إذا مرضت الأرض فنحن سنمرض أيضا !؟

إذا مرضت الأرض فنحن سنمرض أيضا !؟
TT

إذا مرضت الأرض فنحن سنمرض أيضا !؟

إذا مرضت الأرض فنحن سنمرض أيضا !؟

من المرجح أن يكون العالم الأكثر سخونة عالما أكثر مرضا. حيث إن حمى الأرض المتزايدة لها تداعيات واضحة على صحة الإنسان مثل موجات الحر التي تكون أكثر سخونة؛ ما لا يمكن لعلم وظائف الأعضاء أن يتحمله. ومع ذلك، فإن خروج البشرية من المناخ المستقر الذي ورثته سوف يؤدي إلى مفاجآت أيضا. وقد تكون بعض هذه الأمراض موجودة بالفعل وتظهر في أماكن جديدة أو تنتشر بشراسة أكبر. فيما يخشى الخبراء أن تكون بعض الأمراض جديدة تمامًا.

عدوى الملاريا

تسببت عدوى الملاريا التي ينقلها البعوض بوفاة أكثر من نصف مليون شخص كل عام خلال العقد الماضي. وكان معظم هؤلاء الضحايا من الأطفال، وجميعهم تقريبًا (95 % في عام 2022) كانوا في أفريقيا.

وكمصدر للمرض، يمكن التنبؤ على الأقل بالبعوض المعدي وحاجته إلى ثلاثة أشياء هي درجات الحرارة الدافئة، والهواء الرطب، والبرك للتكاثر. وذلك وفق ما يذكر موقع «theconversations» العلمي المرموق.

ويقول خبيرا المياه والصحة مارك سميث (جامعة ليدز) وكريس توماس (جامعة لينكولن) «إن العلاقة بين المناخ وانتقال الملاريا معقدة وكانت موضوع دراسة مكثفة منذ حوالى ثلاثة عقود. وان دراسة تغير المناخ تتنبأ بالمكان الذي سيتكاثر فيه البعوض في المستقبل. وقد ركز قدر كبير من هذه الأبحاث على منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا؛ وهي المركز العالمي لحالات الإصابة بالملاريا والوفيات الناجمة عنها».

وفي هذا الاطار، قام سميث وتوماس بالجمع بين توقعات درجة الحرارة وحركة المياه لإنتاج تحليل على مستوى القارة لمخاطر الملاريا. وقد أظهرت نتائجهم أن ظروف انتقال الملاريا ستصبح أقل ملاءمة بشكل عام، خاصة بغرب أفريقيا. لكن، حيث ان من المرجح أن تكون درجة الحرارة والرطوبة مناسبة للبعوض المعدي في المستقبل، فمن المتوقع أيضًا أن يعيش الكثير من الناس، بالقرب من الأنهار . مبينين «ان هذا يعني أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يحتمل أن تتوطنها الملاريا (المناسبة لانتقال العدوى لأكثر من تسعة أشهر في السنة) سيرتفع بحلول عام 2100 إلى أكثر من مليار شخص. وفي أماكن أخرى، سوف تفلت الأمراض الاستوائية من روابطها مع بقاء الحشرات التي تحملها على قيد الحياة بعيدًا عن خط الاستواء. ويحدث هذا بالفعل في فرنسا، حيث ارتفعت حالات حمى الضنك خلال صيف عام 2022 الحار».

ويضيف مايكل هيد وهو زميل باحث كبير بالصحة العالمية بجامعة ساوثهامبتون «يبدو أن الأراضي المنخفضة في فينيتو الإيطالية بدأت تظهر كموطن مثالي لبعوض الكيولكس، الذي يمكنه استضافة ونقل فيروس غرب النيل».

حمى الضنك

قد لا تكون الأمراض الاستوائية في أوروبا نادرة؛ لكن الأبحاث تشير إلى أن انتقال الأمراض التي ينقلها البعوض مثل الملاريا وحمى الضنك على مستوى العالم سوف يتغير، حسب مارك بوث المحاضر الكبير بعلم الأوبئة الطفيلية بجامعة نيوكاسل. إذ ان الصورة التي يستحضرها واضحة من خلال نمذجة أكثر من 20 مرضًا استوائيًا في عالم يزداد حرارة.

