إنارة الشوارع ليلاً تُبطل تلذُّذ الحشرات بأكل أوراق الشجر

الضوء الاصطناعي وسط العتمة يزيد صلابة الوجبة لتعذُّر تناولها

الإنارة تُنغّص «موائد» الحشرات (شاترستوك)
الإنارة تُنغّص «موائد» الحشرات (شاترستوك)
TT

إنارة الشوارع ليلاً تُبطل تلذُّذ الحشرات بأكل أوراق الشجر

الإنارة تُنغّص «موائد» الحشرات (شاترستوك)
الإنارة تُنغّص «موائد» الحشرات (شاترستوك)

خلُص علماء إلى اعتقاد مفاده أنّ الضوء الاصطناعي قد يؤثر في البيئة الطبيعية للحياة النباتية عبر خَلْق عملية التمثيل الضوئي على مدار فترة ممتدّة.

وتوصّلت دراسة إلى أنّ ترك أضواء الشوارع مضاءة طوال الليل يتسبّب في وصول أوراق الأشجار إلى درجة من الصلابة، تجعل من المتعذِّر على الحشرات التهامها، الأمر الذي يُشكل تهديداً للسلسلة الغذائية.

ولاحظ العلماء أنّ تضرّراً من الحشرات يَظهر على الأشجار داخل النُّظم البيئية الحضرية أقل بكثير عن مثيلاتها في النُّظم البيئية الريفية. وأضاء البحث المنشور في دورية «فرونتيرز إن بلانت ساينس»، والذي نقلته «الغارديان»، على سبب مُحتمل وراء هذا التباين.

من جهته، قال القائم على الدراسة، شوانغ زهانغ، من الأكاديمية الصينية للعلوم: «لاحظنا أنه مقارنة بالنُّظم البيئية الطبيعية، فإنّ أوراق الأشجار في معظم النُّظم البيئية الحضرية تُظهر إجمالاً قليلاً من علامات الضرر الناجمة عن الحشرات، وراودنا الفضول لمعرفة السبب».

وأضاف: «في اثنين من أكثر أنواع الأشجار شيوعاً ببكين، أدّى الضوء الاصطناعي ليلاً إلى زيادة صلابة الأوراق وانخفاض مستويات أكل الأعشاب».

كان للضوء الاصطناعي من مصابيح الشوارع تأثير مدهش في أوراق الأشجار التي دُرِست. واختبر العلماء نوعين شائعين من أشجار الشوارع في العاصمة الصينية: أشجار الباغودا اليابانية وأشجار الرماد الخضراء؛ تتميّز الأولى بأوراق أصغر وأكثر نعومة تُفضّل الحشرات تناولها. واعتقد الباحثون أنّ النباتات في المناطق ذات المستويات العالية من الضوء الاصطناعي، قد تُركز على الدفاع بدلاً من النمو، مما يعني أنّ أوراقها ستكون أكثر صلابة، مع مزيد من المركَّبات الدفاعية الكيميائية.

ولاختبار الأشجار، اعتمدوا على 30 موقعاً لأخذ العيّنات على الطرق الرئيسية التي تُضاء عادةً بمصابيح الشوارع طوال الليل. وقاس العلماء مستوى الإضاءة في كل موقع، ثم اختبروا أوراق الأشجار للصلابة. وفي الإجمالي، اختبروا نحو 5500 ورقة لجهة خصائص الحجم والصلابة ومحتوى الماء ومستويات العناصر الغذائية والدفاعات الكيميائية...

عندما تكون الأوراق أكبر، فإنّ هذا يشير إلى أنّ النباتات وجّهت طاقتها إلى نمو الأوراق. أما إذا كانت صلبة وتحتوي على التانينات أو الدفاعات الكيميائية الأخرى، فهذا يشير إلى أنها خصَّصت طاقتها للدفاع عن نفسها.

واكتشفوا أنه كلما زادت الإضاءة، زادت صلابة الأوراق. وفي أكثر المناطق إضاءة ليلاً، كانت الأوراق صلبة جداً، ولم تَظهر أي علامة على وجود حشرات تمضغها.

