الاستكشاف والدهشة ينتظران زوار «الأبد هو الآن»

معرض الفن المصري العالمي يعود لهضبة الأهرامات في دورته الرابعة

عمل معاصر يتحاور بصرياً مع الأهرامات (أ.ف.ب)
عمل معاصر يتحاور بصرياً مع الأهرامات (أ.ف.ب)
TT

الاستكشاف والدهشة ينتظران زوار «الأبد هو الآن»

عمل معاصر يتحاور بصرياً مع الأهرامات (أ.ف.ب)
عمل معاصر يتحاور بصرياً مع الأهرامات (أ.ف.ب)

في ظلال الأهرامات العريقة، وتحت نظر أبو الهول الشاهد على التاريخ تنعقد الدورة الرابعة من المعرض الفني المفتوح «الأبد هو الآن» لتمزج بين أعمال ومنحوتات فنانين معاصرين وتاريخ عمره آلاف السنوات. يعود المعرض بعد نجاح نسخه السابقة، ويقدم للجمهور أعمال 12 فناناً من حول العالم ينسجون من خلالها حواراً بصرياً مع واحدة من عجائب الدنيا لمحاولة استكشاف الروابط والصلات ما بين ما قدمه قدماء المصريين وتأثير الحضارة العريقة على مخيلة فنانين من القرن الواحد والعشرين.

الأهرامات وأبو الهول وعمل فني معاصر (هشام السيف)

يرى القيمون على «الأبد هو الآن» أن المعرض يمكن رؤيته على أنه رحلة اكتشاف وجسر يعبره الزوار للربط بين الماضي السحيق والوقت الحالي. ترى نادين عبد الغفار، رئيسة مؤسسة «آرت دي إيجيبت»، المنظمة للمعرض، أن العرض السنوي يدفع الفنانين المشاركين لارتداء قبعة عالم الآثار، بأن يخرجوا من عالمهم الإبداعي قليلاً للنظر حولهم بطريقة العالم الذي يحفر في الأرض لاستكشاف ما تركه القدماء، ولفهم ذلك العالم الغائب خلف سحب التاريخ. تقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «يلعب الفنانون هنا دوراً أكبر يتعدى تصميم وتنفيذ أعمال فنية في هذه البقعة، فهم أيضاً يقومون بالتفكير في العالم الأثري من حولهم والكشوف الأثرية، وهو ما ينعكس في أعمالهم».

عملية الإعداد للأعمال تتطلب أيضاً فهم الموقع والحديث مع علماء الآثار مثل العالم د. زاهي حواس، وهو عضو في مجلس إدارة المؤسسة: «منذ اليوم الأول لانضمامه لنا استفدنا بخبرته ومعلوماته، وكلما احتجنا لمعلومات تاريخية كان هو المصدر الذي نرجع له فهو قوة دافعة لـ(الآبد هو الآن)». إلى جانب خبرة د. حواس يستفيد المشاركون في المعرض من خبرة د. بيتر مانيوليان، رئيس قسم الدراسات القديمة في جامعة هارفارد. يمنح التعاون مع علماء مرموقين الفنانين فرصة هائلة للجمع بين الإلهام الفني والجانبين التاريخي والأثري.

نادين عبد الغفار مؤسسة «آرت دي إيجيبت» مع الفنان اليوناني كوستاس باراتسوس (تصوير ولاء الشاعر)

«من الملاحظ من الدورات السابقة مدى افتتان الفنانين بالأهرامات وأشكالها، وهو ما ظهر في أعمالهم، هل ترين أن سحر الأهرامات كان غامراً بحيث غلب على التعبيرات الفنية المختلفة؟»، ترى نادين الأمر من منظور مخالف، وتجيب: «لا أعتقد ذلك، عموماً الوجود في هذه البقعة يمثل تجربة فريدة لا يمكن تفسيرها، ولكن يمكننا وصف الأمر بأنه حوار، قد يساور الفنان بعض التوجس أو الخوف في البداية، ولكن تدريجياً تتضح الصورة، ويصبح الأمر نوعاً من التبادل البصري والحوار بين العمل والآثار حوله»، حيث تتحول الأهرامات من خلفية ساحرة لتصبح جزءاً أساسياً من التجربة الفنية.

