الطلّاب ذوو الاحتياجات الخاصة في أحضان الجامعة الأميركية ببيروت... لأنّ العلم للجميع

11 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة يتابعون برنامجاً أكاديمياً متخصصاً يمتدّ 3 سنوات (Next Step @ AUB)
11 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة يتابعون برنامجاً أكاديمياً متخصصاً يمتدّ 3 سنوات (Next Step @ AUB)
TT

الطلّاب ذوو الاحتياجات الخاصة في أحضان الجامعة الأميركية ببيروت... لأنّ العلم للجميع

11 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة يتابعون برنامجاً أكاديمياً متخصصاً يمتدّ 3 سنوات (Next Step @ AUB)
11 طالباً من ذوي الاحتياجات الخاصة يتابعون برنامجاً أكاديمياً متخصصاً يمتدّ 3 سنوات (Next Step @ AUB)

داخل حرم الجامعة الأميركية في بيروت، قاعةُ تدريسٍ غير اعتياديّة، كلُّ ما فيها على درجة عالية من الخصوصيّة. مثلُهم مثل أي طالبٍ جامعيّ، يقصد 11 تلميذاً هذا المكان يومياً. الفرق أنهم لا يحملون معهم الدروس والحقائب فحسب، بل حالاتهم الذهنية الخاصة التي تتنوّع ما بين التوحّد، ومتلازمة «داون»، والتأخّر العلمي، وغيرها من الصعوبات الذهنيّة. من خلال مثابرتهم هذه، يريدون التأكيد لأنفسهم وللمجتمع أنّ حياة ذوي الاحتياجات الخاصة لا تتوقّف عند حدود التعليم المدرسيّ، وهي ليست مُقدَّرة للبقاء أسيرة جدران المنزل.

انطلق برنامج «Next Step @ AUB» (مسيرتُنا إلى الأمام) عام 2014. بدأ فكرةً لمعت في رأس أمٍ لم تُرِد لابنتها التي تعاني من متلازمة «داون» أن تُحرَم من التجربة الجامعيّة، وأن تتحصّن بالتالي لخوض مجال العمل، والاندماج في المجتمع.

تتنوّع حالات الطلّاب الذهنية ما بين التوحّد ومتلازمة «داون» والتأخّر العلمي (الشرق الأوسط)

من مدارس الدمج إلى مقاعد الـAUB

اكتملت الفكرة بالحصول على رخصة ممارسة من مؤسسة جامعية في الولايات المتحدة، وتُوّجت عام 2016 بتوقيع اتفاقية تعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت. في خطوة كانت الأولى من نوعها في لبنان، فتحَ الصرح الأكاديميّ العريق أبوابه للطلّاب الجدُد الآتين من المدارس اللبنانية التي تعتمد الدمج، وذلك ضمن إطار برنامجه الخاص بالتعليم المستمر.

«لا يمكنك أن تتصوّري مدى الفرح والاعتزاز الذي يشعر به طلّابنا لمجرّد أنهم ينتمون إلى صرحٍ كهذا. يعرّفون عن نفسهم قائلين: أنا AUB». تروي مديرة البرنامج منى آغا مكتبي لـ«الشرق الأوسط» مبادرة الجامعة الأميركية في بيروت إلى احتضان فكرة كهذه وإلى أخذ هذا التحدّي على عاتقها، منحَ المشروع قيمةً أكبر وسمحَ للطلّاب بأن يختبروا تجربة الدمج الجامعيّ بكل تفاصيلها؛ من الاختلاط والتفاعل مع أترابهم الأصحّاء، إلى الاستماع لمحاضرات أساتذة الجامعة، مروراً بالعمل في مكتبة الجامعة والكافتيريا، وليس انتهاءً بفرحةِ التخرّج.

يختبر الطلّاب تجربة الدمج الجامعي بكامل تفاصيلها (Next Step @ AUB)

توضح مكتبي: «صحيح أنّ البرنامج كيان مستقلّ عن الجامعة، لكنّ الطلّاب هنا يختبرون البيئة الجامعيّة الحقيقية وهذا يعود عليهم بفائدة كبيرة، إلى جانب الدروس والتدريبات التي يتلقّونها طبعاً».

مهارات مواجهة الحياة

يداوم الطلّاب من الاثنين إلى الجمعة مقابل أقساط جامعيّة يسدّدها ذووهم، فـ«البرنامج ليس مبادرة خيريّة»، وفق مكتبي. بإشراف مدرّساتٍ متخصصات في التربية وفي علم النفس، يتدرّبون على مختلف أنواع المهارات. يمتدّ البرنامج التعليمي على 3 سنوات لن يخرج بعدها الطلّاب حاملين شهاداتٍ في الهندسة ولا في الحقوق ولا في الطبّ، إنما سيكونون متمكّنين من المهارات الحياتيّة والنفسية والوظيفيّة.