وإذ لم يدرك الباحثون تماماً سبب حدوث ذلك؛ اعتقدوا أنّ الأشجار المُعرَّضة للضوء الاصطناعي يمكن أن تَطول مدّة التمثيل الضوئي لديها.

ومع أنّ الشجرة ذات الأوراق السليمة قد تكون أكثر متعة للبعض للنظر إليها، فإنّ هذا قد يكون مؤشّراً سيئاً يخصّ النظام البيئي.

عن ذلك، قال زهانغ: «الأوراق الخالية من أضرار الحشرات قد تجلب الراحة للناس، لكن ليس للحشرات. وينبغي الانتباه إلى أنّ أكل الأعشاب عملية بيئية طبيعية تحافظ على التنوُّع البيولوجي للحشرات».

وأضاف: «يمكن أن يؤدّي انخفاض معدّلات أكل الأعشاب إلى تداعيات متتالية على النظام البيئي، منها تراجُع أعداد الحشرات العاشبة، ما قد يؤدّي بدوره إلى انخفاض أعداد الحشرات المفترسة، والطيور آكلة الحشرات، وما إلى ذلك. تراجُع الحشرات نمط عالمي لوحظ على مدى العقود الأخيرة. وينبغي أن نولي هذا الاتجاه مزيداً من الاهتمام».


مقالات ذات صلة

«خيال صحرا» أحلام مكسورة والعبرة لمن اعتبر

يوميات الشرق في التحية الختامية لمسرحية «خيال صحرا» (المكتب الإعلامي)

«خيال صحرا» أحلام مكسورة والعبرة لمن اعتبر

وطن خباز يتألم ويحتضر، وأهله يئنون تحت حمل أحلامهم المكسورة، يعيشون الهواجس ويتنفسون العبثية، وعيبهم هو أنهم لا يقرأون تاريخهم.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مليونير ينصح الموظفين بـ«عدم الاستقالة من وظائفهم أبداً» مهما بلغت ضغوطهم النفسية (أ.ف.ب)

مليونير «تعرض للرفت مرات عدة» يوضح لماذا يجب ألا تستقيل أبداً

قدم مليونير هندي أميركي نصيحة للموظفين، قال إنها ساعدته على صنع ثروته والتقاعد مبكراً في سن الثلاثين، وهي «عدم الاستقالة من وظائفهم أبداً».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الأصوات النسائية في أجهزة الـ«جي بي إس» قد تدفع الرجال إلى المخاطرة أكثر في أثناء القيادة (رويترز)

دراسة: الأصوات النسائية في أجهزة الـ«جي بي إس» قد تزيد خطر وقوع حوادث السيارات

أشارت دراسة جديدة إلى أن الأصوات النسائية في أجهزة تحديد الموقع «جي بي إس» في السيارات يمكن أن تدفع الرجال إلى المخاطرة أكثر في أثناء القيادة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق خلال 10 دورات متتالية بين 1910 و1950 كانت الفنون جزءاً من المنافسات الأولمبية (الموقع الرسمي للألعاب الأولمبية)

يوم كانت الموسيقى والفنون منافسة «رياضية» في الألعاب الأولمبية

خلال الدورات الأولى من نسختها الحديثة، كانت الألعاب الأولمبية تشهد منافسات فنية في مجالات الرسم والموسيقى والنحت وغيرها، وكان الفائزون يُتوّجون بميداليات.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق الممثّل رايان رينولدز يحمل الكلبة بيغي (رويترز)

الكلبة «الأبشع» في بريطانيا تصبح نجمة في هوليوود

لم يتخيّل أحد أن تتحوّل الكلبة «الأبشع» في بريطانيا إلى نجمة هوليوودية

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«خيال صحرا» أحلام مكسورة والعبرة لمن اعتبر

في التحية الختامية لمسرحية «خيال صحرا» (المكتب الإعلامي)
في التحية الختامية لمسرحية «خيال صحرا» (المكتب الإعلامي)
TT

«خيال صحرا» أحلام مكسورة والعبرة لمن اعتبر

في التحية الختامية لمسرحية «خيال صحرا» (المكتب الإعلامي)
في التحية الختامية لمسرحية «خيال صحرا» (المكتب الإعلامي)

تحمل نهاية مسرحية «خيال صحرا» التي تُعرض على خشبة «كازينو لبنان» درساً قاسياً ومؤثراً، وتوصل رسالة واضحة يقول فيها كاتبها ومخرجها جورج خباز: «كنت أحلم بأن أكون قدوة، ولم أكن أعلم أنني سأصبح عبرة».