وفي هذا يقول بوث «بالنسبة لمعظم الطفيليات الأخرى، لم يكن هناك سوى القليل من الأدلة أو لا يوجد دليل على الإطلاق». وأضاف «نحن ببساطة لا نعرف ما يمكن توقعه. ولماذا يجعل تغير المناخ التنبؤ بالأمراض الطفيلية أكثر صعوبة. كما انه ستجلب بعض الأمراض عذابًا جديدًا لأنواع المحاصيل التي يزرعها البشر». ورجح أنه «من المتوقع أن يصيب فيروس اللسان الأزرق، وهو فيروس ينتقل عن طريق البراغيث والأغنام في أماكن أبعد وسط أفريقيا وغرب روسيا والولايات المتحدة مقارنة بآسيا شبه الاستوائية وأفريقيا حيث تطور. كما ستتفاقم توقعات بعض الأمراض التي تصيب الإنسان».

وقد وجد أكاديميان بجامعة كاليفورنيا سانجاي سيسوديا عالم الأعصاب، ومارك ماسلين عالم نظام الأرض، أن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم أعراض بعض حالات الدماغ؛ حيث يرتبط تغير المناخ بتفاقم أمراض الدماغ وفق دراسة جديدة توصلت الى ان «كل واحدة من مليارات الخلايا العصبية في دماغنا تشبه جهاز كمبيوتر للتعلم والتكيف، مع العديد من المكونات النشطة كهربائيًا. وان العديد من هذه المكونات تعمل بمعدلات مختلفة اعتمادا على درجة الحرارة المحيطة، وهي مصممة للعمل معا ضمن نطاق ضيق من درجات الحرارة».

واستدرك سيسوديا وماسلين بالقول «إن هذا النوع الذي تطور في أفريقيا يشعر بالراحة بين درجة حرارة تتراوح بين 20 و26 درجة مئوية ورطوبة تتراوح بين 20 % و80 %. إذ يعمل دماغنا بالفعل بالقرب من الحد الأقصى لنطاق درجة الحرارة المفضل لديه في معظم الحالات...وكما يحدث مع درجات الحرارة والرطوبة القصوى المرتبطة بتغير المناخ، فإن دماغنا يكافح من أجل تنظيم درجة حرارتنا فيبدأ في الخلل».

كوكب واحد وصحة واحدة

من الواضح أن الحفاظ على الصحة ليس أمرًا بسيطًا مثل تنظيم ما تأكله أو عدد مرات ممارسة الرياضة. فهناك الكثير مما هو خارج عن سيطرتك المباشرة.

وفي هذا يقول أريندام باسو الأستاذ المشارك بعلم الأوبئة والصحة البيئية بجامعة كاليفورنيا وجامعة كانتربري «في أقل من ثلاث سنوات، أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) عن حالتي طوارئ للصحة العامة تثيران قلقًا دوليًا؛ كوفيد-19 في فبراير (شباط) 2020 وجدري القردة بيوليو (تموز) 2022. وفي الوقت نفسه، يتم الإبلاغ باستمرار عن الظواهر الجوية المتطرفة في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن تصبح أكثر تواتراً وشدة؛ هذه ليست قضايا منفصلة».

ويسلط باسو الضوء على خطر ظهور أمراض جديدة، خاصة من مسببات الأمراض التي يمكن أن تنتقل بين البشر والحيوانات مع تغير الموائل وسط ظاهرة الاحتباس الحراري.

ومن أجل معرفة سبب احتياجنا للجمع بين مراقبة الأمراض ونمذجة المناخ لاستباق الأوبئة المستقبلية يقول باسو «إن الاتصال الوثيق بين البشر والحيوانات البرية يتزايد مع تدمير الغابات لإفساح المجال أمام الزراعة واستمرار التجارة بالحيوانات الغريبة. وفي الوقت نفسه، يؤدي ذوبان التربة الصقيعية إلى إطلاق ميكروبات مختبئة تحت الجليد». وخلص الى القول «بما أن مسببات الأمراض تشترك بنفس النظم البيئية التي تصيب البشر والحيوانات التي تصيبهم بالعدوى، فإن هناك حاجة ماسة إلى مفهوم جديد للصحة؛ وهذا يجب أن يهدف إلى تحسين صحة الناس والحياة البرية والبيئة. إذ تكشف أزمة المناخ ارتباطاتنا التي لا تعد ولا تحصى بكل شيء وأهمها ضعفنا وهشاشتنا المشتركة على الكوكب الوحيد المعروف بإيوائه الحياة».