بشكل ما يمكن المعرض الفنانين والزوار من وضع أنفسهم في مكان علماء الآثار في العصر الحديث، حيث يقوم الإبداع بدور الأدوات التي يستخدمها العلماء للكشف عن الطبقات الخفية من الأرض، وبالنسبة للفنانين يمكنهم الإبداع من استكشاف طبقات من المعاني الكامنة في المشهد الذي يراه الناس كل يوم أمامهم. يرى المنسقون أن الفن، مثل علم الآثار، يتطلب عيناً مستكشفة وثاقبة لما هو غير المتوقع.

فنانون من حول العالم وذكاء اصطناعي

تتحدث عبد الغفار عن الفنانين المشاركين هذا العام، وعن الموضوع العام للمعرض، قائلة: «مضمون المعرض هذا العام يتركز على علم الآثار، وعلى عناصر الاكتشاف والدهشة. نحن هنا نغطي مشهداً عمره آلاف السنين، ولكن من خلال أعين الفنانين، لدينا 12 فناناً منهم من تشارك بلاده للمرة الأولى مثل كوريا والهند».

يجمع «الأبد هو الآن 4» تنوعاً ثقافياً غنياً، حيث يشارك فنانون من المملكة المتحدة وإيطاليا وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وبلجيكا ولبنان وفرنسا ومصر والهند واليونان وإسبانيا وكندا، كل منهم يساهم بسرده الفريد في هذا الحوار الفني الاستثنائي.

ولكن هناك عناصر جديدة في معرض هذا العام تتحدث عنها عبد الغفار بحماسة شديدة: «لدينا فنانان يستخدمان الذكاء الاصطناعي في أعمالهما، وهما الفنان المصري الأميركي حسن رجب والفنانة السعودية دانيا الصالح. المشروعان متوازيان، الأول لحسن رجب، وهو فنان يستخدم الذكاء الاصطناعي في عمله المبتكر، بدعم من (ميتا)، للربط بين التكنولوجيا والفن التقليدي، ويقدم منظوراً جديداً حول كيفية مساهمة الذكاء الاصطناعي في توسيع نطاق التعبير الإبداعي. أما المشروع الثاني، وهو فيديو للفنانة السعودية دانيا الصالح. مدته 10 دقائق تعيد النظر في العصر الذهبي للسينما المصرية (أربعينات وستينات القرن العشرين)، وتستكشف كيف أثرت هذه الأفلام على مجتمعات الشرق الأوسط من خلال تحدي المعايير المتعلقة بالموضة والحب والتعبير الشخصي. من خلال مزج البحث مع التعلم الآلي، تعيد الفنانة تصور تجربة مشاهدة الأفلام الكلاسيكية، وتستحضر شعوراً بالحنين مع التساؤل عن كيفية تشكيل السينما لذكرياتنا الجماعية وإدراكنا للواقع. وبما أن المعرض يعتمد على الأعمال التركيبية التي تتخذ من رمال هضبة الأهرامات موقعاً لها فسيتم عرض مشروع الفنانة دانيا الصالح ليلة الافتتاح على شاشات مخصصة لذلك.

من الدورات السابقة لـ«الأبد هو الآن» (هشام السيف)

هل تتوقع أن تصبح المشاريع الموازية جزءاً من الدورات المقبلة؟ تتحدث بثقة عن الإضافات التي قدمها «الأبد هو الآن» عبر دوراته السابقة: «منذ اليوم الأول كنا نحاول كسر الحواجز، وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه وإيصال رسالتنا لأكبر عدد ممكن من الناس، والآن ننمو تدريجياً، ونكبر في كل دورة، ونحدث فرقاً على مستوى المجتمع المحلي، وعلى المستوى العالمي. «الأبد هو الآن» يقام في الفترة من 24 أكتوبر حتى 16 نوفمبر.


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».