لماذا يُعَدّ حضور الطلاب بالمدارس «أزمة» في مصر؟

وزارة التعليم تشدِّد على عدم الغياب... وتحذّر من العقوبات

وزارة التربية والتعليم شدّدت على حضور الطلاب للمدارس (وزارة التربية والتعليم)
وزارة التربية والتعليم شدّدت على حضور الطلاب للمدارس (وزارة التربية والتعليم)
TT

لماذا يُعَدّ حضور الطلاب بالمدارس «أزمة» في مصر؟

وزارة التربية والتعليم شدّدت على حضور الطلاب للمدارس (وزارة التربية والتعليم)
وزارة التربية والتعليم شدّدت على حضور الطلاب للمدارس (وزارة التربية والتعليم)

لم يتعجب رامي محمد (42 عاماً)، موظف في شركة لبيع الأجهزة الكهربائية بالقاهرة، من إلحاح ابنته التي تدرس في الصف الثالث الثانوي على الغياب من المدرسة، والاكتفاء بالدروس الخصوصية والمذاكرة المنزلية، بعدما بات ذلك أمراً شائعاً في الوسط التعليمي المصري.

وينتظم نحو 25 مليون طالب في المراحل التعليمية المختلفة (التعليم الأساسي والفني والثانوي) بمصر خلال العام الدراسي الذي بدأ 21 سبتمبر (أيلول) 2024، وينتهي في 5 يونيو (حزيران) 2025، لمدة 35 أسبوعاً.

ويؤكد رامي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الطلاب اعتادوا عدم الذهاب إلى المدرسة، والاعتماد على التحصيل المنزلي والدروس الخصوصية، وهو أمر شائع منذ فترة طويلة، وإن لم يكن شائعاً وقتما كنت أدرس في الثانوية العامة قبل حوالي 25 عاماً».

وأصدرت وزارة التربية والتعليم مؤخراً تعليمات مشدّدة للمدارس بعودة الطلاب إلى الفصول الدراسية، وتطبيق نسب الحضور والغياب، وحذّرت من عقوبات للغياب قد تصل إلى المنع من أداء الامتحانات، إذا تجاوز الطالب النسب المقرّرة للغياب.

تشديدات من وزارة التعليم على الالتزام بالحضور للمدارس (وزارة التربية والتعليم)

وهو المنشور الذي قالت عنه منى جميل، مديرة إحدى المدارس الخاصة بالقاهرة، إنه «سيُعيد الطلاب إلى المدارس»، مضيفةً أنه «أمر يُسعِدنا؛ لأنه يُعيد التعليم إلى سابق عهده، ونحن متفائلون بهذا الأمر، وسنطبّقه بشكل صارم؛ لضمان عودة الطلاب إلى الفصول الدراسية». على حد تعبيرها.

وخلال اجتماع لمجلس الآباء بمناسبة بداية العام الجديد، اضطر رامي محمد إلى توجيه سؤال لمديري مدرسة ابنته عن مصير أبنائهم مع الدروس الخصوصية التي بدأوها بالفعل قبل شهرين من الدراسة، وجاءه الرد: «لا علاقة لنا بهذه الدروس، لكننا حرصاً على مستقبل الطالبات سنحدّد لهن ساعات (نصف يوم دراسي) ليحصلوا على المواد الأساسية، ويكون لديهن متّسع من الوقت للمذاكرة باقي اليوم».

فريدة محمد، طالبة بالصف الثالث الثانوي بإحدى المدارس الخاصة في القاهرة، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إنها انتظمت بالفعل في الحضور خلال الأيام الأولى بالعام الدراسي الجديد، برغم أنها بدأت قبل شهرين التحضير للثانوية العامة عبر مراكز الدروس الخصوصية.

وترى فريدة أن «الوقت المحدَّد لحضورنا بالمدرسة يؤثر على تركيزنا باقي اليوم، والمناهج التي ندرسها بالمدرسة تكون متأخرة عما حصّلناه بالفعل قبل بدء الدراسة».

وأوضحت أنها اعتادت الذهاب إلى المدرسة في السنوات السابقة؛ لارتباطها بنشاطات مدرسية كثيرة جاذبة، لكن في فترة معينة يخفت حماس الطلبة، ويقرّروا عدم الذهاب، خصوصاً قبل فترة من الامتحانات، لذلك يفضّلون البقاء في المنزل للمذاكرة.

