«زقاق» ينظم ورش عمل فنية لإحياء الدور الثقافي في زمن الحرب

في لقاءات مفتوحة لإبقاء التواصل بين المسرح وهواته

تدريبات منوعة على الأداء الفني (مسرح زقاق)
تدريبات منوعة على الأداء الفني (مسرح زقاق)
TT

«زقاق» ينظم ورش عمل فنية لإحياء الدور الثقافي في زمن الحرب

تدريبات منوعة على الأداء الفني (مسرح زقاق)
تدريبات منوعة على الأداء الفني (مسرح زقاق)

كخليّة نحل يعمل فريق مسرح « زقاق» لإبقاء التواصل بين الخشبة وهواتها. ورشة فنية تلو الأخرى ينظمها كلٌّ من مايا زبيب، ولميا وعمر أبي عازار، ومحمد حمدان، وجنيد سري الدين. يتناولون معاً موضوعات مختلفة منها المعالجة الدرامية والتمثيل والإنتاج المسرحي. وتحت عناوين مختلفة ينظم فريق «مسرح زقاق» البيروتي لقاءات وورشاً تطبيقية.

كان من المفروض أن تحتفل خشبة «زقاق» بعيد تأسيسها الـ18 هذه السنة، ولكن مع نشوب الحرب في لبنان قرّرت تأجيلها بعد عام كامل من التحضير لها. وتوضح مايا زبيب لـ«الشرق الأوسط»: «قرّرنا الاستعاضة عن هذا الاحتفال بورشٍ فنية ننظمها، وهدفها الإبقاء على جسر التواصل بين المسرح وهواته. ومن بين نشاطاتنا (عشْ... ابقَ) الذي أطلقناه في 26 الحالي».

ورش العمل في مسرح زقاق تجذب هواة الخشبة (مسرح زقاق)

في هذه الورشة يتشارك الجميع تجاربهم ويصغي بعضهم إلى بعض. وتوضح زبيب: «نهدف في هذه الورشة إلى كسر العزلة بين المسرح ورواده. ومن خلال هذا المنبر المفتوح نستقي طاقة الاستمرار لأن في اللقاء قوة. وفي هذا المُلتقى نستقبل مداخلات الناس كلٌّ حسب رغبته. وتتضمن قراءة النصوص، والموسيقى، والحكاية أو سواها، إضافة إلى الأعمال الفنّيّة المختلفة من مسرح وموسيقى وتجهيزات فنّيّة وأفلام سينمائية وسواها من الأشكال التواصليّة والتعبيريّة والفنيّة. وتتناول في طرحها التفكّر ومشاركة التجارب حول اللحظة الراهنة».

لا تزيد مدة المداخلة على 10 دقائق ويجتمع في الورشة الفنان والممثل وهواة المسرح. «الجميل في الموضوع هو أننا نلاقي إقبالاً ملحوظاً، فيأتينا الطّلاب وهواة الفنون من كل حدب وصوب. وفي ورشة «رسائل من فوق الأرض» نضطر إلى تفسير موضوع شائك أو حدثٍ معين لم يستوعبه كثيرون، فنُسلّط الضوء عليه من نواحٍ عدة. كما أن لدينا اتصالات مع فنانين من خارج لبنان، نتفاعل معهم عبر شبكة تواصل ضخمة نملكها».

عبر هذه الشبكة ندعو فنانين من الخارج. وتُتبادل الخبرات بين مسرحيين لبنانيين وأجانب، يتناوبون على تقديم أعمالٍ بين لبنان والخارج.

ومع مجموعة شباب مدرّبين على العمل المسرحي قدّم «زقاق» عملاً بعنوان «فلنجعل هذه الغابة رائعة من جديد». وتستطرد مايا زبيب في سياق حديثها: إن «الأفكار كثيرة لا سيما أننا نملك خبرة طويلة مع الخشبة يتجاوز عمرها الـ18 عاماً».