يركّز البرنامج التعليمي على المهارات الحياتيّة والنفسية والوظيفية (Next Step @ AUB)

تشرح مكتبي أنه جرى اعتماد منهاج يؤهّل التلاميذ كي يصبحوا فور تخرُجهم أفراداً منتجين ومستقلّين وقادرين على استلام وظيفة. يجري التعامل مع كل طالب حسب قدراته، لكنّ الأساسيات مشتركة. في صفوف المهارات الحياتيّة، يتعلّمون مثلاً أن يديروا شؤونهم الخاصة والعائلية والمنزلية كأن يعدّوا الطعام لأنفسهم. يتدرّبون كذلك على التعامل مع النقود، «كي لا يتعرّضوا للغشّ وكي يُحسنوا التعامل مع رواتبهم ومصاريفهم لاحقاً»، تقول مكتبي.

أما دروس المهارات النفسية فتُعدُّهم لمواجهة المشاكل وحَلّها، وللسيطرة على مشاعرهم السلبيّة، وللتواصل مع الآخرين، ولاتّخاذ القرارات. خلال هذه الساعات التي تشكّل جزءاً أساسياً من البرنامج، يتعلّم الطلّاب كذلك التعامل مع التنمّر وكل أنواع المضايقات اللفظية والجسديّة التي قد يتعرّضون لها. يُستكمل هذا التحصين النفسي والمجتمعي بصفوف العلاج بالفنون والموسيقى، وبحصص الرياضة.

في إطار المهارات الوظيفية يخضع الطلّاب لتدريباتٍ عمليّة في مجموعة من المؤسسات والشركات (Next Step @ AUB)

صنعت تلك الدروس فرقاً إيجابياً لدى الطلّاب، من بينهم ميساء التي انضمّت إلى البرنامج قبل سنتَين وهي تعاني حالةً من «الصمت الإراديّ» جرّاء صدمة تعرّضت لها خلال حرب 2006 في لبنان. تتحدّث مكتبي عن تطوّرها قائلةً: «كنّا نحدّثها ولا تتجاوب، ثم عاد إليها الكلام تدريجياً وهي اليوم تتولّى تقديم جلسات تعريف عن برنامجنا أمام 300 شخص».

من قاعات الدرس إلى ساحات العمل

ولأنّ أهمّ أهداف البرنامج إيصالُ الطلّاب إلى قطاع العمل، يُخصَّص يومان في الأسبوع للمهارات الوظيفيّة. يخرجون من الصفّ برفقة المدرّسات، ويقصدون مؤسسات وشركات تفتح لهم أبوابها بهدَف التدرّب. من بين تلك المؤسسات، فنادق ومطاعم وسوبرماركت يختبر فيها ذوو الاحتياجات الخاصة مجال العمل للمرة الأولى. «التدريب المهني عبارة عن 20 ساعة في مكان العمل الواحد تحت مراقبة المدرّسات وأصحاب العمل. ثم يجري تقييم التجربة وإعطاء الملاحظات للطالب، من دون تَساهُل ولا مسايرة»، تشرح مكتبي.

يخضع الطلاب لتدريبات مكثّفة في أماكن العمل (Next Step @ AUB)

بعد 8 سنوات على انطلاق المشروع، تحقّقت إنجازات كثيرة من بينها أن المؤسسات والشركات هي التي باتت تبادر إلى التواصل مع المسؤولين عن البرنامج، من أجل توظيف الطلّاب. «هذا ما عاد زمن إخفاء ذوي الاحتياجات الخاصة عن العيون، إنه عصر الوعي المجتمعي بدورهم وقيمتهم»، تقول مكتبي.

قبّعات التخرّج

من بين الإنجازات التي أثّرت كثيراً في الطلّاب أنّ أول دفعة منهم وقفت عام 2020 على أدراج الجامعة الأميركية، وبين الأيادي شهاداتٌ تحمل ختم الـAUB.

حفل تخرّج الدفعة الأولى من الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصة في الجامعة الأميركية في بيروت (Next Step @ AUB)

إلّا أن الرحلة لم تنتهِ مع رمي قبّعات التخرّج في الهواء، فالبرنامج يأخذ على عاتقه متابعة مسار الطلّاب ومساعدتهم في العثور على وظائف. «دخل 7 من أصل 10 سوق العمل»، تؤكّد مكتبي. توزّعوا بين وظائف إداريّة وأخرى خدماتيّة كالمطاعم والحضانات وجمعيّات المجتمع المدني.

تؤكد مكتبي أنّ تقبّل البيئة المحيطة لهم يتوازى أهميةً والعثور على وظائف. هي الآتية من خبرة طويلة في حقل التدريس، تقول إنها تعلّمت الكثير من الطلّاب ذوي الاحتياجات الخاصة. «علّموني أنه لا يوجد شيء مستحيل وأنّ الإرادة الصلبة والعمل الدؤوب يحقّقان المعجزات. بفَضلهم عرفت أن التركيز على الهدف يؤدّي إلى تحقيقه».