وأرجَعَ وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بمصر، محمد عبد اللطيف، سبب الغياب، أو عدم الحضور في أحيان كثيرة إلى الكثافات الكبيرة في الفصول خلال السنوات السابقة، وقال في تصريحات متلفزة: «إن مصر بها 550 ألف فصل دراسي، وكان لدينا عجز في 250 ألف فصل، ولدينا قوة تدريسية عددها 850 ألف معلم، وهناك عجز في 460 ألف معلم، ما تسبب في زيادة كثافة الفصول إلى 160 و180، وأحياناً تصل إلى 200 و 250 طالباً في الفصل الواحد، وهي كثافات مرتفعة جداً، فكان حضور الطلبة ضعيفاً بسبب هذه الكثافات».

وزير التربية والتعليم في زيارة لإحدى المدارس بالأقصر (وزارة التربية والتعليم)

بينما عزا أستاذ مناهج البحث بكلية التربية، جامعة عين شمس، الدكتور محمد حسن، غياب الطلبة عن المدارس في مصر إلى أكثر من سبب، من بينها «أن المدارس باتت أماكن طاردة، وليست جاذبة للطلبة».

وأشار حسن في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «نقص المدرسين يُعدّ من بين أسباب الأزمة؛ إذ يفضّل بعض أولياء الأمور بقاء أبنائهم في المنزل بدلاً من تضييع الوقت، وتعويض عدم الذهاب للمدرسة بالدروس الخصوصية».

وذكر حسن أن «المدرسين يُعطون للطلاب قشوراً من المناهج، وليس شرحاً جوهرياً، في غياب الرقابة على أداء المعلمين، كما أن الكثافة العالية للفصول تؤدي إلى شيوع السلوكيات والعادات السيئة، فيكون غيابهم حماية لهم من هذا المناخ».

كثافة الفصول من بين أسباب غياب التلاميذ عن المدارس (وزارة التربية والتعليم)

وبرغم أن وزير التربية والتعليم قد أعلن عن معالجة الكثافات المرتفعة بالفصول، موضحاً أنه «من إجمالي 60 ألف مدرسة على مستوى مصر، لم يتبقّ سوى 47 فقط ترتفع كثافة الفصول فيها إلى أكثر من 50 طالباً في الفصل»، فإن هذا ليس السبب الوحيد للغياب، والعزوف عن الذهاب للمدارس برأي خبير التنمية البشرية المختص بالتعليم أحمد عبد الفتاح، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «هناك طلبة مقتنعة بأن الدروس الخصوصية أكثر فائدةً من المدرسة، وأن المدرسين لا يُعطون الكفاية في الفصول، فلم تَعُد المدارس جاذبة، خصوصاً بعد غياب دور المدرسة الثقافي والرياضي والترفيهي».

وأضاف عبد الفتاح: «هناك نسبة من الأُسَر ترى ذهاب أبنائهم للمدارس مكلفاً للغاية»، مشيراً إلى أن «المسألة لا تتوقف على المدارس الحكومية، فظاهرة الغياب شائعة أيضاً في المدارس الخاصة، للاعتماد على الدروس الخصوصية وتهاوُن الأهالي».

وحول القرارات الجديدة التي أصدرتها الوزارة لإعادة الطلبة للمدارس، قال أستاذ التربية بجامعة عين شمس: «إن الوزارة تحاول إعادة الطلبة، وهذا أمر جيد، لكن الثقافة الموجودة في المدارس روَّجت لعدم الحضور، وبالتالي يجب تغيير هذه الثقافة أولاً إذا أردنا عودة الطلاب للمدارس».


مقالات ذات صلة

العيسى يؤكد أهمية التقاء الدين والقانون حول مشتركاتهما لبناء سلام المجتمعات

الخليج حضور عددٍ من أعضاء هيئة التدريس وصُنّاع السياسات (الشرق الأوسط)

العيسى يؤكد أهمية التقاء الدين والقانون حول مشتركاتهما لبناء سلام المجتمعات

ألقى الشيخ الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس «هيئة علماء المسلمين»، محاضرة بعنوان: «القانون والدين: آفاق السلام ومواجهة الانقسامات».

«الشرق الأوسط» (كامبريدج)
يوميات الشرق مع القليل من الإبداع وبعض الأسئلة المصممة جيداً يمكنك تحويل الإجابات الغامضة إلى محادثات ذات مغزى (رويترز)

بعيداً عن «كيف كان يومك في المدرسة»... 10 أسئلة يمكنك طرحها على أطفالك

يستخدم الكثير من الأهالي السؤال التقليدي المتمثل في «كيف كان يومك في المدرسة؟» للحصول على بعض المعلومات عن أطفالهم.

