الدراما السودانية في رمضان... أي واقع تُحاكي؟

غياب كوادر فنّية جراء النزوح «يُكرّس الركاكة»

من مسلسل «عصب هش» المعروض حالياً (مواقع التواصل)
من مسلسل «عصب هش» المعروض حالياً (مواقع التواصل)
TT

الدراما السودانية في رمضان... أي واقع تُحاكي؟

من مسلسل «عصب هش» المعروض حالياً (مواقع التواصل)
من مسلسل «عصب هش» المعروض حالياً (مواقع التواصل)

جدلٌ متصاعد تثيره الأعمال الدرامية السودانية المعروضة عبر منصّات التواصل الاجتماعي في رمضان هذا العام، مُتسببة بنقد لاذع، وتساؤلات تتعلّق بالقضايا المُتناوَلة، وسط تنديد بـ«الجرأة» حيناً، وسذاجة الطرح أحياناً.

عُرفت الدراما السودانية مؤخراً بـ«جرأة» مقاربات تعكس واقع مجتمع يمرّ بالكثير. وفي هذا السياق، تؤكد الناقدة الفنية اشتياق عبد الله أنّ «الحرب تسببت بعجز القنوات التلفزيونية عن الإنتاج، لينتقل عرض المسلسلات إلى المنصّات الرقمية، مما يترك أثراً سلبياً أحياناً على الأعمال الدرامية، فتتعرّض لهجوم مباشر من المُشاهدين فور انتهاء الحلقة، مُتّهمين أبطالها بعدم احترام عادات المجتمع وتقاليده».

وتضيف: «المحتوى المُقدَّم في معظم الأعمال الدرامية المعروضة حالياً جدلي، لأسباب منها، الاهتمام بالأزياء والمكياج على حساب تقديم مضمون جيّد»، مشيرة إلى مسلسل «عصب هش» المعروض حالياً بالقول: «لا تُقرأ رسالته ولا القضية التي يودّ مناقشتها، فالانتقادات موجَّهة إلى أزياء الممثّلين دون سائر عناصره».

وعن مسلسل «قدر»، ترى عبد الله أنه نال انتقادات، لكنه في المقابل لقي إشادة البعض لتناوله تفاصيل في القرى السودانية. كذلك، تجد في مسلسل «آخر مدى» المعروض حالياً عبر المنصّات الرقمية انعكاساً لواقع يعيشه سودانيون في الاغتراب، وقد حظي بمتابعة «لا بأس بها، رغم عدم تسويقه بشكل جيّد»، وفق قولها.

وتابعت: «الدراما السودانية تواجه مصاعب في ظلّ الأوضاع الراهنة»، آملة من المنتجين والمخرجين «الاهتمام بطرح قضايا مُهمّة تُعنى بالواقع وتهتم بصناعة فنّ راقٍ».

وما بين رفض هذه الأعمال وتقبّلها، يُعلّق المخرج السوداني طارق الخندقاوي: «المتابع للمسلسلات المتشابهة لجهتَي الأفكار والجرأة، يدرك أنّ المحتوى تغيَّر جراء الانفتاح العبثي منذ 4 سنوات. فبعد الحرب، زاد السياق جرأة بصورة غير محببة لدى المُشاهد، بدليل تعليقات سلبية تنصح بعدم المُشاهَدة مراعاة للعائلة».

أما كاتبة السيناريو والمخرجة السودانية فتحية عمر بلة، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «رغم ثراء السودان بالتنوّع الثقافي، والطبيعة الخلّابة، والبيئة الخصبة، يبقى إنتاج الدراما شحيحاً؛ هي المولودة منذ أكثر من نصف قرن». وتعدّد الأسباب: «أهمّها التقلّبات السياسية التي تضع الدراما والفنون عموماً في أسفل الاهتمامات، بل ترفض أصحاب المؤهّلات والكفاءات الفنية، وتحاربهم، بذريعة مواقفهم السياسية، مما يعرقل تقدُّم هذه الصناعة وتطوّرها».

