أبوظبي تحول مستودعات بضائع إلى مهد للفن والابتكار

مدير «مجمع 421» يتحدث إلى «الشرق الأوسط» عن رحلة التحول الثقافي ودعم المبدعين

«مجمع 421 للفنون» كان مستودعاً للبضائع (المجمع)
«مجمع 421 للفنون» كان مستودعاً للبضائع (المجمع)
TT

أبوظبي تحول مستودعات بضائع إلى مهد للفن والابتكار

«مجمع 421 للفنون» كان مستودعاً للبضائع (المجمع)
«مجمع 421 للفنون» كان مستودعاً للبضائع (المجمع)

ليس متحف اللوفر في أبوظبي، وإن كان الأشهَر، هو الوجهة الثقافية الوحيدة بالعاصمة الإماراتية، بل هناك مواقع كثيرة تحولت إلى مهد للإبداع والابتكار في كل أصناف الثقافة والفنون.

فإذا كانت المنطقة الثقافية في السعديات؛ حيث يوجد اللوفر ومراكز أخرى، تُعد منارة عالمية للأمل والفرص، وملتقى للتعارف والحوار وتبادل المعرفة والثقافة، فإن أبوظبي حولت المستودعات القديمة لميناء زايد إلى مهد تتعزز فيه القوة التحويلية للثقافة والإبداع، بما يعكس ترجمة لرؤية أبوظبي وقيم دولة الإمارات العربية المتحدة المتمثلة في الاحترام والتعايش والتسامح.

أبزر تلك المستودعات، التي أصبحت مركزاً للفنون على أنواعها، «مجمع 421 للفنون»، الذي يزين رصيف قريب من أحد مداخله هيكل حديد صدئ لمركب قديم، أُعيد تركيبه بشكل فني ليقول للزائر: أهلاً بك في المجمع الذي يُعد منصة مستقلة تُعنى بالفنانين الواعدين والممارسين المبدعين في دولة الإمارات العربية المتحدة وجميع أنحاء المنطقة، وفق ما قال مديره فيصل الحسن، لـ«الشرق الأوسط» التي حاورته على هامش معرض «سبيل الغاب» الذي يستضيفه المجمع، من 22 سبتمبر (أيلول) الحالي حتى 29 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

بداية الحوار كان عن معنى الرقم 421، الذي سُمي به المجمع، فأجاب الحسن مبتسماً: «ليس لاختيار هذا الرقم أي معنى فني، بل هو، ببساطة، رقم المستودع الذي كان مخصصاً للبضائع الواردة عبر ميناء زايد، لكن قبل نحو 10 سنوات انتقل التجار الذين كانوا يشغلون كل هذه المستودعات إلى منشآت الميناء الجديد، وارتأى المعنيون أن يحوّلوا كل واحد من تلك المستودعات إلى مهد ثقافي وفني بما يدعم رؤية الدولة بأن يكون للإنتاج الفني والإبداعي دور في الناتج المحلي، ورفع نسبته فيه إلى 5 في المائة». ويقول إن «الموانئ تاريخياً لم تكن لاستيراد البضائع فحسب، بل كانت باباً واسعاً للتبادل الثقافي، ونحن نحاول أن نعيد هذه الفكرة بمركز محلي وبرؤية إقليمية».

مدير «مجمع 421 للفنون» فيصل الحسن (المجمع)

ويوضح الحسن أن المجمع الذي يحتفي نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بعامه التاسع، يشكل مساحة للبحث والتعلم والتجريب، ويوفر بيئة ترعى الجماعات الإبداعية الناشئة وكل من يرغب في تكريس الفنون بوصفها عاملاً للبحث وتحقيق التحول المجتمعي. كما يشجع الممارسين على استكشاف إمكانات المساحات العامة بوصفها وسيلة للتقدم والمشاركة المجتمعية، من خلال نموذج منهجي واسع النطاق يتيح أشكال التبادل الفني والحوار النقدي.

كما يقدم «مَجمع 421 للفنون» برنامجاً سنوياً من المعارض والمحاضرات والحوارات ووِرش العمل والفعاليات والمبادرات التعليمية التي توفر فرصاً ميسرة للتعليم موجهة للمجتمع الأوسع نطاقاً ولعامة الجمهور. ويجري تنظيم عدد من برامج 421، بالتعاون مع شركاء محليين وإقليميين ودوليين، مع الحرص على إشراك الصغار والطلاب والمعلمين والمهنيين المبدعين في نهج تشاركي فني وإبداعي. وقد وُضعت هذه البرامج بغية صقل المهارات الفنية والإبداعية، ودعم نمو منظومة الإبداع والابتكار بدولة الإمارات العربية المتحدة.

