مهرجان «سماع» يعود لنثر البهجة في القاهرة التاريخية

انطلاق دورته الـ17 بمشاركة 30 فرقة عربية وأجنبية

الدكتور انتصار عبد الفتاح مخرج حفل افتتاح المهرجان يقود الفرق (الشرق الأوسط)
الدكتور انتصار عبد الفتاح مخرج حفل افتتاح المهرجان يقود الفرق (الشرق الأوسط)
TT

مهرجان «سماع» يعود لنثر البهجة في القاهرة التاريخية

الدكتور انتصار عبد الفتاح مخرج حفل افتتاح المهرجان يقود الفرق (الشرق الأوسط)
الدكتور انتصار عبد الفتاح مخرج حفل افتتاح المهرجان يقود الفرق (الشرق الأوسط)

في أجواء تاريخية تعود لنحو ألف عام، بين بيوت أثرية ومساجد وأسبلة وتكايا، عاد مهرجان «سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية» لينثر البهجة في ثنايا القاهرة التاريخية، مُعلناً انطلاق دورته الـ17 على مسرح سور القاهرة الشمالي، الجمعة، وسط حضور حاشد.

وتشارك في المهرجان المُقام تحت رعاية رئاسة الوزراء، وتنظيم مؤسسة «حوار لفنون ثقافات الشعوب»، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، 30 فرقة بين مصرية وعربية وأجنبية.

لسبع ليالٍ، تتواصل الفعاليات تحت شعار «رسالة سلام إلى العالم»، بين بيت السناري الأثري، وقصر الأمير طاز (وسط القاهرة)، بعد حفل الافتتاح الذي قدَّمت خلاله الفرقة الجزائرية نشيد «لا إله إلا الله والواحد ربي» وسط تفاعل جماهيري كبير.

كما شاركت فرق من المغرب واليونان وباكستان وتونس خلال الافتتاح، وقدَّمت الأخيرة قصيدة «عليك صلى السلام، والملائكة الكرام»، بالإضافة إلى جيبوتي بنشيدها «اللهم صلِّ وسلِّم على حبيبي محمد عليه الصلاة» برفقة إيقاعات الموسيقى والطبول الأفريقية.

رقصة المولوية في افتتاح المهرجان (الشرق الأوسط)

وظهرت الفرقة الكازاخستانية بنشيدها «لا إله إلا الله»، مزجت فيه بين اللغتين العربية والكازاخية. عنها قال مؤسِّس مهرجان «سماع الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية» ورئيسه الفنان انتصار عبد الفتاح، إنها «ضيف شرف دورته الحالية، وهي من الفرق المتميّزة بفنّها وتشارك للمرة الأولى»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الفرقة تقدّم نوعاً من الفنّ يُعرف باسم (الأكابيلا)؛ فيه تمتزج أصواتهم بما يُشبه الآلات الموسيقية مع كلمات أناشيدهم، ويستبدلون بالموسيقى أنغاماً تخرج من قلوبهم، فتصنع الألحان والأصوات النغمية التي ترافق الأناشيد والقصائد».

ولفت عبد الفتاح إلى أنّ «الفرق الأجنبية والعربية المُشاركة تأتي عن طريق العلاقات الثقافية الخارجية في وزارة الثقافة المصرية، بكونها نوعاً من التبادل الثقافي، أمّا الفرق المصرية فتشارك عن طريق منشور تعلن عنه إدارة المهرجان في كل عام، ونختار الأفضل».

وبرزت مشاركات فردية لعدد من الأصوات التي اكتشفها عبد الفتاح، من بينها المنشد عبد الرحمن السنوسي الذي جاء من الأقصر ليقدّم أداء إنشادياً فردياً بمشاركة الموسيقى، فيصفه بأنه «فنان حقيقي وسنتعاون معاً في نشر هذا اللون من الإنشاد الديني الذي نما في الساحات المفتوحة برحاب مدينة الأقصر الأثرية»، موضحاً أنّ «السنوسي سيشارك أيضاً ضمن 4 أصوات جديدة في حفل الختام، وسيلتقي جمهور المهرجان هذا العام فرقة رسالة سلام، التي تضمّ فرقتَي (سماع) والتراتيل القبطية».