كاتبة السيناريو والمخرجة السودانية فتحية عمر بلة (مواقع التواصل)

وتضيف: «برزت جهود لإنتاج درامي، أخيراً، من بعض المهتمّين، خصوصاً الشباب، ولكن سرعان ما عطَّلتها الحرب، ودمَّرت قطاع الدراما ومبدعين فيه، بعدما قُتل بعضهم وتشرَّد أو نزح بعضٌ آخر»، مشيرة إلى أنّ «الروح المعنوية والإبداعية تبدّدت وسط النيران والمعاناة، ورغم ذلك، ثمة جهود لإنتاج دراما سودانية من خارج الوطن، تُبثّ عبر المنصّات الرقمية بسبب الحرب، وهو مؤشّر على رغبة المنتجين والمبدعين في إنتاج مزيد من هذه الدراما، مما يسهم في انتشارها، وزيادة عدد متابعيها».

وبينما ترى بلة إيجابيات لوجود أعمال درامية رغم الحرب، لا تفتها الإشارة إلى سلبيات تتمثّل في غياب كوادر مؤهَّلة من ممثلين ودراميين محترفين بسبب حركة النزوح، مما «يكرّس الركاكة».

كذلك تضيء على جانب لافت، وهو أنّ «المُشاهد السوداني لم يعد متلقياً فقط، بل ينتقد ويدرك متى ينحرف العمل عن مساره أو يشهد نوعاً من المبالغة في بعض مَشاهده، سواء في القصة أو الحوار أو الملابس أو الديكور، إلى محاكاة بعض الأجواء غير السودانية، حين يرى المنتج أو المخرج أنها قد ترفع المستوى الدرامي، ولكنّ المُشاهد السوداني يلمح فيها استخفافاً بنقل قضايا تمسّ شارعه».

تختم بلة بتمنٍّ: «إن يحافظ صنّاع الدراما السودانيون على اللون والنكهة السودانية، والموضوعية والحرفية، والرؤية العاكسة لوجه السودان المشرق».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

«آل شنب»... فيلم يجمع شمل عائلة متنافرة بعد حالة وفاة 

عدد من الأبطال في أحد مشاهد الفيلم (الشركة المنتجة)
عدد من الأبطال في أحد مشاهد الفيلم (الشركة المنتجة)
TT

«آل شنب»... فيلم يجمع شمل عائلة متنافرة بعد حالة وفاة 

عدد من الأبطال في أحد مشاهد الفيلم (الشركة المنتجة)
عدد من الأبطال في أحد مشاهد الفيلم (الشركة المنتجة)

من خلال مجموعة العائلة عبر «واتساب» تتواصل عائلة «آل شنب»، بعد شتات أبنائها الخمسة الذين نشأوا في الإسكندرية، وانتقل بعضهم إلى القاهرة بحكم الحياة وظروف العمل، تجتمع مجدداً لكن مع فقدان الشقيقات الأربع لشقيقهم الذي نكتفي بمعرفته من صوته، وهو الخال المحبوب من الجميع الذي لم ينجح في تكوين عائلة، لكنه يحتفظ بعلاقات جيدة للغاية مع أبناء وبنات شقيقاته.

وتنطلق شارة الفيلم عبر الرسائل التي توضح الاختلافات الموجودة سواء بين الأشقاء أنفسهم أو حتى طريقة تعامل أبنائهم مع المجموعة والاهتمام بتفاصيل ما يدور فيها من مناقشات حول أمور حياتية روتينية أحياناً.

وأحداث الفيلم الذي بدأ عرضه في مصر، الخميس 31 أكتوبر (تشرين الأول)، بعد تأجيل نحو عام، تدور في أقل من 100 دقيقة تتناول تفاصيل حياة العائلة أياماً عدة فقط، أربع شقيقات تقوم بأدوارهن، ليلي علوي، سوسن بدر، لبلبة، وهيدي كرم، بينما تنطلق الأحداث من الصراع بين ليلي علوي وابنتها التي تقوم بدورها أسماء جلال الموظفة في البنك، والتي تسعى لإرضاء والدتها طوال الوقت، وتخشى ردود أفعالها.