وعن النتائج الملموسة لرحلة السنوات التسع، يؤكد الحسن أن «النتائج نلمسها يومياً من خلال التغير الواضح في إقبال الجمهور على المراكز الفنية بشكل عام في أبوظبي، وعندنا بشكل خاص. الإقبال يظهر من تضاعف أعداد الزيارات بشكل سنوي، إذ كنا نتحدث عن مئات الزوار، وأصبحنا نتحدث عن آلاف، وفي الوقت نفسه نرى تطور الفنانين أنفسهم، إذ كانوا يعرضون أعمالهم عندنا قبل 6 سنوات، والآن أصبحوا يعرضون في متاحف ومحافل فنية إقليمية وعالمية».

«مجمع 421 للفنون» كان مستودعاً للبضائع (المجمع)

وهل تطور المجمع بموازاة تطور الفنانين، يجيب الحسن قائلاً: «بكل تأكيد، المجمع بدأ كصالات عرض لأعمال الفنانين وأعمال ننتجها نحن أو مؤسسات أخرى، وأصبح، الآن، أبرز الداعمين للفنانين من خلال برامجه، خصوصاً برنامجي الإقامة الفنية، والمِنح الفنية. هذان البرنامجان هدفهما تطوير التجربة الفنية، عبر تقديم الدعم المادي لتطوير أفكار فنية والتفكير بمواد وتجارب جديدة»، موضحاً أن أي شخص لديه فكرة جديدة في أي مجال فني يمكنه أن يتقدم إلى البرنامجين، ولافتاً إلى برنامج الإقامة الفنية مُدته 5 أشهر، وينظَّم مرتين في السنة لـ8 مرشحين، وبرنامج المنح الفنية، مرة كل سنتين ولفترة أطول. ويقول: «الهدف أن نوفر للفنان البيئة المناسبة والإقامة والدعم المالي لئلا ينشغل بأي أمر آخر سوى الفكرة الإبداعية الجديدة ليقوم بتجربتها، وليس بالضرورة أن يكون نجاحه مائة في المائة. المطلوب منه فقط فكرة جديدة وخلاقة، ومن ثم أن نوجِد في المنطقة جواً يدعم الإنتاج الفني والنقد الفني». وأكد أن «مجمع 421 للفنون» طوّر، خلال 9 أعوام، مهارات عشرات الفنانين وبعضهم أنتج أفكاراً جديدة وأعمالاً مبتكرة جسّدت على أرض الواقع، وانتقلوا بها إلى معارض وأماكن داخل الإمارات، مثل اللوفر، وإلى خارج الإمارات في عواصم ومدن عربية وإقليمية.


مقالات ذات صلة

أول متحف فني للذكاء الاصطناعي في العالم يتحدى العقول

علوم صور أنشأها «نموذج الطبيعة الكبير» للذكاء الاصطناعي

أول متحف فني للذكاء الاصطناعي في العالم يتحدى العقول

مَعْلَم يلتقي فيه الخيال البشري بإبداع الآلة

جيسوس دياز (واشنطن)
يوميات الشرق مصحف بالخط الكوفي من العراق أو إيران في الفترة ما بين 1000 و1100 ميلادياً (المكتبة البريطانية)

معرض طرق الحرير... أوسع من طريق وأكثر من الحرير

ماذا تتخيل عندما تفكر في طريق الحرير؟ توابل، قوافل الجمال التي تعبر الكثبان الصحراوية ورحلات التجار حاملة البضائع النفيسة بين الشرق والغرب عبر طريق واحد؟

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق أيقونة «العذراء والطفل» من القرن السادس (أ.ب)

لمسات فرنسية أميركية على قسم الفنّ البيزنطي ومذاهب الشرق المسيحية في اللوفر

أعلن متحف اللوفر اختياره مجموعة فرنسية أميركية لتصميم سينوغرافيا العرض في قسمه الجديد المخصَّص لفنون بيزنطية ومذاهب الشرق المسيحية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق متحف «الفن العربي المعاصر» إضافة متحفية جديدة في مصر (الشرق الأوسط)

أعمال 9 فنانين سعوديين تزيّن متحف «الفن العربي» بالقاهرة

يضم المتحف أعمالاً مميزة لتسعة فنانين سعوديين، من بينهم طه الصبان الذي عُرف بوصفه «رائداً من رواد الحداثة العرب».

يوميات الشرق تُلهم النساء التحليق (حساب ماري إيربس في إنستغرام)

أول تمثال شمع لنجمة كرة قدم نسائية بمتحف مدام توسو

أصبحت حارسة مرمى منتخب إنجلترا، ماري إيربس، أول لاعبة كرة قدم محترفة تحظى بتمثال شمع في متحف مدام توسو اللندني.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الضباط المدخنون في الدراما المصرية... «صورة نمطية» هل تغيرها انتقادات السيسي؟

لقطة من مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)
لقطة من مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)
TT

الضباط المدخنون في الدراما المصرية... «صورة نمطية» هل تغيرها انتقادات السيسي؟

لقطة من مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)
لقطة من مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)

أثارت الانتقادات التي وجهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للصورة النمطية التي يظهر بها ضباط الشرطة في الدراما، جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب الكلمة التي ألقاها الأحد، خلال حفل خريجي أكاديمية الشرطة، وتضمنت نصائح للخريجين الجدد من بينها الحفاظ على «اللياقة البدنية»، و«تجنب التدخين».