حفل افتتاح مهرجان «سماع الدولي» بسور القاهرة الشمالي (الشرق الأوسط)

وأكد رئيس المهرجان أنّ «دور (سماع) ليس فقط تقديم الإنشاد الديني والموسيقى الروحية، بالتعاون مع فرق العالم المختلفة، لكن أيضاً رعاية هذا الفنّ في مصر واكتشاف الأصوات الجديدة وتقديمها في حفلاتنا»، مضيفاً أنّ «مصر مليئة بالكنوز، فأبحث عنها وأشجّعها وأضيء طريقها عن طريق مدرسة (سماع)، وهذا لا نختبره مع الفرق المصرية فقط، بل أيضاً مع بعض الفرق الأجنبية، مثل الفرقة الرومانية التي كبرت مع دورات المهرجان. فقد جاءوا في دوراته الأولى وكانوا أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات، أما اليوم فيتجاوزون الـ20 عاماً، ونعدّهم أبناء للمهرجان».

وتقدّم فرق رومانيا وتونس عروضها، بالإضافة إلى فرقة إسلام الشيخ من مصر. كما تقدّم فرق من الجزائر واليونان عروضها المميّزة، وكذلك فرقة الحور من مصر. ويلتقي جمهور المهرجان مع أمسية روحانية، الاثنين المقبل، تجمع بين فرقة «مداحين النبي»، وكورال كنيسة السيدة مريم، وفرقة من كازاخستان. وتُختتم العروض بمشاركة فرق من جيبوتي وباكستان وفرقة الفجر من مصر.

الحفلات جاءت برؤية انتصار عبد الفتاح وإخراجه، ليؤكد من خلالها على دعم القيم الروحية المرتبطة بمفاهيم الخير والسلام والمحبة، وتوطيد العلاقات بين الشعوب من خلال الفنّ، وتحقيق مزيد من التوافق والتعارف بين الثقافات المختلفة، والحفاظ كذلك على التراث المصري الأصيل، والتراث الروحي الخاص بالدول المُشاركة.


مقالات ذات صلة

مصر: اعتذارات مطربين تربك مهرجان الموسيقى العربية

يوميات الشرق أنغام خلال لقاء وزير الثقافة المصري (وزارة الثقافة المصرية)

مصر: اعتذارات مطربين تربك مهرجان الموسيقى العربية

تشهد الدورة الـ32 من مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية بمصر، ارتباكاً بسبب اعتذارات بعض المطربين في اللحظات الأخيرة.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق الدكتور ياسر معوض (الشرق الأوسط)

«التخت العربي» تُعيد تقديم أشهر الأغاني المصرية بصوت الجمهور

تجربة فنية مختلفة شهدتها النسخة الـ32 لمهرجان الموسيقى العربية، حيث أحيا الدكتور ياسر معوض حفلاً غنائياً تفاعلياً بمصاحبة فرقته الموسيقية «التخت العربي».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق أهم معالم المناطق السعودية تجسدت في تفاصيل المكان (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 02:29

«بوليفارد وورلد» تجمّع حضارات وتراث المناطق السعودية

تحتفي «منطقة السعودية»، إحدى مناطق «بوليفارد وورلد»، بحضارات وتراث المناطق السعودية، وتجسد من كل منطقة في السعودية أبرز تفاصيلها الثقافية وأشهر معالمها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أحمد عفت يغني للعندليب (دار الأوبرا المصرية)

ليلة «كوكب الشرق والعندليب» تُطرب جمهور القاهرة

«المهرجان بات حدثاً مهماً يمتد تاريخه لـ32 عاماً، حيث أفرز نجوماً من المطربين المصريين والعرب منذ دوراته الأولى، من بينهم لطفي بوشناق وأصالة وأنغام»