وتفاصيل كثيرة نعرفها خلال الأحداث عن حياة كل منهن، لكنها تفاصيل ليست كاملة عن جميع الشخصيات نتعرف عليها فقط من الأحاديث والمناقشات بينهن.

نقطة التحول الرئيسية في الأحداث هي لحظة الوفاة التي تبدأ من رحلة لاجتماع العائلة في منزل العائلة القديم بالإسكندرية، الفيلا التي لا تزال موجودة، وكان يعيش فيها الشقيق الراحل الذي قدم الأداء الصوتي لدوره بيومي فؤاد، لتبدأ رحلة الأبطال في منحنى آخر مرتبط بمواقف كوميدية وقعت بين الشقيقات طوال الأحداث، من بينها استعادة ذكريات في الماضي وتعليقات على مواقف في الحاضر.

اختلاف الطباع لدرجة التنافر لم يمنع أفراد العائلة من التعامل بشكل حضاري ومحاولة احتواء نقاط الخلاف باستمرار، فتظهر ليلى علوي السيدة القوية التي تطلب من الجميع الاستماع إلى كلامها، أما هيدي كرم فتظهر ضعيفة الشخصية أمام زوجها الذي يقوم بدوره خالد سرحان، ويحاول التدخل في أمور شقيقاتها لكن ليلى علوي تتصدى له.

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

على مستوى الأبناء لدى أسماء جلال حلم تسعى لتحقيقه بالسفر إلى اليابان والدراسة هناك، وهو الأمر الذي كانت تنتظر أن يبلغ خالها الراحل والدتها بشأنه، لكن وفاته المفاجئة تربك حياتها التي تسعى لاتخاذ خطوة جديدة فيها بترك وظيفتها في البنك، وهو موقف من عدة مواقف اضطر فيها الأبناء لمواجهة العائلة بشكل واضح للتعبير عن أفكارهم.

«آل شنب» هو ثالث تجربة لمخرجته آيتن أمين بعد تجربتيها «فيلا 69» و«سعاد» الذي عُرض بمهرجاني «كان» و«برلين».

وأبدت مخرجة الفيلم آيتن أمين حماسها لمعرفة انطباعات الجمهور عن الفيلم مع عرضه بالصالات لافتة إلى أن «الفكرة كانت لديها منذ فترة طويلة حتى جاء الوقت المناسب لتنفيذها».

وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها «عملت على اختيار فريق العمل بشكل دقيق لحرصي على اختيار الشخصيات المناسبة للسيناريو المكتوب»، موضحة أنها كانت حريصة على الاهتمام بأدق التفاصيل في ظل وجود صعوبات عدة لكثرة المشاهد التي يجتمع فيها الأبطال خلال الأحداث.

ويرى الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن «الفيلم يحتوي على (لكنة إيطالية) سربت إليَّ شعوراً بالاغتراب»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من كون العمل والأحداث مصرية فإنه يعطي انطباعاً بأنه (خيال مستورد)، وهو أمر لا يعني بالضرورة أن له مرجعية خارجية أو منقول من تجربة أخرى».

ويقول الناقد السينمائي المصري خالد محمود إن «الفيلم به مساحة من الكوميديا جيدة، ويصلح لمشاهدة العائلة»، مشيراً إلى أن «الشخصيات التي قدمها الفنانون في الفيلم لم تضف لأدوارهم السابقة، فهي تشبه أدواراً سبق أن قدموها».

وأضاف لـ«الشرق الوسط»: «يبدو أن آيتن أمين أرادت كسر الصورة النمطية عن تجاربها السينمائية السابقة، وهو حق مشروع لها، لكن في المقابل كنت أتوقع أن تقدم عملاً أقوى مما شاهده في (آل شنب)».

وظهر عدد من الشخصيات الرئيسية في الأحداث من دون إسهاب في خلفياتها وتفاصيلها، وهو الأمر الذي يفسره الشناوي على أساس أن الأحداث فرضته لكون المشاهد يدخل حياة العائلة لأيام محددة فقط، وبالتالي ليس بالضرورة أن يتعرف على تفاصيل كل الشخصيات مع تعددها.