تدور هذه الورش مرّة في الأسبوع، ويجد روادها الدّعمين الاجتماعي والنفسي المطلوبين. وعن ورشة المسرح العلاجي «الخيال كفعل» تُوضح زبيب: «عملنا على تطوير أسلوب المسرح العلاجي ونعلّمه بدورنا لطلاب جدد لنتساعد. أحيانا يتحكّم حدث معين بنوع الورشة المقامة، كما حصل في وقت انفجار المرفأ. جُلْنا يومها على المدارس والمخيمات، والتقينا الناس في ورشة خاصة بالمدينة، فأعدنا الاتصال بين لغة العقل والجسد عندهم». وتتابع :«في هذا النوع من الورشات نخوض تجربة جماعية تُحفّز على عمليّةِ التجدّد الذاتيّ، بالاستناد إلى تقنيّات الوساطة المسرحيّة. فنعمل معاً على تعزيزِ قدرتِنا على التعامل مع هذه الظروفِ الصعبة، عبر توظيفِ القوّة الكامنة فينا وقدرتها على إحداث التغيير».

ورشة أخرى ينظمها فريق العمل بعنوان «ورشة عمل تحريكية»، في 5 و12 و19 ديسمبر (كانون الأول)، ترتكز على تعلّم كيفية شبك جميع حواسنا بعضها مع بعض. «نعتمد هذا النوع من الورش لتجاوز صدمات نفسية نصاب بها إثر حادث نتعرض له. فهي غالباً ما تتسبب بفقداننا الشعور بحواسنا إثرها».

الموسيقى تدخل ضمن برنامج ورش المسرح (مسرح زقاق)

وتقدّم هذه الورشة الحركيّة للمشاركين تمارين هادئة تهدف إلى استعادة اتصالٍ طبيعيٍّ وفعّال بين الجسد والعقل، وكذلك إيقاظ قدرة الجسد الفطريّة على التجدد. وتجمع الورشة في عملها مجالات التحرّك الجسدي، والاستكشاف الداخلي الخلّاق، وممارساتِ التنفّس الواعي، وتقنيّاتِ الاستيقاظِ الذاتيِّ، لتوفر بذلك مساحة للاسترخاء العميق، وتحريرِ المشاعر، وإدراك الذات، وتحفيز الحضور الذهني. ويختبر المشاركون التحركَ وفق إيقاعهم الخاص، مستفيدين من المعرفة الكامنة في أجسادهم من أجل تحري التوترات العميقة، ممّا يعزّز لديهم شعوراً متجدّداً بالثبات والهدوء.

ومن الورشات الفنية الأخرى نتوقف عند «ما العمل؟»، وتضيف مايا زبيب لـ«الشرق الأوسط»: «سننظمها في 2 و3 و4 ديسمبر. وتقوم على تعاون بين الفنان جنيد سري الدين والحضور. وهي ورشة لابتكار أعمال فنية شخصية تنبع من الواقع الحالي، فتحاكي اللحظة التي نعيشها ونواجهها. وتطمح إلى بلورة أعمال انطلاقاً من فكرة ما أو رغبة ما، وتسهم في إنجاز مخطّطها في وقت قصير ومحدّد. ونختبر في هذه الورشة تقنيّةً تجريبية في مواكبة هذا الزمن».

ومن الورش الأخرى التي ينظمها «زقاق» واحدة بعنوان «التواصل القصدي» في 2 و3 و9 ديسمبر، مع محمد حمدان، تُستكشف خلالها تقنية التواصل القصدي من خلال الكتابة. وتعمل على تحفيز عملية إدراك الذات والقدرة على اتخاذ القرارات المناسبة.


مقالات ذات صلة

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

يوميات الشرق مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

علاقة الأنثى بالعمّة شائكة بحجم عمقها إنْ حكمها ودٌّ خاص. في المسرحية تغدو مفتاحاً إلى الآخر، مما يُجرّدها من الشخصانية نحو احتمال إسقاطها على علاقات عاطفية.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق منصور الرحباني في عيون نجوم مسرحه

منصور الرحباني في عيون نجوم مسرحه

في ذكرى رحيل منصور الرحباني يتحدّث غسان صليبا ورفيق علي أحمد وهبة طوجي عن ذكرياتهم مع أحد عباقرة لبنان والشرق وما تعلّموا من العمل على مسرحه