يوميات الشرق جوائز بقيمة 3 ملايين ريال سعودي تنتظر الفائزين في مسابقة «المسرح المدرسي» (موقع هيئة المسرح والفنون الأدائية)

انطلاق مسابقة «المسرح المدرسي» بالسعودية... وترقب النتائج في نوفمبر

انطلقت مسابقة «مبادرة المسرح المدرسي» التي تشارك فيها ألف مسرحية قصيرة من إعداد الطلاب والطالبات من جميع المدارس التابعة لإدارات التعليم على مستوى السعودية بعد…

أسماء الغابري (جدة)
علوم مفارقة المساواة بين الجنسين: الفتيات أكثر ميلاً للآداب والأولاد نحو العلوم

مفارقة المساواة بين الجنسين: الفتيات أكثر ميلاً للآداب والأولاد نحو العلوم

قدرات الشابات أكبر في القراءة مقابل توجّه الشبان نحو الرياضيات

د. أسامة نعمان (لندن)
يوميات الشرق ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية العام الحالي في مصر (حساب الغرفة التجارية على «فيسبوك»)

ليست مجرد أدوات... طلبات المدارس تؤرق أسراً مصرية قبيل العام الدراسي

تحول الحديث عن طلبات المدارس (السبلايز) عبر السوشيال ميديا إلى مادة للسخرية، في ترسيخ لطريقة تعامل المصريين مع الأزمات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الفيلم الفنلندي «جوفيدا» يُتوج بـ«الجائزة الكبرى» في مهرجان «سلا»

المخرجة الفنلندية كاتيا غاوريلوف الفائزة بالجائزة الكبرى عن فيلمها «جوفيدا» (إدارة مهرجان سلا)
المخرجة الفنلندية كاتيا غاوريلوف الفائزة بالجائزة الكبرى عن فيلمها «جوفيدا» (إدارة مهرجان سلا)
TT

الفيلم الفنلندي «جوفيدا» يُتوج بـ«الجائزة الكبرى» في مهرجان «سلا»

المخرجة الفنلندية كاتيا غاوريلوف الفائزة بالجائزة الكبرى عن فيلمها «جوفيدا» (إدارة مهرجان سلا)
المخرجة الفنلندية كاتيا غاوريلوف الفائزة بالجائزة الكبرى عن فيلمها «جوفيدا» (إدارة مهرجان سلا)

استطاع المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا المغربية في دورته الـ17، على مدار 6 أيام، أن يرفع شعار «تاء التأنيث» للإبداع النسائي، وجسّد من خلال عروضه للأفلام وندواته ولجنة تحكيمه، وصولاً إلى جوائزه، الحلم السينمائي بصيغة المؤنث. مسلطاً الضوء على تجارب النساء في صناعة الأفلام، ومدى هيمنة الرجل على المشهد السينمائي وعلى فرص المرأة كسينمائية وناقدة.

واختتم المهرجان فعالياته بحفل أقيم بسينما «هوليوود» بمدينة سلا القديمة، مساء السبت، واقتصر على إعلان نتائج مسابقاته الثلاث للأفلام الروائية الطويلة والتسجيلية الطويلة والجمهور الشبابي، وشارك في توزيع الجوائز فنانون مغاربة. من بينهم: محمد مفتاح، أمل عيوش، عزيز دباس، في المهرجان الذي تنظمه «جمعية أبي رقراق»، ويقام برعاية الملك محمد السادس.

الحضور على الرد كاربت في حفل الختام (إدارة مهرجان سلا)

وحظيت مسابقة الأفلام الروائية الطويلة باهتمام الجمهور المغربي الذي شارك بالتصويت على بعض جوائزها، وفاز الفيلم الفنلندي «جوفيدا» بالجائزة الكبرى، وتسلمتها مخرجة الفيلم كاتيا غوريلوف، وذكرت لجنة تحكيم المسابقة برئاسة المخرجة المغربية مريم توزاني في حيثيات منحه الجائزة أنه عمل مبهر بصرياً ومؤثر عن الإدماج القسري للشعوب.

وقالت مخرجة الفيلم، عقب تسلمها الجائزة، إنها تشكر فريق العمل، كما تشعر بالامتنان لوالدتها، لأنها مصدر الإلهام في أفلامها، ودارت أحداث الفيلم من خلال امرأة وابنة شقيقتها، اللتين لم تلتقيا من قبل، وتتوجهان إلى مدينة أخرى لتفريغ منزل ورثاه، وخلال مهمتهما تجد كل منهما قيمة في نفسها وجذورها.