مقالات ذات صلة

​تركيا: تعديل حكومي محدود يشمل الصحة والبيئة

شؤون إقليمية مراد كوروم تسلم وزارة البيئة مجدداً من سلفه محمد أوزهسكي (حسابه على إكس)

​تركيا: تعديل حكومي محدود يشمل الصحة والبيئة

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تعديلاً محدوداً في حكومته بعد تكهنات شغلت الشارع خلال الأيام الماضية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
بيئة وصل معدّل حرائق الغابات إلى مستويات قياسية خلال النصف الأول من العام الحالي (أ.ف.ب)

​الأمازون البرازيلية شهدت خلال النصف الأول من 2024 أسوأ مستوى من الحرائق منذ عشرين عاماً

سجلت البرازيل 13489 حريقاً بغابة الأمازون خلال النصف الأول من العام الحالي في أسوأ مستوى منذ عشرين عاماً.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الاقتصاد مبنى منظمة التعاون الإسلامي (الشرق الأوسط)

مجلس البنوك الإسلامية يطلق أداة حساب غازات الدفيئة

أطلق المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية - عضو منظمة التعاون الإسلامي - مؤخراً دليل أداة حساب غازات الدفيئة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
آسيا منحدر خومبو الجليدي أسفل جبل إيفرست 1 مايو 2021 (أ.ف.ب)

ذوبان الرداء الأبيض يكشف عن مئات الجثث في جبل إيفرست

يؤدي تغيّر المناخ إلى ذوبان طبقات من الثلج والجليد على سفوح جبل إيفرست وكلّما خلع جزءاً من ردائه الأبيض تكشّفت بين صخوره جثث مئات المتسلقين.

«الشرق الأوسط» (كاتماندو)
علوم الطقس الحار يبسّط لغة الخطاب السياسي

الطقس الحار يبسّط لغة الخطاب السياسي

يقلل الأداء المعرفي للسياسيين


صلاح تيزاني لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد اهتمام وزارات الثقافة بإرث الفنانين

تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)
تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)
TT

صلاح تيزاني لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد اهتمام وزارات الثقافة بإرث الفنانين

تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)
تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)

يملك الممثل اللبناني صلاح تيزاني، المعروف فنياً باسم «أبو سليم»، رؤية مستقبلية ترجمها في أعماله الفكاهية طوال 70 عاماً. فأفكاره تناولت الموضوعات بأسلوب ساخر، وكانت سبّاقة. ويعزّز تميُّزه بأنه كان أول مَن اعتمد مجموعة فنانين كوميديين لتقديم أعماله، فلم يحصرها في شخصه فقط كما درجت العادة.

واليوم يسبق تيزاني عصره بوهبه أرشيفه الفنّي إلى مكتبة «جامعة الروح القدس - الكسليك». يقول لـ«الشرق الأوسط»: «فكّرتُ مليّاً في مصير أرشيف ضخم من نحو 2000 حلقة تلفزيونية وغيرها. وعندما عرضتُ على الجامعة وهبه لها، وافقت بلا تردُّد».

أسرَعَ «أبو سليم» في إنقاذ إرثه الفني وحفظه في المكان المناسب. فمؤخراً شهد بعض العالم العربي أرشيف عدد من نجوم الفن يُوزَّع على الفقراء أو يُرمى في المهملات. كما أنّ قلّة من الفنانين اللبنانيين تُراودها هذه الفكرة، فيجدونها مؤجَّلة حتى إشعار آخر أو يتجاهلونها تماماً.

يروي تيزاني قصة تواصله مع هذا الصرح الثقافي: «عرض عليَّ صديق الفكرة وأعجبتني. أنا اليوم على عتبة الـ96 عاماً. وبعد النقاش مع مسؤولين عن مكتبة الجامعة الثقافية والفنية، قرّرتُ وهبها أرشيفي بأكمله».

لم يحزن لتخلّيه عن سنوات عمره الفنّية بطرفة عين، فيوضح: «لم أتخلَّ عنها، بل وضعتها في مكان آمن. فهذه المكتبة شاسعة بُنيت لمقاومة الحرائق والمتفجرات. أبنائي أيضاً سُعِدوا بهذه الخطوة؛ فكيف كانوا سيتصرّفون بأرشيف ضخم يأخذ مساحة غرفة من منزلي؟».

