«الإسكندرية السينمائي» يتحدى «ضعف الميزانية»... ويراهن على التنوع

يكرم نيللي في دورته الـ40 ويعرض 140 فيلماً من 26 دولة

الفنان لطفي لبيب يعبر عن سعادته بالتكريم خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
الفنان لطفي لبيب يعبر عن سعادته بالتكريم خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
TT

«الإسكندرية السينمائي» يتحدى «ضعف الميزانية»... ويراهن على التنوع

الفنان لطفي لبيب يعبر عن سعادته بالتكريم خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
الفنان لطفي لبيب يعبر عن سعادته بالتكريم خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

يواجه مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط في دورته الأربعين (1-5 أكتوبر/ تشرين الأول) الجاري، أزمة متكررة تتمثل في ضعف الميزانية المخصصة له؛ إذ يقام بدعم وزارتي الثقافة والسياحة، لكنه يواصل انعقاده بحيل عديدة.

وواجه المهرجان قبل افتتاحه اعتذار الوفد السوري عن عدم الحضور بسبب أحداث لبنان؛ إذ اعتذر الفنان أيمن زيدان عن تكريمه عبر رسالة صوتية أرسلها لرئيس المهرجان، معرباً فيها عن اعتزازه بهذا التكريم، كما اعتذر للسبب ذاته الفنان دريد لحام والمخرج باسل الخطيب اللذان يشاركان بفيلم «يومين» الذي عُرض في حفل الافتتاح وينافس في المسابقة الرسمية.

وأقيم حفل الافتتاح مساء (الثلاثاء) بحضور عدد من المسؤولين المصريين من بينهم وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية، وأشار الناقد الأمير أباظة رئيس المهرجان في كلمته إلى أن هذه الدورة مميزة رقمياً وجهدياً، واصفاً إياها بأنها «دورة تاريخية تحتفي بنخبة من نجوم السينما في الإسكندرية عاصمة الفن والجمال».

الفنانة المغربية سعاد خوبي خلال تكريمها في افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

وتحمل الدورة الـ40 اسم الفنانة نيللي (75عاماً) التي باتت قليلة الظهور في المناسبات الفنية، ورغم أنها توقفت عن المشاركة في الأعمال الفنية منذ سنوات، فإنها لم تعلن اعتزالها. وتحدثت نيللي خلال ندوة تكريمها التي أقيمت (الأربعاء) قائلة إنها لم تعتزل الفن، وأوضحت أن أكثر فترات عملها متعة كانت خلال تصوير فوازير رمضان رغم المجهود الكبير الذي كانت تبذله، لكنها أشبعت رغبتها في تقديم الاستعراض والغناء إلى جانب التمثيل.

وتحدثت الفنانة العراقية كلوديا حنا عن نيللي قائلة إنها قامت بأداء جميع الفنون بشكل احترافي، وإنها نجمة العالم العربي في هذا المجال. في حين قالت الإعلامية الفلسطينية آلاء كراجا أن اسم نيللي ارتبط بشهر رمضان في كل بيت عربي.

كما تم تكريم 4 فنانات هن: الفرنسية آن باريو، والإيطاليتان إيزابيل أدرياني وفرنسيسكا ريتونديني، إلى جانب الفنانة المغربية سعاد خوبي، والفنان المصري لطفي لبيب، والناقد العراقي مهدي عباس.

بوستر المهرجان يحمل صورة الفنانة هند رستم ابنة الإسكندرية (إدارة المهرجان)

وتقام دورة «الإسكندرية السينمائي» الـ40 بمشاركة نحو 140 فيلماً من 26 دولة، ويستضيف 64 ضيفاً من دول البحر المتوسط، ويعرض أفلامه في 10 من دور العرض بالإسكندرية.