وطن خباز يتألم ويحتضر، وأهله يئنون تحت حمل أحلامهم المكسورة، يعيشون الهواجس ويتنفسون العبثية، وعيبهم هو أنهم لا يقرأون تاريخهم.

وفي «خيال صحرا» استعادة لشريط ماضٍ قريبٍ. اللبناني لا يزال يتقلّب بين صفحات حروبه منذ السبعينات حتى اليوم.

عملٌ مسرحي غني بعناصره الفنية يضع النقاط على الحروف. قد يختلط الأمر على مشاهد المسرحية. فبين الضحكة والابتسامة تطفو غرزات جروح عميقة، يحاول جورج خباز طمسها بكوميديا سوداء، ولكنه يبقى متمسكاً بغدٍ أفضل يعطينا الدرس تلو الآخر، والعبرة لمن اعتبر.

جورج خباز كاتب المسرحية ومخرجها وبطلها (المكتب الإعلامي)

«ممنوع التصوير» هي العبارة التي يزودك بها طاقم الاستقبال وأنت تبحث عن رقم مقعدك، فمنتج العمل طارق كرم يصرّ على قراره كي لا تنكشف قصة المسرحية وكواليسها. الجميع يلتزم وأجهزة الخلوي بقيت مطفأة. يتذكّر الجمهور لاشعورياً الجمهور أيام عرض مسرحيات البيكاديللي للرحابنة. عندما كان يعمّ الصمت ويركّز الناس على المسرحية وأبطالها.

بطلا المسرحية جورج خباز وعادل كرم يتوهجان على الخشبة. فهما ثنائي يطلّ على المسرح لأول مرة، يمثلان ويرقصان ويغنيان وكذلك يعرفان كيف يمسكان بزمام الأمور على الخشبة من دون مبالغة. جورج خباز متسلح بخبرات متراكمة يتفنن بالأستذة، في حين عادل كرم بحضوره الأخّاذ يثبت عن جدارة ماذا تعني كلمة بطولة عمل مسرحي.

يزوّد الثنائي خباز وكرم الحضور بجرعات درامية وكوميدية في آن. تهمّ دموعك بالسقوط على وجهك من شدة تأثرك بأداء خباز، فيتلقفها كرم بأسلوبه السهل الممتنع لينتشلك من الحالة. فهما ذابا بهذه الثنائية إلى حدّ الانصهار، فصارا وجهين مختلفين لعملة واحدة. نص يتألف من 162 صفحة، وقد حفظا دور بعضهما فيه عن ظهر قلب. وهو ما أتاح لهما فرصة إحراز ما يشبه لقاء القمم. ومن الند للند صنعا الفرق، فعرفا كيف يوصلان رسائل سياسية واجتماعية بسلاسة وإتقان.

الثنائي خباز وكرم نجحا في جذب جمهورهما العريض (المكتب الإعلامي)

تفتح ستائر المسرح على مشهدية بيروت المدمرة في حرب السبعينات. يجلس المسلحان كلٌ على كرسيه الجلدي المحاط بأكياس الرمل. فهما يحرسان خطوط التماس لمناطقهما. وعلى شاشة عملاقة تتوسط المسرح تظهر شاشتا تلفزة بالأسود والأبيض. واحدة منهما تمثل القناة «11» والثانية القناة «7». في إشارة إلى الصبغة السياسية التي ينتمي إليها المسلحان. فالحرب أفرزت يومها منطقتين: بيروت الشرقية والغربية. تدور أحداث المسرحية في ساعات هدنة تمّ خلالها وقف إطلاق النار. وبانتظار ما يمكن أن يصدر عن قمة بغداد العربية في ذلك الوقت بشأن وقف الحرب، يبدأ المشوار بين الصديقين اللدودين. فهما متأهبان، يحملان سلاحهما، حتى في فترة استراحتهما.