وهب أرشيفه ليضمن بقاءه آمناً للأجيال القادمة (فيسبوك)

من أعمال تيزاني الشهيرة على الشاشة الصغيرة: «سيارة الجمعية»، و«أبو سليم 200»، و«كل يوم حكاية»، و«فندق السعادة». ومن مسرحياته المعروفة: «نعيم وفهيم»، و«المسافر». كما صوَّر أفلاماً سينمائية، بينها «أبو سليم في المدينة»، و«أبو سليم في أفريقيا».

يعتب على لبنان لعدم اكتراث مسؤوليه بفنانيه: «لا أعرف لماذا يهملوننا نحن الذين حفرنا بالصخر طوال سنوات لنرفع اسم الوطن عالياً. فوزارات الثقافة المتعاقبة لم تأتِ على ذكر أرشيف فنان واحد، ولم تفكّر في تقديم أي اقتراح بهذا الخصوص. إنهم أسوة بباقي المسؤولين، يتلهّون بمصالحهم فقط».

يتألّف أرشيف «أبو سليم» من آلاف الحلقات التلفزيونية لبرامج أضحكت أجيالاً من اللبنانيين، وتسجيلات صوتية وشرائط مصوَّرة لمسرحيات وأفلام سينما. يضيف: «لم يفكر أحدٌ من المسؤولين بنتاج عمر بأكمله في عالم الفنّ. ممتنٌّ لوجود صرح ثقافي أبدى اهتمامه بهذا الإرث. سهرتُ الليالي، وعملتُ بجهد، وبذلتُ كل ما في وسعي لأقدّم الفنّ الذي يليق ببلدي. ولكن وطني لم يفكر بي ولا بغيري».

يعطي أمثلة عن فنانين لبنانيين لم يبادر أحد لتلقُّف أرشيفهم: «لا شوشو، ولا نبيه أبو الحسن وغيرهما، فكّرت وزارات الثقافة في وطننا بأرشيفهم. فهذه الأعمال تُعدُّ تاريخاً تُصنّفه الدول الأجنبية كنزاً، فيُدرَّس في الجامعات وتُؤلَّف الكتب على أساسه».

ويخبر «أبو سليم» بفرح كيف كرّمته «جامعة الروح القدس»: «أصدرت كتاباً عن مسيرتي وأعمالي، وكرّمتني في حفل تخرُّج لطلابها بعنوان (دفعة الثبات)».

مع فريقه التمثيلي خلال أحد برامجه التلفزيونية (فيسبوك)

تسأله «الشرق الأوسط» عما إذا وهب أرشيفه من دون مقابل مادي، فيردّ: «يكفي أنّ هذا الصرح سيحافظ على جزء من ذاكرة التراث اللبناني الفكاهي المرتبط بي، وسيكون بمتناول الباحثين والطلاب. وقد نشرت لي الجامعة أيضاً بعض مسرحياتي في كتاب جديد، وقدّمت لي درعاً تقديرية عربون وفاء لمسيرتي وعطائي. وأخبروني بأنّ ورثة صلاح تيزاني سيستفيدون من هذا الأرشيف في حال استُعير أي جزء منه، فيعود إليهم بنسبة 60 في المائة من المبلغ الإجمالي الذي تحدّده الجامعة مقابل استخدامه، ليستفيد الصرح نفسه بنسبة 40 في المائة من المبلغ».

يتحدّث عن أهمية الثقافة لدى الأجيال: «إنها تراث يروي ذاكرة عريقة، وعليهم الاستفادة منه. حان الوقت ليشرق النور على ثقافتنا، فلا ينبغي أن تُهمَل أو يُنسى تاريخها. تأسيس مكتبة واحدة في بلادنا لاحتضان أرشيف فنانين لبنانيين هو واجب وحقّ. ومعها تكون بلادنا قد انطلقت في رحلة ثقافية وفنّية على الطريق المستقيم».

وكان تيزاني كُرِّم مؤخراً في «مهرجان الزمن الجميل»، وخلال اعتلائه المسرح لتسلُّم جائزته، تعثّر وسقط، فما لبث أن نهض من جديد متوجّهاً إلى الحضور: «لا تخافوا عليَّ، لا أزال أتمتّع بصحة جيّدة».