وعلى أثر ذلك، تصدر ترند «تيسير فهمي» موقع «إكس» بمصر، الاثنين، وهو شخصية ضابط الشرطة التي قدمها الفنان المصري شيكو باسم النقيب «تيسير فهمي» في مسلسل «الرجل العنّاب»، قبل 11 عاماً، في إطار كوميدي، ممسكاً بالسيجارة بشكل لافت خلال بعض المشاهد، بالإضافة إلى بدانته الواضحة.

وخلال توجيه الرئيس المصري للخريجين بالتعامل مع المواطنين بشكل لائق لتعزيز العلاقة فيما بينهما، أبدى الرئيس تعجبه من الإصرار على إظهار صورة ضابط الشرطة فنياً ممسكاً بالسيجارة خلال مشاهده، وارتباط تفكيره بالتدخين، كما توجه بحديثه إلى اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، متسائلاً: «خير، إيه الكلام ده؟».

الفنان المصري شيكو قدم شخصية ضابط شرطة في مسلسل «الرجل العناب» (يوتيوب)

وبخلاف «الرجل العناب»، تناولت الكثير من الأعمال الفنية شخصية الضابط بأشكال وأنماط مختلفة، وغالباً ما تظهر «مدخنة»، خصوصاً حينما تفكر بعمق، فهل ستتغير هذه «الصورة النمطية» التي التصقت بضابط الشرطة في الأعمال الفنية، خاصة بعد انتقاد الرئيس المصري لها؟

من جانبه، قال الكاتب المصري أيمن سلامة إن «كلام الرئيس تم تفسيره بشكل خاطئ، فهو نصيحة عامة لخريجي الشرطة بالاهتمام بالرياضة وعدم التدخين، وليس كلمة مبطنة موجهة لصنّاع الأعمال الفنية لتغيير ذلك».

وأشار سلامة في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه قدم شخصية الضابط المتزن في كثير من أعماله، من بينها مسلسل «قضية صفية»، و«ضد مجهول»، لافتاً إلى أن «التدخين ليس عادة متأصلة يلصقها الكتّاب بالضباط، لكن هناك بعض الحالات الدرامية تتطلب ذلك».

ويوضح سلامة أن «المخرج محمد خان قدم في فيلم (زوجة رجل مهم)، شخصية الضابط الفاسد العنيف والمدخن الشره، كما قدم شخصية الضابط المتزن المتسق مع سلوكه، وهو (أحمد مختار). وإظهار النموذجين هو دلالة واضحة على وجودهما».

أحمد زكي وميرفت أمين في لقطة من فيلم «زوجة رجل مهم» (يوتيوب)

ولفت سلامة إلى أنه شخصياً أحد الشخصيات الموقعة على بروتوكول وزارة التضامن المصرية وصندوق «مكافحة التعاطي والتدخين»، والذي يرفض مشاهد التدخين التي تؤثر على جمهور المشاهدين بالسلب.

وأبدى سلامة تخوفه من أن «يفسر القائمون والموظفون وأجهزة الرقابة على العملية الفنية بمصر كلام الرئيس وكأنه أمر مباشر بعدم ظهور أي ضابط مهما كان ممسكاً بسيجارة»، وفق قوله.

وقدم فنانون عدة شخصية الضابط في أعمال سينمائية، من بينهم أحمد زكي في «زوجة رجل مهم»، وعادل إمام في «النمر والأنثى»، وخالد صالح في «تيتو»، وأحمد السقا في «المصلحة»، وكريم عبد العزيز في «ولاد العم»، وأحمد مظهر ورشدي أباظة في «كلمة شرف»، ومحمود عبد العزيز في «البريء»، وحسين فهمي في «85 جنايات»، وفاروق الفيشاوي في «المشبوه».

كما قدمها درامياً أمير كرارة في «كلبش»، وأحمد مكي في «الاختيار»، وفتحي عبد الوهاب في «ريا وسكينة»، ومحمد رمضان في «نسر الصعيد»، وغيرها من الأعمال الفنية.

وترى الناقدة الفنية المصرية ماجدة خير الله أن «شخصية الضابط مثل كافة شخصيات العمل الفني تخضع لضوابط الكتابة والسياق الدرامي».

وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تجسيد شخصية الضابط بشكل ملائكي، أو إظهارها بشكل شيطاني، أيضاً أمر مرفوض؛ لأنها في النهاية بشر يطبق عليها قواعد الكتابة الصحيحة خلال السرد، ولا بد أن تتضمن صفات وسمات عادية مثل الناس، وإلا ظهر السياق بشكل غير منطقي».