وشاركت السينما المغربية في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بفيلمين للمرة الأولى، وفاز بجائزة أفضل ممثل الفنان خليل أوبقة، عن دوره في فيلم «على الهامش»، وأشادت لجنة التحكيم بقدرته لإتقانه الشخصية وتحولاتها المتباينة، وأهدى الفنان المغربي الشاب جائزته لكل امرأة مغربية وعربية وإلى والدته وزوجته.

الفنان المغربي خليل أوبقة يحمل جائزة أفضل ممثل (إدارة مهرجان سلا)

وقال أوبقة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه أول جائزة رسمية يحصل عليها، مؤكداً أن شخصية ياسر المنحدر من أسرة فقيرة والهارب من منزله منذ طفولته ليعيش مشرداً بالشوارع ويتحول إلى مجرم جذبته كثيراً، خصوصاً أن به جانباً إنسانياً كونه يضحي لأجل الآخرين، لافتاً إلى أن السيناريو كُتب بطريقة جيدة، وأن تطوره الدرامي يخدم أي ممثل بسبب التحولات التي تساعد على إظهار قدرات الفنان.

وحاز فيلم «على الهامش» أيضاً على جائزة «الضفة الأخرى» لمخرجته جيهان البحار، التي تُمنح للفيلم الذي يتضمن مشاركة أكبر عدد من النساء به.

وفي مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، حصل الفيلم الفرنسي «حكايات مدينة» للمخرجة مالوري إلوي بايسيلي على الجائزة الوحيدة للمسابقة، كما منحت لجنة التحكيم تنويهاً لفيلم «القبر الفارغ» من إخراج أغنيس ليزا ويغتر وسيسي ملاي، وعرض الفيلم لرحلة عائلتين من تنزانيا تنطلقان في رحلة بحث عن رفات أسلافهم التي تمت سرقتها.

وفي مسابقة الجمهور الشبابي، فاز الفيلم المغربي «ما الذي ينمو في راحة يدك؟» للمخرجة ضياء ببا «فئة الفيلم القصير»، والفيلم الطويل «صحارى سلم وسعى» للمخرج مولاي الطيب، ضمن برنامج «نافذة على السينما المغربية».

الفنان المغربي محمد مفتاح يسلم المخرجة اليونانية صوفيا إكسارشو جائزتين لفيلمها «أنيمال» (إدارة مهرجان سلا)

وحول تقييمه لهذه الدورة، قال الناقد المغربي محمد أشويكة، المشرف على برنامج الندوات بالمهرجان، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إننا «استطعنا أن نعمم الأسئلة التي بدأت خلال الدورات السابقة فيما يتعلق بالبرنامج الثقافي للمهرجان، الذي انصبّ حول قضايا خاصة بوضع المرأة، مثل وضعية المرأة الناقدة في العالم العربي، أيضاً أسئلة السينما المجرية من خلال قضايا السينمائيات بها، ثم من خلال لقاءات ثنائية خاصة بالمخرجات، وأردنا في هذه الدورة أيضاً سؤال المرأة من وجهة نظر ذكورية بلقاء (حوار السينمائيين) الذي جمع بين المخرج عبد الحي العراقي، والفنانتين أمل عيوش وكارولين روكاردي».

بعض المتوجات بالجوائز مع عضوات لجنة التحكيم (إدارة مهرجان سلا)

وبشأن تأثير تقليص ميزانية المهرجان لهذه الدورة، يرى أن هذا انعكس على عدد الضيوف، لكنها لم تؤثر على ما خططنا له، ونأمل أن تشهد الدورة المقبلة انفتاحاً على عدد ضيفات أكبر، وأيضاً التجديد فيما يتعلق بالمحاور التي نطرحها، والتي تنصبّ حول المرأة كمبدعة ومدى إتاحة الفرص لها للتعبير عن همومها وطموحاتها.

وكانت لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة قد منحت جائزتها الخاصة لفيلم «أنيمال» للمخرجة اليونانية صوفيا إكسارشو، التي كتبت أيضاً السيناريو، كما منحت بطلته «ديمترا فلاجوبولو» جائزة أفضل ممثلة.

المخرجة الفنلندية كاتيا غاوريلوف الفائزة بالجائزة الكبرى عن فيلمها «جوفيدا» (إدارة مهرجان سلا)

وذهبت جائزة العمل الأول للفيلم الأميركي «جود ون» من إخراج وسيناريو إنديا دونالدسون، الذي تناول قصة مراهقة في رحلة تخييم خلال عطلة نهاية الأسبوع تواجه صراع والدها وأقدم أصدقائه، فيما حصل فيلم «لغة أجنبية» على تنويه خاص لمخرجته الفرنسية كلير بيرجر.