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق يعزز «موسم الرياض» من مكانة العاصمة السعودية بوصفها وجهة ترفيهية عالمية (موسم الرياض)

«موسم الرياض» حفل غنائي عالمي وتجارب استثنائية في 14 منطقة ترفيهية

أضاءت الألعاب النارية سماء مدينة الرياض، وشهدت منطقة «المملكة أرينا» في قلب العاصمة السعودية ليلة عالمية مميزة، وأجواء احتفالية رافقت انطلاق النسخة الخامسة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

وائل مرقص لـ«الشرق الأوسط»: الخطّ العربي مفتاح الهوية العربية الواحدة

وائل مرقص وعلاقة حب مع الخطّ العربي (صور الفنان)
وائل مرقص وعلاقة حب مع الخطّ العربي (صور الفنان)
TT

وائل مرقص لـ«الشرق الأوسط»: الخطّ العربي مفتاح الهوية العربية الواحدة

وائل مرقص وعلاقة حب مع الخطّ العربي (صور الفنان)
وائل مرقص وعلاقة حب مع الخطّ العربي (صور الفنان)

لعلاقة اللبناني وائل مرقص بالخطّ العربي خصوصية بدأت تتفتّح براعمها بُعيد تخرّجه الجامعي. فهو درس التصميم الغرافيكي، وتأثر بمصممين عالميين اتخذوا من خطوط بلدانهم وأحرُفها طريقة لإبراز إبداعهم: «كنت متأثراً بهم، وأرغب في السير على طريقهم، وفجأة شعرت بأنّ ما يقومون به لا يمتّ إلى هويتي العربية بصلة. فتحوّلت للتعمّق بالخط العربي، واطّلعت على تاريخه الطويل. فكانت نقطة انطلاقة هذه العلاقة الخاصة بيننا»، يقول لـ«الشرق الأوسط».

يُكمل بأن غالبية أبناء جيله قد لا يكترثون لهذا الخطّ: «أعتقد بأنّ بعضهم ينفر منه ولا يوليه أي اهتمام. لبنان بلد منفتح على حضارات الغرب، ومعظمنا يُجيد التحدُّث بلغات أجنبية مختلفة، وهو ما أرخى أثره علينا، فانغمسنا في رموز وأحرُف ولغات تنبع من تلك البلاد. ولكن، مع الوقت وتكوُّن نضجي، اكتشفتُ أنّ العربية هويتي الحقيقية. فنحن بوصفنا لبنانيين، نتكلم العربية، وندندن أغنياتها، ونتناول الطعام الخاص بمنطقتنا، فلماذا نُقدم على خلع عباءتنا الأصيلة؟».

حقّق وائل مرقص شهرته من خلال علاقته بالخطّ العربي. إقامته في أميركا منذ نحو 12 عاماً زادت من توطيدها، فالغربة، كما يقول، «توقظ عندنا مشاعر الحنين لأوطاننا»، وربما تقف وراء انتشار أعماله في العالمين الغربي والعربي. فاليوم، يُصمّم إعلانات تجارية لشركات عالمية، وأعمالاً بصرية، وأغلفة كتب ترتكز على هذا الخطّ. كما صنع أغطية من الصوف كتب عليها بالعربية. له سلسلة منتجات تستقطب جيل الشباب، وقد نفدت من الأسواق لرواجها الكبير. صناعة هذا الغطاء زيّنه بالخط العربي، وكتب عليه «يلا تنام»، مستوحياً هذه العبارة من أغنية شهيرة لفيروز. فلماذا اختار هذا الغطاء لإبراز تصاميمه؟ يردّ: «هذا الغطاء أو (الحْرام) كما نسمّيه في لبنان، يحمل معاني الدفء والعاطفة. ويُشعرنا بلمسة حنان أمهاتنا عندما يغمر البرد أجسادنا، فيزوّدنا لا شعورياً بالهدوء والسكينة، وهو ما حضّني على تصميمه».

