ما إن يقرر الأزواج الطلاق حتى تبدأ حلقات انتقامية في مسلسل صراع الأقوى لا ينتهي، في المنزل وأروقة المحاكم، إذ يحشد كل طرف قواه من أجل محاربة الطرف الآخر، وانتهاز أي فرصة لكسب الجولة، من دون اعتبار لمصلحة الأبناء، ضحايا صراع آبائهم، والذين يدفعون ثمنه من خلال استقرارهم النفسي والاجتماعي ومستقبلهم الشخصي.
الأزواج الذين يتسمون بالصراع الشديد يصعب التعامل معهم بشكل كبير، فبعضهم يكون عدائياً، وبعضهم الآخر قد يكون عنيفاً. هؤلاء الأزواج يركزون بشكل كبير على الصراع، لدرجة أن المختص المعالج قد لا يتمكن من الحصول على فرصة للتحدث معهم. ولكن عندما يجلب الأزواج الذين يتسمون بالصراع الشديد أسلوبهم في الصراع إلى عملية الطلاق، يصبح التعامل معهم أكثر صعوبة.
تتفاوت الدراسات، لكن وفقاً لمقال نشر في مجلة «سيكولوجي توداي» فإن 20 في المائة من جميع الانفصالات تتسم بالصراع الشديد. أشار المقال إلى أن «الصراع الشديد» هو مصطلح غامض وشامل، يشير إلى الأزواج المطلقين الذين يتشاجرون بطريقة تختلف عن المعتاد، وأضاف أن الأزواج الذين يتسمون بالصراع الشديد يمكن تعريفهم بثلاثة أبعاد:
1- البُعد الموضوعي: الأزواج الذين يتشاجرون حول مسائل على غرار الممتلكات وحضانة الأطفال.
2- بُعد التكتيكات: الطريقة التي يحاول بها الأزواج حل المشكلات، سواء من خلال العدوان اللفظي، والإكراه الجسدي، أو عبر الإطار القانوني.
3- البُعد السلوكي: درجة المشاعر السلبية والعداء التي تصدر عن الزوجين، والتي قد يجري التعبير عنها بشكل علني أو سري. وقد وجد البحث الذي أجراه صاحب المقال أن كثيراً من الأزواج المطلقين الذين يتسمون بالصراع الشديد ينقلون صراعهم إلى مرحلة ما بعد الطلاق، والتشارك في تربية الأطفال. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعطيل الزيارات، وتشجيع الأطفال على اختيار طرف معين، وعموماً التسبب في زيادة التوتر لجميع أفراد الأسرة.
بعض الأزواج الذين يتسمون بالصراع الشديد يجعلون أطفالهم يتوسطون في خلافاتهم، في حين يقوم آخرون بإعطائهم دوراً أبوياً. جميع هذه العوامل قد تسهم في أن يواجه الأطفال مشكلات في العلاقات في المستقبل. ووفقاً لمركز «بيو للأبحاث»، فإن الأطفال الذين نشأوا مع والدين يتسمان بالصراع الشديد كانوا أكثر عرضة لأن تكون لديهم زيجات تتسم بالصراع الشديد أيضاً.
وبغض النظر عن مدى وعي الآباء بتأثير الصراع الشديد على أطفالهم، يصعب عليهم كبح سلوكهم تجاه بعضهم البعض، خاصة في عملية الطلاق. لكن كثيراً من الآباء المطلقين يريدون فعل كل ما بوسعهم لتجنيب أطفالهم الألم الزائد، لكن يبدو أنهم غير قادرين على التحكُّم في سلوكهم. حتى الأزواج الذين أقسموا على أن يكون انفصالهم سلمياً في مرحلة ما من عملية الطلاق، يفقدون الرؤية والسيطرة، ويتحوّل الأمر إلى معركة.
وفيما يلي بعض الأسباب التي تجعل من الصعب جداً تقليل درجة العداء في عملية الطلاق في العلاقات ذات الصراع الشديد:
1- الأسرة الأصلية: الأبناء الذين نشأوا مع آباء يتسمون بالصراع الشديد، خصوصاً أولئك الذين شهدوا عملية طلاق آبائهم العنيفة، يكونون معرضين لخطر تكرار هذا الاضطراب في زيجاتهم وحياتهم الشخصية. هؤلاء الأطفال نشأوا في منطقة حرب، والمعركة هي ما يعرفونه.
2- اختيار الشريك: الأبناء الذين نشأوا مع آباء يتسمون بالصراع الشديد قد يختارون شريكاً يُشبه والدتهم أو والدهم دون وعي. في كلتا الحالتين، يحصلون على مقاتل ماهر لمساعدتهم في تكرار نمط علاقة والديهم، حتى لا يحتاج أي من الشريكين إلى تغيير غير مألوف. إذا كان كلا الشريكين من عائلات مطلقة، فإن هناك فرصة أكبر لأن تنتهي العلاقة بانفصال شديد الصراع.
3- المحتوى: غالباً ما يتشاجر الأزواج حول القضايا أو المواضيع نفسها التي تشاجر حولها آباؤهم. على سبيل المثال، إذا كان والدا أحد الشريكين يتشاجران حول المال، فقد يكون لدى أطفالهما تاريخ من مشكلات المال. إذا كان السياق يتعلق بالجنس، فمن المحتمل أن يواجه الزوجان صراعاً مشابهاً مع الجنس. حتى الطلاق قد يكون شكلاً من أشكال التكرار.
4- العملية: من خلال التركيز على المحتوى، من المحتمل أن يهمل الزوجان اللذان يميلان إلى الصراع الشديد الاهتمام الكافي لعملية علاقتهما أو الديناميكية التفاعلية. لكن الشجار حول المحتوى غالباً ما يؤدي إلى حجج دائرية نادراً ما تكون قابلة للحل، تماماً كما كانت نادراً ما تكون قابلة للحل في أسرة أصل كل شريك. من المرجح أن يؤدي تعديل العملية إلى إيقاف الصراع الشديد. وينهي الأزواج بشكل روتيني علاقتهم، ويختارون الإطار القانوني عند الطلاق.