مسار تاريخي يقتفي أثر النبي في واحدة من رحلاته داخل المدينة المنورة، أضحى الآن مزاراً متاحاً ونافذة تطلّ عبرها على تاريخ بواكير الإسلام حيث بدأت الحكاية، وبنيت هذه القصة لبنة تلو أخرى على ثرى مدينة الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- في مسار مليء بالآثار الثمينة، وجولة تاريخية رصينة.
وفي رمضان من هذا العام، أطلق الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة أولى رحلات المسار بمشاركة ضيوف من مختلف دول العالم، اقتفوا أثر الرسول، وتحروا رؤية وتتبع وتأمل التفاصيل الجغرافية للمكان، وكابدوا مشاق الطريق، ومعاناة العبور إلى مرافئ السكينة النفسية وطمأنينة الإيمان، في تجربة فريدة تعيد إحياء المسار العريق بين المدينة المنورة وبدر، واستكشاف جمال المسارات التي سار عليها النبي الكريم، تجمع بين الإرث الديني والثقافي، وصممت لهواة المغامرات ومتتبعي التراث الغنيّ.
وتنطلق الجولة التاريخية الثرية من ميدان الملك عبد العزيز في المدينة المنورة إلى منطقة بدر التاريخية، عبر مسار يتضمن 40 موقعاً ومعلماً تاريخياً مرتبطة كلها بقصة بدر والأميال الحجرية الموجودة، بالإضافة إلى أكثر من 25 قرية وتجمعاً سكنياً على امتداد 175 كيلومتراً، يكتشف المشارك فيها عمق التاريخ، وأطلال المكان الذي ذرعه الرسول في رحلته، ومكان مباته، ومشارف وصوله حيث موقع الغزوة التي انطبع أثرها في تاريخ المسلمين، وبقيت تفاصيلها شاهدة على صدق الإيمان، والتوكل، والصبر لنيل المراد.
مسار زاخر بالملاحم والقصص
تبدأ الرحلة من ميدان الملك عبد العزيز في المدينة المنورة الشاهد على سلسلة زيارات الملك المؤسس وهو يرعى شؤون المواطنين وضيوف الرحمن، ويتتبع أحوالهم، قبل أن تتجه إلى أولى المحطات بين سفوح وادي ملل، وهو أحد أودية المدينة المنورة، والمكان الذي استراح فيه النبي وهو متجه في طريقه إلى المعركة، واكتسب ملل اسمه من طبيعته، حيث تقلّ فيه الرمال، ويكثر الحصى والصخور، ولهذا كانت الإبل تجلس في الوادي وتتململ أي تميل في وضعية جلوسها من جهة إلى أخرى. ثم تواصل الرحلة في مسار بدر، ليكتشف المشاركون عمق التاريخ عند شرف روحاء، وفيها صلّى النبي -عليه الصلاة والسلام- وبات ليلته أثناء رحلته إلى بدر، وقد ارتبطت تاريخياً بكثير من الأحداث، وكانت محطة تاريخية للقوافل في عهد النبوة، وبها بئر مشهورة باسمها.
ويواصل المسار طريقه إلى خيف الحزامي، وهي قرية في وادي الصفراء شهدت أطلالها مرور النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في طريقه إلى بدر، وهي مجموعة من المزارع وأحواض النخيل تمر عبرها قنوات العيون وسواقيها التي تنعم بمياهها العذبة الوفيرة. وتمتد المسيرة إلى وادي ذفران حيث بات فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل آخر ليلة من وصوله إلى موقع الغزوة، وفيه حفرت بئر في موضع صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- أثناء ذهابه إلى المعركة، حيث تنتهي الرحلة عند موقع غزوة بدر التي شهدت أرضها أولى معارك المسلمين في السنة الثانية للهجرة، ويستحضر الزائر على ثراها المشاعر التي ملأت أجواء المعركة حتى لحظة انتصار جيش النبي محمد -عليه الصلاة والسلام. وتضم مدينة بدر مواقع إسلامية مهمة ارتبطت بالغزوة، من بينها العدوة الدنيا، وهي جبل رملي نزل به الرسول -عليه الصلاة والسلام- في بداية الأمر، ويبعد كيلومترا واحدا شمال غربي بدر، والعدوة القصوى تبعد نحو 3 كيلومترات عن بدر، وتشير إلى الجبل الذي اتخذه الأعداء منزلًا لهم، ومسجد العريش، الذي منح اسمه من استعمال المسلمين لعريش النخل، ليستظلوا به من حرارة الشمس، كما أنه مكان صلى فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومقبرة لشهداء المعركة.
أولى رحلات المسار بمشاركة دولية
واختتمت في رمضان من هذا العام أولى رحلات «مسار بدر» التي استغرقت نحو 4 أيام سيراً على الأقدام، وباستخدام الجِمال، ومشاركة أكثر من 25 رحالاً من السعودية، وأميركا، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا، وماليزيا، وإندونيسيا، وعدد من الدول العربية، حيث توقفت الرحلة في أول أيامها بوادي ملل، في حين كان المبيت ثاني أيام الرحلة عند بئر الروحاء، وفي اليوم الثالث وقفت الرحلة في خيف الحزامي من وادي الصفراء، وفي اليوم الرابع توقفت الرحلة في وادي ذفران، ووصلت مع ختام اليوم إلى منطقة بدر التاريخية. ويُعنى مسار بدر من خلال الرحلات التي بدأ إطلاقها بتوثيق معالم السيرة النبوية، ويعكس الأهمية التاريخية التي تتمتع بها منطقة المدينة المنورة، ويسهم في تحقيق الأثر الاقتصادي والتنموي المستدام، في حين تعتزم الهيئة طرح فرصة المشاركة في رحلات «مسار بدر» خلال الفترة المقبلة عبر منصة «روح المدينة» بالشراكة مع القطاعين الخاص وغير الربحي، وذلك ضمن مشاريع تأهيل وتفعيل مواقع التاريخ الإسلامي والوجهات الإثرائية التي تسهم في إثراء التجربة الدينية والثقافية لزوار المدينة المنورة وقاصدي المدينتين المقدستين.