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق أبطال «البقاء للأصيع» يبحثون عن كوكب آخر (فيسبوك)

زخم مسرحي مصري واسع بموسم الرياض خلال يناير

حققت العروض المسرحية المصرية زخماً كبيراً في موسم الرياض خلال شهر يناير الحالي الذي شهد 3 عروض حتى الآن، استهلتها الفنانة دنيا سمير غانم.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «الأشباح» تجربة برختية تعكس الواقع النفسي والاجتماعي (الشرق الأوسط)

«الأشباح»... رحلة مبتعثين بين الطموح والوهم

تُسلِّط المسرحية الضوء بأسلوب درامي على التحديات التي تواجه الإنسان في حياته اليومية، وتطرح تساؤلات حول الصراع بين الطموح والقيود النفسية التي قد تُعيقه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً، ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن.

فيفيان حداد (بيروت)

«حكمة المصريين» تتجلّى في معرض للفنان ناثان دوس

جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)
جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)
TT

«حكمة المصريين» تتجلّى في معرض للفنان ناثان دوس

جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)
جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)

اختار النحات المصري ناثان دوس لمعرضه الأحدث اسماً دالاً على الحكمة والفهم في الحضارة المصرية القديمة، وإن كان «سيشميت» بدا لفظاً غريباً على الواقع المصري، إلا أنه يتضمن دلالات عدة تجلَّت في الأعمال المعروضة بقاعة الزمالك للفن (غرب القاهرة).

واشتهر دوس بنحت الحجارة الصلبة مثل الغرانيت والبازلت، وقدم أكثر من معرض مستخدماً خامة البرونز، إلا أنه في هذا المعرض يدمج الكثير من الخامات، سواء أنواع الصخور الصلبة أو البرونز أو الزجاج ليقدم أعمالاً، يتضمن كل منها حكمة.

أعمال الفنان ناثان دوس تضمنت فلسفته في الحياة (صفحة الفنان على فيسبوك)

وإلى جانب كل تمثال، حرص الفنان على وضع ملصق يعبّر عن فلسفة العمل أو الحكمة النابعة منه مثل مجسم «البيانو»، حيث كتب بجواره «الحياة كالبيانو: أصابع بيضاء هي السعادة، وأصابع سوداء هي الحزن، لكن تأكد أنك ستعزف بالاثنتين؛ لكي تعطي الحياة لحناً».

وعن تجربته في هذا المعرض الذي يعدّ رقم 14 في مسيرته الفنية، يقول دوس: «منذ سنوات عدة أركّز على مسألة التنوير وإعمال العقل والانتصار للإنسان، وكنت أنوي تسمية هذا المعرض (إعمال العقل)، لكن وجدته اسماً بعيداً عن ثقافتنا وواقعنا، فبحثت في الحضارة المصرية القديمة على ما يعادل هذا الكلمة فوجدت كلمة (سيشميت) بمعنى الحكمة والفهم والاستنارة، هي الأكثر تعبيراً عما أريد أن أقدمه في أعمالي».

العمل المهدى لنجيب محفوظ وفرج فودة (الشرق الأوسط)

ويوضح دوس لـ«الشرق الأوسط» أنه رصد فكرة الاستنارة في أكثر من عمل «من بينها عمل قدمته تحيةً لفرج فودة ونجيب محفوظ، والعمل يحكي قصة تقول: صاح الديك حينما تيقن الخطر فقام الكلب من ثباته ونبح فاستيقظ الراعي وانتبه أهل القرية للذئب الذي كاد يفترس الأغنام فطاردوه حتى هرب، فقرر أهل القرية الاحتفال بهذا الأمر فذبحوا الديك».

ويتابع: «هذا ما يحدث في مجتمعنا، أي شخص يحاول أن يقدم لنا الاستنارة ويوقظنا من ثباتنا يكون مصيره الذبح أو التنكيل، هذا ما فعلناه مع طه حسين حين كتب (في الشعر الجاهلي) وما حدث أيضاً مع فرج فودة وكذلك عانى نجيب محفوظ، وكأن هذا مصير كل من يحاول إيقاظنا».

