كثيرة هي الحلويات المشهورة في مدينة صيدا جنوب لبنان، التي يقصدها اللبنانيون من كل حدب وصوب كي يستمتعوا بطعمها ونكهاتها. فكما «السنيورة» والـ«جزرية» كذلك «الحلاوي» و«راحة الحلقوم» و«المعمول مد» بالجوز والصنوبر... وغيرها، وجميعها تعد صناعات حرفية يتنافس أهالي صيدا على تقديمها في المناسبات والأعياد.
ويأتي «الملبن» في مقدمة أصناف الحلويات التي يجيد صنعها آل نقوزي في صيدا، وهم يتوارثونها منذ سنوات طويلة؛ بدأها الجد سليمان وعلّمها لابنه محمود الذي علّمها بدوره إلى نجله عبد القادر.
في ساحة النجمة، وبالتحديد في أسواق صيدا القديمة، يتجمع الصيداويون بالعشرات قبل موعد العيد بنحو أسبوع، فيشترونها كي يقدموها لضيوفهم أو يأخذوها هدية لشخص عزيز.
ليس من السهل تحضير هذه الحلوى؛ إذ يتطلب صنعها نحو شهرين. هذه السنة بدأ آل نقوزي في التحضير لها منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، يشترون الجوز بالجودة العالية، والمكونات الأخرى التي تدخل في صنع الملبن.
الجد جلبها من تركيا
يروي عبد القادر محمود النقوزي لـ«الشرق الأوسط» قصة هذه الحلوى وكيف وصلت إلى صيدا، قائلاً: «لقد جلبها جدي معه من تركيا التي كان يزورها أكثر من مرة في السنة برّاً، ووجد فيها صنفاً جديداً لا يعرفه الصيداويون، ومنذ ذلك الوقت قرر أن يصنعها بنفسه».
طور محمود النقوزي صناعة هذه الحلوى حتى إنه لونها بنكهات عدة كالعنب والتفاح والأناناس، أما الأشهر منها فهي تلك المنكّهة بمذاق المسكة. ويخبر عبد القادر «الشرق الأوسط» عن المراحل التي تمر بها هذه الحلوى قبل تجهيزها لبيعها في الأسواق، ويقول: «أولاً ما يجب أن نعرفه هو أن الملبن يتألف من مكونات الجوز والطحين والسكر والماء والمسكة. والمرحلة الأولى نستهلها بشك حبات الجوز بخيوط سميكة، ثم نصب عليها عجينة الملبن التي تستغرق وقتاً منّا لتحضيرها. فبعد أن تطبخ في وعاء نحاسي على النار، علينا تقليبها يومياً كي تصبح طبقاتها غير لزجة، ومن ثم نصبها على خيوط الجوز ونتركها كي تجف تماماً. أحياناً؛ إذا ما حلّ شهر رمضان الكريم في الشتاء، يتطلب منا الأمر وضعها تحت أشعة الشمس أو في مكان دافئ. وفي حال العكس، نضعها في غرفة مقفلة حيث تتعرض لهواء المراوح الكهربائية».
لا استخدام للآلة
يؤكد عبد القادر أن جميع المراحل التي يمر بها «الملبن» لا تستخدم خلالها الماكينات أو ما يشابهها، بل «أناملنا وحدها هي التي نستعملها في عجن خليط الملبن وفي تجفيفه. ومن ثم نقوم بتقطيعه وتغليفه بورق السلوفان كي يباع في محلاتنا».
أما المادة البيضاء التي يتم غمر «الملبن» بها قبل تغليفه، فهي عبارة عن مطحون الذرة المعروف بـ«النشا»؛ إذ «يحافظ بذلك على طراوته وجفافه بحيث لا يلتصق بأصابع اليد عند تناوله».
لا يعرف عبد القادر النقوزي ما إذا كان أولاده سيرثون حرفة صناعة هذه الحلوى مثله، ويقول: «أبنائي يدرسون في الجامعات والمدارس، ولا يبدون اهتماماً كبيراً بهذه الصناعة اليدوية. أتمنى يوماً أن يبدّلوا رأيهم ويطالبني أحدهم بتعلم هذه المهنة».
عادة ما يستيقظ صنّاع هذه الحلوى باكراً كي يضعوها تحت أشعة الشمس منذ الصباح الباكر، «نعلّقها على عربات (تكرّج) بواسطة عجلات، كي نستطيع تبديل المكان واللحاق بأشعة الشمس».
«بركة العيد»
يباع الكيلوغرام الواحد من «الملبن» بسعر 6 دولارات، وهي تكلفة، كما يوضح عبد القادر، تناسب جميع الفئات، «كل بيت صيداوي يحب أن يشتريها و(يضيّفها) بمناسبة عيدي الفطر والأضحى. والذي لا يملك القدرة على شراء كميات كبيرة منها، يكتفي بالقليل كي لا تغيب عن منزله. فهم يعدّونها بركة العيد ورمزاً من رموزه الشهيرة التي لا يستغنون عنها».
ويرى النقوزي أن حلوى «الملبن» يتناولها المحتفلون بالعيد بشهية كبيرة، قائلاً: «إنهم يشتاقون لطعمها من عام لآخر. لها طعم لا يشبه أي حلوى أخرى يتناولونها طوال شهر رمضان. فلا المفروكة ولا الكلاج ولا القطايف بالجوز والقشطة يمكنها أن تحل مكانها. طعمها اللذيذ يحمل الحنين لعائلات صيدا التي تربت على تذوقه من جيل إلى آخر».
البعض يعتقد أن «الملبن» هو نفسه حلوى «راحة الحلقوم»، ولكن عبد القادر يشرح: «لا أبداً؛ ليست نفسها، سيما أن هذه الأخيرة لا يدخلها الطحين. فطعم الملبن بالجوز يختلف تماماً عنها، ولا يمكننا مقارنتها براحة الحلقوم».
وللحفاظ على «الملبن» طازجاً، ينصح عبد القادر النقوزي بوضعه في مكان بارد، كي لا يتعرق بسبب الحرارة المرتفعة. أما تجهيزه في فصل الصيف فيتطلب وضعه في غرف مصنوعة من الألمنيوم تدور فيها المكيفات. ويعلق عبد القادر النقوزي قائلاً: «تكلفة حلوى الملبن لا تعوض بسعرها بتاتاً. فصناعتها تتطلب التعب والجهد، وهو ما لا يمكن تقديره بمبلغ من المال».