الشرق الأوسط)

ها هو «المسرح الوطني اللبناني» في طرابلس يتحوّل إلى مركز إيواء، وكان قبل أيام قليلة قِبلة ثقافية، يعرض المسرحيات والأفلام، وينظّم المهرجانات.

35 شخصاً بات هذا المسرح ملجأهم ومسكنهم. صاحب المسرح الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي منهمك بتأمين احتياجات ضيوفه، ينام معهم في المكان، وفي الصباح يتناول معهم الفطور، يشربون الشاي، يعدّون الغداء بشكل جماعي، أو تأتيهم به إحدى الجمعيات الإغاثية.

تجاوز عدد الذين اضطروا إلى ترك بيوتهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية بسبب القصف الإسرائيلي، المليون شخص. يومياً ثمة آلاف جدد، يُجبرون على ترك منازلهم، لأن دائرة النار تتسع. أزمة إيواء تتجاوز قدرة الدولة التي فتحت المدارس والجامعات، والمستودعات، وكل ما يمكن أن يسعف.

«المسرح الوطني اللبناني» في صور كان من أوائل الأماكن الثقافية التي أخذت المبادرة. من 8 أشهر، ومع بدء الحرب في الجنوب، نزحت عائلات من المناطق الحدودية ووجدت لها ملجأ في هذا المسرح، في الحارة القديمة في صور، لكن حين تمدّدت الحرب، تعرّض هذا الحي الذي كان يُعدّ الأكثر أماناً للقصف الإسرائيلي، فاضطر الأهالي للانتقال إلى «المسرح الوطني اللبناني» في طرابلس.

الصالة الرئيسية للمسرح تشغلها بعض العائلات (الشرق الأوسط)

في صالة العرض الرئيسية بسجادها ومقاعدها المخملية الحمراء، يفترش عدد من الذين لجأوا إلى هنا الأرض، وعلى الخشبة ثمة مجموعة نازحة أخرى. وهناك عائلة حجزت لها غرفة في الكواليس، أما الشبان فقد اختاروا أن يكون مكانهم الطابق الثاني أو ما يُدعى البلكون الذي يطلون منه على الصالة والخشبة. كلٌّ حجز له ولعائلته زاوية من هذا المبنى.

«التجهيزات باتت مؤمّنة؛ كهرباء، وماء، وإنترنت، وفرش، ومعدات مطبخ، والمكتبة مفتوحة أمامهم أيضاً»، يشرح لنا مؤسس المسرح قاسم إسطنبولي. وللتخفيف عن الضيوف، يعرض لهم أفلاماً، ينظّم ورشات عمل من رسم وتمثيل، خصوصاً «السيكودراما» للمساعدة في تخفيف الضغط النفسي، وثمة ورشات أشغال يدوية للكبار، وحكواتي، ومسرح دُمى. في هذه الأنشطة يشارك نازحون وبعض من أبناء المدينة الذين اعتادوا التردد على المكان.

«ليس الهدف أن نصنع من ضيوفنا ممثلين، أو رسامين، وإنما نوّد أن نخفف عنهم، ونجعلهم يشعرون بالراحة، لكن البعض يسعد لأنه يجد نفسه في التمثيل أو الرسم، مثلاً».

ورشات عمل تُعقد يومياً تقريباً (الشرق الأوسط)

يخبر إسطنبولي «الشرق الأوسط»: «كل ما نفعله هو مُهدى إلى شهيدتنا الطفلة سيلانا السمرا (6 سنوات)، التي كان أهلها يبيعون على بسطة قرب المسرح في صور، وتتردّد على المسرح منذ كان عمرها 3 سنوات لتشارك معنا في الأنشطة. قبل وفاتها بيوم، رسمت، وقالت لي غداً أكملها، لكن القصف الإسرائيلي غدر بها مع عائلتها ولم تنج سوى شقيقتها». بعد هذه الحادثة المؤلمة انتقل جزء من العائلات إلى مسرح طرابلس، «وبدءاً من الاثنين المقبل، سنفتح مسرحنا في بيروت، في سينما (الكوليزيه) للنازحين أيضاً».