مقالات ذات صلة

البنك الإسلامي للتنمية يقدم تمويلات بـ575.63 مليون دولار للدول الأعضاء

الاقتصاد جانب من اجتماع مجلس المديرين التنفيذيين (البنك الإسلامي للتنمية)

البنك الإسلامي للتنمية يقدم تمويلات بـ575.63 مليون دولار للدول الأعضاء

وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الإسلامي للتنمية، برئاسة الدكتور محمد الجاسر، على تمويل بقيمة 575.63 مليون دولار لتعزيز التعليم والطاقة والترابط الإقليمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
تكنولوجيا بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا طلاب الطب الأفغان يحضرون امتحاناتهم النهائية في كلية طب بختر في كابل، أفغانستان، 05 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

فرنسا تندد بمنع «طالبان» الأفغانيات من الالتحاق بالمعاهد الطبية

دانت فرنسا قراراً نُسب إلى حكومة «طالبان» يمنع التحاق النساء الأفغانيات بمعاهد التمريض، واصفةً هذه الخطوة بأنها «غير مبررة».

«الشرق الأوسط» (باريس - كابل)
المشرق العربي حرم الجامعة الأميركية بالقاهرة الجديدة (موقع الجامعة)

تبرع آل ساويرس للجامعة الأميركية بالقاهرة يثير جدلاً «سوشيالياً»

أثار الإعلان عن تبرع عائلة ساويرس، بمبلغ ضخم للجامعة الأميركية في القاهرة، جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.

محمد عجم (القاهرة)
آسيا فتيات أفغانيات في الطريق إلى المدرسة في كابل (متداولة)

«طالبان» تغلق المعاهد الطبية أمام النساء في أحدث القيود

أصدر بشكل فعال زعيم «طالبان» الملا هبة الله آخوندزاده توجيهاً جديداً يمنع النساء من الالتحاق بالمعاهد الطبية؛ ما يقطع فرص التعليم الأخيرة المتاحة أمام النساء.

«الشرق الأوسط» (كابل (أفغانستان))

إجبار راكب على التخلي عن مقعده بالدرجة الأولى في الطائرة... من أجل كلب

صورة نشرها المسافر للكلب على موقع «ريديت»
صورة نشرها المسافر للكلب على موقع «ريديت»
TT

إجبار راكب على التخلي عن مقعده بالدرجة الأولى في الطائرة... من أجل كلب

صورة نشرها المسافر للكلب على موقع «ريديت»
صورة نشرها المسافر للكلب على موقع «ريديت»

أُجبر أحد ركاب شركة «دلتا للطيران» على التخلي عن مقعده الفاخر في الدرجة الأولى لمسافر آخر، اكتشف فيما بعد أنه كلب، الأمر الذي أثار غضبه ودهشته.

وبحسب صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية، فقد كتب المسافر الذي يدعى بن بوب على منصة «ريديت»، أمس (السبت): «لقد تمت ترقية تذكرتي إلى الدرجة الأولى في طائرتي التابعة لشركة (دلتا للطيران) هذا الصباح، ولكن بعد 15 دقيقة تم تخفيض درجتي ومنحي مقعداً أسوأ من ذلك المحدد لي سابقاً».

وأضاف: «حسناً، لقد كنت مستاء من هذا الأمر، ولكنني قررت أن أتجاوز الأمر وصعدت على متن الطائرة لأرى هذا الكلب في مقعدي من الدرجة الأولى. أنا مندهش وغاضب للغاية».

وأرفق بوب المنشور بصورة تظهر الكلب وهو جالس في المقعد الذي كان من المفترض أن يكون له.

واتصل بوب بخدمة عملاء شركة «دلتا للطيران»، ليتم إخباره بأن أي راكب بشري قد يتعيَّن نقله لمقعد آخر ومن درجة لأخرى «من أجل الحيوانات الخدمية»، وأن الشركة «لا تستطيع فعل أي شيء» في مثل هذه المواقف.

وتعليقاً على ذلك، قال خبير السفر غاري ليف: «أنا حقاً لا أفهم منطق شركة (دلتا للطيران) في إجبار راكب على التخلي عن مقعده بالدرجة الأولى لمنحه لكلب».

ولفت ليف إلى أن «شركة (دلتا للطيران) يبدو أنها تنحاز عموماً إلى الكلاب»، مشيراً إلى حالات أخرى تم فيها طرد أحد ركاب الدرجة الأولى لإفساح المجال لكلب دعم عاطفي و4 حقائب يد، هذا بالإضافة إلى السماح للكلاب بالجلوس والأكل على طاولات الطعام فيما تُسمى «صالات دلتا ون» بالمطارات.