أحدث وائل مرقص تطوّراً على الخط العربي عبر تقنية الديجيتال (صور الفنان)

معارض عربية وخليجية وأجنبية، إضافة إلى متاحف غربية وغيرها، رحَّبت بأعمال مرقص بالخطّ العربي. «لم يكن هذا رائجاً جداً من قبل، وصرتُ أشعر في كل مرّة أعتمده كأنني أخترع ما يعكس صورتي وهويتي العربية».

انكبّ وائل مرقص على اكتشاف تاريخ هذا الخطّ بشكل مركّز. بحثَ واطّلع وغاص في أحرفه وأنواعه. وليحييه بنفحة شبابية حديثة، أدخله إلى عالم التكنولوجيا، فطبعه بالعصرنة المطلوبة، من دون أن يفقد هويته الأصيلة. يقول: «تعرّفت إلى خصوصيات أحرُفه الرفيعة والسميكة وبدايات انتشاره. وكذلك راقبتُ كيفية تطوّره من حقبة تاريخية إلى أخرى. الأوروبيون طوّروا أحرفهم مع اكتشافهم الطباعة، فأخذوا الحرف المتحرّك وطوروه، وسبقوا بذلك تطوّر الخطّ العربي، خصوصاً بالأحرف غير المتصلة».

يستقطب الخطّ العربي اليوم شركات أجنبية كبرى، تعدّه المفتاح الذي يُدخلها أسواقاً خليجية وغيرها من بابها العريض، فاستخدمته في حملاتها الإعلانية لترويج بضائعها، منها نصوص وأغلفة وأعمال بصرية تُطلقها لإنجاح هذه الحملات. ويتابع: «أرى في الخطّ العربي مفتاحاً للوحدة العربية. حتى عندما نراه في لغة لا نفهمها، مثل الفارسية، نشعر بهذا القرب بيننا وبينها. أفتخر بهذا الخطّ الذي شهد تطوّراً تاريخياً طويلاً، عبر مساحات جغرافية واسعة».

يعدّد أنواع الخطّ العربي، من الكوفي والنسخ والرقعة والديواني وغيرها، ويُكمل: «جمال الخطّ العربي يُخبرك تلقائياً بتاريخه الجغرافي والوقت الذي استغرقه ليثبت مكانته في الثقافات العربية. عندما نراقب تطوّر هذا الخطّ والمراحل التي مرّ بها، نكتشف بموازاة ذلك مدى علاقته الوطيدة بحقبات تاريخية. وقد شكّل واحدة من حركات القوة (باور موف) عند السلاطين والحكام، فاستخدموه لحفر أسمائهم في التاريخ، من خلال نقود معدنية وجدران معالم أثرية وغيرهما. أستوحي من هذه المَشاهد التي تأثّرتُ بها ركائز للفنّ الذي أعمل في مجاله، فلكل خطّ روحه وشخصيته لعَكْس مدى أهميته».

يتعاون مع متاحف ومعارض عالمية وعربية (صور الفنان)

اليوم، يترجم وائل مرقص تطويره للخطّ العربي بتصاميم حديثة يطبعها فنّ الديجيتال. وعبر شركته التي أسَّسها في أميركا، «مرقص كي»، يخوض تجارب ناجحة مع شريكه جون كي: «بتنا على اتصال مباشر مع مراكز ثقافية خليجية وأخرى أجنبية تستحوذ أعمالنا على إعجابها».

وعمّا يتوقع للخطّ العربي في المستقبل، يختم: «لا يمكنني توقُّع ما ينتظره عالمياً، ولكنْ ثمة مستقبل زاهر في انتظاره بلا شكّ، لا سيما أنه يأتي في المرتبة الثالثة عالمياً لجهة انتشاره بعد الخطّين اللاتيني والصيني».