ويراهن «الإسكندرية السينمائي» على تنوع مسابقاته التي تضم مسابقة دولية لأفلام دول البحر المتوسط للأفلام الطويلة، ويرأس لجنة تحكيمها المخرج يسري نصر الله، وأخرى للأفلام القصيرة، وترأس الممثلة الفرنسية ماريان بورجو لجنة تحكيمها، وثالثة للأفلام العربية الطويلة باسم «مسابقة نور الشريف» برئاسة تحكيم مدير التصوير سمير فرج، ورابعة لـ«أفلام شباب مصر» برئاسة تحكيم الفنان خالد سرحان، وخامسة باسم «مسابقة ممدوح الليثي للسيناريو»، وترأس تحكيمها المخرجة هالة خليل، وتقدم جائزتها بدعم من الإعلامي عمرو الليثي، كما استحدث المهرجان مسابقة لـ«أفلام الأطفال» برئاسة تحكيم الفنان سامح حسين.

الناقد العراقي مهدي عباس يتسلم درع تكريمه من وزير الثقافة المصري (إدارة المهرجان)

ويحرص المهرجان في كل دورة على الاحتفاء بمئويات ميلاد كبار نجوم الفن المصري، ويحتفي هذه الدورة بمئوية ميلاد الفنان فؤاد المهندس، والفنان عبد المنعم إبراهيم؛ إذ أصدر عن الأول كتاب «فؤاد المهندس... أستاذ الكوميديا الراقية والمشاعر الصادقة» للناقد الدكتور وليد سيف، وعن الثاني كتاب «عصفور الفن» للناقد أحمد سعد الدين.

وأقام المهرجان هذا العام استفتاء لاختيار أفضل مائة فيلم رومانسي في تاريخ السينما المصرية، بمشاركة 52 ناقداً وإعلامياً وباحثاً، والذي أسفر عن تصدر فيلم «حبيبي دائماً» للفنان نور الشريف وبوسي الترتيب الأول، في حين تصدرت الفنانة الكبيرة فاتن حمامة قائمة أكبر عدد من الأفلام الرومانسية (19 فيلماً)، وأصدر المهرجان كتاباً للناقد سيد محمود تضمن دراسات حول أهم الأفلام التي فازت بالاستفتاء، وصدرت الكتب بتقنية «بي دي إف» توفيراً للنفقات.

الفيلم القصير «بلا جواب» ينافس ضمن مسابقة «أفلام شباب مصر» (إدارة المهرجان)

وبحسب الناقد أحمد سعد الدين عضو مجلس إدارة «جمعية كتّاب ونقّاد السينما» المنظمة للمهرجان؛ فإن «دورة هذا العام تتضمن إيجابيات عدة، من أبرزها أنها تحمل اسم نيللي كنجمة ذات تاريخ فني كبير سواء كبطلة سينمائية أو كنجمة فوازير رمضان الأولى».

وأشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حضورها يمثل إضافة كبيرة للمهرجان، لافتاً إلى احتفاء المئويات وإصدار الكتب والاستفتاء السنوي الذي أسفر عن اختيار فاتن حمامة نجمة الأفلام الرومانسية، مشدداً على أهمية الورش التي يقيمها المهرجان في التصوير السينمائي لفنان التصوير سمير فرج، وإخراج الفيلم الكوميدي للمخرج الكبير محمد عبد العزيز، والتي تشهد إقبالاً كبيراً من شباب الإسكندرية، مشيداً بتعدد مسابقات المهرجان، لا سيما «أفلام شباب مصر»، ومسابقة «أفلام الأطفال» التي يحضرها طلاب المدارس.

الفنانة نيللي مع الأمير أباظة رئيس المهرجان خلال ندوة تكريمها (إدارة المهرجان)

وأعرب سعد الدين عن تعجبه من عدم مضاعفة ميزانية المهرجان، التي تعد ثابتة منذ 8 سنوات مع اختلاف سعر الدولار، والارتفاع الكبير في أسعار تذاكر الطيران، وتضاعف أسعار غرف الفنادق 4 أضعاف عما كانت عليه، مما يؤثر على عدد الضيوف والأفلام، مؤكداً أنه لا بد من زيادة هذه الميزانية؛ لأن «صناعة المهرجانات تستلزم أموالاً»، لافتاً إلى «ندرة الرعاة الذين يتحمسون لمهرجان فني ثقافي، وأنه من الضروري إعادة النظر في ميزانيات المهرجانات الفنية، لا سيما تلك التي لها تاريخ كـ(الإسكندرية السينمائي)».


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.