يلعب محتوى المسرحية البصري والسمعي على تحريك ذكريات الحرب اللبنانية عند المشاهد. يلجأ مخرجها خباز إلى محتوى بسيط، ولكنه ذو مدلول عميق. ويحرص خلالها على تقديم أكثر من تحية لشخصيات إعلامية وفنية من تلك الحقبة. يستهلها بالإعلامي الراحل عرفات حجازي يتلو نشرة الأخبار أثناء الحرب على القناة «7». وتكر السبحة بعدها عندما يذكر كل من خبّاز وكرم عمالقة الفن من منطقتهما.

ويتخلل حديثهما الطويل مواجهات بينهما بالكلام وبالسلاح. فهما يشكلان نموذجاً حيّاً عن طبيعة الحرب اللبنانية. تدور بين المسلمين والمسيحيين، والطرفان يحملان الود لبعضهما البعض. ولكنهما يرضخان لأوامر عليا صادرة عن سلطاتهما المتناحرة تطلب منهما التنازع. يغتنم خباز فكرة النزاع ليستخدمها في مشهدية مسرحية من نوع المضحك المبكي. ويطل على موضوع الاختلاف الوهمي المزروع بين الطرفين. فكل منهما يعدّ نفسه صاحب السلطة الأقوى في البلاد. وكلٌ منهما يسخر من مستوى حياة الآخر، إلا أن الحقيقة تبرهن بأنهما يتموضعان في مأزق واحد فُرض عليهما.

مشهدية الحرب عزّزها خباز بأدوات وإكسسوارات تذكرنا بتلك الحقبة. أكياس الرمل المبنية لحماية المقاتلين، كما جهاز الكاسيت الضخم لتبادل الرسائل الصوتية عن بعد. أحاديث حميمة وأخرى عامة تجري بين الطرفين. ولم ينسَ كاتب العمل التوقف عند ما يُسمّى بالطابور الخامس، فيطلق الرصاص في عزّ الهدنة ليُشعل أتون الحرب من جديد. يحاول الطرفان الإمساك به، ولكن من دون جدوى. فهو مرتاح لوضعه يصفّر غير آبه بنتيجة عمله.

مقارنة ساخرة تجريها المسرحية بين طرفي النزاع. فتمرّ على العادات والأزياء والنظافة والهندسة المعمارية لكل منطقة، فكل من المتقاتلَين يتباهى بأن منطقته هي الأفضل وستفوز بالسلطة في النهاية.

تستمر عروض المسرحية طيلة شهر أغسطس (المكتب الإعلامي)

العمل حدّدت أيام عرضه حتى نهاية شهر أغسطس الحالي، وعلى مدى 80 دقيقة يذهب مشاهده برحلة فنية تتلوّن بأسلوب خباز المسرحي. حركة دائمة وكلمة رشيقة ونكتة غير متوقعة ولوحات أخرى مؤثرة تلون «خيال صحرا». الجمهور يتفاعل معها تصفيقاً وضحكاً. ومرات كان يرافق كلمات قصائد يتلوها خباز بإيقاع تصفيق حار ونغمة.

موضوعات عدّة تتناولها المسرحية من حقبة حرب لا تزال آثارها ظاهرة حتى اليوم. فكما الوحدة والنزوح والضحايا وقلق المصير. كذلك فقدان الأمل والخسارات والانكسارات موضوعات تحضر في نص «خيال صحرا».

أكثر من مرة يلامس جورج خباز وعادل كرم مشاعر وأحاسيس جمهورهما عن قرب. مرة من خلال إخبارهم بأسباب انجرافهما وراء السلاح والحرب. ومرة أخرى من خلال حنينهما لرؤية أمهما.

تتطرّق «خيال صحرا» إلى أهمية الحب والعائلة في حياتنا. فالمقاتلان هربا من منزلهما بداعي البحث عمّن يقدّرهما ويشجعهما.

نهاية عبثية ومؤثرة في آن، تُسدل عليها ستارة المسرحية معلنة ختامها، ويكتشف مشاهدها أن عنوانها بحدّ نفسه يحمل رسالة مبطنة. فأن يبقى اللبناني يتفرّج على مآسيه ومعاناته وانقساماته، هو أمر لا يصلح لبناء وطن يحلم به.