ويضيف إسطنبولي متأثراً: «كل ما نقوم به، هو تحية لروح سيلانا، وأرواح الأطفال الأبرياء الذين قُتلوا ظلماً، إذ لم تترك إسرائيل منطقة لا في طرابلس ولا صيدا ولا صور، إلا وقتلوا فيها الأبرياء والعزل. سيلانا كانت طفلة مليئة بالشغف والطموح والحب، وأنا أحببتها كما ابنتي».

الطفلة الضحية سيلانا السمرا التي فقدها المسرح (الشرق الأوسط)

انقلبت معالم المسرح. حين تدخله تجد سيدة تقشر البطاطا، وهناك شبان يلعبون الشطرنج، وثمة مجموعة تتجاذب أطراف الحديث على رصيف المسرح. ومجموعة تستعد للخروج في نزهة في شوارع طرابلس التي تكتشفها لأول مرة. أما أبو وسيم فهو يستفيق كل يوم يشتري جريدته ويقرأها في الحديقة المجاورة، وأحياناً يدخل مكتبة المسرح، باحثاً عن كتاب جديد. هو صاحب مطبعة جاء من النبطية في الجنوب، وسعد حين وجد بعض كتبه موجودة هنا في المكتبة. أما دانيال فهي سيدة فرنسية متزوجة بلبناني، كانت ابنتهما ترتاد المسرح الوطني في صور، وجاءت مع عائلتها بعد أن قصفت المدينة، واضطروا إلى الرحيل. وهم يستفيدون من وجودهم في طرابلس التي لم يزوروها سابقاً، ليقوموا بجولات سياحية استكشافية.

كل نازح في المسرح له قصته، ومعاناته، يحاول أن يقضي وقته بأفضل طريقة ممكنة، حتى يعود إلى بيته.

النزوح إلى مسرح أمر فيه فائدة، إذ يحاول إسطنبولي أن يجعل التجربة ذات قيمة ثقافية، ويعلن كل يوم أنشطة جديدة، شاكراً من أتوا إلى المسرح لأنهم أضافوا إليه بعداً إنسانياً وأخلاقياً، «نحن نتعلم منهم المحبة واللُّحمة، لقد أغنونا». ويتمنى إسطنبولي أن تفتح كل الأماكن بما فيها دور العبادة، لاستقبال من اضطروا إلى ترك منازلهم. ففي وقت الشدة، تظهر معادن الناس.

«إنها فرصة للتعارف والاختلاط، والتبادل. نحن منذ البدء، هذه مهمتنا. منذ افتتحنا المسرح هنا عام 2022 نأتي بجمهور وفنانين من الجنوب إلى طرابلس، وفي الحرب نصبح بحاجة أكثر إلى هذه اللُّحمة بين الناس».

«المسرح الوطني اللبناني» في طرابلس، مبناه له جمالية خاصة، وتاريخ عريق. فهو في الأصل، سينما «أمبير» التي بُنيت عام 1932، ويُعد أقدم مبنى لسينما لم تطله يد الهدم في لبنان. وكانت هذه السينما قد أُغلقت بسبب الحرب الأهلية، وبقيت مهجورة لـ28 عاماً، إلى أن جاء قاسم إسطنبولي و«جمعية تيرو للفنون» وأعادوا افتتاحها مسرحاً. وهي الجمعية التي أعادت تأهيل صالات سينمائية في لبنان، وحوّلتها إلى مسارح في كل من النبطية وصور وطرابلس، وكان يُفترض أن تُفتتح سينما «كوليزيه» في بيروت مسرحاً وطنياً إضافياً، لكنها ستبدأ أنشطتها الاثنين المقبل باستقبال النازحين، بانتظار انجلاء الغمّة.


مقالات ذات صلة

«الأرتيست»... مسرحية عن حياة زينات صدقي تحصد إعجاباً بمصر

يوميات الشرق فريق مسرحية «الأرتيست» (صفحة العرض على «فيسبوك»)

«الأرتيست»... مسرحية عن حياة زينات صدقي تحصد إعجاباً بمصر

حصدت المسرحية المصرية «الأرتيست» إعجاباً لافتاً من جمهور ونقاد وفنانين أشادوا بها منذ انطلاقها منتصف العام الماضي.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرجة بيا خليل وبطلا العمل في تحية للجمهور (الشرق الأوسط)

«رقم 23» مسرحية تضع العنف والسلطة بمواجهة الانتماء

للمرّة الأولى، تتبدَّل مقاعد المسرح لتصبح الأساسية فيها ثانوية، ويكون مُشاهد العمل على بُعد سنتيمترات من الممثلين.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لقطة من العرض المسرحي «الطريق» (هيئة قصور الثقافة)