ناثان دوس مع الكاتب يوسف زيدان خلال افتتاح المعرض (صفحة الفنان على فيسبوك)

تتدخل إرادة الفنان ليصوغ من خامات متناقضة ومتباينة الطبائع مزيجاً متفاهماً وكلاً منسجماً بقيادة حكيمة، ورؤية جادة ورسالة، ليعزفها منحوتات بديعة، سيمفونية حياة، بحسب رؤية الفنان والناقد صلاح بطرس للمعرض.

هناك عمل آخر بعنوان «نافذة» يشبّه فيه الفنان العقل بالنافذة؛ فهي إن لم تكن مفتوحة لن يدخل منها ضوء ولا شمس، وكذلك العقل الذي اختار له خامة الزجاج الشفاف لا يعمل إلا إذا كان منفتحاً مثل النافذة، وهناك عمل آخر عن التغيير يظهر فيها البطل يغير ملابسه، لكن لديه مكاناً يضع فيه عقله بأفكاره الثابتة الجامدة، واستخدم الفنان خامة حجر الصوان في تكوين العقل للدلالة على صلابة الفكر.

خامات متنوعة دمجها الفنان في أعماله (الشرق الأوسط)

من هنا يأتي اختيار الخامة لتعطي دلالة معينة، وفق ناثان الذي تحدث عن تمثال لوالده بعنوان «أبوي» وتعني كلمة أبي باللهجة الصعيدية، وقال إن الأب يمثل الحماية والصخرة، وهو فلاح مصري أصيل، وعلاقتي به مرتبطة بالزراعة فقد كنا 6 أبناء كان يصنع لكل منا فأساً منذ صغرنا، وبمرور الوقت تكبر معنا الفأس.

وظهر المصري القديم في عمل «عودة سنوحي»، وبحسب الفنان «بدأت الفكرة كطيف، فحين تضع وجهك أمام الشمس سيقع ظلك خلفك، وإذا استلهمنا الميراث المصري القديم سنجد الكثير من القوة والعظمة والفنون والإبداع؛ ما يجعلنا نتساءل في ذهول كيف ترك أجدادنا هذا الرصيد الضخم من الآثار»، جسَّد ناثان قصة «سنوحي» وهو طبيب مصري هرب من قصر الملك أخناتون بسبب وشاية خلال فترة اضطراب سياسي، وعاش في منطقة بين السعودية والأردن لنحو 30 عاماً، ثم قرر العودة إلى مصر، وبعد وفاة أخناتون خاطب سنوحي الملك معبراً عن اشتياقه للوطن، أنه يريد العودة إلى وطنه وأن يدفن فيه. ويصف ناثان هذه القصة بأنها من أروع القص التي تؤكد على الانتماء وعلى عمق الهوية المصرية.

من معرض «سيشميت» أو الحكمة والفهم (الشرق الأوسط)

استطاع ناثان دوس أن يحول الأعمال النحتية أعمالاً درامية، يمثل كل عمل منها حالة أو مشهداً أو حكمة، معتمداً على التجريدة وديناميكية الحركة والتشابكات والفراغات التي أضفت حيوية وتناسقاً وتوازناً في كل الأعمال التي تميزت بالبناء المتصاعد الصرحي، وفق الناقدة والفنانة إيمان خطاب.

وعن تمثال آخر من أعماله يتحدث دوس عن الأشياء الصغيرة البسيطة التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار التكوينات الكبيرة، يبدأ الأمر من مسمار سقط من حدوة حصان، أفقد الحصان حدوته، فسقط الحصان وسقط الفارس، «تماماً مثل تأثير الفراشة أو كما نقولها بالمصري إن القليل من الملح يمكن أن يفسد الطعام كله».

من الأعمال التي تتضمن فلسفة حول قيمة الأشياء الصغيرة (الشرق الأوسط)

فلسفة المعرض الذي يستمر حتى 10 فبراير (شباط) المقبل، كما يصفها الفنان، تقوم على محاولة استنباط الحكمة من وراء التكوينات أو المنحوتات؛ لذلك اعتبر كتابة رؤيته لهذه الفلسفة أشبه بمفتاح يقدمه للمتلقي خلال استقباله العمل الفني.