26 عرضاً مسرحياً مصرياً تتنافس في «السامر» و«روض الفرج»

يتنافس 26 عرضاً مسرحيّاً في الدورة الـ47 للمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية بمصر، على مسرح السامر بالجيزة (غرب القاهرة)، ومسرح قصر ثقافة روض الفرج.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق في مسرحية جو الخوري تتحوّل الرحم إلى خشبة (مسرح المونو)

«بالسابع»: الرحم مرآة للعالم الخارجي وتاريخ مُبكر للأذى

الخيط السردي الذي يربط الداخل بالعالم الخارجي، شبيه بحبل السرّة: مرئيّ، لكنه هشّ... متين بما يكفي ليُغذّي، وضعيف بما يكفي ليخنق...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق عرض «كارمن» وفق رؤية إخراجية جديدة (وزارة الثقافة المصرية)

«كارمن» تعود مجدداً لخشبة المسرح المصري برؤية حداثية

تعود الفتاة الغجرية الإسبانية «كارمن»، بطلة رواية الكاتب الفرنسي بروسبير ميرميه، للظهور مجدداً على خشبة المسرح المصري، ولكن هذه المرة برؤية حداثية.

محمد عجم (القاهرة )

مصر تُكرّم مجدي يعقوب بتمثال جديد في «الكيت كات»

يعقوب مع نموذج من تمثاله (وزارة الثقافة المصرية)
يعقوب مع نموذج من تمثاله (وزارة الثقافة المصرية)
TT

مصر تُكرّم مجدي يعقوب بتمثال جديد في «الكيت كات»

يعقوب مع نموذج من تمثاله (وزارة الثقافة المصرية)
يعقوب مع نموذج من تمثاله (وزارة الثقافة المصرية)

أعلنت وزارة الثقافة المصرية تكريم جرّاح القلب العالمي الدكتور مجدي يعقوب بوضع تمثال جديد له في أحد ميادين حي الكيت كات، بمحافظة الجيزة غرب القاهرة، ضمن خطة للاحتفاء بالرموز الوطنية.

واحتفلت الوزارة، الأحد، بـ«السير يعقوب»، في دار الأوبرا المصرية، وأعلنت تفاصيل مشروع إقامة تمثال يُخلّد مسيرته الإنسانية والعلمية، وسط حضور عدد من المسؤولين والإعلاميين.

وقال السير الدكتور مجدي يعقوب، خلال الحفل: «أُحب مصر كما أحب عملي، وأحب كذلك الفن والثقافة، وأرى أن الطب والثقافة هما من يصنعان قيمة للحياة». وأعرب عن «بالغ امتنانه لهذا التقدير، ولكل من أسهم في هذا المشروع».

يعقوب خلال حديثه في الحفل (وزارة الثقافة المصرية)

وعَدّ يعقوب أن «حضارة الشعوب ونموها يعتمدان، بشكل أساسي، على الثقافة، التي تشمل تكريم خدمة المجتمع والعلم والبحث العلمي، وكذلك الفن؛ لأن العلم والصحة لا يكتملان من دون الفن»، متمنياً أن «يكون هذا التكريم مصدر إلهام لكل شاب مصري يطمح لأن يضع بصمة في خدمة الإنسانية».

ووصف أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة المصري، يعقوب بـ«ابن مصر المخلص، الذي آمن بأن الطب ليس مهنة فحسب، بل رسالة رحمة ومحبة، وأن الشفاء لا يأتي من العلم وحده، بل من القلب أيضاً».

جرّاح القلب المصري البريطاني، المولود في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1935 في بلبيس بمحافظة الشرقية (دلتا مصر)، حصل على درجة البكالوريوس في الطب من جامعة القاهرة، ثم انتقل إلى بريطانيا لمواصلة دراسته وتدريبه في جراحة القلب، قبل أن يُصبح واحداً من أشهر جرّاحي القلب في العالم.

أكد الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان، أن السير مجدي يعقوب يشكل «قيمة مصرية عالمية ورمزاً للتفاني والإنسانية»، مشيراً إلى أن «ما يقدمه من مشروعات وخدمات، خاصة في صعيد مصر، يعكس حباً عميقاً لوطنه وشعبه، كما يبذل جهوداً كبيرة في دعم شباب الأطباء وتأهيلهم؛ لضمان استمرار مسيرته النبيلة».

جانب من الاحتفال بتكريم جرّاح القلب العالمي (وزارة الثقافة المصرية)

وأشار وزير الصحة إلى أن «يعقوب أسهم في علاج آلاف المرضى، خصوصاً في صعيد مصر»، لافتاً إلى أن «مؤسسة مجدي يعقوب للقلب في مدينة الشيخ زايد بالجيزة (غرب القاهرة)، ستكون صرحاً طبياً عالمياً لا مثيل له»؛ موضحاً أن نسبة العلاج في الخارج تراجعت كثيراً، بفضل عرض الحالات على الدكتور يعقوب وتدريبه عدداً من الكفاءات الطبية الشابة؛ لما يمتلكه من قدرة على التواصل والتفاهم مع مختلف الأعمار والخلفيات.

ووفق المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، فإن «التمثال سيُوضَع في ميدان الكيت كات بحي إمبابة، بالقرب من معهد القلب، حيث يتردّد يومياً آلاف المرضى، ما يمنح التمثال دلالة رمزية مرتبطة بمسيرة الدكتور يعقوب جرّاح القلب العالمي».

وزير الثقافة متحدثاً عن مشروع تدشين تمثال يعقوب (وزارة الثقافة المصرية)

ومن المقرر أن يُنفَّذ التمثال من خامة البرونز بارتفاع 6 أمتار، وفقاً للنحّات الدكتور عصام درويش، الذي أعرب عن فخره بالمشاركة في تخليد هذه القامة الوطنية، موضحاً أن «التمثال سيُثبت على قاعدة يبلغ ارتفاعها 8 أمتار، وسيجسد الروح الإنسانية للدكتور يعقوب وعلاقته بتلاميذه، ومن المقرر الانتهاء من تنفيذه خلال نحو 8 أشهر، ليأخذ مكانه في قلب ميدان الكيت كات بوصفه علامة فنية وإنسانية مميزة».

جاء اختيار ميدان الكيت كات لوضع التمثال فيه لكونه مركزاً حيوياً وملاصقاً لمعهد القلب، مما يُضفي بعداً بصرياً وإنسانياً على التمثال. ووفق المهندس عادل النجار، محافظ الجيزة، فإن المحافظة ستنفِّذ خطة تطوير شاملة للمنطقة تشمل الأرصفة والحركة المرورية، بالتعاون مع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

ويُعدّ حي الكيت كات من أشهر الأحياء المصرية، وسبَق للفنان المصري الراحل محمود عبد العزيز تقديم فيلم يحمل اسم الحي، بتوقيع المخرج داود عبد السيد، ويُصنَّف الفيلم بأنه من أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

ويحظى يعقوب، الملقب بـ«ملك القلوب»، بتقدير لافت في مصر، ولا سيما بعد إنشائه مركزاً يحمل اسمه لعلاج أمراض القلب في مدينة أسوان (جنوب مصر)، التي أُطلق اسم مجدي يعقوب على أحد ميادينها؛ تقديراً لمسيرته وإسهاماته الطبية الخيرية.

هنو لدى استقباله يعقوب بدار الأوبرا المصرية (وزارة الثقافة المصرية)

ويُعد مركز مجدي يعقوب للقلب واحداً من أبرز المؤسسات الطبية في مصر والشرق الأوسط، ومنارة أمل لكثير من المرضى الذين يعانون أمراض القلب، إذ تأسس عام 2008، وكان الهدف من إنشائه توفير الرعاية الطبية المتخصصة في أمراض وجراحات القلب للأطفال والكبار بالمجان.

واختار الدكتور يعقوب مدينة أسوان لإنشاء المستشفى؛ لـ«رأفته بالأطفال وحبه للمحافظة الجنوبية»، وفق الدكتور مجدى إسحاق، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مجدي يعقوب للقلب في أسوان.

ويُقدم المستشفى مجموعة واسعة من الخدمات الطبية المتخصصة في أمراض القلب؛ من بينها جراحات القلب المفتوح، والقسطرة القلبية، والعناية المركزة، بالإضافة إلى الأبحاث والتطوير في مجال أمراض القلب.